بّسم اللّه الرّحمن الرّحيم
أحوال البلاد وأخبار العباد
من حصار الطائف إلى ختام المجلد ألأول
● [ ذكر حصار الطائف ] ●
لما قدم المنهزمون من ثقيف ومن انضم إليهم من غيرهم إلى الطائف أغلقوا عليهم مدينتهم واستحصروا وجمعوا ما يحتاجون إليه. فسار إليهم النبي، صلى الله عليه وسلم، فلما كان ببحرة الرغاء قبل وصوله إلى الطائف قتل بها رجلاً من بني ليث قصاصاً، كان قد قتل رجلاً من هذيل فأمر بقتله، وهو أول دم أقيد به في الإسلام، وسار إلى ثقيف فحصرهم بالطائف نيفاً وعشرين يوماً ونصب عليهم منجنيقاً أشار به سلمان الفارسي، وقاتلهم قتالاً شديداً، حتى إذا كان يوم الشدخة عند جدار الطائف، فأرسلت عليهم ثقيف سكك الحديد المحماة، فخرجوا من تحتها، فرماهم من بالطائف بالنبل فقتلوا رجالاً. فأمر رسول الله، صلى الله عليه وسلم، بقطع أعناب ثقيف، فقطعت، ونزل إلى رسول الله نفر من رقيق أهل الطائف فأعتقهم، منهم أبو بكرة نفيع بن مسروح وكان للحارث بن كلدة، وإنما قيل له أبو بكرة ببكرة نزل فيها، وغيره. فلما أسلم أهل الطائف تكلمت سادات أولئك العبيد في أن يردهم رسول الله، صلى الله عليه وسلم، إلى الرق فقال: لا أفعل، أولئك عتقاء الله.
ثم إن خويلة بنت حكيم السلمية، وهي امرأة عثمان بن مظعون، قالت: يا رسول الله أعطني إن فتح الله عليك الطائف حلي بادية بنت غيلان أو حلي الفارغة بنت عقيل، وكانتا من أكثر النساء حلياً. فقال لها رسول الله، صلى الله عليه وسلم: أرأيت إن كان لم يؤذن لي في ثقيف يا خويلة ؟ فخرجت فذكرت ذلك لعمر بن الخطاب. فدخل عليه عمر وقال: يا رسول الله ما حديث حدثتنيه خويلة أنك قد قلته ؟ قال: قد قلته. قال: أفلا أؤذن بالرحيل يا رسول الله ؟ قال: بلى. فأذن بالرحيل.
وقيل: إن رسول الله، صلى الله عليه وسلم، استشار نوفل بن معاوية الدثلي في المقام عليهم. فقال: يا رسول الله ثعلبٌ في جحر إن أقمت عليه أخذته إن تركته لم يضرك، فأذن بالرحيل. فلما رجع الناس قال رجل: يا رسول الله ادع على ثقيف. قال: اللهم اهد ثقيفاً وأت بهم. فلما رأت ثقيفٌ الناس قد رحلوا عنهم نادى سعيد بن عبيد الثقفي: ألا إن الحي مقيم. فقال عيينة بن حصن: أجل والله مجدةً كراماً. فقال رجل من المسلمين: قاتلك الله يا عيينة أتمدحهم بالامتناع من رسول الله، صلى الله عليه وسلم ؟ قال: إني والله ما جئت لأقاتل معكم ثقيفاً، ولكني أردت أن أصيب من ثقيف جارية لعلها تلد لي رجلاً، فإن ثقيفاً قوم مناكير.
واستشهد بالطائف اثنا عشر رجلاً، منهم عبد الله بن أبي أمية المخزومي، وأمه عاتكة بنت عبد المطلب، وعبد الله بن أبي بكر الصديق، رمي بسهم فمات منه بالمدينة بعد وفاة رسول الله، صلى الله عليه وسلم، والسائب بن الحارث بن عدي، وغيرهم.
وهذه بادية بنت غيلان قال فيها هيت المخنث لعبد الله بن أبي أمية: إن فتح الله عيكم الطائف فسل رسول الله أن ينفلك بادية بنت غيلان فإنها هيفاء شموعٌ نجلاء، إن تكلمت تغنت، وإن قامت تثنت، وإن مشت ارتجت، وإن قعدت تبنت، تقبل بأربع وتدبر بثمان، بثغر كالأقحوان، بين رجليها كالقعب المكفأ. فقال النبي، صلى الله عليه وسلم: لقد علمت الصفة، ومنعه من الدخول إلى نسائه.
● [ ذكر قسمة غنائم حنين ] ●
لما رحل رسول الله، صلى الله عليه وسلم، من الطائف سار حتى نزل الجعرانة، وأتته وفود هوازن بالجعرانة وقد أسلموا، فقالوا: يا رسول الله إنا أصلٌ وعشيرة، وقد أصابنا ما لم يخف عليك، فامنن علينا من الله عليك. وقام زهير بن صرد من بني سعد بن بكر، وهم الذين أرضعوا رسول الله، صلى الله عليه وسلم، فقال: يا رسول الله، إنما في الحظائر عماتك وخالاتك وحواضنك، ولو أنا أرضعنا الحارث بنأبي شمر الغساني أو النعمان بن المنذر لرجونا عطفه، وأنت خير المكفولين ! ثم قال:
امنن علينا رسول الله في كرمٍ ... فإنّك المرء نرجوه وندّخر
امنن على نسوةٍ قد عاقها قدرٌ ... ممزّقٌ شملها في دهرها غير
في أبيات. فخيرهم رسول الله، صلى الله عليه وسلم، بين أبنائهم ونسائهم وبين أموالهم، فاختاروا أبناءهم ونساءهم، فقال: أما ما كان لي ولبني عبد المطلب فهو لكم، فإذا أنا صليت بالناس فقولوا: إنا نستشفع برسول الله إلى المسلمين وبالمسلمين إلى رسول الله في أبنائنا ونسائنا، فسأعطيكم وأسأل فيكم. فلما صلى الظهر فعلوا ما أمرهم به، فقال رسول الله، صلى الله عليه وسلم: ما كان لي ولبني عبد المطلب فهو لكم. وقال المهاجرون والأنصار: ما كان لنا فهو لرسول الله. وقال الأقرع بن حابس: ما كان لي ولبني تميم فلا. وقال عيينة بن حصن: ما كان لي ولفزارة فلا. وقال عباس بن مرداس: ما كان لي ولسليم فلا. فقالت بنو سليم: ما كان لنا فهو لرسول الله. فقال: وهنتموني. فقال رسول الله، صلى الله عليه وسلم: من تمسك بحقه من السبي فله بكل إنسان ست فرائض من أول شيء نصيبه، فردوا على الناس أبناءهم ونساءهم.
وسأل رسول الله، صلى الله عليه وسلم، عن مالك بن عوف، فقيل: إنه بالطائف. فقال: أخبروه إن أتاني مسلماً رددت عليه أهله وماله وأعطيته مائة بعير. فأخبر مالك بذلك، فخرج من الطائف سراً ولحق برسول الله، صلى الله عليه وسلم، فأسلم وحسن إسلامه، واستعمله رسول الله، صلى الله عليه وسلم، على قومه وعلى من أسلم من تلك القبائل التي حول الطائف، فأعطاه أهله وماله ومائة بعير. وكان يقاتل بمن أسلم معه من ثمالة وفهم وسلمة ثقيفاً، لا يخرج لهم سرح إلا أغار عليه، حتى ضيق عليهم.
ولما فرغ رسول الله، صلى الله عليه وسلم، من رد سبايا هوازن ركب واتبعه الناس يقولون: يا رسول الله اقسم علينا فيئنا، حتى ألجؤه إلى شجرة، فاختطف رداؤه، فقال: ردوا علي ردائي أيها الناس، فوالله لو كان لي عدد شجر تهامة نعمٌ لقسمتها عليكم ثم لا تجدوني بخيلاً ولا جباناً ولا كذاباً. ثم رفع وبرة من سنام بعير وقال: ليس لي من فيئكم ولا هذه الوبرة إلا الخمس وهو مردود عليكم. ثم أعطى المؤلفة قلوبهم، وكانوا من أشراف الناس، يتألفهم على الإسلام، فأعطى أبا سفيان وابنه معاوية، وحكيم بن حزام، والعلاء بن جارية الثقفي، والحارث بن هشام، وصفوان بن أمية، وسهيل بن عمرو، وحويطب بن عبد العزى، وعيينة بن حصن، والأقرع بن حابس، ومالك بن عوف النصري، كل واحد منهم مائة بعير، وأعطى دون المائة رجالاً، منهم: مخرمة بن نوفل الزهري، وعمير بن وهب، وهشام بن عمرو، وسعيد بن يربوع، وأعطى العباس بن مرداس أباعر، فسخطها وقال:
كانت نهاباً تلافيتها ... بكرّي على المهر في الأجرع
وإيقاظي القوم أن يرقدوا ... إذا هجع النّاس لم أهجع
فأصبح نهبي ونهب العبي ... د بين عيينة والأقرع
وقد كنت في الحرب ذا تدرإٍ ... فلم أعط شيئاً ولم أمنع
إلاّ أفائل أعطيتها ... عديد قوائمها الأربع
وما كان حصنٌ ولا حابسٌ ... يفوقان مرداس في المجمع
وما كنت دون امرءٍ منهما ... ومن تضع اليوم لا يرفع
فأعطاه حتى رضي.
وقال رجل من الصحابة: يا رسول الله أعطيت عيينة والأقرع وتركت جعيل بن سراقة. فقال رسول الله، صلى الله عليه وسلم: ومن يعدل إذا لم أعدل ؟ فقال عمر بن الخطاب: ألا نقتله ؟ فقال: دعوه، ستكون له شيعة يتعمقون في الدين حتى يخرجوا منه كما يخرج السهم من الرمية ينظر في النصل فلا يوجد شيء، ثم في القدح فلا يوجد شيء ثم في الفوق فلا يوجد شيء سبق الفرث الدم وقيل: إن هذا القول إنما كان في مال بعث به علي من اليمن إلى رسول الله، صلى الله عليه وسلم، فقسمه بين جماعة، منهم: عيينة والأقرع وزيد الخيل.
قال أبو سعيد الخدري: لما أعطى رسول الله، صلى الله عليه وسلم، ما أعطى من تلك الغنائم في قريش وقبائل العرب ولم يعط الأنصار شيئاً وجدوا في أنفسهم حتى قال قائلهم: لقي رسول الله، صلى الله عليه وسلم، قومه. فأخبر سعد بن عبادة رسول الله، صلى الله عليه وسلم، بذلك، فقال له: فأين أنت يا سعد ؟ قال: أنا من قومي. قال: فاجمع قومك لي، فجمعهم. فأتاهم رسول الله، صلى الله عليه وسلم، فقال: ما حديث بلغني عنكم ؟ ألم آتكم ضلالاً فهداكم الله بي ؟ وفقراء فأغناكم الله بي ؟ وأعداء فألف الله بين قلوبكم بي ؟ قالوا: بلى والله يا رسول الله، ولله ورسوله المن والفضل. فقال: ألا تجيبوني ؟ قالوا: بماذا نجيبك ؟ فقال: والله لو شئتم لقلتم فصدقتم: أتيتنا مكذباً فصدقناك، ومخذولاً فنصرناك، وطريداً فآويناك، وعائلاً فواسيناك، أوجدتم يا معشر الأنصار في أنفسكم في لعاعة من الدنيا تألفت بها قوماً ليسلموا ووكلتكم إلى إسلامكم، أفلا ترضون أن يذهب الناس بالشاة والبعير وترجعوا برسول الله إلى رحالكم ؟ والذي نفسي بيده لولا الهجرة لكنت أمرأً من الأنصار، ولو سلك الناس شعباً وسلكت الأنصار شعباً لسلكت شعب الأنصار، اللهم ارحم الأنصار وأبناء الأنصار وأبناء أبناء الأنصار. قال: فبكى القوم حتى أخضلوا لحاهم وقالوا: رضينا برسول الله قسماً وحظاً. وتفرقوا.
ثم اعتمر رسول الله، صلى الله عليه وسلم، من الجعرانة وعاد إلى المدينة، واستخلف على مكة عتاب بن أسيد، وترك معه معاذ بن جبل يفقه الناس، وحج عتاب بن أسيد بالناس، وحج الناس تلك السنة على ما كانت العرب تحج وعاد رسول الله، صلى الله عليه وسلم، إلى المدينة في ذي القعدة أو ذي الحجة.
وفيها بعث رسول الله، صلى الله عليه وسلم، عمرو بن العاص إلى جيفر وعياذ ابني الجلندى من الأزد بعمان مصدقاً، فأخذ الصدقة من أغنيائهم وردها على فقرائهم، وأخذ الجزية من المجوس، وهم كانوا أهل البلد، وكان العرب حولها، وقيل سنة سبع.
وفيها تزوج رسول الله، صلى الله عليه وسلم، الكلابية، واسمها فاطمة بنت الضحاك بن سفيان، فاختارت الدنيا، وقيل: إنها استعاذت منه ففارقها. وفيها ولدت مارية إبراهيم ابن النبي، صلى الله عليه وسلم، في ذي الحجة، فدفعه إلى أم بردة بنت المنذر الأنصارية فكانت ترضعه، وزوجها البراء بن أوس الأنصاري. وكانت قابلتها سلمى مولاة رسول الله، صلى الله عليه وسلم، فأرسلت أبا رافع إلى النبي، صلى الله عليه وسلم، يبشره بإبراهيم، فوهب له مملوكاً، وغار نساء النبي، صلى الله عليه وسلم، وعظم عليهن حين رزقت مارية منه ولداً.
وفيها بعث رسول الله، صلى الله عليه وسلم، كعب بن عمير إلى ذات إطلاح من الشام إلى نفر من قضاعة يدعوهم إلى الإسلام ومعه خمسة عشر رجلاً، فوصل إليهم فدعاهم إلى الاسلام، فلم يجيبوه، وكان رئيس قضاعة رجلاً يقال له سدوس، فقتلوا المسلمين ونجا عمير فتقدم إلى المدينة. وفيها بعث أيضاً عيينة بن حصن الفزاري إلى بني العنبر من تميم، فأغار عليهم وسبى منهم نساء، وكان على عائشة عتق رقبة من بني إسماعيل، فقال لها رسول الله، صلى الله عليه وسلم: هذا سبي بني العنبر يقدم علينا فنعطيك إنساناً فتعتقينه.
● [ ثم دخلت سنة تسع ] ●
ذكر إسلام كعب بن زهير
ذكر إسلام كعب بن زهير
قيل: خرج كعب بن زهير بن أبي سلمى، وأبو سلمى ربيعة المزني، ومعه أخوه بجير حتى أتيا أبرق العزاف، فقال له بجير: اثبت في غنمنا حتى آتي هذا الرجل، يعني رسول الله، صلى الله عليه وسلم، فأسمع منه. فأقام كعب وسار بجير إلى رسول الله، صلى الله عليه وسلم، فأسلم، وبلغ ذلك كعباً فقال:
ألا أبلغا عني بجيراً رسالةً ... فهل لك فيما قلت ويحك هل لكا
ففارقت أسباب الهدى واتبعته ... على أي شيء ويب غيرك دلكا
على خلقٍ لم تلف أمّاً ولا أباً ... عليه ولم تدرك عليه أخاً لكا
سقاك بها المأمور كأساً رويّةٍ ... فأنهلك المأمور منها وعلّكا
فإن أنت لم تفعل فلست بآسف ... ولا قائل أما عثرت لعالكا
فلما بلغ رسول الله، صلى الله عليه وسلم، قوله غضب وأهدر دمه، فكتب بذلك بجير إلى أخيه بعد عود رسول الله، صلى الله عليه وسلم، من الطائف وقال: النجاء النجاء، وما أدري أن تتفلت، ثم كتب إليه: إذا أتاك كتابي هذا فأسلم وأقبل إليه فإنه لا يأخذ مع الإسلام بما كان قبله. فأسلم كعب وجاء حتى أناخ راحلته بباب المسجد، ورسول الله، صلى الله عليه وسلم، مع أصحابه، قال كعب: فعرفته بالصفة فتخطيت الناس إليه فأسلمت وقلت: الأمان يا رسول الله، هذا مقام العائذ بك. قال: من أنت ؟ فقلت: كعب بن زهير. قال: الذي يقول، ثم التفت إلى أبي بكر فقال: كيف قال ؟ فأنشده أبو بكر الأبيات التي أولها:
ألا أبلغا عني بجيراً رسالةً
فقال كعب: ما هكذا قلت يا رسول الله، إنما قلت:
سقاك أبو بكرٍ بكأسٍ رويّةٍ ... فأنهلك المأمون منها وعلّكا
فقال رسول الله، صلى الله عليه وسلم، مأمون والله. فتجهمته الأنصار وأغلظت له، ولانت له قريش وأحبت إسلامه، فأنشده قصيدته التي أولها:
بانت سعاد فقلبي اليوم متبول ... متيّمٌ عندها لم يفد مكبول
فلما انتهى إلى قوله:
وقال كلّ خليلٍ كنت آمله ... لا ألهينّك إنّي عنك مشغول
نبّئت أنّ رسول الله أوعدني ... والعفو عند رسول الله مأمول
في فتيةٍ من قريشٍ قال قائلهم ... ببطن مكّة لما أسلموا زولوا
زالوا فما زال أنكاسٌ ولا كشفٌ ... عند اللّقاء ولا ميلٌ معازيل
لا يقع الطّعن في نحورهم ... وما لهم عن حياض الموت تهليل
نظر رسول الله، صلى الله عليه وسلم، إلى قريش فأومأ إليهم أن اسمعوا، حتى قال:
يمشون مشي الجمال الزّهر يعصمهم ... ضربٌ إذا عرّد السّود التّنابيل
يعرض بالأنصار لغلظتهم التي كانت عليه، فأنكرت قريش قوله وقالوا: لم تمدحنا إذ هجوتهم، ولم يقبلوا ذلك منه، وعظم على الأنصار هجوه، فشكوه، فقال يمدحهم:
من سرّة كرم الحياة فلا يزل ... في مقنبٍ من صالحي الأنصار
ورثوا المكارم كاراً عن كابرٍ ... إن الخيار هم بنو الأخيار
الباذلين نفوسهم ودماءهم ... يوم الهياج وسطوة الجبّار
يتطهّرون يرونه نسكٌ لهم ... بدماء من قتلوا من الكفّار
في أبيات. فكساه النبي، صلى الله عليه وسلم، بردةً كانت عليه، فلما كان زمن معاوية أرسل إلى كعب: أن بعنا بردة رسول الله. فقال: ما كنت لأوثر بثوب رسول الله أحداً. فلما مات كعب اشتراها معاوية من أولاده بعشرين ألف درهم، وهي البردة التي عند الخلفاء الآن.
وقيل: إنما رسول الله، صلى الله عليه وسلم، بقتله وقطع لسانه لنه تشبب بأم هانئ بنت أبي طالب.
أبو سلمى بضم السين والإمالة، والمأمور بالراء، قال بعض العلماء: إنما كره رسول الله، صلى الله عليه وسلم، ذلك لن العرب كانت تقول لكل من يتكلم بالشيء من تلقاء نفسه مأمور، بالراء، يريدون أن الذي يقوله تأمره به الجن وإن كان رسول الله، صلى الله عليه وسلم، مأموراً من الله تعالى ولكنه كره لعادتهم، فلما قال: المأمون بالنون، رضي به لأنه مأمون على الوحي. وبجير بالباء الموحدة المضمومة وبالجيم.
● [ ذكر غزوة تبوك ] ●
لما عاد رسول الله، صلى الله عليه وسلم، أقام بالمدينة بعد عوده من الطائف ما بين ذي الحجة إلى رجب، ثم أمر الناس بالتجهز لغزو الروم وأعلم الناس مقصدهم لبعد الطريق وشدة الحر وقوة العدو، وكان قبل ذلك إذا أراد غزوة ورى بغيرها.
وكان سببها أن النبي، صلى الله عليه وسلم، بلغه أن هرقل ملك الروم ومن عنده من متنصرة العرب قد عزموا على قصده، فتجهز هو والمسلمون وساروا إلى الروم. وكان الحر شديداً، والبلاد مجدبة، والناس في عسرة، وكانت الثمار قد طابت، فأحب الناس المقام في ثمارهم فتجهزوا على كره، فكان ذلك الجيش يسمى العسرة. فقال رسول الله، صلى الله عليه وسلم، للجد بن قيس، وكان من رؤساء المنافقين: هل لك في جلاد بني الأصفر ؟ فقال: والله لقد عرف قومي حبي للنساء، وأخشى أن لا أصبر على نساء بني الأصفر، فإن رأيت أن تأذن لي ولا تفتني. فقال رسول الله، صلى الله عليه وسلم: قد أذنت لك، فأنزل الله تعالى: (وَمِنْهُمْ مَنْ يَقُولُ ائْذَنْ لي وَلا تَفْتِنّ) الآية التوبة: 49؛ وقال قائل من المنافين: لا تنفروا في الحر، فنزل قوله تعالى: (وَقَالُوا لا تَنْفِرُوا في الحَرِّ قُلْ نَارُ جَهَنَّمَ أشَدُّ حَرّاً) التوبة: 81.
ثم إن النبي، صلى الله عليه وسلم، تجهز وأمر بالنفقة في سبيل الله، وأنفق أهل الغنى، وأنفق أبو بكر جميع ما بقي عنده من ماله، وأنفق عثمان نفقة عظيمة لم ينفق أحد أعظم منها، قيل: كانت ثلاثمائة بعير وألف دينار.
ثم إن رجالاً من المسلمين أتوا النبي، صلى الله عليه وسلم، وهم البكاؤون، وكانوا سبعة نفر من الأنصار وغيرهم، وكانوا أهل حاجة، فاستحملوه. فقال: لا أجد ما أحملكم عليه، فتولوا يبكون، فلقيهم يامين بن عمير بن كعب النضري فسألهم عما يبكيهم فأعلموه، فأعطى أبا ليلى عبد الرحمن بن كعب وعبد الله بن مغفل المزني بعيراً، فكانا يعتقبانه مع رسول الله، صلى الله عليه وسلم.
وجاء المعذرون من الأعراب فاعتذروا إلى رسول الله، صلى الله عليه وسلم، فلم يعذرهم الله، وكان عدة من المسلمين تخلفوا من غير شك، منهم: كعب بن مالك، ومرارة بن الربيع، وهلال بن أمية، وأبو خيثمة.
فلما سار رسول الله، صلى الله عليه وسلم، تخلف عنه عبد الله بن أبي المنافق فيمن تبعه من أهل النفاق، واستخلف رسول الله، صلى الله عليه وسلم، على المدينة سباع بن عرفطة، وعلى أهله علي بن أبي طالب، فأجف به المنافقون وقالوا: ما خلفه إلا استثقالاً له. فلما سمع علي ذلك أخذ سلاحه ولحق برسول الله، صلى الله عليه وسلم، فأخبره ما قال المنافقون، فقال: (كذبوا وإنّما خلّفتُك لما ورائي، فارجعْ فاخلفْني في أهلي وأهلك، أما ترضى أن تكون مني بمنزلة هارون من موسى ؟ إلاّ أنّه لا نبيّ بعدي). فرجع. فسار رسول الله، صلى الله عليه وسلم.
ثم إن أبا خيثمة أقام أياماً، فجاء يوماً إلى أهله، وكانت له امرأتان، وقد رشت كل امرأة منهما عريشها وبردت له ماء وصنعت طعاماً، فلما رآه قال: يكون رسول الله، صلى الله عليه وسلم، في الحر والريح وأبو خيثمة في الظل البارد والماء البارد مقيم ! ما هذا بالنصف، والله ما أحل عريشاً منهما حتى ألحق برسول الله، صلى الله عليه وسلم. فهيأ زاده وخرج إلى ناضحه فركبه، وطلب رسول الله، صلى الله عليه وسلم، فأدركه بتبوك، فقال الناس: يا رسول الله هذا راكب مقبلٌ. فقال رسول الله، صلى الله عليه وسلم: كن أبا خيثمة. فقالوا: هو والله أبو خيثمة. وأتى رسول الله، صلى الله عليه وسلم، فأخبره بخبره، فدعا له.
وكان رسول الله، صلى الله عليه وسلم، حين مر بالحجر، وهو بطريقه، وهو منزل ثمود، قال لأصحابه: لا تشربوا من هذا الماء شيئاً ولا تتوضأوا منه، وما كان من عجين فألقوه واعلفوه الإبل ولا تأكلوا منه شيئاً، ولا يخرج الليلة أحد إلا مع صاحب له. ففعل ذلك الناس ولم يخرج أحدٌ إلا رجلين من بني ساعدة خرج أحدهما لحاجته فأصابه جنون، وأما الذي طلب بعيره فاحتمله الريح إلى جبلي طيء، فأخبر بذلك رسول الله، صلى الله عليه وسلم، فقال: ألم أنهكم أن لا يخرج أحد إلا مع صاحب له ؟ فأما الذي خنق فدعا له فشفي، وأما الذي حملته الريح فأهدته طيء إلى رسول الله بعد عوده إلى المدينة. وأصبح الناس بالحجر ولا ماء معهم، فشكوا ذلك إلى النبي، صلى الله عليه وسلم، فدعا الله فأرسل سحابةً فأمطرت حتى روي الناس.
وكان بعض المنافقين يسير مع رسول الله، صلى الله عليه وسلم، فلما جاء المطر قال له بعض المسلمين: هل بعد هذا شيء ؟ قال: سحابة مارة.
وضلت ناقة رسول الله، صلى الله عليه وسلم، في الطريق فقال لأصحابه، وفيهم عمارة بن حزم، وهو عقبي بدري: إن رجلاً قال إن محمداً يخبركم الخبر من السماء وهو لا يدري أين ناقته، وإني والله لا أعلم إلا ما علمني الله عز وجل، وهي في الوادي في شعب كذا قد حبستها شجرة بزمامها، فانطلقوا فأتوه بها، فرجع عمارة إلى أصحابه فخبرهم بما قال رسول الله، صلى الله عليه وسلم، عن الناقة تعجباً مما رأى. وكان زيد بن لصيت القينقاعي منافقاً وهو في رحل عمارة قد قال هذه المقالة، فأخبر عمارة بأن زيداً قد قالها، فقام عمارة يطأ عنقه وهو يقول: في رحلي داهية ولا أدري ! اخرج عني يا عدو الله ! فزعم بعض الناس أن زيداً تاب بعد ذلك وحسن إسلامه، وقيل: لم يزل متهماً حتى هلك.
ووقف بأبي ذر جمله فتخلف عليه، فقيل: يا رسول الله تخلف أبو ذر. فقال: ذروه فإن يك فيه خير فسيلحقه الله بكم. فكان يقولها لكل من تخلف عنه، فوقف أبو ذر على جمله، فلما أبطأ عليه أخذ رحله عنه وحمله على ظهره وتبع النبي، صلى الله عليه وسلم، ماشياً. فنظر الناس فقالوا: يا رسول الله هذا رجل على الطريق وحده، فقال رسول الله، صلى الله عليه وسلم: كن أبا ذر. فلما تأمله الناس قالوا: هو أبو ذر. فقال رسول الله، صلى الله عليه وسلم: (يرحم الله أبا ذرّ، يمشي وحده، ويموت وحده، ويُبْعَث وحده)، ويشهده عصابة من المؤمنين.
فلما نفى عثمان أبا ذر إلى الربذة أصابه بها أجله ولم يكن معه إلا امرأته وغلامه، فأوصاهما أن يغسلاه ويكفناه ثم يضعاه على الطريق، فأول ركب يمر بهما يستعينان بهم على دفنه؛ ففعلا ذلك، فاجتاز بهما عبد الله بن مسعود في رهط من أهل العراق، فأعلمته امرأة أبي ذر بموته. فبكى ابن مسعود وقال: صدق رسول الله، صلى الله عليه وسلم، تمشي وحدك، وتموت وحدك، وتبعث وحدك؛ ثم واروه.
وانتهى رسول الله، صلى الله عليه وسلم، إلى تبوك، فأتى يوحنا ابن رؤبة صاحب أيلة فصالحه على الجزية وكتب له كتاباً، فبلغت جزيتهم ثلاثمائة دينار، ثم زاد فيها الخلفاء من بني أمية. فلما كان عمر بن عبد العزيز لم يأخذ منهم غير ثلاثمائة، وصالح أهل أذرح على مائة دينار في كل رجب، وصالح أهل جرباء على الجزية، وصالح أهل مقنا على ربع ثمارهم.
وأرسل رسول الله، صلى الله عليه وسلم، خالد بن الوليد إلى أكيدر بن عبد الملك صاحب دومة الجندل، وكان نصرانياً من كندة، فقال لخالد: إنك تجده يصيد البقر. فخرج خالد بن الوليد حتى إذا كان من حصنه على منظر العين وأكيدر على سطح داره فباتت البقر تحك بقرونها باب الحصن، فقالت امرأته: هل رأيت مثل هذا قط ؟ قال: لا والله، ثم نزل وركب فرسه ومعه نفر من أهل بيته، ثم خرج يطلب البقر، فتلقتهم خيل رسول الله، صلى الله عليه وسلم، وأخذته وقتلوا أخاه حساناً، وأخذ خالد من أكيدر قباء ديباج مخوص بالذهب فأرسله إلى رسول الله، صلى الله عليه وسلم فجعل المسلمون يلمسونه ويتعجبون منه. فقال رسول الله، صلى الله عليه وسلم: أتعجبون من هذا ؟ لمناديل سعد بن عبادة في الجنة أحسن من هذا. وقدم خالد بأكيدر على رسول الله، صلى الله عليه وسلم، فحقن دمه وصالحه على الجزية وخلى سبيله.
وأقام رسول الله، صلى الله عليه وسلم، بتبوك بضع عشرة ليلة ولم يجاوزها، ولم يقدم عليه الروم والعرب المتنصرة، فعاد إلى المدينة. وكان في الطريق ماء يخرج من وشل لا يروي إلا الراكب والراكبين بوادٍ يقال له وادي المشقق، فقال رسول الله، صلى الله عليه وسلم: من سبقنا فلا يستقين منه شيئاً حتى نأتيه، فسبقه نفر من المنافقين فاستقوا ما فيه، فلما جاءه رسول الله، صلى الله عليه وسلم، أخبروه بفعلهم، فلعنهم ودعا عليهم، ثم نزل رسول الله، صلى الله عليه وسلم، إليه فوضع يده تحته وجعل يصب إليها يسيراً من الماء، فدعا فيه ونضحه في الوشل، فانخرق الماء جرياً شديداً، فشرب الناس واستقوا. وسار رسول الله، صلى الله عليه وسلم، حتى قارب المدينة، فأتاه خبر مسجد الضرار، فأرسل مالك بن الدخشم فحرقه وهدمه وأنزل الله فيه: (وَالَّذِينَ اتَّخّذوُا مَسْجِداً ضِرَاراً وَكُفْراً وَتَفْرِيقاً بَيْنَ المُؤمِنِينَ) التوبة: 107 الآيات. وكان الذين بنوه اثني عشر رجلاً، وكان قد أخرج من دار خذام بن خالد من بني عمرو بن عوف. وقدم رسول الله، صلى الله عليه وسلم، وكان قد تخلف عنه رهط من المنافقين، فأتوه يحلفون له ويعتذرون، فصفح عنهم رسول الله، صلى الله عليه وسلم، ولم يعذرهم الله ورسوله، وتخلف أولئك النفر الثلاثة، وهم: كعب بن مالك، وهلال بن أمية، ومرارة بن الربيع، تخلفوا من غير شك ولا نفاق، فنهى رسول الله، صلى الله عليه وسلم، عن كلامهم، فاعتزلهم الناس، فبقوا كذلك خمسين ليلة، ثم أنزل الله توبتهم: (وَعَلى الثَّلاثَةِ الَّذِينَ خُلِّفُوا حَتّى إذَا ضَاقَتْ عَلَيْهِمُ الأرْضُ بِمَا رَحُبَتْ وَضَاقَتْ عَلَيْهِمْ أنْفُسُهُمْ) الآيات؛ إلى قوله: (صَادِقِينَ) التوبة: 118، وكان قدوم رسول الله، صلى الله عليه وسلم، المدينة من تبوك في رمضان.
يامين النضري بالنون، والضاد المعجمة. وعبد الله بن مغفل بالغين المعجمة، والفاء المشددة المفتوحة. وزيد بن لصيت باللام المضمومة، والصاد المهملة المفتوحة، وآخره تاء مثناة من فوقها. وخذام بن خالد بالخاء المكسورة، والذال المعجمتين. وأكيدر بالهمزة المضمومة، والكاف المفتوحة، والدال المهملة المكسورة، وآخره راء مهملة.
ذكر قدوم عروة بن مسعود الثقفي
على رسول الله صلى الله عليه وسلم
على رسول الله صلى الله عليه وسلم
وفيها قدم عروة بن مسعود الثقفي على النبي، صلى الله عليه وسلم، مسلماً، وقيل: بل أدركه في الطريق مرجعه من الطائف، وسأله أن يرجع إلى قومه بالإسلام، فقال رسول الله، صلى الله عليه وسلم: إنهم قاتلوك. فقال: أنا أحب إليهم من أبكارهم، ورجا أن يوافقوه لمنزلته فيهم، فلما رجع إلى الطائف صعد إلى علية له وأشرف منها عليهم وأظهر الإسلام ودعاهم إليهم، فرموه بالنبل، فأصابه سهم فقتله، فقيل له: ما ترى في دمك ؟ فقال: كرامةً أكرمني الله بها وشهادةً ساقها إلي، ليس في إلا ما في الشهداء الذين قتلوا مع رسول الله، فادفنوني معهم. فلما مات دفنوه معهم. وقال رسول الله، صلى الله عليه وسلم، فيه: (إنّ مثَله في قومه كمثَل صاحب يس في قومه).
ذكر قدوم وفد ثقيفوفي هذه السنة في رمضان قدم وفد ثقيف على رسول الله، صلى الله عليه وسلم.
وسبب ذلك أنهم رأوا أن من يحيط بهم من العرب قد نصبوا لهم القتال وشنوا الغارات عليهم، وكان أشدهم في ذلك مالك بن عوف النصري، فلا يخرج منهم مال إلا نهب، ولا إنسان إلا أخذ، فلما رأوا عجزهم اجتمعوا وأرسلوا عبد ياليل بن عمرو بن عمير، والحكم بن عمرو بن وهب، وشرحبيل بن غيلان، وهؤلاء من الأحلاف، وأرسلوا من بني مالك عثمان بن أبي العاص، وأوس بن عوف، ونمير بنخرشة، فخرجوا حتى قدموا على رسول الله، صلى الله عليه وسلم، فأنزلهم في قبة في المسجد، فكان خالد بن سعيد بن العاص يمشي بينهم وبين النبي، صلى الله عليه وسلم، وكان رسول الله، صلى الله عليه وسلم، يرسل إليهم ما يأكلونه مع خالد، وكانوا لا يأكلون طعاماً حتى يأكل خالد منه، حتى أسلموا.
وكان فيما سألوا رسول الله، صلى الله عليه وسلم، أن يدع الطاغية، وهي اللات، لا يهدمها ثلاث سنين، فأبى عليهم، وكان قصدهم بذلك أن يتسلموا بتركها من سفهائهم ونسائهم، فنزلوا إلى شهر فلم يجبهم، وسألوه أن يعفيهم من الصلاة فقال: لا خير في دين لا صلاة فيه، فأجابوا وأسلموا. وأمر عليهم رسول الله، صلى الله عليه وسلم، عثمان بن أبي العاص، وكان أصغرهم، لما رأى من حرصه على الإسلام والتفقه في الدين. ثم رجعوا إلى بلادهم، وأرسل رسول الله، صلى الله عليه وسلم، معهم المغيرة بن شعبة وأبا سفيان بن حرب ليهدما الطاغية، فتقدم المغيرة فهدمها، وقام قومه من بني شعيب دونه خوفاً أن يرمى بسهم، وخرج نساء ثقيف حسراً يبكين عليها، وأخذ حليها ومالها.
وكان أبو مليح بن عروة بن مسعود وقارب بن الأسود بن مسعود قدما على رسول الله، صلى الله عليه وسلم، لما قتل عروة والأسود، فأمرهما رسول الله، صلى الله عليه وسلم، أن يقضيا منه دين عروة والأسود ابني مسعود، ففعلا، وكان الأسود مات كافراً، فسأل ابنه قارب بن الأسود رسول الله، صلى الله عليه وسلم، أن يقضي دين أبيه، فقال: إنه كافر. فقال: يصل مسلمٌ ذا قرابته، يعني أنه أسلم فيصل أباه وإن كان مشركاً.
● [ ذكر غزوة طيء ] ●
وإسلام عدي بن حاتم
وإسلام عدي بن حاتم
في هذه السنة في شهر ربيع الآخر أرسل النبي، صلى الله عليه وسلم، علي بن أبي طالب في سرية إلى ديار طيء وأمره أن يهدم صنمهم الفلس، فسار إليهم وأغار عليهم، فغنم وسبى وكسر الصنم، وكان متقلداً سيفين يقال لأحدهما مخذم وللآخر رسوب، فأخذهما علي وحملهما إلى رسول الله، صلى الله عليه وسلم، وكان الحارث بن أبي شمر أهدى السيفين للصنم، فعلقا عليه، وأسر بنتاً لحاتم الطائي، وحملت إلى رسول الله، صلى الله عليه وسلم، بالمدينة فأطلقها.
وأما إسلام عدي بن حاتم فقال عدي: جاءت خيل رسول الله، صلى الله عليه وسلم، فأخذوا أختي وناساً فأتوا بهم رسول الله، صلى الله عليه وسلم، فقالت أختي: يا رسول الله هلك الوالد وغاب الوافد فامنن علي من الله عليك. فقال: ومن وافدك ؟ قالت: عدي بن حاتم. قال: الذي فر من الله ورسوله ! فمن عليها، وإلى جانبه رجل قائم وهو علي بن أبي طالب، قال: سليه حملاناً. فسألته، فأمر لها به وكساها وأعطاها نفقة. قال عدي: وكنت ملك طيء آخذ منهم المرباع وأنا نصراني، فلما قدمت خيل رسول الله، صلى الله عليه وسلم، هربت إلى الشام من الإسلام وقلت أكون عند أهل ديني، فبينا أنا بالشام إذ جاءت أختي وأخذت تلومني على تركها وهربي بأهلي دونها، ثم قالت لي: أرى أن تلحق بمحمد سريعاً فإن كان نبياً كان للسابق فضله، وإن كان ملكاً كنت في عز وأنت أنت. قال: فقدمت على رسول الله، صلى الله عليه وسلم، فسلمت عليه وعرفته نفسي، فانطلق بي إلى بيته، فلقيته امرأة ضعيفة فاستوقفته، فوقف لها طويلاً تكلمه في حاجتها، فقلت: ما هذا بملكٍ، ثم دخلت بيته فأجلسني على وسادة وجلس على الأرض، فقلت في نفسي: ما هذا ملك. فقال لي: يا عدي إنك تأخذ المرباع وهو لا يحل في دينك، ولعلك إنما يمنعك من الإسلام ما ترى من حاجتنا وكثرة عدونا، والله ليفيضن المال فيهم حتى لا يوجد من يأخذه، ووالله لتسمعن بالمرأة تسير من القادسية على بعيرها حتى تزور هذا البيت لا تخاف إلا الله، ووالله لتسمعن بالقصور البيض من بابل وقد فتحت. قال: فأسلمت، فقد رأيت القصور البيض وقد فتحت، ورأيت المرأة تخرج إلى البيت لا تخاف إلا الله، ووالله لتكونن الثالثة ليفيضن المال حتى لا يقبله أحد.
● [ ذكر قدوم الوفود على رسول الله ] ●
صلى الله عليه وسلم
صلى الله عليه وسلم