منتدى ميراث الرسول

هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.

    مكفرات الذنوب [ 1 ]

    avatar
    الرسالة


    عدد المساهمات : 223
    تاريخ التسجيل : 02/03/2014

    مكفرات الذنوب [ 1 ] Empty مكفرات الذنوب [ 1 ]

    مُساهمة من طرف الرسالة الخميس مايو 07, 2015 10:09 am

    مكفرات الذنوب [ 1 ] Eslam_13

    بّسم اللّه الرّحمن الرّحيم
    مكتبة الثقافة الإسلامية
    مكفرات الذنوب وموجبات الجنة
    مكفرات الذنوب [ 1 ] 1410
    ● [ الله يدعونا إليه ] ●

    الدلائل على حب الله تعالى لعباده في القرآن الكريم لا تحصى وأهمها : قبوله تعالى توبة العصاة ، والتجاوزعن سيئاتهم، والإنعام بالرضا، والحب بعد الغضب، ومن ذلك قوله تعالى : (وأن استغفروا ربكم ثم توبوا إليه يمتعكم متاعا حسنا إلى أجل مسمى ويؤت كل ذي فضل فضله).
    (استغفروا ربكم إنه كان غفارا. يرسل السماء عليكم مدرارا. ويمددكم بأموال وبنين ويجعل لكم جنات ويجعل لكم أنهارا).
    (ومن يعمل سوءا أو يظلم نفسه ثم يستغفر الله يجد الله غفورا رحيما) .
    (يا عبادي الذين أسرفوا على أنفسهم لا تقنطوا من رحمة الله إن الله يغفر الذنوب جميعا إنه هو الغفور الرحيم).
    (وَإِنَّ رَبَّكَ لَذُو مغَفِرَةٍ للنَّاِس عَلَى ظُلمِهِم).
    (إِنَّ اللهَ يُحِبُّ التَّوَّابِينَ وَيُحِبُّ المُتَطَهِّرِينَ).
    (أَفَلاَ يَتُوبُونَ إِلَى الله ويَستَغفِرونَهُ واللهُ غَفُورُ رَحيمٌ).
    (فَإِن تُبتُمُ فَهُوَ خَيرٌ لَكُم) .
    (ثُمَّ تَابَ علَيهِم لِيَتُوبُوا).
    (وَاستَغفِروا رَبَّكُم ثُمَّ تُوبُوا إلَيهِ إِنَّ رَبِّى قَرِيبٌ مُجِيبٌ).
    (وَتُوبُوا إِلى اللهِ جَمِيعاً أَيُّهَا المُؤمِنُونَ لَعَلَّكُم تُفِلحُونَ).
    (إِلاَّ مَن تَابَ وَآمنَ وَعَمِلَ عَمَلاً صَالِحاً فَأُلئِكَ يُبَدِّلُ اللهُ سِّيئَاتِهِم حَسَنَاتٍ وَكَانَ اللهُ غَفُوراً رَحِيماً).
    (فَأَمَّا من تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ صَالِحاً فَعَسَى أَن يَكونَ من المُفلِحِينَ).
    (حم تَنزِيلُ الكِتَابِ مِنَ اللهِ العَزِيزِ العَلِيم غَافِرِ الذَّنبِ وَقَابِلِ التَّوبِ).
    (وهُوَ الَّذِي يَقبَلُ التَّوبَةَ عَن عِبَادِهِ وَيَعفُو عَنِ السَّيِّئاتِ).
    (يَأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا تُوبُوا إِلَى اللهِ تَوبَةً نَصُوحاً) .
    (وَهَل نُجَازِى إلاَّ الكَفُورَ) . ؟ إلى آيات كثيرة تدعو الخاطئين إلى رحاب الله الودود الرحيم التواب الغفور، بعد ما بارزوه بالعصيان فسبحانه من متفضل منعم في حالي الطاعة والعصيان.
    وتدل الآيات على: أن الله تعالى يبسط يديه بالرحمة والمودة الفائضة على العباد ليقبل توبتهم، ويمحو سيئاتهم.
    ومن رحمته تعالى: أن يبدل سيئات التائب حسنات جزاء له على توبته ورجوعه إلى رحابه.
    التوبة والاستغفار باب من أبواب القوة والثروة والغنى للإنسان ماديا ومعنويا.
    ليس الله تعالى محبا للانتقام والتعذيب للمؤمنين ولكنه رحيم ودود للمؤمن الراجع إليه.
    لا يحل غضب الله حقيقة إلا على الكافر المصر على الكفر ، والمصر على الذنب، المستهتر بحرمات الله، أما النادم فهو قريب من رحمة الله، لقوله صلى الله عليه وسلم: الندم توبه.
    لقد علم الله الإنسان كلمات التوبة وأعمالها بعد أن عصاه: (فَتَلَقَّى آدَمُ مِن رَبِّهِ كَلِمَاتٍ فَتَابَ عَلَيهِ). فلا رحمة ولا مودة أعظم من ذلك، وما زال الرحمن الرحيم يبسط يديه إلى عباده ليقبل عنهم التوبة حبا لهم، وهو غنى عنهم.
    التوبة والإيمان والعمل الصالح باب الفلاح في الدنيا والآخرة .
    والرسول يرشدنا إلى الطريققال الله تعالى لرسوله الرءوف الرحيم صلى الله عليه وسلم: (وَمَا أَرسَلنَاكَ إِلاَّ رَحمَةً لِلعَالَمِينَ).
    وقال الله عنه صلى الله عليه وسلم: (لَقَد جَاءَكُم رَسُولٌ مِن أَنفٌسكٌم عَزِيزٌ عَلَيهِ مَا عَنتُّم حَرِيصٌ عَلَيكُم بِالمُؤمِنِينَ رَءٌوفٌ رَحِيمُ).
    وعليه فقد بعثه الله رحمة للمؤمنين وغير المؤمنين، وانفرد المؤمنون بالرأفة والحرص منه صلى الله عليه وسلم .
    ولهذا تكررت إرشاداته صلى الله عليه وسلم للناس أن يسرعوا بالتوبة من الذنوب، واستغفار الله إياها، رحمة بهم، ومن ذلك: أخرج مسلم عن أبى ذر عن النبي صلى الله عليه وسلم فيما يرويه عن ربه أنه قال:)يا عبادي،إنكم الذين تخطئون بالليل والنهار ، وأنا أغفر الذنوب جميعا فاستغفروني أغفر لكم(. وهذا معنى قوله تعالى: (لا تَقنَطُوا مِن رَحمةِ الله إِنَّ الله يَغفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعاً) وتنبيه إلى أن الخطأ من طبيعة الإنسان.
    واخرج مسلم عن أبى هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:)والذي نفسي بيده لو لم تذنبوا لذهب الله بكم، ولجاء بقوم يذنبون فيستغفرون الله فيغفر لهم(.
    وهذا لأن الذنب المقرون بالاستغفار فيه زيادة معرفة بالله، وإقرار بالعبودية له، والذل بين يديه، وذلك أحب إلى الله من طاعة مقرونة بالعجب والنسيان .
    وأخرج مسلم عن أبى هريرة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم فيما يحكيه عن ربه تعالى أنه قال: )أذنب عبدي ذنبا فقال: اللهم أغفر لي ذنبي. فقال تبارك وتعالى: أذنب عبدي ذنبا ، فعلم أن له ربا يغفر الذنب، ويأخذ بالذنب. ثم عاد فأذنب، فقال: اللهم أغفر لي ذنبي. فقال تبارك وتعالى: أذنب عبدي ذنبا، فعلم أن له ربا يغفر الذنب، ويأخذ بالذنب، اعمل ما شئت فقد غفرت لك(.
    وهذا الحديث شرح للحديث قبله، وإشارة إلى أن تلك المغفرة لغير المصرين على الذنوب، وإلى أنها لمن يحسن الخوف والرجاء على حقيقتهما. وهو مصداق قوله تعالى: (فَاعلَم أَنَّهُ لاَ إِلَهَ إِلاَّ الله وَاستَغفِر لِذَنبِكَ). وليس العلم بلا إله إلا الله سهلا كما يبدو، بل هو من أصول السلوك. فهو يقتضي أن يسلك المؤمن في حياته موقنا أنه لا نافع ولا ضار سواه، ولا يتوكل على أحد سواه، ولا يجزع إن قضى عليه بما لا يوافق هواه، ويوقن أن كل ما يرد عليه من القضاء فإنما هو خير .
    وأخرج مسلم عن جندب أن رسول الله صلى الله عليه وسلم حدث: )أن رجلا قال: والله لا يغفر الله لفلان، وأن الله تبارك وتعالى قال: من ذا الذي يتألى علي ألا أغفر لفلان؟ فإني قد غفرت له، وأحبطت عملك(.
    يتألى: يقسم. أحبطت: أبطلت ثوابه وإنما غضب الله على هذا الرجل لأنه حجر واسعا من رحمة الله، ولم يحب لأخيه ما يحب لنفسه.
    وأخرج أبو داود عن أبى هريرة قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: )كان رجلان في بنى إسرائيل متآخيين أحدهما يذنب، والآخر مجتهد في العبادة، فكان لا يزال المجتهد يرى الآخر على الذنب فيقول: أقصر فوجده يوما على ذنب فقال له: أقصر. فقال: خلني وربي، أبعثت على رقيبا؟ فقال: والله لا يغفر الله لك، أولا يدخلك الجنة. فقبض الله أرواحهما فاجتمعا عند رب العالمين. فقال لهذا المجتهد: أكنت بي عالما، أو على ما في يدي قادرا " ؟ وقال للمذنب: اذهب ادخل الجنة برحمتي. وقال للآخر: اذهبوا به إلى النار( قال أبو هريرة: والذي نفسي بيده لتكلم بكلمة أوبقت دنياه وآخرته.
    أقصر: كف عن ذنبك. أوبقت: أهلكت.
    والحديث شرح للحديث الذي قبله، وفيه بيان العلة في غضب الله على من يجزم بأن الله لا يغفر لإنسان مذنب.
    وأخرج الترمذي عن أنس بن مالك قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: قال الله تبارك وتعالى: )يا بن آدم، إِنَّكًَّ مَا دَعَوتَني ورَجوتَني غفرتُ لك على ما كان منك ولا أُبالي. يا بن آدم، لو بلَغت بك ذُنُوبُكَ عَنَانَ السَّمَاءِ ثم استغفرتني غفرت لك على ما كان منك ولا أُبالي. يا بن آدم، لو أَتَيتَني بِقُرَاب الأَرض خطايا، ثم لقيتَني لا تشرك بي شيئاً إِ أَتيتُك بِقٌرابِها مغفرة(.
    عنان السماء: أعلاها. قراب الأرض: ملء الأرض.
    وتلك المغفرة لأهل الدعاء والاستغفار والبراءة من الشرك الظاهر، والخفي.
    وأخرج مسلم عن الأغر المزني قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: )يأيها الناس، توبوا إلى الله واستغفروه، فإني أتوب في اليوم أكثر من سبعين مرة( وتوبة الرسول ليست من الآثام، وإنما هي من منازل المعرفة الله التي ارتقى عنها إلى أعلا منها ، فرآها ناقصة وكان دائم الارتقاء في المعرفة.
    وأخرج البخاري عن أبى هريرة قال: سمعت رسول الله صلى عليه وسلم يقول: )والله إني لأستغفر الله، وأتوب إليه في اليوم أكثر من سبعين مرة(.
    وأخرج مسلم وأحمد عن أنس بن مالك قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: )لله أشد فرحا بتوبة أحدكم حين يتوب إليه، من أحدكم كان على راحلته بأرض فلاة، فانفلتت منه وعليها طعامه وشرابه، فأيس منها، فأتى شجرة فاضطجع في ظلها، وقد أيس من راحلته، فبينا هو كذلك إذا هو بها قائمة عنده، فأخذ بخطامها، ثم قال من شدة الفرح: اللهم أنت عبدي وأنا ربك. أخطأ من شدة الفرح( .
    فلاة: لا نبات فيها. أيس: يئس. راحلته: ناقته. الخطام:الزمام .
    وأخرج مسلم عن أبي موسى الأشعري عن النبي صلى الله عليه وسلم قال:)إن الله يبسط يده بالليل ليتوب مسيء النهار، ويبسط يده بالنهار ليتوب مسيء الليل(.
    واليد وصف حميد نثبت ظاهرة لله تعالى، ونكل علم حقيقته إليه تعالى كما كان عليه الصحابة.
    وأخرج مسلم عن أبى هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: )من تاب قبل أن تطلع الشمس من مغربها تاب الله عليه(.
    وليس معنى هذا الدعوة إلى التسويف بالتوبة، بل هو إخبار عن الواقع في شأن العباد، وأن باب التوبة مفتوح حتى تظهر هذه العلامة التي لا ندري متى تظهر.
    وأخرج الترمذي عن صفوان بن عسال قال: ذكر النبي صلى الله عليه وسلم باباً من المغرب عرضه - أو مسيرة الراكب في عرضه - أربعون أو سبعون عاما قبل الشام، خلقه يوم خلق السموات والأرض مفتوحا للتوبة، لا يغلق حتى تطلع الشمس من مغربها.
    أخرجه الترمذي وقال: حسن صحيح وأخرج الترمذي وأبن ماجه بسند قوي عن أنس قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: )كل بني آدم خطاءون، وخير الخطائين التوابون(.
    وأخرج الترمذي وابن ماجه والدارمي عن ابن عباس وأنس أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: )لو كان لابن آدم واديان من ذهب لأحب أن يكون له ثالث، ولا يملأ فاه إلا التراب ويتوب الله على من تاب.
    والحديث يشير إلى أن المال سبب رئيسي من أسباب فساد الإنسان، واختلال توازنه، وضلاله في الدين.
    وأخرج البخاري ومسلم عن أبي سعيد الخدري عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: )كان فيمن كان قبلكم رجل قتل تسعة وتسعين نفسا، فسأل عن أعلم أهل الأرض، فدل على راهب فأتاه فقال: إنه قتل تسعة وتسعين، فهل له من توبة؟ فقال: لا. فقتله فكمل به مائة، ثم سأل عن أعلم أهل الأرض، فدل على رجل عالم. فقال: إنه قتل مائة نفس، فهل له من توبة؟ فقال: نعم، ومن يحول بينك وبين التوبة؟ انطلق إلى مدينة كذا وكذا، فإن فيها ناسا يعبدون الله، فاعبد الله معهم، ولا ترجع إلى أرضك، فإنها أرض سوء. فانطلق حتى إذا نصف الطريق أتاه ملك الموت، فاختصمت فيه ملائكة الرحمة وملائكة العذاب، فقالت ملائكة الرحمة: جاءنا تائبا بقلبه إلى الله. وقالت ملائكة العذاب: إنه لم يعمل خيرا قط. فأتاهم ملك بصورة آدمي فجعلوه بينهما حكما فقال: قيسوا ما بين الأرضيين فإلى أيهما كان أقرب فهو له، فقاسوه فوجدوه أدنى إلى الأرض التي أراد، فقبضته ملائكة الرحمة(.
    وفي رواية: )فكان إلى الأرض الصالحة أقرب بشبر، فجعل من أهلها(.
    وفي رواية: )فأوحى الله تعالى إلى هذه: أن تقربي وإلى هذه: تباعدي، وقال: قيسوا ما بينهما، وهو معنى قوله تعالى في الحديث القدسي: )سبقت رحمتي غضبي(. ودعوة من الله إلى الرجاء مع الإقلاع عن الذنب، فالرجاء هنا صحيح مستجاب.
    وأخرج البغوي في شرح السنة، قال لقمان الحكيم لابنه: )عود لسانك: اللهم أغفر لي. فإن لله ساعات لا يرد فيها سائلا(.
    وأخرج عن زيد بن أسلم: ) يؤتى برجل يوم القيامة فيقال: انطلقوا به إلى النار. فيقول: يا رب، أين صلاتي وصيامي؟ فيقول الله عز وجل: اليوم اقنطك من رحمتي كما كنت تقنط عبادي منها(.
    وعلى هذا درج كثير من الوعاظ في عصرنا الحاضر، وأهملوا الوجه المقابل، وهو: تحبيب الله إلى العباد، بذكر رحمته وسعتها مع الحث على التوبة.
    ● [ التوبة وحقيقتها ] ●
    قال رجال السلوك: التوبة أول منزلة من منازل السالكين، وأول مقام من مقامات الطالبين.
    وهي في لغة العرب: الرجوع. يقال: تاب، أي رجع. فالتوبة: الرجوع عما كان مذموماً في الشرع إلى ما هو محمود فيه.
    وأجمع العلماء على أن التوبة واجبة من كل ذنب.
    فإن كانت معصية بين العبد وبين الله تعالى، فلا تتعلق بحق آدمي، فلها شروط ثلاثة: أحدها: أن يقلع عن المعصية.
    الثاني: أن يندم فعلها.
    الثالث: أن يندم على ألا يعود إليها أبدا.
    فإن كانت معصية تتعلق بحق آدمي فشروطها أربعة هذه الثلاثة المتقدمة.
    والرابع: أن يبرأ من حق صاحبها.
    فإن كان مالا، أو نحوه رده إليه. وإن كان غيبة استحله منها.
    وإن كان حد قذف، أو نحوه مكنه من القصاص أو طلب عفوه.
    والتوبة واجبة على الفور من جميع الذنوب، فإن تاب من بعضها صحت توبته مما تاب منه، وبقى عليه ما لم يتب منه.
    ويقول الجنيد بن محمد البغدادي: التوبة على ثلاث معان: أولها: الندم. والثاني: يعزم على ترك المعاودة. والثالث: يسعى في أداء المظالم.
    وإن كان استحلال صاحب الحق يترتب عليه قتل المذنب كالاستحلال من الزنا، فيكفى الاستحلال العام، كأن يقول لصاحب الحق: سامحني فيما أخطأت في حقك.
    وقد تكلم العلماء في التوبة كثيراُ. ونذكر بعض أقوالهم توضيحا لحقيقتها.
    قال الأستاذ أبو علي الدقاق: التوبة على ثلاثة أقسام أولها: التوبة. وأوسطها: الإنابة. وآخرها: الأوبة.
    فقد جعل التوبة بداية، والإنابة وسطا، والأوبة نهاية، فمن تاب خوفا من ا لعقوبة فهو صاحب إنابة. ومن تاب استجابة للأمر، لا لرغبة في الثواب، ولا لرهبة من العقاب، بل حبا لله فهو صاحب أوبة، وهو أعلاها مقاما.
    وقال أبو القاسم القشيرى: التوبة صفة المؤمنين. قال تعالى: (وَتُوبُوا إِلَى الله جَمِيعاُ أَيُّهَا المُؤمِنُونَ) والإنابة صفة الأولياء والمقربين قال تعالى: (وَجَاءَ بِقَلبٍ مُنِيبٍ) والأوبة صفة الأنبياء والمرسلين. قال تعالى: ( نِعمَ العَبدُ إِنَّهُ أَوَّابٌ).
    وقال ذو النون المصري: توبة العامة من الذنوب وتوبة الخاصة من الغفلة عن ذكر الله، وتوبة الأنبياء من رؤية الأكوان.
    وعلى هذا أيضا يفسر قوله صلى الله عليه وسلم: ) فإني أتوب إلى الله كل يوم مائة مرة (.
    وقال الجنيد البغدادي: التوبة: أن تقبل على الله بالكلية كما أعرضت عنه بالكلية. ويؤيده قوله تعالى: (إِلا مَن تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ عَمَلاً صَالِحاُ).
    وقال سهل بن عبدالله: التوبة هي: الندم والإقلاع والتحول عن الحركات المذمومة إلى الحركات المحمودة. وهو معنى حديث ابن مسعود عن النبي صلى الله عليه وسلم: )الندم توبة(. وهو في مسند الإمام أحمد.
    والله تعالى يسعف العبد بالعون والتوفيق إلى التوبة التي تحركت نفسه إلى تحقيقها، وتشوقت إليها، وضاقت بما هي عليه من ذنب. وقد بين القرآن الكريم ذلك في قوله تعالى: (وَضَاقَت عَلَيهِمُ الأَرضُ بِمَا رَحبَت وَضَاقَت عَلَيهِم أَنفُسُهُم وَظَنُّوا أَن لاَ مَلجَأَ مَن الله إِلاَّ إِلَيهِ ثُمَّ تَابَ عَلَيهِم لِيَتُوبُوا).
    ولهذا قال رويم البغدادي: التوبة هي إسقاط رؤية التوبة. أى إسقاط رؤيتها صادرة من نفس المسلم، بل منه من الله إليه، وهو منفذ لها بعد ما تحركت نفسه إليها، وصدق افتقاره إلى ربه، ولم يجد له مفرا من نفسه غلا إلى الله تعالى، وصدق في التخلق بلا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم، فحينئذ يسعفه الله تعالى بالتوفيق إليها، ويعينه على تحقيقها.
    وهل ينسى التائب ذنوبه التي تاب عنها؟ أو يذكرها ليندم عليها؟ والإجابة على هذا في مناقشة حدثت بين السري السقطي، وشاب من العباد، رواها الجنيد البغدادي، قال: دخلت على السري فوجدته متغيرا، فقلت له: مالك؟ قال: دخل على شاب فسألني عن التوبة، فقلت: ألا تنسى ذنبك، فعارضني وقال: التوبة أن تنسى ذنبك. فقلت: وإن الأمر عندي كما قال الشاب. فقال: ولم؟ قلت: لأني كنت في حال الجفاء، فنقلني إلى حال الصفاء، فذكر الجفاء في حال الصفاء جفاء، فسكت.
    أقول: وهذا حق، لأن من شرط التوبة: العمل الصالح، وذكر الذنب ربما عطل عن العمل إذا أصيب التائب بالكآبة من أجله، ويخطىء البعض فيذكرون ما كان منهم من الذنب على سبيل التسلية، وهو خطأ فاحش، وحنين إلى تلك الذنوب في الحقيقة.
    والتوبة النصوح لا يبقى على صاحبها أثر من المعصية لا سرا ولا جهرا. ويقول ابن عطاء: من كانت توبته نصوحا لا يبالي كيف أمسى وأصبح، يعني: لا يبالي بما كان منه قبل التوبة، فقد محاه الله من صحيفة عمله.
    والتوبة يجب أن تعم الجوارح كلها، وقد أوضح ذو النون المصري ذلك في قوله: على كل جارحة لابن آدم توبة، فتوبة القلب: أن ينوى ترك المحظورات، وتوبة العينين: الغض عن المحارم، وتوبة اليدين: ترك تناول مالا يحل، وتوبة الرجلين: ترك السعي في الملاهي، وتوبة السمع: ترك الإصغاء إلى الباطل، وتوبة الفرج: القعود عن الفواحش.
    وقال عن التوبة النصوح: إنها إدمان البكاء على ما سلف من الذنوب، والخوف من الرجوع إلى الذنب، وهجران قرناء السوء، وملازمة أهل الحياء.
    أقول: وهو مخالف للرأي القائل: بوجوب نسيان الذنب، وفي كل خير إذا صلح القلب.

    مكفرات الذنوب [ 1 ] Fasel10

    كتاب : مكفرات الذنوب وموجبات الجنة
    المؤلف : ابن الديبع الشيباني
    منتدى ميراث الرسول - البوابة
    مكفرات الذنوب [ 1 ] E110


      الوقت/التاريخ الآن هو السبت نوفمبر 23, 2024 5:20 am