بّسم اللّه الرّحمن الرّحيم مكتبة الفقة الإسلامي المحرر في الفقه على مذهب الإمام أحمد بن حنبل ● [ كتاب الجنائز ] ●
● مدخل كتاب الجنائز يوجه المحتضر على جنبه الأيمن أو مستلقيا على ظهره ويبل حلقه بماء أو شراب ويلقن قول لا إله إلا الله مرة ولا يزاد على ثلاث فإن تكلم. __________ كتاب الجنائز. قوله يوجه المحتضر إلى آخره. هذا المذهب وهو مذهب أبي حنيفة ومالك والشافعي وغيرهم وخالف فيه سعيد بن المسيب وروى ابن القاسم عن مالك كراهته وقال الخرقي إذا تيقن الموت وجه إلى القبلة قال في المغني ويحتمل أنه أراد حضور الموت ويحتمل أنه أراد تيقن وجود الموت لأن سائر ما ذكر إنما يفعل بعد الموت وهو تغميض العين وغيره وكلام ابن عقيل وغيره مثل كلام الخرقي. وهذا التوجيه قبل الدفن مستحب صرح به جماعة من الأصحاب ولم أجد خلافه صريحا وهو المحكي عن مذاهب الأئمة الثلاثة. وقوله على جنبه الأيمن أو مستلقيا على ظهره يعني يجوز هذا ويجوز هذا فيكون تعرض لجواز الأمرين ولم يتعرض للأفضلية ويحتمل أن يكون مراده التخيير وأنه الأولى ومنصوص الإمام أن توجيهه على جنبه الأيمن أفضل وذكر المصنف في شرح الهداية أنه المشهور عنه وأنه قول الأئمة الثلاثة قال وهو أصح وهذا اختيار ابن عقيل وغيره وعن الإمام أحمد مستلقيا على ظهره أفضل وهو الذي فعله عند موته واختاره أكثر الأصحاب وحكاه الشيخ وجيه الدين عن اختيار الأصحاب وعنه التسوية بينهما ولم أجد أحدا اختارها. قوله ويبل حلقه إلى قوله: "وسورع في تجهيزه كل ذلك مستحب
O متابعة المتن بشيء بعدها أعيدت ويقرأ عنده يس فإذا مات غمضت عيناه وشد لحياه ولينت مفاصله ونزعت عنه ثيابه وسجي بثوب وجعلت على بطنه حديدة وسورع في تجهيزه ويتيقن موته إن شك فيه بانخساف صدغيه وميل أنفه وانفصال كفيه وارتخاء رجليه. وغسله فرض كفاية وأولى الناس به وصيه ثم أبوه وإن علا ثم. __________ قوله : "وصيه إلى آخره". أطلق ولا بد من إسلامه في المشهور بناء على اعتبار النية لأنها عبادة مفترضة وليس الكافر من أهلها كالتيمم. وذكر المصنف في شرح الهداية أنه يحتمل عنده أن المسلم إذا حضر وأمر الكافر بمباشرته وفعله في الحال لن يصح كالحي إذا نوى رفع الحدث وأمر كافرا بغسل أعضائه وكالأضحية إذا باشر ذبحها ذمي على المشهور اعتمادا على نية المسلم. وظاهر كلامه أنه يجوز أن يكون مميزا وهو أصح القولين لصحة طهارته وكأذانه وظاهر كلامه أنه يجوز أن يكون فاسقا. قال المصنف في شرح الهداية والأفضل أن يكون ثقة أمينا عارفا بأحكام الغسل وكذا قال غيره وقال في المستوعب لا يغسل الميت إلا عالم بالغسل ويستحب أن يكون من أهل الدين والفضل. وقال الشيخ وجيه الدين يجب أن يكون مأمونا موثوقا بدينه ومعرفته للغسل ونظافته. فصار في اعتبار عدالته ومعرفته بأحكام الغسل ثلاثة أوجه الثالث يعتبر علمه بأحكام الغسل فقط وقطع في الرعاية بأنه لا بد أن يكون غير فاسق وهذا فيه نظر بخلاف شرطية عدالته في الصلاة على أصلنا.
O متابعة المتن ابنه وإن سفل ثم أقرب عصبته ثم ذوو أرحامه ثم الأجانب ولا يغسل المرأة محرمها وأولى الناس بغسلها من أوصت إليها به ثم أمها ثم جدتها ثم بنتها ثم أختها ثم عمتها أو خالتها ثم القربى فالقربى ثم الأجنبيات ويجوز أن يغسل الرجل زوجته وأم ولده وأن يغسلاه. __________ وظاهر كلامه أنه يجوز أن يكون جنبا أو حائضا أو نفساء أو حدثا ونص عليه الإمام أحمد مع أن الأفضل تركه وعنه يكره وكراهته التغميض منهم لكراهية السلف لذلك. قال المصنف ولعل ذلك لأجل حضور ملائكة القبض والملائكة لا تدخل بيتا فيه جنب ولم يثبت حضورها وقت الغسل وقطع غير واحد بأن الحر البعيد أولى من العبد القريب لأن العبد لا ولاية له في المال والنكاح وقطع المصنف وغيره بأن سيد الرقيق أولى بغسله ودفنه والصلاة عليه لأن علقة الملك أقوى من علقة النسب. قوله ويجوز أن يغسل الرجل زوجته وأم ولده وأن يغسلاه. ظاهره جواز نظر كل واحد منهما إلى جميع بدن الآخر حتى الفرجين وذكره الشيخ وجيه الدين في شرح الهداية والشافعية وقال ابن تميم ولكل واحد منهم النظر إلى الآخر بعد الموت ما عدا الفرج قاله أصحابنا وسئل الإمام عن ذلك فقال اختلف في نظر الرجل إلى امرأته انتهى كلامه أي وقطع بهذا في الرعاية أن أي الزوجين مات فللآخر نظر غير فرجيه إن جاز أن يغسله. وقطع الشيخ وجيه الدين في شرح الهداية أن القاتل لا حق له في غسل المقتول عمدا أو خطأ ولا في الصلاة والدفن لأنه بالغ في قطيعة الرحم فلا يراعى حقه بعد الموت كما في الميراث فأما القاتل قصاصا بحق ففيه وجهان بناء على الميراث انتهى كلامه وظاهر كلام الأصحاب خلافه.
O متابعة المتن وعنه لا يجوز له غسل زوجته وللرجل والمرأة غسل من لم يبلغ سبع سنين من ذكر أو أنثى ولا يغسل المسلم قريبه الكافر وله دفنه إن لم يجد من يدفنه وعنه له غسله حكاه أبو حفص واختاره ويوجه الميت على مغتسله منحدرا نحو رجليه ويجعل تحت ستر أو سقف والأفضل بجريدة وستر عورته وعنه الأفضل غسله في قميص رقيق واسع الكمين ولا يحضره إلا الغاسل ومن يعينه ويرفع رأسه قريبا من الجلوس فيعصر بطنه برفق ويلف على يده خرقة فينجيه ولا يحل له مس عورته ولا نظرها ويسن أن لا يمس بقية بدنه إلا بخرقة ثم ينوي غسله ويسمي ويمسح بالماء باطن شفتيه ومنخريه ثم يتمم وضوءه كوضوء الصلاة ثم يغسل برغوة السدر. __________ قوله وله دفنه إن لم يجد من يدفنه. ظاهره أنه لا يجب دفنه في هذه الحال وعلى هذا لا تجب مواراته مطلقا وقطع به الشيخ وجيه الدين وهو ظاهر كلام غير واحد وقطع المصنف في شرح الهداية بأنه يجب ذميا كان أو حربيا أو مرتدا وقال هذا ظاهر كلام أصحابنا اقتداء بفعله عليه الصلاة والسلام في حق كفار أهل بدر حيث واراهم في القليب ولأن في تركه سببا للمثلة به وهي ممنوع منها في حقه بدليل عمومات النهي عنها وفي هذا نظر لأن فعله هذا لا يدل على الوجوب واحتمال وقوع المحذور لا ينهض سببا لتحريم شيء ولا وجوبه به. قوله ويمسح بالماء باطن شفتيه ومنخريه. الأولى أن يكون بخرقة نص عليه وهي خرقة سائر البدن وهي غير خرقة الاستنجاء ذكره المصنف وغيره ويستحب قبل ذلك غسل كفي الميت كالحي نص عليه ومسح باطن شفتيه ومنخريه مستحب عند الإمام وأكثر الأصحاب وأوجبه أبو خطاب في الانتصار في بحث مسألة المضمضة والاستنشاق,
O متابعة المتن رأسه ولحيته ولا يسرح شعره وقال ابن حامد يسرح تسريحا خفيفا ثم يغسل شقه الأيمن ثم الأيسر ويقلبه على جنبيه يفعل ذلك كله ثلاثا إلا الوضوء فإنه يحصل بأول مرة ويمر في كل مرة يده على بطنه. __________ وعند أبي حنيفة لا يستحب ذلك وحكى في المغني عن الشافعي أنه يمضمضه وينشقه كما يفعل بالحي وحكى المصنف سقوط المضمضة والاستنشاق بالإجماع. قوله : "يفعل ذلك كله ثلاثا إلا الوضوء فإنه يحصل بأول مرة". كذا ذكر هو وغيره أنه يكتفي بوضوئه أول مرة ونص عليه الإمام أحمد لأنه وضوء شرعي حصل فيه التكرار الشرعي في المرة الواحدة فلا وجه لإعادته من غير خارج وظاهر كلامه أنه لا يحصل غسله بأول مرة ومراده الغسل المستحب لأنه يستحب غسله ثلاثا مع إجزاء مرة كغسل الجنابة وحكى هذا عن مذاهب الأئمة الثلاثة وقد نص الإمام أحمد على كراهة غسله مرة واحدة قال لا يعجبني وللأصحاب في قوله: لا يعجبني كذا هل هو للتحريم أو للكراهة وفي الصحيحين عن أم عطية قالت: دخل علينا رسول الله صلى الله عليه وسلم حين توفيت ابنته فقال: " اغسلنها ثلاثا أو خمسا أو سبعا أو أكثر من ذلك إن رأيتن " وقد قال الشيخ وجيه الدين في ذكر ابن أبي موسى أنه إذا شرع في غسله التعبدي وإفاضة الماء لأنه يعود لإنجائه ثلاثا ولوضوئه والذي حكاه القاضي عن أحمد الوضوء في المرة الأولى ولا يعيده ثانيا انتهى كلامه وهو معنى ما ذكره في المستوعب. وقوله يفعل ذلك ثلاثا يعني لا يزيد عليها من غير حاجة وعلى هذا الأصحاب قال الشيخ وجيه الدين الثلاث أدنى الكمال والمتوسط خمس والأعلى سبع وهو حد اغلظ النجاسات من الولوغ والزيادة حينئذ سرف.
O متابعة المتن فإن لم ينق بالثلاث زاد حتى ينقى ويقطع على وتر ويجعل في كل غسلة سدرا مسحوقا وفي الأخيرة كافورا ولا بأس بالماء الحار والأشنان والخلال إن احتاجه ويقلم أظفاره ويجز شاربه ويزيل شعر عانته وإبطه ويجعل معه وكذلك العضو الساقط ولا يحلق رأسه ولا يختن بحال ثم ينشف بثوب والغرض من ذلك غسله بالماء وفي النيه والتسمية وجهان فإن غسل ثم خرج منه شئ غسل المحل ووضئ عند أبي الخطاب والمنصوص عنه أنه يعاد غسله وإن. __________ قوله فإن لم ينق بالثلاث زاد حتى ينقى ويقطع على وتر. ظاهره ولو زاد على سبع لما تقدم من حديث أم عطية وقطع به المصنف في شرح الهداية قال وإنما لم يذكر أصحابنا ذلك لأن الغالب أنه لا يحتاج إليه ولذلك لم يسم النبي صلى الله عليه وسلم فوقها عددا بعينه وقول الإمام أحمد ولا يزاد على سبع محمول على ذلك أو على ما غسل غسلا منقيا إلى سبع ثم خرجت منه نجاسة انتهى كلامه وقال في المغني بعد أن ذكر كلام أحمد هذا وإن لم ينق بسبع فالأولى غسله حتى ينقى ولا يقطع إلا على وتر قال ولم يذكر أصحابنا أنه يزيد على سبع وقدم ابن تميم ما هو ظاهر كلامه في المحرر ثم قال وحكى عن أحمد لا يزاد على سبع وقال في المستوعب فإن لم ينق بالثلاث زاد إلى سبع ولا يزيد عليها ولا يقطع إلا على وتر وقال ابن الجوزي في المذهب فإن لم ينق بالثلاث زاد إلى سبع والأفضل أن لا يقطع إلا على وتر ولا يجب إلا مرة واحدة انتهى كلامه وهو معنى كلام كثير من الأصحاب أو أكثرهم وقد قال ابن عبد البر لا أعلم أحدا من العلماء قال يجوز سبع غسلات في غسل الميت ذكره في التمهيد. قوله " :والمنصوص عنه أنه يعاد غسله".
O متابعة المتن تكرر ذلك إلا إن تجاوز سبعا فيوضأ فإن لم يستمسك المحل حشي بالقطن أو الطين الحر وإن خرج منه يسير وهو في أكفانه لم يعد إلى الغسل وحمل. __________ يعني يجب وظاهره أنه يكتفي بذلك وهو ظاهر كلام غيره وذكر ابن الجوزي أنه يغسل موضع النجاسة ويوضأ في1 إعادة غسله إلى سبع مرات وجهان. فعلى هذا الاختلاف في غسل موضع النجاسة والوضوء لكن الخلاف في الاكتفاء به دون الغسل ولعل هذا ظاهر كلامه في المحرر لقوله إلا أن يجاوز سبعا فيوضأ وعنه لا يجب الوضوء بعد السبع لأن فيه مشقة وخوفا على الميت ولا يؤمن من عود مثله ولذلك غسل2 الغسل والأول أشهر قال المصنف لأنه حدث يوجبه تنحية السبيل فأوجب الوضوء انتهى كلامه وقال ابن عقيل لا يختلف المذهب أنه إذا غسل الميت فخرج منه شيء قبل تكفينه أنه يعاد عليه الغسل ولم يجده بسبع وحده بها في موضع آخر وإبطال غسل الميت وإعادة غسله بخروج النجاسة مسألة معاياة فيقال حدث أصغر يوجب غسلا ويبطل غسلا. قوله حشى بالقطن أو الطين الحر. يعني لا بأس بذلك وظاهر كلام جماعة وصرح به طائفة وهو إحدى الروايتين واختاره الخرقي وغيره وهو المشهور وعنه يكره حشوه حكاه ابن أبي موسى ويجب التلجم بذلك في ظاهر كلام جماعة وصرح به طائفة كابن عقيل قالوا لأنه يراد للصلاة فوجب أن يحتاط له بسد محل الحدث كما قلنا في طهارة المستحاضة فإنها تتلجم وتحتاط لذلك. فأما قوله : "لم يعد إلى الغسل وحمل" يعني: لا غسله ولا غسل النجاسة ولا الوضوء لقوله وحمل وذكر ابن عقيل رواية مطلقة أنه يعاد غسله وذكر أن القاضي حملها على الكثير. __________ 1- كذا بالأصل ... 2- كذا بالأصل ...
O متابعة المتن وفي الكثير روايتان ومن تعذر غسله فإنه ييمم وإن مات رجل بين نسوة أو امرأة بين رجال أو مات خنثى مشكل يمم أيضا وعنه يغسل في قميص يصب الماء من فوقه ولا يمس والسقط لا يغسل ولا يصلى عليه حتى يستكمل. __________ قوله : "وفي الكثير روايتان". يعني قبل السبع وقطع به المصنف وغيره فأما بعدها فلا يعاد وذكر بعضهم رواية أنه يعاد وذكر بعضهم رواية أنه يعاد غسله ويطهر كفنه لأنه لا يؤمن مثله في الثاني وعلله ابن عقيل وغيره بأن ذلك فاحش ولا يعفي عن مثله في حق الحي فلا يعفى عنه في حق الميت كبعض الأعضاء إذا نسي غسله وعنه يفعل ذلك إن خرج قبل السبع إلى سبع فقط وهذا فيه نظر وإطلاق الروايتين ليس بمتوجه لأن المذهب أنه لا يعاد غسله وذكر المصنف في شرح الهداية أنه المشهور عن الإمام أحمد وأنه أصح قال هو وغيره لأن في إعادته مشقة تطهيره وتطهير أكفانه وانتظار جفافها أو إبدالهما ولا يؤمن ذلك ثانية وثالثة1 وهذا المعنى موجود فيما إذا وضع على أكفانه ولم يلف فيها وظاهر كلامه في المحرر أن حكم هذه المسألة حكم ما لم يوضع على أكفانه على الخلاف المذكور لقوله وهو في أكفانه وهو أيضا ظاهر كلام غيره وصرح به بعضهم قال ابن تميم وإن وضع على الكفن ولم يلف فيه ثم خرج منه شيء أعيد غسله يعني على المنصوص. __________ 1- الذي في مجمع البحرين . وذلك لأن في إعادة تطهيره مع أكفائه وانتظار جفافها أو إبدالها مشقة زائدة ولعله كلام المجد .
O متابعة المتن أربعة أشهر ولا يغسل شهيد المعركة إلا لجنابة أو طهر من حيض أو نفاس إن كان امرأة فإن استشهدت قبل الطهر فعلى وجهين فإن حمل المجروح وبه رمق أو مشي أو أكل أو نام أو بال ثم مات غسل وقيل: إن لم يطل به ذلك لم يغسل ومن عاد عليه سهمه أو رفسته دابته فمات أو وجد ميتا ولا أثر به غسل والمقتول ظلما شهيد لا يغسل وعنه يغسل وكل شهيد لا يغسل. __________ قوله ولا يغسل شهيد المعركة إلى آخره. لم يصرح المصنف في شرح الهداية الغسل لكنه احتج بأمره عليه الصلاة والسلام بدفنهم بدمائهم وظاهره يدل على تحريم غسله وكذا الشيخ موفق الدين في أثناء كلامه وكلام غيره عدم وجوب الغسل والعفو عنه وظاهره أنه لا يحرم وأن قولهم لا يغسل أي لا يجب غسله كما يجب غسل غيره وقطع الشيخ وجيه الدين بأنه لا يجوز غسله بل يجب تركه لأنه أثر الشهادة والعبادة وأما الصلاة عليه فبعض الأصحاب يذكر في وجوب الصلاة عليه روايتين ومنهم من لم يذكر الروايتين في استحباب الصلاة وذكر المصنف في شرح الهداية روايتين إحداهما يصلى عليه والثانية لا قال ورواية يخير والفعل أفضل ورواية والترك أفضل وهذا معنى كلام الشيخ وجيه الدين إلا أنه لم يذكر الرواية الثالثة وقال وروى عنه أنه إن صلى فلا بأس واحتج غير واحد بأنه حي والحي لا يغسل ولا يصلى عليه وحكى الشيخ محيي الدين النووي الشافعي في شرح المهذب أن مذهب الشافعية تحريم غسله والصلاة عليه وحكاه عن جماعة منهم الإمام أحمد وأن أبا حنيفة وافقهم على تحريم غسله وما تقدم من كلام أصحابنا يعطي ثلاثة أوجه الثالث يحرم غسله فقط وقال ابن عبد القوي لم أقع بتصريح لأصحابنا هل غسل الشهيد حرام أو مكروه فيحتمل الحرمة لمخالفته الأمر انتهى كلامه.
O متابعة المتن ففي الصلاة عليه روايتان وتنزع عنه لامة الحرب ويجب دفنه في بقية ثيابه. نص عليه وقيل: لوليه إبدالها بغيرها وعلى الغاسل إن رأى سوءا ستره إلا على مشهور ببدعة أو فجور. __________ قوله : "وعلى الغاسل إن رأى سوءا ستره". ظاهره الوجوب وقد أضاف المصنف في شرح الهداية إلى أبي الخطاب اختيار الوجوب لقوله وعلى الغاسل وظاهر كلام الشيخ موفق الدين وغيره وقطع به ابن الجوزي وغيره وقدمه في الرعاية قال المصنف وعن الشافعية كالوجهين وكلام الإمام أحمد يحتملهما فإنه قال ينبغي للغاسل أن يستر ما يراه من الميت ولا يحدث به أحد قال والصحيح أنه واجب وأن التحدث به حرام لأنه نوع من الغيبة وإشاعة الفاحشة وقد روى أبو هريرة رضي الله عنه قال قيل ما الغيبة قال ذكرك أخاك بما يكره الحديث قال وهذا يشمل الحي والميت قال جماعة كابن عقيل والمصنف وأبي المعالي ولأن الطبيب والجراح والجار يحرم عليهم التحدث بما اطلعوا عليه مما يكره الإنسان تحدثهم به فلذلك قال هنا قال ابن عقيل ولهذا يمنع من جميع ما يؤذي الحي أن ينال به الميت كتفريق الأجزاء وتقرب النجاسة منه وسواء في ذلك عيب جسمه وما يحدث فيه من تغير أو علامة سوء صرح به جماعة ويستحب إظهار الخير ولا يجب وإن وجب كتم الشر في أشهر الوجهين والثاني يجب وقد روى أبو داود عن ابن عمر مرفوعا اذكروا محاسن موتاكم وكفوا عن مساوئهم . قوله : "إلا على مشهور ببدعة أو فجور". أكثر الأصحاب لم يذكر هذا الاستثناء وذكره ابن عقيل والشيخ في الكافي والشيخ وجيه الدين والمصنف في شرح الهداية وابن تميم قاطعين به كما قطع به في المحرر ثم هل هو مستحب أو مباح فيه خلاف قال ابن عقيل لا بأس عندي بإظهار الشر عليه ليحذر الناس طريقه. وكلام ابن عقيل هذا يدل على أنه لم يجد أحدا من الأصحاب سبقه إلى هذا وتبعه على هذه العبارة في الكافي وكذلك المصنف ثم قال ونظيره الفاسق المعلن فإنه لا غيبة له فيما أعلن به بل ذكره لقصد التحذير منه مستحب فكذلك هذا وذكر الشيخ وجيه الدين أنه مستحب وقال ذكره ابن عقيل ثم على هذا الاستثناء هل يستحب كتم ما يراه عليه من الخير أم لا ظاهر كلام ابن عقيل ومن اتبعه أن الحكم يختص بإظهار الشر عليه وأن الخير يستحب إظهاره مطلقا وقطع ابن تميم بأنه يستحب كتمه.
● باب الكفن. السنة تكفين الرجل في ثلاث لفائف بيض يخمر ثم يبسط بعضها فوق بعض ويذر الحنوط بينها ثم يوضع عليه مستلقيا ويذر الحنوط في قطن يجعل بين إليتيه ويلجم بخرقة تأخذ إليتيه ومغابنه ويجعل الباقي في منافذ وجهه وأذنيه وتطيب مغابنه ومفاصله ومواضع سجوده فإن طيب كله فحسن ولاتدخل عيناه كافورا ثم يدرج في أكفانه فيرد الطرف الأيمن من كل لفافة على الأيسر ويرد ما فضل عن وجهه ورجليه عليهما فإن خيف. __________ باب الكفن. قوله : "ويجب تكفين الميت إلى آخره". ظاهر كلامه وكلام غيره أنه يقدم على دين الرهن وأرش الجناية وهو متوجه وقيل يقدم دين الرهن وأرش الجناية سواء قلنا الواجب ثوب يستره أو أكثر وكذلك مؤنة دفنه وما لا بد منه.
O متابعة المتن انتشار الكفن عقد وحل في القبر ويجوز أن يكفن في مئزر وقميص ولفافة ويجعل القميص فوق المئزر ولا يزر واللفافة فوقهما وتكفن المرأة في خمسة أثواب مئزر وقميص وخمار ولفافة وخامسة تشد بها فخذاها تحت المئزر نص عليه ويضفر شعرها بثلاثة قرون ويسدل من خلفها ويجب تكفين الميت من صلب تركته كفن مثله فإن لم يكن له تركة فعلى من تلزمه مؤنته وهو المذهب ولا يلزم الزوج كفن زوجته ويجزئ التكفين بثوب واحد وقيل: يجب الثلاثة وقيل: إن كان عليه دين مستغرق للتركة اكتفي بثوب وإلا وجبت الثلاثة وإذا مات المحرم جنب ما كان يجنب من الطيب والمخيط والتغطية. _______________ قوله : "وإن لم يكن له تركة فعلى من تلزمه مؤنته فإن لم يكن ففي بيت المال". فإن تعذر فعلى المسلمين العالمين بحاله إلا أن المرتد والحربي لا يجب تكفينه بالإجماع وكذلك الذمي عندنا لا تجب نفقته في حياته من بيت المال عندنا لكن يجوز للإمام أن يعطيه ما ينفق عليه وزاد في الرعاية لمصلحة المسلمين لأن الذمة تعصمهم ولا تؤذيهم هذا معنى كلام المصنف في شرح الهداية وغيره. وذكر في الرعاية في زوجة الذمي أنها في بيت المال عند العجز وعليه نفقتها حال الحياة عند العجز وقال الشيخ وجيه الدين في شرح الهداية إذا مات الذمي ولا مال له ولا قرابة تلزمه نفقته فهل يكفن من بيت المال فيه وجهان أحدهما يكفن كما يطعم إذا جاع للمخمصة والثاني يدفن من غير كفن لأن حرمته بالعقد وقد ارتفع بالموت قال والملك في الكفن باق على ملك الميت لحاجته وقيل الملك للورثة لعدم أهلية الميت للملك ابتداء فكذلك دواما لكنه يقدم عليهم لحاجته إليه وقيل لما لم يكن الميت أهلا للملك والوارث لا ينفذ تصرفه فيه والإبدال له تعين أن يكون حقا لله تعالى انتهى كلامه. قال المصنف في شرح الهداية فلو جمعت له دراهم ليكفنه ففضلت منها فضلة ردت على أصحابها إن عرفوا وإن اختلطت أو لم يعرف معطيها بحال صرفت في كفن آخر نص عليه فإن تعذر ذلك تصدق بها انتهى كلامه ولم يزد عليه وذكر ابن تميم مثله إلا أنه لم يذكر اختلاطها وقال في الرعاية ومن جيء له بكفن ففضل عنه بعضه أو كفنه أهله بغيره يصرف ذلك أو ما فضل منه في كفن ميت آخر نص عليه فإن تعذر تصدق به وقيل إن علم ربه أخذه وإن دفعه له جماعة أخذوه بقدر ما دفعوه وإن جهلوا صرف في ثمن كفن آخر نص عليه ولا تأخذه ورثته وقيل بلى وهو بعيد بل يتصدق به انتهى كلامه. وذكر ابن عبد القوي ما ذكره في شرح الهداية ثم قال أما إذا لم يعرف معطوها فظاهر لأنهم خرجوا عنها لله والظاهر أنهم لا يعودون فيها ولاضمان على من تصدق بها بخلاف الودائع والغصوبات المجهولة الأرباب لأنهم لم يخرجوا عنها هناك والقياس دفع الجميع إلى ولي الأمر لأنه وكيل الغياب وموضع أمانات المسلمين وأما إذا اختلطت هنا مع معرفة قوم لا تعدوهم فهو كما لو انهارت أموالهم بعضها على بعض أو اختلطت ثمرة المشتري ورب الأصل يصطلحون عليها أو تقسم هنا بالحصص إن عرف مقدار ما بذل كل واحد لا سيما إذا قلنا إن النقدين لا يتعينان بالتعيين هذا كلامه.
● باب الصلاة على الميت وهي فرض كفاية ولا تكره في المسجد ولا في المقبره ولا تجوز عند طلوع الشمس أو زوالها أو غروبها وعنه تجوز والأولى بها من وصى إليه الميت بها ثم السلطان ثم أقرب العصبة وفي تقديم الزوج على العصبة روايتان. وصفتها : أن يكبر للإحرام ثم يتعوذ ويقرأ الفاتحة ثم يكبر ثانيا ويصلي على النبي صلى الله عليه وسلم صلاته عليه في التشهد ثم يكبر ثالثا.
● باب حمل الجنازة والدفن. من السنة الإسراع بالجنازة وأن يكون الماشي أمامها والراكب. خلفها وأن يحمل الإنسان بقوائمها الأربع يبدأ مما يلي يمين الميت على كتفه اليمنى بالقائمة المقدمة ثم المؤخرة ثم من الجانب الآخر على روايتين وهذا هو التربيع ولو حمل على كاهله بين العمودين جاز ومن تبع الجنازة لم يجلس حتى توضع فإن سبقها فجلس لم يقم لها. والسنة: أن يتولى دفن الميت غاسله. _______________ قوله : "من السنة الإسراع بالجنازة". قال المصنف وصفة الإسراع بالجنازة الخبب بأن يمشي بها أعلى درجات المشي المعتاد وبه قال الشافعي وقال أبو حنيفة يخب ويرمل وكذا قال القاضي يستحب إسراع لا يخرج عن المشي المعتاد وقال ابن الجوزي في المذهب يسرع فوق السعي ودون الخبب فإن خيف على الميت من ذلك تأنى وإن خيف عليه التغيير أسرع. وقال في الكافي ولا يفرط في الإسراع فيمخضها ويؤذي متبعيها وقال في الرعاية يسن الإسراع بها يسيرا وذكر الشيخ وجيه الدين قول القاضي المذكور وقال فإن خيف انفجارها أو كان في التابعين ضعف رفق به وبهم. قوله : "والسنة أن يتولى دفن الميت غاسله". كذا قال غير واحد قال المصنف في شرح الهداية إنه متى كان الأحق بالغسل كان هو الأحق بالدفن فالأولى أن يتولاهما جميعا بنفسه أو يستنيب فيهما واحدا لأنه أقرب إلى ستر أحواله وقلة الاطلاع عليه فأما الأحق بالدفن فهو من أوصى إليه الميت بذلك كما قلنا لو أوصى إليه بغسله ثم الأقارب الأقرب فالأقرب كما في غسله فأما المرأة فمحارمها الرجال أحق بدفنها من النساء وهل يقدم الزوج على سائر المحارم كقول مالك والشافعي أو العكس كقول أبي حنيفة فيه روايتان فإن لم يكن محرم فهل النساء أولى بدفنها أم الرجال فيه روايتان إحداهما الرجال أحق فعلى هذا لا مدخل النساء في الدفن
O متابعة المتن ويعمق قبره قامة وبسطة ولا يسجى إلا قبر المرأة ويدخله الميت من عند رجليه إن سهل وإلا فمعترضا من قبليه ويقول من يضعه بسم الله وعلى ملة رسول الله ويضعه في اللحد على جنبه الأيمن متوجها تحت رأسه لبنة،. _______________ إلا عند الضرورة وبه قال أبو حنيفة والشافعي. والثانية النساء أولى اختاره الخرقي. قال المصنف وهذه الرواية محمولة عندي على ما إذا لم يكن في دفنهن محذور من اتباع الجنازة أو الكشف بحضرة الأجانب أو غيره لأنه المنصوص عن الإمام أحمد في مثل ذلك وهذا معنى كلام الشيخ موفق الدين وغيره لكنهم لم يذكروا حمل الرواية على هذا واختيار ابن عقيل وغيره كاختيار الخرقي وكذلك الشيخ وجيه الدين وزاد وإن كان لها زوج فهو أولى بدفنها كما هو أولى بغسلها فإن لم يكن فأمهاتهم يلينها على الترتيب المذكور في الغسل. ولعل مراده أن الزوج يقدم بعد محارمها من الرجال ثم بعده محارمها من النساء. قوله : "ويعمق قبره قامة وبسطة". يعني أن هذا هو المستحب وفي المسألة خلاف مشهور قال في التلخيص وغيره وأدناه حفرة تستر رائحته وتمنع جثته من السباع ونحوها زاد في الرعاية نص عليه. قوله : "ويضعه في اللحد على جنبه الأيمن متوجها". كذا ذكر جماعة ولم يبينوا حكم ذلك وقال ابن عقيل فيما إذا دفن إلى غير القبلة قال أصحابنا أينبش لأن استقبال القبلة مشروع يمكن فعله فلا يترك كما ذكر المسألة ومثله الدفن من قبل الغسل أنه ينبش ويغسل ويوجه إلا أن يخاف عليه أن يتفسخ فيترك ونصب الخلاف مع أبي حنيفة واستدل بأنه
O متابعة المتن ثم يشرج عليه لبن أو قصب ولا يدخل القبر آجرا ولا خشبا ولا ما مسته النار ثم يحثى عليه التراب باليد ثلاثا ثم يهال عليه ويسنم القبر فوق الأرض شبرا ويرش بالماء ويحلل بالحصا ويكره البناء والكتابة عليه وتجصيصه دون. __________ واجب فلا يسقطه بذلك كإخراج ماله قيمة. وقولهم "إن النبش مثلة" قلنا: إنما هو في حق من تغير وهو لا ينبش. ونصب المصنف في شرح الهداية الخلاف مع أبي حنيفة في المسألتين وقال في مسألة الدفن قبل الغسل لأنه واجب مقدور عليه من غير مانع. وقال في مسألة الدفن إلى غير القبلة عن قول أبي حنيفة قوله: ههنا أوجه لأن توجيهه سنة وليس بفرض فلا يلزم لتحصيله منهي عنه ولنا أن النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه قد نبشوا لما هو دون هذا فهذا أولى والنبش المنهي عنه هو الذي ليس لغرض صحيح ثم يبطل تعليلهم بالختان عندهم فإنه سنة يلزم له كشف العورة المحرم في الأصل انتهى كلامه. وعلل الشيخ وجيه الدين مسألة الدفن إلى غير القبلة بأن استقبال القبلة سنة مشروعة وشعار من شعار المسلمين أمكن فعله فلا يترك كما لو ذكر قبل تسوية اللبن قال وذكر الماوردي صاحب الحاوي في كتابه أن أول من وجه إلى القبلة البراء فإنه أوصى بذلك فصارت سنة انتهى كلامه. وقطع الآمدي والشريف أبو جعفر وغيرهما بوجوب التوجيه إلى القبلة. وقال القاضي أبو الحسين في مجموعه إذا دفن من غير غسل نبش وغسل سواء أهيل عليه التراب أو لم يهل عليه هذا ظاهر المذهب وبه قال الشافعي وهكذا الحكم إذا دفن غير موجه هذا كله إذا لم يتغير الميت وقال أبو حنيفة إذا أهيل عليه التراب لم ينبش. دليلنا أنه فريضة مقدور عليه فوجب فعله كما لو لم يهل عليه التراب.
O متابعة المتن تطيينه ولا يدفن فيه اثنان إلا لضرورة ويقدم أفضلهما إلى القبلة ويحجز. __________ فظهر من هذا أن في وجوب التوجيه إلى القبلة وجهين فأن قلنا بوجوبه وجب نبشه لأجله في الأظهر وإلا فالأظهر أنه لا يجب لأنه لا يجب التوصل إلى فعل مستحب. ولو دفن موجها على يساره أو مستلقيا على ظهره هل ينبش على وجهين. وقال الشيخ وجيه الدين وإن حفر القبر ممتدا من القبلة إلى الشمال فإن دعت الحاجة إلى ذلك لضيق المكان لم يكره وإن كان مع السعة والقدرة كره ولم ينبش بعد دفنه ليدفن على الصفة المستحبة وكان دفنه على الحالة التي يوضع عليها على المغتسل وعند الموت وقال فإن خالف وأضجعه على جنبه الأيسر واستقبل القبلة بوجهه جاز وكان تاركا للأفضل وإن علموا بذلك بعد الدفن وإن كان قبل أن يهال عليه التراب وجه ووضع على جنبه الأيمن ليحصل شعار السنة انتهى كلامه. وفي وجوب نبشه فيما إذا دفن قبل الغسل وجه أنه لا يجب وقدم ابن تميم أنه يستحب نبشه فيما إذا دفن لغير القبلة. فهذه ثلاثة أوجه في المسألتين. وقطع المصنف في مسألة الغسل لا ينبش إذا خيف تفسخه ولم يتبعض1 هذه المسألة في مسألة التوجيه ويصلى عليه كمسألة من لم يجد ماء ولا ترابا. وظاهر كلامه في المحرر أنه ينبش فيهما ولو خيف تفسخه بخلاف نبشه للصلاة عليه وقال غير واحد لا ينبش إذا خيف تفسخه في المسائل الثلاث وظاهر كلام غير واحد عكسه. قوله : "ولا يدفن فيه اثنان إلا لضرورة". قد يقال استثناء حالة الضرورة تدل على التحريم عند انتفائها لأنه. __________ 1- هكذا بالأصل وكتب فوقها "كذا".
O متابعة المتن بينهما بتراب وإذا ماتت ذمية حامل بمسلم أفردت عن مقابر المسلمين والكفار. __________ لا يحسن استثناء الضرورة مع الكراهة وظاهر كلام جماعة من الأصحاب يحتمل التحريم والكراهة وقال أحمد في رواية أبي داود أما في المصر فلا ولا دليل على التحريم وفي الكراهة نظر لأنه أكثر ما قيل إن إفراد كل ميت بقبر هو الدفن المعتاد حالة الاعتبار وهذا يدل على أن هذا هو المستحب والأولى. وقال المصنف في أثناء بحث المسألة من غير تصريح بتحريم ولا كراهة قال ونقل أبو طالب عن أحمد إذا ماتت المرأة وقد ولدت ولدا ميتا فدفن معها جعل بينهما حاجز من تراب أو يحفر له في ناحية منها وإن دفن معها فلا بأس وظاهر هذا أن دفن الاثنين في القبر من غير ضرورة جائز لا يكره ويحتمل ذلك أن يختص ذلك بما إذا كانا أو أحدهما ممن لا حكم لعورته لصغره. وقال في أثناء بحث مسألة ينبش الميت إذا دفن قبل الغسل ونبشت الصحابة موتاهم للافراد في القبر ولإحسان الكفن والتحويل إلى خير من البقعة الأولى ونحو ذلك من المقاصد الصحيحة التي ليس فيها فعل فرض ولا سنة مؤكدة فلأن يجوز ذلك للغسل الواجب أولى انتهى كلامه. وقال الشيخ وجيه الدين الجمع بين الاثنين في القبر والثلاثة لغير ضرورة وحاجة غير جائز لأن السنة أن يفرد كل واحد بقبر وبه قال أبو حنيفة والشافعي فأما مع الضرورة أو الحاجة فإنه جائز في المصر وغيره وبه قال أبو حنيفة والشافعي وروي عن إمامنا أنه لا بأس أن يدفن الإثنان والثلاثة في القبر الواحد. قال ابن عقيل إفراد كل ميت بقبر مستحب انتهى كلامه. وهو الذي قطع به ابن عقيل في الفصول. والذي وجدت في كلام الشيخ تقي الدين القطع بالكراهة وحكى بعضهم احتمالا أنه يختص الجواز بالمحارم وقطع في الرعاية بالخلاف في الجواز وعدمه.
O متابعة المتن واستدبرت بها القبلة ومن ماتت وفي بطنها ولد يتحرك أخرجنه فإن عجزن تركنه ومن دفن غير موجه أو غير مغسل نبش فغسل ووجه وإن دفن لم يصل عليه نبش مالم يخش تفسخه نص عليه وقال القاضي يصلى على القبر. وتسن التعزية قبل الدفن وبعده ولا يجلس لها والبكاء على الميت. __________ قوله : "من ماتت وفي بطنها ولد يتحرك أخرجته القوابل فإن عجزن تركنه". قال الإمام أحمد في رواية صالح في المرأة تموت وفي بطنها صبي حي يشق عنها قال لا يشق عنها إذا أراد أن يخرجه أخرجه وقيل يشق بطنها إذا ظن خروجه حيا وبه قال أبو حنيفة والشافعي وعن مالك روايتان. فعلى الأول يدخل النساء أيديهن فيخرجنه إذا طمعن في حياته فإن عجزن أو عدمن فاختار ابن هبيرة أنه يشق بطنها ويخرج الولد وقال صالح في مسائله وسألته عن المرأة تموت وفي بطنها ولد قال إذا لم يقدر النساء فليسنوا عليها رجلا يخرجه وقال بعضهم هل يفعل الرجال ذلك على روايتين قال ابن تميم وينبغي وظاهر كلام غيره أنه يجب أن يكون من ذوي أرحامها فإن لم يخرج لم يدفن ما دام حيا ولو خرج بعض الولد ومات أخرج إن أمكن وغسل وإلا غسل على حاله ولا يحتاج إلى تيمم لما بقي لأنه في حكم الباطن قطع به بعضهم وفيه احتمال. قوله : "وتسن التعزية قبل الدفن وبعده". أطلق الاستحباب بعده وليس هو على ظاهره وإنما أراد الإشارة إلى مذهب أبي حنيفة فإن عنده لايسن بعد الدفن لأنه خاتمة أمره. قال المصنف في شرح الهداية وإلى متى يمتد وقت التعزية لم أجد فيه كلاما لأصحابنا وذكر أصحاب الشافعي أن وقتها يمتد إلى ثلاثة أيام فلا تعزية بعدها لأنها في حد القلة وقد أذن الشارع في الإحداد فيها ثم ذكر.
O متابعة المتن جائز والندب والنوح وخمش الوجه وشق الجيب منهي عنه. ويسن أن يصنع لأهل الميت طعام يبعث إليهم ويكره لهم صنع طعام للناس. __________ أحاديث ذلك ثم قال وهذا يدل على أن ما يهجره المصاب من حسن الثياب والزينة لابأس به مدة الثلاث وقال في مسألة كراهة الجلوس للتعزية وعندي أن جلوس أهل المصيبة من الرجال والنساء بالنهار في مكان معلوم ليأتيهم من يعزيهم مدة الثلاث لا بأس به انتهى كلامه. وقد ذكر هذه المسألة جماعة منهم صاحب المستوعب أنه تستحب التعزية إلى ثلاثة أيام وقال أبو الفرج الشيرازي المقدسي ويكره فيما زاد عليها لأنه تجديد للمصيبة وقطع به الآمدي وابن شهاب العكبرى وابن تميم وغيرهم. وقول المصنف أهل المصيبة أعم من أهل الميت فيعزى الإنسان في رفيقه وصديقه ونحوهما كما يعزى في قريبه وهذا متوجه وقطع به ابن عبد القوي في كتابة مجمع البحرين مذهبا لأحمد لاتفقها من عنده. وقول الأصحاب أهل الميت خرج مخرج الغالب ولعل مرادهم أهل المصيبة ولم يحد جماعة من الأصحاب منهم الشيخ موفق الدين استحباب التعزية بثلاث وإطلاق كلامهم يقتضي الاستحباب بعد الثلاث وهو ظاهر الأخبار ولأن القصد تسلية أهل المصيبة والدعاء لهم ولميتهم وهذا المعنى تستوي فيه الثلاث وغيرها والتعليل بتحديد المصيبة مناسبة مرسلة ليس لها أصل فلا تقبل على أن هذا المعنى موجود في الثلاث وقد حده بعض الأصحاب بيوم الدفن وفيه أيضا ضعف وقال ابن عبد القوي فإن كان المعزى غائبا فلا بأس بها ولو بعد الثلاث مالم تنس المصيبة لأن فيه جبر قلب الأخ المسلم وتسليته عما لم ينسه من معذور في تأخره ولا بأس بالتعزية بالمكاتبة للبعيد لذلك انتهى كلامه
O متابعة المتن ومن تطوع بقربة وأهدى ثوابها لميت مسلم نفعه ذلك. __________ قوله : "ومن تطوع بقربة وأهدى ثوابها للميت المسلم نفعه ذلك". ظاهره أنه لو أهدى ثواب فرض أو أهدى إلى حي لا ينفعه ذلك. وذكر القاضي وغيره في المسألتين خلافا وتبعه المصنف في شرح الهداية وغيره. ولو نوى بالقربة الميت ابتداء فهل يكفي ذلك في حصول ثوابها أم لا بد من إهدائه في كلام المصنف في شرح الهداية إشعار بالأمرين ويؤخذ ذلك من كلام غيره أيضا والأحاديث في هذا الباب ظاهرها مختلف أيضا وقد قال ابن عقيل فيما يفعله النائب عن المستنيب في الحج واجبا كان أو تطوعا مما لم يؤمر به مثل أن يؤمر بحج فيعتمر أو بعمرة فيحج يقع عن الميت لأنه يصح عنه من غير إذنه قال وذلك أن الميت عزى إليه العبادة عندما وقعت عنه ولا يحتاج إلى إذن والحي بخلافه وذلك لأن الحي قادر على الاكتساب والميت بخلافه ويصير كأنه مهدى إلى الميت ثوابها انتهى كلامه. وفي كلام القاضي إذا جاز أن تقع أفعاله التي فعلها بنفسه عن غيره وهو الحج والصدقة جاز أن يقع الثواب لغيره لأن الثواب تبع للفعل1 فإذا جاز أن يقع المتبوع لغيره جاز أن يقع التبع قال واحتج بعضهم بأن الصلاة والصيام وقراءة القرآن مما لا مدخل للمال فيه فلا يصح أن يفعله عن غيره كصلاة الفرض وصوم الفرض قال والجواب أنا نقول بموجبه وأنه لا يفعله عن غيره وإنما يقع ثوابه عن غيره وهذا ظاهر كلام الإمام أحمد في رواية المروزي إذا دخلتم المقابر فاقرءوا آية الكرسي وقل هو الله أحد ثم قولوا اللهم إن فضله لأهل المقابر2 يعني ثوابه. __________ 1- ليس مطلقا بل هو تبع لرضوان الله وهو تبع لصدق النية وحسن تحري الاتباع لما شرع الله. 2- لم يصح هذا عن النبي صلى الله عليه وسلم لا قولا ولا فعلا. وإذا ثبت هذا لم يكن فرق بين الأصل والفرض بل نقول لو صلى صلاة مفروضة وأهدى ثوابها لأبويه صحت الهدية. فإن قيل هذا خلاف الأصول لأنه يفضي إلى أن يعرى عمله عن ثواب وأنه يحصل لمن لم يعمل ثواب عمل لم يعمله. قيل قولك إنه يفضي إلى أن يعرى عمله عن ثواب غير ممتنع كما قلتم إذا صلى في دار غصب أو امتنع من أداء الزكاة وأخذها الإمام قهرا وقولك إنه يحصل للغير ثواب ما لم يعمل فغير ممتنع كثواب الاستغفار فإنه يحصل للمستغفر له وإن لم يوجد منه عمل وإنما وجد العمل من المستغفر ومعلوم أن المستغفر يستحق الثواب على ذلك لأنه مندوب إليه بقوله تعالى {وَالَّذِينَ جَاءُوا مِنْ بَعْدِهِمْ يَقُولُونَ رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا وَلِإِخْوَانِنَا} [الحشر الآية10]1. وقد قيل فيه جواب آخر وهو أن الثواب يحصل لهما للعامل وللمهدى إليه فيضاعف الله للعامل الثواب عند وجود الهدية كما يضاعف ثواب من يصلي في جماعة على من يصلي فرادى فينقسم بينهما ويؤكده قول النبي صلى الله عليه وسلم من فطر صائما فله مثل أجره فجعل الأجر لهما انتهى كلامه. والأولى أن يقال المهدي ينقل ثواب عمله إلى المهدي اليه وللمهدي الأجر على هذا الإحسان والصدقة والهدية ولا يلزم أن يكون مثل ثواب عمله إلا أن يصح ما رواه حرب في مسائله بإسناده عن الأوزاعي عن عمرو بن شعيب. عن أبيه عن جده أن النبي صلى الله عليه وسلم قال ما على أحدكم إذا أراد أن يتصدق بصدقة تطوعا أن يجعلها عن والديه إذا كانا مسلمين فيكون لوالديه أجرها وله مثل أجورهما من غير أن ينقص من أجورهما شيئا . وقوله : "في المحرر وأهدى ثوابها". وكذا لو أهدى بعضه كنصفه وثلثه ونحو ذلك وهذه المسألة قد يعايى بها فيقال اين لنا موضع تصح فيه الهدية مع جهالة المهدي. قال القاضي أما دعوى جهالته فلاتتم إذا كانت معلومة عند الله تعالى كمن وكل رجلا في أن يهدي شيئا من ماله لا يعرفه المهدي ويعرفه الوكيل صح. وهل يستحب إهداء القرب أم لا قال القاضي فإن قيل فإذا كان الثواب يصل والإحسان مندوب إليه فلم كره أحمد أن يخرج من الصف الأول ليؤثر أباه به وهي فضيلة آثر أباه بها وقد نقل أبو الفرج بن الصباح البرزاطي قال قلت لأحمد يخرج الرجل من الصف الأول ويقدم أباه في موضعه فقال ما يعجبني هو يقدر أن يبر أباه بغير هذا. قيل وقد نقل عن أحمد ما يدل على نفي الكراهة فقال أبو بكر بن حماد المقري إن الرجل يأمره والده بأن يؤخر الصلاة ليصلي به قال يؤخرها فقد أمره بطاعة أبيه بتأخير الصلاة وترك فضيلة أول الوقت. الوجه فيه أنه قد ندب إلى طاعة أبيه في ترك صوم النفل وصلاته وإن كان ذلك قربة وطاعة وقد قال في رواية هارون بن عبد الله في غلام يصوم إذا نهياه. وقال الشيخ وجيه الدين أبو المعالي بن المنجي في بحث المسألة فإن قيل الإيثار بالفضائل والدين غير جائز عندكم كالإيثار بالقيام في الصف الأول ثم ذكر نحو كلام القاضي. وهذا منهما تسوية بين نقل الثواب بعد ثبوته واستحقاقه وبين نقل سبب الثواب قبل فعله ولا يخلو من نظر. __________ 1- لكن يقال: أن قياس هذه على الاستغفار دعاء وفرق بين الدعاء والعمل هذا مع أن العبادة توقيفية لا قياسية ونقل ونقل الثواب إلى الله لا إلى العامل والله تعالى {وَنَضَعُ الْمَوَازِينَ الْقِسْطَ لِيَوْمِ الْقِيَامَةِ فَلا تُظْلَمُ نَفْسٌ شَيْئاً وَإِنْ كَانَ مِثْقَالَ حَبَّةٍ مِنْ خَرْدَلٍ أَتَيْنَا بِهَا وَكَفَى بِنَا حَاسِبِينَ} [الانبياء:47] ويقول { كُلُّ امْرِئٍ بِمَا كَسَبَ رَهِينٌ} [الطور الآية21] { وَأَنْ لَيْسَ لِلْإِنْسَانِ إِلَّا مَا سَعَى وَأَنَّ سَعْيَهُ سَوْفَ يُرَى ثُمَّ يُجْزَاهُ الْجَزَاءَ الْأَوْفَى } [النجم 39-40-41] وغير ذلك كثير.
O متابعة المتن ويكره المشي في المقبرة بنعلين إلا من عذر ولا يكره بالخف ويكره الجلوس والاتكاء على القبور ولا تكره عنده القراءة. __________ والمشهور كراهة إيثار الإنسان بالمكان الفاضل إذا لم ينتقل إلى مثل ثوابه مكانه بالسواء لأنه يؤثر على نفسه في الدين. وذكر ابن عقيل في الفصول أنه لا يجوز وقيل لا يكره وإلا كره. وذكر الشيخ تقي الدين في فتاويه أنه لم يكن من عادات السلف إهداء ثواب ذلك إلى موتى المسلمين بل كان عادتهم أنهم كانوا يعبدون الله بأنواع العبادات المشروعة فرضها ونفلها وكانوا يدعون للمؤمنين والمؤمنات كما أمر الله بذلك يدعون لأحيائهم وأمواتهم فلا ينبغي للناس أن يعدلوا عن طريق السلف فإنه أفضل وأكمل انتهى. قوله : "ويكره المشي في المقبرة بنعلين إلا من عذر". نص على ذلك وعنه لا يكره ولا يستحب الخلع كقوله الأئمة الثلاثة. وظاهر كلامه بالتمشك ونحوه وفيه وجهان أحدهما يكره كالنعل لأنه في معناه ولا يشق خلعه بخلاف الخف والثاني لا يكره اختاره القاضي وقطع به في المستوعب قصرا للحكم على مورد النص وهو حديث بشير بن الخصاصية ورد في النعال السبتية وهو عمدة المسألة وعليه اعتمد الأصحاب والإمام وقطع ابن تميم وابن حمدان بأنه لا يكره بالنعال وهذا غريب ضعيف وهو مخالف للخير والمذهب. قوله : "ويكره الجلوس والاتكاء على القبور". قطع المصنف في شرح الهداية بالتحريم إن كان لقضاء حاجة. وظاهر كلامه هنا أنه لا فرق وترجم القاضي في الخلاف المسألة.
O متابعة المتن ويستحب زيارة القبور للرجال وتكره للنساء وعنه لا يكره. __________ بالكراهة كما ذكر غيره وقال نص عليه في رواية حنبل فقال القعود على القبور والحديث عندها والتغوط بين القبور كل ذلك مكروه قال وكذلك نقل أبو طالب وقال في بحث المسألة ولأن في الجلوس عليه استخفافا بحقه واستهانة به وهذا لا يجوز. وقد عرف أن لأصحابنا وجهين في الكراهة في كلام الإمام أحمد التحريم وكراهة التنزيه وقال الشريف في بحث المسألة بعد أن ذكر الكراهة لأن في ذلك استخفافا بصاحبه واستهانة به أشبه ما إذا قعد عليه للبول. قوله : "وتستحب زيارة القبور للرجال". ذكره بعضهم إجماعا وهو أبو زكريا النووي وحكى بعضهم عن طائفة كراهته. قال المصنف وظاهر كلام الخرقي أنها جائزة لا استحباب فيها لأنه قال ولا بأس أن يزور الرجال المقابر وكذا حكى أبو المعالي عن الخرقي أنه مباح لا بأس به وكذا عبارة الحلواني وفي العمدة لأن الأمر بها أمر بعد حظر والمشهور عندنا أنه للاباحة ومن حمله على الندب فلقرينة تذكر الموت أو الأمر فيه1. وحكى أبو المعالي عن مالك أنه يكره وظاهر كلام الأصحاب أنه لا يكره الإكثار من زيارة الموتى. وقال في الرعاية ويكره الإكثار من زيارة قبور الموتى والاجتماع عندها والسفر إليها وحضور القاص لها. __________ 1- يعني قوله عليه الصلاة والسلام " كنت نهيتكم عن زيارة القبور ألا فزوروها ".
● [ تم كتاب الجنائز ] ●
كتاب: المحرر في الفقه على مذهب الإمام أحمد بن حنبل المؤلف: عبد السلام بن عبد الله ابن تيمية الحراني منتدى ميراث الرسول - البوابة