منتدى ميراث الرسول

هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.

2 مشترك

    من حصار الطائف إلى ختام المجلد ألأول

    avatar
    الرسالة


    عدد المساهمات : 223
    تاريخ التسجيل : 02/03/2014

    من حصار الطائف إلى ختام المجلد ألأول Empty من حصار الطائف إلى ختام المجلد ألأول

    مُساهمة من طرف الرسالة السبت مايو 30, 2015 4:21 am

    من حصار الطائف إلى ختام المجلد ألأول Alathe10

    بّسم اللّه الرّحمن الرّحيم
    أحوال البلاد وأخبار العباد
    من حصار الطائف إلى ختام المجلد ألأول
    من حصار الطائف إلى ختام المجلد ألأول 1410
    ● [ ذكر حصار الطائف ] ●

    لما قدم المنهزمون من ثقيف ومن انضم إليهم من غيرهم إلى الطائف أغلقوا عليهم مدينتهم واستحصروا وجمعوا ما يحتاجون إليه. فسار إليهم النبي، صلى الله عليه وسلم، فلما كان ببحرة الرغاء قبل وصوله إلى الطائف قتل بها رجلاً من بني ليث قصاصاً، كان قد قتل رجلاً من هذيل فأمر بقتله، وهو أول دم أقيد به في الإسلام، وسار إلى ثقيف فحصرهم بالطائف نيفاً وعشرين يوماً ونصب عليهم منجنيقاً أشار به سلمان الفارسي، وقاتلهم قتالاً شديداً، حتى إذا كان يوم الشدخة عند جدار الطائف، فأرسلت عليهم ثقيف سكك الحديد المحماة، فخرجوا من تحتها، فرماهم من بالطائف بالنبل فقتلوا رجالاً. فأمر رسول الله، صلى الله عليه وسلم، بقطع أعناب ثقيف، فقطعت، ونزل إلى رسول الله نفر من رقيق أهل الطائف فأعتقهم، منهم أبو بكرة نفيع بن مسروح وكان للحارث بن كلدة، وإنما قيل له أبو بكرة ببكرة نزل فيها، وغيره. فلما أسلم أهل الطائف تكلمت سادات أولئك العبيد في أن يردهم رسول الله، صلى الله عليه وسلم، إلى الرق فقال: لا أفعل، أولئك عتقاء الله.
    ثم إن خويلة بنت حكيم السلمية، وهي امرأة عثمان بن مظعون، قالت: يا رسول الله أعطني إن فتح الله عليك الطائف حلي بادية بنت غيلان أو حلي الفارغة بنت عقيل، وكانتا من أكثر النساء حلياً. فقال لها رسول الله، صلى الله عليه وسلم: أرأيت إن كان لم يؤذن لي في ثقيف يا خويلة ؟ فخرجت فذكرت ذلك لعمر بن الخطاب. فدخل عليه عمر وقال: يا رسول الله ما حديث حدثتنيه خويلة أنك قد قلته ؟ قال: قد قلته. قال: أفلا أؤذن بالرحيل يا رسول الله ؟ قال: بلى. فأذن بالرحيل.
    وقيل: إن رسول الله، صلى الله عليه وسلم، استشار نوفل بن معاوية الدثلي في المقام عليهم. فقال: يا رسول الله ثعلبٌ في جحر إن أقمت عليه أخذته إن تركته لم يضرك، فأذن بالرحيل. فلما رجع الناس قال رجل: يا رسول الله ادع على ثقيف. قال: اللهم اهد ثقيفاً وأت بهم. فلما رأت ثقيفٌ الناس قد رحلوا عنهم نادى سعيد بن عبيد الثقفي: ألا إن الحي مقيم. فقال عيينة بن حصن: أجل والله مجدةً كراماً. فقال رجل من المسلمين: قاتلك الله يا عيينة أتمدحهم بالامتناع من رسول الله، صلى الله عليه وسلم ؟ قال: إني والله ما جئت لأقاتل معكم ثقيفاً، ولكني أردت أن أصيب من ثقيف جارية لعلها تلد لي رجلاً، فإن ثقيفاً قوم مناكير.
    واستشهد بالطائف اثنا عشر رجلاً، منهم عبد الله بن أبي أمية المخزومي، وأمه عاتكة بنت عبد المطلب، وعبد الله بن أبي بكر الصديق، رمي بسهم فمات منه بالمدينة بعد وفاة رسول الله، صلى الله عليه وسلم، والسائب بن الحارث بن عدي، وغيرهم.
    وهذه بادية بنت غيلان قال فيها هيت المخنث لعبد الله بن أبي أمية: إن فتح الله عيكم الطائف فسل رسول الله أن ينفلك بادية بنت غيلان فإنها هيفاء شموعٌ نجلاء، إن تكلمت تغنت، وإن قامت تثنت، وإن مشت ارتجت، وإن قعدت تبنت، تقبل بأربع وتدبر بثمان، بثغر كالأقحوان، بين رجليها كالقعب المكفأ. فقال النبي، صلى الله عليه وسلم: لقد علمت الصفة، ومنعه من الدخول إلى نسائه.
    ● [ ذكر قسمة غنائم حنين ] ●

    لما رحل رسول الله، صلى الله عليه وسلم، من الطائف سار حتى نزل الجعرانة، وأتته وفود هوازن بالجعرانة وقد أسلموا، فقالوا: يا رسول الله إنا أصلٌ وعشيرة، وقد أصابنا ما لم يخف عليك، فامنن علينا من الله عليك. وقام زهير بن صرد من بني سعد بن بكر، وهم الذين أرضعوا رسول الله، صلى الله عليه وسلم، فقال: يا رسول الله، إنما في الحظائر عماتك وخالاتك وحواضنك، ولو أنا أرضعنا الحارث بنأبي شمر الغساني أو النعمان بن المنذر لرجونا عطفه، وأنت خير المكفولين ! ثم قال:
    امنن علينا رسول الله في كرمٍ ... فإنّك المرء نرجوه وندّخر
    امنن على نسوةٍ قد عاقها قدرٌ ... ممزّقٌ شملها في دهرها غير
    في أبيات. فخيرهم رسول الله، صلى الله عليه وسلم، بين أبنائهم ونسائهم وبين أموالهم، فاختاروا أبناءهم ونساءهم، فقال: أما ما كان لي ولبني عبد المطلب فهو لكم، فإذا أنا صليت بالناس فقولوا: إنا نستشفع برسول الله إلى المسلمين وبالمسلمين إلى رسول الله في أبنائنا ونسائنا، فسأعطيكم وأسأل فيكم. فلما صلى الظهر فعلوا ما أمرهم به، فقال رسول الله، صلى الله عليه وسلم: ما كان لي ولبني عبد المطلب فهو لكم. وقال المهاجرون والأنصار: ما كان لنا فهو لرسول الله. وقال الأقرع بن حابس: ما كان لي ولبني تميم فلا. وقال عيينة بن حصن: ما كان لي ولفزارة فلا. وقال عباس بن مرداس: ما كان لي ولسليم فلا. فقالت بنو سليم: ما كان لنا فهو لرسول الله. فقال: وهنتموني. فقال رسول الله، صلى الله عليه وسلم: من تمسك بحقه من السبي فله بكل إنسان ست فرائض من أول شيء نصيبه، فردوا على الناس أبناءهم ونساءهم.
    وسأل رسول الله، صلى الله عليه وسلم، عن مالك بن عوف، فقيل: إنه بالطائف. فقال: أخبروه إن أتاني مسلماً رددت عليه أهله وماله وأعطيته مائة بعير. فأخبر مالك بذلك، فخرج من الطائف سراً ولحق برسول الله، صلى الله عليه وسلم، فأسلم وحسن إسلامه، واستعمله رسول الله، صلى الله عليه وسلم، على قومه وعلى من أسلم من تلك القبائل التي حول الطائف، فأعطاه أهله وماله ومائة بعير. وكان يقاتل بمن أسلم معه من ثمالة وفهم وسلمة ثقيفاً، لا يخرج لهم سرح إلا أغار عليه، حتى ضيق عليهم.
    ولما فرغ رسول الله، صلى الله عليه وسلم، من رد سبايا هوازن ركب واتبعه الناس يقولون: يا رسول الله اقسم علينا فيئنا، حتى ألجؤه إلى شجرة، فاختطف رداؤه، فقال: ردوا علي ردائي أيها الناس، فوالله لو كان لي عدد شجر تهامة نعمٌ لقسمتها عليكم ثم لا تجدوني بخيلاً ولا جباناً ولا كذاباً. ثم رفع وبرة من سنام بعير وقال: ليس لي من فيئكم ولا هذه الوبرة إلا الخمس وهو مردود عليكم. ثم أعطى المؤلفة قلوبهم، وكانوا من أشراف الناس، يتألفهم على الإسلام، فأعطى أبا سفيان وابنه معاوية، وحكيم بن حزام، والعلاء بن جارية الثقفي، والحارث بن هشام، وصفوان بن أمية، وسهيل بن عمرو، وحويطب بن عبد العزى، وعيينة بن حصن، والأقرع بن حابس، ومالك بن عوف النصري، كل واحد منهم مائة بعير، وأعطى دون المائة رجالاً، منهم: مخرمة بن نوفل الزهري، وعمير بن وهب، وهشام بن عمرو، وسعيد بن يربوع، وأعطى العباس بن مرداس أباعر، فسخطها وقال:
    كانت نهاباً تلافيتها ... بكرّي على المهر في الأجرع
    وإيقاظي القوم أن يرقدوا ... إذا هجع النّاس لم أهجع
    فأصبح نهبي ونهب العبي ... د بين عيينة والأقرع
    وقد كنت في الحرب ذا تدرإٍ ... فلم أعط شيئاً ولم أمنع
    إلاّ أفائل أعطيتها ... عديد قوائمها الأربع
    وما كان حصنٌ ولا حابسٌ ... يفوقان مرداس في المجمع
    وما كنت دون امرءٍ منهما ... ومن تضع اليوم لا يرفع
    فأعطاه حتى رضي.
    وقال رجل من الصحابة: يا رسول الله أعطيت عيينة والأقرع وتركت جعيل بن سراقة. فقال رسول الله، صلى الله عليه وسلم: ومن يعدل إذا لم أعدل ؟ فقال عمر بن الخطاب: ألا نقتله ؟ فقال: دعوه، ستكون له شيعة يتعمقون في الدين حتى يخرجوا منه كما يخرج السهم من الرمية ينظر في النصل فلا يوجد شيء، ثم في القدح فلا يوجد شيء ثم في الفوق فلا يوجد شيء سبق الفرث الدم وقيل: إن هذا القول إنما كان في مال بعث به علي من اليمن إلى رسول الله، صلى الله عليه وسلم، فقسمه بين جماعة، منهم: عيينة والأقرع وزيد الخيل.
    قال أبو سعيد الخدري: لما أعطى رسول الله، صلى الله عليه وسلم، ما أعطى من تلك الغنائم في قريش وقبائل العرب ولم يعط الأنصار شيئاً وجدوا في أنفسهم حتى قال قائلهم: لقي رسول الله، صلى الله عليه وسلم، قومه. فأخبر سعد بن عبادة رسول الله، صلى الله عليه وسلم، بذلك، فقال له: فأين أنت يا سعد ؟ قال: أنا من قومي. قال: فاجمع قومك لي، فجمعهم. فأتاهم رسول الله، صلى الله عليه وسلم، فقال: ما حديث بلغني عنكم ؟ ألم آتكم ضلالاً فهداكم الله بي ؟ وفقراء فأغناكم الله بي ؟ وأعداء فألف الله بين قلوبكم بي ؟ قالوا: بلى والله يا رسول الله، ولله ورسوله المن والفضل. فقال: ألا تجيبوني ؟ قالوا: بماذا نجيبك ؟ فقال: والله لو شئتم لقلتم فصدقتم: أتيتنا مكذباً فصدقناك، ومخذولاً فنصرناك، وطريداً فآويناك، وعائلاً فواسيناك، أوجدتم يا معشر الأنصار في أنفسكم في لعاعة من الدنيا تألفت بها قوماً ليسلموا ووكلتكم إلى إسلامكم، أفلا ترضون أن يذهب الناس بالشاة والبعير وترجعوا برسول الله إلى رحالكم ؟ والذي نفسي بيده لولا الهجرة لكنت أمرأً من الأنصار، ولو سلك الناس شعباً وسلكت الأنصار شعباً لسلكت شعب الأنصار، اللهم ارحم الأنصار وأبناء الأنصار وأبناء أبناء الأنصار. قال: فبكى القوم حتى أخضلوا لحاهم وقالوا: رضينا برسول الله قسماً وحظاً. وتفرقوا.
    ثم اعتمر رسول الله، صلى الله عليه وسلم، من الجعرانة وعاد إلى المدينة، واستخلف على مكة عتاب بن أسيد، وترك معه معاذ بن جبل يفقه الناس، وحج عتاب بن أسيد بالناس، وحج الناس تلك السنة على ما كانت العرب تحج وعاد رسول الله، صلى الله عليه وسلم، إلى المدينة في ذي القعدة أو ذي الحجة.
    وفيها بعث رسول الله، صلى الله عليه وسلم، عمرو بن العاص إلى جيفر وعياذ ابني الجلندى من الأزد بعمان مصدقاً، فأخذ الصدقة من أغنيائهم وردها على فقرائهم، وأخذ الجزية من المجوس، وهم كانوا أهل البلد، وكان العرب حولها، وقيل سنة سبع.
    وفيها تزوج رسول الله، صلى الله عليه وسلم، الكلابية، واسمها فاطمة بنت الضحاك بن سفيان، فاختارت الدنيا، وقيل: إنها استعاذت منه ففارقها. وفيها ولدت مارية إبراهيم ابن النبي، صلى الله عليه وسلم، في ذي الحجة، فدفعه إلى أم بردة بنت المنذر الأنصارية فكانت ترضعه، وزوجها البراء بن أوس الأنصاري. وكانت قابلتها سلمى مولاة رسول الله، صلى الله عليه وسلم، فأرسلت أبا رافع إلى النبي، صلى الله عليه وسلم، يبشره بإبراهيم، فوهب له مملوكاً، وغار نساء النبي، صلى الله عليه وسلم، وعظم عليهن حين رزقت مارية منه ولداً.
    وفيها بعث رسول الله، صلى الله عليه وسلم، كعب بن عمير إلى ذات إطلاح من الشام إلى نفر من قضاعة يدعوهم إلى الإسلام ومعه خمسة عشر رجلاً، فوصل إليهم فدعاهم إلى الاسلام، فلم يجيبوه، وكان رئيس قضاعة رجلاً يقال له سدوس، فقتلوا المسلمين ونجا عمير فتقدم إلى المدينة. وفيها بعث أيضاً عيينة بن حصن الفزاري إلى بني العنبر من تميم، فأغار عليهم وسبى منهم نساء، وكان على عائشة عتق رقبة من بني إسماعيل، فقال لها رسول الله، صلى الله عليه وسلم: هذا سبي بني العنبر يقدم علينا فنعطيك إنساناً فتعتقينه.
    ● [ ثم دخلت سنة تسع ] ●
    ذكر إسلام كعب بن زهير

    قيل: خرج كعب بن زهير بن أبي سلمى، وأبو سلمى ربيعة المزني، ومعه أخوه بجير حتى أتيا أبرق العزاف، فقال له بجير: اثبت في غنمنا حتى آتي هذا الرجل، يعني رسول الله، صلى الله عليه وسلم، فأسمع منه. فأقام كعب وسار بجير إلى رسول الله، صلى الله عليه وسلم، فأسلم، وبلغ ذلك كعباً فقال:
    ألا أبلغا عني بجيراً رسالةً ... فهل لك فيما قلت ويحك هل لكا
    ففارقت أسباب الهدى واتبعته ... على أي شيء ويب غيرك دلكا
    على خلقٍ لم تلف أمّاً ولا أباً ... عليه ولم تدرك عليه أخاً لكا
    سقاك بها المأمور كأساً رويّةٍ ... فأنهلك المأمور منها وعلّكا
    فإن أنت لم تفعل فلست بآسف ... ولا قائل أما عثرت لعالكا
    فلما بلغ رسول الله، صلى الله عليه وسلم، قوله غضب وأهدر دمه، فكتب بذلك بجير إلى أخيه بعد عود رسول الله، صلى الله عليه وسلم، من الطائف وقال: النجاء النجاء، وما أدري أن تتفلت، ثم كتب إليه: إذا أتاك كتابي هذا فأسلم وأقبل إليه فإنه لا يأخذ مع الإسلام بما كان قبله. فأسلم كعب وجاء حتى أناخ راحلته بباب المسجد، ورسول الله، صلى الله عليه وسلم، مع أصحابه، قال كعب: فعرفته بالصفة فتخطيت الناس إليه فأسلمت وقلت: الأمان يا رسول الله، هذا مقام العائذ بك. قال: من أنت ؟ فقلت: كعب بن زهير. قال: الذي يقول، ثم التفت إلى أبي بكر فقال: كيف قال ؟ فأنشده أبو بكر الأبيات التي أولها:
    ألا أبلغا عني بجيراً رسالةً
    فقال كعب: ما هكذا قلت يا رسول الله، إنما قلت:
    سقاك أبو بكرٍ بكأسٍ رويّةٍ ... فأنهلك المأمون منها وعلّكا
    فقال رسول الله، صلى الله عليه وسلم، مأمون والله. فتجهمته الأنصار وأغلظت له، ولانت له قريش وأحبت إسلامه، فأنشده قصيدته التي أولها:
    بانت سعاد فقلبي اليوم متبول ... متيّمٌ عندها لم يفد مكبول
    فلما انتهى إلى قوله:
    وقال كلّ خليلٍ كنت آمله ... لا ألهينّك إنّي عنك مشغول
    نبّئت أنّ رسول الله أوعدني ... والعفو عند رسول الله مأمول
    في فتيةٍ من قريشٍ قال قائلهم ... ببطن مكّة لما أسلموا زولوا
    زالوا فما زال أنكاسٌ ولا كشفٌ ... عند اللّقاء ولا ميلٌ معازيل
    لا يقع الطّعن في نحورهم ... وما لهم عن حياض الموت تهليل
    نظر رسول الله، صلى الله عليه وسلم، إلى قريش فأومأ إليهم أن اسمعوا، حتى قال:
    يمشون مشي الجمال الزّهر يعصمهم ... ضربٌ إذا عرّد السّود التّنابيل
    يعرض بالأنصار لغلظتهم التي كانت عليه، فأنكرت قريش قوله وقالوا: لم تمدحنا إذ هجوتهم، ولم يقبلوا ذلك منه، وعظم على الأنصار هجوه، فشكوه، فقال يمدحهم:
    من سرّة كرم الحياة فلا يزل ... في مقنبٍ من صالحي الأنصار
    ورثوا المكارم كاراً عن كابرٍ ... إن الخيار هم بنو الأخيار
    الباذلين نفوسهم ودماءهم ... يوم الهياج وسطوة الجبّار
    يتطهّرون يرونه نسكٌ لهم ... بدماء من قتلوا من الكفّار
    في أبيات. فكساه النبي، صلى الله عليه وسلم، بردةً كانت عليه، فلما كان زمن معاوية أرسل إلى كعب: أن بعنا بردة رسول الله. فقال: ما كنت لأوثر بثوب رسول الله أحداً. فلما مات كعب اشتراها معاوية من أولاده بعشرين ألف درهم، وهي البردة التي عند الخلفاء الآن.
    وقيل: إنما رسول الله، صلى الله عليه وسلم، بقتله وقطع لسانه لنه تشبب بأم هانئ بنت أبي طالب.
    أبو سلمى بضم السين والإمالة، والمأمور بالراء، قال بعض العلماء: إنما كره رسول الله، صلى الله عليه وسلم، ذلك لن العرب كانت تقول لكل من يتكلم بالشيء من تلقاء نفسه مأمور، بالراء، يريدون أن الذي يقوله تأمره به الجن وإن كان رسول الله، صلى الله عليه وسلم، مأموراً من الله تعالى ولكنه كره لعادتهم، فلما قال: المأمون بالنون، رضي به لأنه مأمون على الوحي. وبجير بالباء الموحدة المضمومة وبالجيم.
    ● [ ذكر غزوة تبوك ] ●

    لما عاد رسول الله، صلى الله عليه وسلم، أقام بالمدينة بعد عوده من الطائف ما بين ذي الحجة إلى رجب، ثم أمر الناس بالتجهز لغزو الروم وأعلم الناس مقصدهم لبعد الطريق وشدة الحر وقوة العدو، وكان قبل ذلك إذا أراد غزوة ورى بغيرها.
    وكان سببها أن النبي، صلى الله عليه وسلم، بلغه أن هرقل ملك الروم ومن عنده من متنصرة العرب قد عزموا على قصده، فتجهز هو والمسلمون وساروا إلى الروم. وكان الحر شديداً، والبلاد مجدبة، والناس في عسرة، وكانت الثمار قد طابت، فأحب الناس المقام في ثمارهم فتجهزوا على كره، فكان ذلك الجيش يسمى العسرة. فقال رسول الله، صلى الله عليه وسلم، للجد بن قيس، وكان من رؤساء المنافقين: هل لك في جلاد بني الأصفر ؟ فقال: والله لقد عرف قومي حبي للنساء، وأخشى أن لا أصبر على نساء بني الأصفر، فإن رأيت أن تأذن لي ولا تفتني. فقال رسول الله، صلى الله عليه وسلم: قد أذنت لك، فأنزل الله تعالى: (وَمِنْهُمْ مَنْ يَقُولُ ائْذَنْ لي وَلا تَفْتِنّ) الآية التوبة: 49؛ وقال قائل من المنافين: لا تنفروا في الحر، فنزل قوله تعالى: (وَقَالُوا لا تَنْفِرُوا في الحَرِّ قُلْ نَارُ جَهَنَّمَ أشَدُّ حَرّاً) التوبة: 81.
    ثم إن النبي، صلى الله عليه وسلم، تجهز وأمر بالنفقة في سبيل الله، وأنفق أهل الغنى، وأنفق أبو بكر جميع ما بقي عنده من ماله، وأنفق عثمان نفقة عظيمة لم ينفق أحد أعظم منها، قيل: كانت ثلاثمائة بعير وألف دينار.
    ثم إن رجالاً من المسلمين أتوا النبي، صلى الله عليه وسلم، وهم البكاؤون، وكانوا سبعة نفر من الأنصار وغيرهم، وكانوا أهل حاجة، فاستحملوه. فقال: لا أجد ما أحملكم عليه، فتولوا يبكون، فلقيهم يامين بن عمير بن كعب النضري فسألهم عما يبكيهم فأعلموه، فأعطى أبا ليلى عبد الرحمن بن كعب وعبد الله بن مغفل المزني بعيراً، فكانا يعتقبانه مع رسول الله، صلى الله عليه وسلم.
    وجاء المعذرون من الأعراب فاعتذروا إلى رسول الله، صلى الله عليه وسلم، فلم يعذرهم الله، وكان عدة من المسلمين تخلفوا من غير شك، منهم: كعب بن مالك، ومرارة بن الربيع، وهلال بن أمية، وأبو خيثمة.
    فلما سار رسول الله، صلى الله عليه وسلم، تخلف عنه عبد الله بن أبي المنافق فيمن تبعه من أهل النفاق، واستخلف رسول الله، صلى الله عليه وسلم، على المدينة سباع بن عرفطة، وعلى أهله علي بن أبي طالب، فأجف به المنافقون وقالوا: ما خلفه إلا استثقالاً له. فلما سمع علي ذلك أخذ سلاحه ولحق برسول الله، صلى الله عليه وسلم، فأخبره ما قال المنافقون، فقال: (كذبوا وإنّما خلّفتُك لما ورائي، فارجعْ فاخلفْني في أهلي وأهلك، أما ترضى أن تكون مني بمنزلة هارون من موسى ؟ إلاّ أنّه لا نبيّ بعدي). فرجع. فسار رسول الله، صلى الله عليه وسلم.
    ثم إن أبا خيثمة أقام أياماً، فجاء يوماً إلى أهله، وكانت له امرأتان، وقد رشت كل امرأة منهما عريشها وبردت له ماء وصنعت طعاماً، فلما رآه قال: يكون رسول الله، صلى الله عليه وسلم، في الحر والريح وأبو خيثمة في الظل البارد والماء البارد مقيم ! ما هذا بالنصف، والله ما أحل عريشاً منهما حتى ألحق برسول الله، صلى الله عليه وسلم. فهيأ زاده وخرج إلى ناضحه فركبه، وطلب رسول الله، صلى الله عليه وسلم، فأدركه بتبوك، فقال الناس: يا رسول الله هذا راكب مقبلٌ. فقال رسول الله، صلى الله عليه وسلم: كن أبا خيثمة. فقالوا: هو والله أبو خيثمة. وأتى رسول الله، صلى الله عليه وسلم، فأخبره بخبره، فدعا له.
    وكان رسول الله، صلى الله عليه وسلم، حين مر بالحجر، وهو بطريقه، وهو منزل ثمود، قال لأصحابه: لا تشربوا من هذا الماء شيئاً ولا تتوضأوا منه، وما كان من عجين فألقوه واعلفوه الإبل ولا تأكلوا منه شيئاً، ولا يخرج الليلة أحد إلا مع صاحب له. ففعل ذلك الناس ولم يخرج أحدٌ إلا رجلين من بني ساعدة خرج أحدهما لحاجته فأصابه جنون، وأما الذي طلب بعيره فاحتمله الريح إلى جبلي طيء، فأخبر بذلك رسول الله، صلى الله عليه وسلم، فقال: ألم أنهكم أن لا يخرج أحد إلا مع صاحب له ؟ فأما الذي خنق فدعا له فشفي، وأما الذي حملته الريح فأهدته طيء إلى رسول الله بعد عوده إلى المدينة. وأصبح الناس بالحجر ولا ماء معهم، فشكوا ذلك إلى النبي، صلى الله عليه وسلم، فدعا الله فأرسل سحابةً فأمطرت حتى روي الناس.
    وكان بعض المنافقين يسير مع رسول الله، صلى الله عليه وسلم، فلما جاء المطر قال له بعض المسلمين: هل بعد هذا شيء ؟ قال: سحابة مارة.
    وضلت ناقة رسول الله، صلى الله عليه وسلم، في الطريق فقال لأصحابه، وفيهم عمارة بن حزم، وهو عقبي بدري: إن رجلاً قال إن محمداً يخبركم الخبر من السماء وهو لا يدري أين ناقته، وإني والله لا أعلم إلا ما علمني الله عز وجل، وهي في الوادي في شعب كذا قد حبستها شجرة بزمامها، فانطلقوا فأتوه بها، فرجع عمارة إلى أصحابه فخبرهم بما قال رسول الله، صلى الله عليه وسلم، عن الناقة تعجباً مما رأى. وكان زيد بن لصيت القينقاعي منافقاً وهو في رحل عمارة قد قال هذه المقالة، فأخبر عمارة بأن زيداً قد قالها، فقام عمارة يطأ عنقه وهو يقول: في رحلي داهية ولا أدري ! اخرج عني يا عدو الله ! فزعم بعض الناس أن زيداً تاب بعد ذلك وحسن إسلامه، وقيل: لم يزل متهماً حتى هلك.
    ووقف بأبي ذر جمله فتخلف عليه، فقيل: يا رسول الله تخلف أبو ذر. فقال: ذروه فإن يك فيه خير فسيلحقه الله بكم. فكان يقولها لكل من تخلف عنه، فوقف أبو ذر على جمله، فلما أبطأ عليه أخذ رحله عنه وحمله على ظهره وتبع النبي، صلى الله عليه وسلم، ماشياً. فنظر الناس فقالوا: يا رسول الله هذا رجل على الطريق وحده، فقال رسول الله، صلى الله عليه وسلم: كن أبا ذر. فلما تأمله الناس قالوا: هو أبو ذر. فقال رسول الله، صلى الله عليه وسلم: (يرحم الله أبا ذرّ، يمشي وحده، ويموت وحده، ويُبْعَث وحده)، ويشهده عصابة من المؤمنين.
    فلما نفى عثمان أبا ذر إلى الربذة أصابه بها أجله ولم يكن معه إلا امرأته وغلامه، فأوصاهما أن يغسلاه ويكفناه ثم يضعاه على الطريق، فأول ركب يمر بهما يستعينان بهم على دفنه؛ ففعلا ذلك، فاجتاز بهما عبد الله بن مسعود في رهط من أهل العراق، فأعلمته امرأة أبي ذر بموته. فبكى ابن مسعود وقال: صدق رسول الله، صلى الله عليه وسلم، تمشي وحدك، وتموت وحدك، وتبعث وحدك؛ ثم واروه.
    وانتهى رسول الله، صلى الله عليه وسلم، إلى تبوك، فأتى يوحنا ابن رؤبة صاحب أيلة فصالحه على الجزية وكتب له كتاباً، فبلغت جزيتهم ثلاثمائة دينار، ثم زاد فيها الخلفاء من بني أمية. فلما كان عمر بن عبد العزيز لم يأخذ منهم غير ثلاثمائة، وصالح أهل أذرح على مائة دينار في كل رجب، وصالح أهل جرباء على الجزية، وصالح أهل مقنا على ربع ثمارهم.
    وأرسل رسول الله، صلى الله عليه وسلم، خالد بن الوليد إلى أكيدر بن عبد الملك صاحب دومة الجندل، وكان نصرانياً من كندة، فقال لخالد: إنك تجده يصيد البقر. فخرج خالد بن الوليد حتى إذا كان من حصنه على منظر العين وأكيدر على سطح داره فباتت البقر تحك بقرونها باب الحصن، فقالت امرأته: هل رأيت مثل هذا قط ؟ قال: لا والله، ثم نزل وركب فرسه ومعه نفر من أهل بيته، ثم خرج يطلب البقر، فتلقتهم خيل رسول الله، صلى الله عليه وسلم، وأخذته وقتلوا أخاه حساناً، وأخذ خالد من أكيدر قباء ديباج مخوص بالذهب فأرسله إلى رسول الله، صلى الله عليه وسلم فجعل المسلمون يلمسونه ويتعجبون منه. فقال رسول الله، صلى الله عليه وسلم: أتعجبون من هذا ؟ لمناديل سعد بن عبادة في الجنة أحسن من هذا. وقدم خالد بأكيدر على رسول الله، صلى الله عليه وسلم، فحقن دمه وصالحه على الجزية وخلى سبيله.
    وأقام رسول الله، صلى الله عليه وسلم، بتبوك بضع عشرة ليلة ولم يجاوزها، ولم يقدم عليه الروم والعرب المتنصرة، فعاد إلى المدينة. وكان في الطريق ماء يخرج من وشل لا يروي إلا الراكب والراكبين بوادٍ يقال له وادي المشقق، فقال رسول الله، صلى الله عليه وسلم: من سبقنا فلا يستقين منه شيئاً حتى نأتيه، فسبقه نفر من المنافقين فاستقوا ما فيه، فلما جاءه رسول الله، صلى الله عليه وسلم، أخبروه بفعلهم، فلعنهم ودعا عليهم، ثم نزل رسول الله، صلى الله عليه وسلم، إليه فوضع يده تحته وجعل يصب إليها يسيراً من الماء، فدعا فيه ونضحه في الوشل، فانخرق الماء جرياً شديداً، فشرب الناس واستقوا. وسار رسول الله، صلى الله عليه وسلم، حتى قارب المدينة، فأتاه خبر مسجد الضرار، فأرسل مالك بن الدخشم فحرقه وهدمه وأنزل الله فيه: (وَالَّذِينَ اتَّخّذوُا مَسْجِداً ضِرَاراً وَكُفْراً وَتَفْرِيقاً بَيْنَ المُؤمِنِينَ) التوبة: 107 الآيات. وكان الذين بنوه اثني عشر رجلاً، وكان قد أخرج من دار خذام بن خالد من بني عمرو بن عوف. وقدم رسول الله، صلى الله عليه وسلم، وكان قد تخلف عنه رهط من المنافقين، فأتوه يحلفون له ويعتذرون، فصفح عنهم رسول الله، صلى الله عليه وسلم، ولم يعذرهم الله ورسوله، وتخلف أولئك النفر الثلاثة، وهم: كعب بن مالك، وهلال بن أمية، ومرارة بن الربيع، تخلفوا من غير شك ولا نفاق، فنهى رسول الله، صلى الله عليه وسلم، عن كلامهم، فاعتزلهم الناس، فبقوا كذلك خمسين ليلة، ثم أنزل الله توبتهم: (وَعَلى الثَّلاثَةِ الَّذِينَ خُلِّفُوا حَتّى إذَا ضَاقَتْ عَلَيْهِمُ الأرْضُ بِمَا رَحُبَتْ وَضَاقَتْ عَلَيْهِمْ أنْفُسُهُمْ) الآيات؛ إلى قوله: (صَادِقِينَ) التوبة: 118، وكان قدوم رسول الله، صلى الله عليه وسلم، المدينة من تبوك في رمضان.
    يامين النضري بالنون، والضاد المعجمة. وعبد الله بن مغفل بالغين المعجمة، والفاء المشددة المفتوحة. وزيد بن لصيت باللام المضمومة، والصاد المهملة المفتوحة، وآخره تاء مثناة من فوقها. وخذام بن خالد بالخاء المكسورة، والذال المعجمتين. وأكيدر بالهمزة المضمومة، والكاف المفتوحة، والدال المهملة المكسورة، وآخره راء مهملة.
    ذكر قدوم عروة بن مسعود الثقفي
    على رسول الله صلى الله عليه وسلم

    وفيها قدم عروة بن مسعود الثقفي على النبي، صلى الله عليه وسلم، مسلماً، وقيل: بل أدركه في الطريق مرجعه من الطائف، وسأله أن يرجع إلى قومه بالإسلام، فقال رسول الله، صلى الله عليه وسلم: إنهم قاتلوك. فقال: أنا أحب إليهم من أبكارهم، ورجا أن يوافقوه لمنزلته فيهم، فلما رجع إلى الطائف صعد إلى علية له وأشرف منها عليهم وأظهر الإسلام ودعاهم إليهم، فرموه بالنبل، فأصابه سهم فقتله، فقيل له: ما ترى في دمك ؟ فقال: كرامةً أكرمني الله بها وشهادةً ساقها إلي، ليس في إلا ما في الشهداء الذين قتلوا مع رسول الله، فادفنوني معهم. فلما مات دفنوه معهم. وقال رسول الله، صلى الله عليه وسلم، فيه: (إنّ مثَله في قومه كمثَل صاحب يس في قومه).
    ذكر قدوم وفد ثقيفوفي هذه السنة في رمضان قدم وفد ثقيف على رسول الله، صلى الله عليه وسلم.
    وسبب ذلك أنهم رأوا أن من يحيط بهم من العرب قد نصبوا لهم القتال وشنوا الغارات عليهم، وكان أشدهم في ذلك مالك بن عوف النصري، فلا يخرج منهم مال إلا نهب، ولا إنسان إلا أخذ، فلما رأوا عجزهم اجتمعوا وأرسلوا عبد ياليل بن عمرو بن عمير، والحكم بن عمرو بن وهب، وشرحبيل بن غيلان، وهؤلاء من الأحلاف، وأرسلوا من بني مالك عثمان بن أبي العاص، وأوس بن عوف، ونمير بنخرشة، فخرجوا حتى قدموا على رسول الله، صلى الله عليه وسلم، فأنزلهم في قبة في المسجد، فكان خالد بن سعيد بن العاص يمشي بينهم وبين النبي، صلى الله عليه وسلم، وكان رسول الله، صلى الله عليه وسلم، يرسل إليهم ما يأكلونه مع خالد، وكانوا لا يأكلون طعاماً حتى يأكل خالد منه، حتى أسلموا.
    وكان فيما سألوا رسول الله، صلى الله عليه وسلم، أن يدع الطاغية، وهي اللات، لا يهدمها ثلاث سنين، فأبى عليهم، وكان قصدهم بذلك أن يتسلموا بتركها من سفهائهم ونسائهم، فنزلوا إلى شهر فلم يجبهم، وسألوه أن يعفيهم من الصلاة فقال: لا خير في دين لا صلاة فيه، فأجابوا وأسلموا. وأمر عليهم رسول الله، صلى الله عليه وسلم، عثمان بن أبي العاص، وكان أصغرهم، لما رأى من حرصه على الإسلام والتفقه في الدين. ثم رجعوا إلى بلادهم، وأرسل رسول الله، صلى الله عليه وسلم، معهم المغيرة بن شعبة وأبا سفيان بن حرب ليهدما الطاغية، فتقدم المغيرة فهدمها، وقام قومه من بني شعيب دونه خوفاً أن يرمى بسهم، وخرج نساء ثقيف حسراً يبكين عليها، وأخذ حليها ومالها.
    وكان أبو مليح بن عروة بن مسعود وقارب بن الأسود بن مسعود قدما على رسول الله، صلى الله عليه وسلم، لما قتل عروة والأسود، فأمرهما رسول الله، صلى الله عليه وسلم، أن يقضيا منه دين عروة والأسود ابني مسعود، ففعلا، وكان الأسود مات كافراً، فسأل ابنه قارب بن الأسود رسول الله، صلى الله عليه وسلم، أن يقضي دين أبيه، فقال: إنه كافر. فقال: يصل مسلمٌ ذا قرابته، يعني أنه أسلم فيصل أباه وإن كان مشركاً.
    ● [ ذكر غزوة طيء ] ●
    وإسلام عدي بن حاتم

    في هذه السنة في شهر ربيع الآخر أرسل النبي، صلى الله عليه وسلم، علي بن أبي طالب في سرية إلى ديار طيء وأمره أن يهدم صنمهم الفلس، فسار إليهم وأغار عليهم، فغنم وسبى وكسر الصنم، وكان متقلداً سيفين يقال لأحدهما مخذم وللآخر رسوب، فأخذهما علي وحملهما إلى رسول الله، صلى الله عليه وسلم، وكان الحارث بن أبي شمر أهدى السيفين للصنم، فعلقا عليه، وأسر بنتاً لحاتم الطائي، وحملت إلى رسول الله، صلى الله عليه وسلم، بالمدينة فأطلقها.
    وأما إسلام عدي بن حاتم فقال عدي: جاءت خيل رسول الله، صلى الله عليه وسلم، فأخذوا أختي وناساً فأتوا بهم رسول الله، صلى الله عليه وسلم، فقالت أختي: يا رسول الله هلك الوالد وغاب الوافد فامنن علي من الله عليك. فقال: ومن وافدك ؟ قالت: عدي بن حاتم. قال: الذي فر من الله ورسوله ! فمن عليها، وإلى جانبه رجل قائم وهو علي بن أبي طالب، قال: سليه حملاناً. فسألته، فأمر لها به وكساها وأعطاها نفقة. قال عدي: وكنت ملك طيء آخذ منهم المرباع وأنا نصراني، فلما قدمت خيل رسول الله، صلى الله عليه وسلم، هربت إلى الشام من الإسلام وقلت أكون عند أهل ديني، فبينا أنا بالشام إذ جاءت أختي وأخذت تلومني على تركها وهربي بأهلي دونها، ثم قالت لي: أرى أن تلحق بمحمد سريعاً فإن كان نبياً كان للسابق فضله، وإن كان ملكاً كنت في عز وأنت أنت. قال: فقدمت على رسول الله، صلى الله عليه وسلم، فسلمت عليه وعرفته نفسي، فانطلق بي إلى بيته، فلقيته امرأة ضعيفة فاستوقفته، فوقف لها طويلاً تكلمه في حاجتها، فقلت: ما هذا بملكٍ، ثم دخلت بيته فأجلسني على وسادة وجلس على الأرض، فقلت في نفسي: ما هذا ملك. فقال لي: يا عدي إنك تأخذ المرباع وهو لا يحل في دينك، ولعلك إنما يمنعك من الإسلام ما ترى من حاجتنا وكثرة عدونا، والله ليفيضن المال فيهم حتى لا يوجد من يأخذه، ووالله لتسمعن بالمرأة تسير من القادسية على بعيرها حتى تزور هذا البيت لا تخاف إلا الله، ووالله لتسمعن بالقصور البيض من بابل وقد فتحت. قال: فأسلمت، فقد رأيت القصور البيض وقد فتحت، ورأيت المرأة تخرج إلى البيت لا تخاف إلا الله، ووالله لتكونن الثالثة ليفيضن المال حتى لا يقبله أحد.
    ● [ ذكر قدوم الوفود على رسول الله ] ●
    صلى الله عليه وسلم

    لما افتتح رسول الله، صلى الله عليه وسلم، مكة وأسلمت ثقيف وفرغ من تبوك ضربت إليه وفودٌ من كل وجه، وإنما كانت العرب تنتظر بإسلامها قريشاً إذ كانوا أمام الناس وأهل الحرم وصريح ولد إسماعيل بن إبراهيم عليه السلام، لا تنكر العرب ذلك، وكانت قريش هي التي نصبت الحرب لرسول الله، صلى الله عليه وسلم، وخلافه، فلما فتحت مكة وأسلمت قريش عرفت العرب أنها لا طاقة لها بحرب رسول الله، صلى الله عليه وسلم، ولا عداوته، فدخلوا في الدين أفواجاً، كما قال الله تعالى: (إذَا جَاء نَصْرُ اللهِ وَالفَتْحُ وَرَأيْتَ النّاسَ يَدْخُلُونَ في دِينِ اللهِ أفْوَاجاً فَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ وَاسْتَغْفِرْهُ إنّهُ كَانَ تَوّاباَ) النصر: 1 - 3.
    وقدمت وفودهم في هذه السنة، قدم وفد بني أسد على رسول الله، صلى الله عليه وسلم، وقالوا: أتيناك قبل أن ترسل إلينا رسولاً، فأنزل الله تعالى: (يَمُنُّونَ عَلَيْكَ أنْ أسْلَمُوا)؛ الآية الحجرات: 17. وفيها قدم وفد بلي في شهر ربيع الأول. وفيها قدم وفد الزاريين، وهم عشرة نفر. وفيها قدم على رسول الله، صلى الله عليه وسلم، وفد بني تميم مع عطارد بن حاجب بن زرارة بن عدس، وفيهم الأقرع بن حابس والزبرقان بن بدر وعمرو بن الأهتم وقيس بن عاصم والختات ومعتمر بن زيد في وفد عظيم ومعهم عيينة بن حصن الفزاري، فلما دخلوا المسجد نادوا رسول الله، صلى الله عليه وسلم، من وراء حجراته أن اخرج إلينا يا محمد، فآذى ذلك رسول الله، صلى الله عليه وسلم، وخرج إليهم، فقالوا: جئنا نفاخرك فأذن لشاعرنا وخطيبنا، فأذن لهم، فقام عطارد فقال: الحمد لله الذي له علينا الفضل والمن، وهو أهله، الذي جعلنا ملوكاً ووهب لنا أموالاً عظاماً نفعل فيها المعروف وجعلنا أعز أهل المشرق وأكثرهم عدداً، فمن يفاخرنا فليعدد مثل عددنا.
    فقال رسول الله، صلى الله عليه وسلم، لثابت بن قيس: أجب الرجل. فقام ثابت فقال: الحمد لله الذي له السماوات والأرض خلقه، قضى فيهن أمره، ووسع كرسيه علمه، ولم يكن شيء قط إلا من فضله، ثم كان من قدرته أن جعلنا ملوكاً، واصطفى من خير خلقه رسولاً، أكرمهم نسباً، وأصدقهم حديثا، وأفضلهم حسباً، فأنزل عليه كتابه، وائتمنه على خلقه، فكان خيرة الله تعالى من العالمين، ثم دعا الناس إلى الإيمان فآمن به المهاجرون من قومه وذوي رحمه، أكرم الناس نسباً وجوهاً وخير الناس فعالاً. ثم كان أول الخلق استجابة لله حين دعاه نحن، فنحن أنصار الله ووزراء رسوله نقاتل الناس حتى يؤمنوا، فمن آمن بالله ورسوله منع ماله ودمه، ومن كفر جاهدناه في الله أبداً، وكان قتله عينا يسيراً، والسلام عليكم.
    فقالوا: يا رسول الله ائذن لشاعرنا، فأذن له، فقام الزبرقان بن بدر فقال:
    نحن الكرام فلا حيٌّ يعادلنا ... منّا الملوك وفينا تنصب البيع
    وكم قسرنا من الأحياء كلّهم ... عند النّهاب وفضل العرب يتّبع
    ونحن يطعم عند القحط مطعمنا ... من الشّواء إذا لم يؤنس القزع
    بما ترى النّاس تأتينا سراتهم ... من كلّ أرضٍ هويّاً ثمّ نصطنع
    فننحر الكوم عبطاً في أرومتنا ... للنّازلين إذا ما أنزلوا شبعوا
    فلا ترانا إلى حيٍّ نفاخرهم ... إلاّ استقادوا وكاد الرّأس يقتطع
    إنّا أبينا ولن يأبى لنا أحدٌ ... إنّا كذلك عند الفخر نرتفع
    فمن يفاخرنا في ذاك يعرفنا ... فيرجع القول والأخبار تستمع
    قال: وكان حسان بن ثابت غائباً، فدعاه رسول الله، صلى الله عليه وسلم، ليجيب شاعرهم. قال حسان: فلما سمعت قوله قلت على نحوه:
    إن الذّوائب من فهرٍ وإخوتهم ... قد بيّنوا سنّةً للنّاس تتّبع
    قومٌ إذا حاربوا ضرّوا عدوّهم ... أو حاولوا النّفع في أشياعهم نفعوا
    يرضى بها كلّ من كانت سريرته ... تقوى الإله، وكلّ البرّ يصطنع
    سجيّةٌ تلك منهم غير محدثةٍ ... إنّ الخلائق، فاعلم، شرّها البدع
    إن كان في النّاس سبّاقون بعدهم ... فكلّ سبقٍ لأدنى سبقهم تبع
    لا يرقع النّاس ما أوهت أكفّهم ... عند الدّفاع ولا يوهون ما رقعوا
    إن سابقوا النّاس يوماً فاز سبقهم ... أو وازنوا أهل مجدٍ بالنّدى متعوا
    أعفّةٌ ذكرت في الوحي عفّتهم ... لا يطمعون ولا يزري بهم طمع
    لا يبخلون على جارٍ بفضلهم ... ولا يمسّهم من مطمعٍ طبع
    إذا نصبنا لحيٍّ لم ندبّ لهم ... كما يدبّ إلى الوحشيّة الذّرع
    كأنّهم في الوغى والموت مكتنعٌ ... أسدٌ بحلية في أرساغها فدع
    أكرم بقومٍ رسول الله شيعتهم ... إذا تفرّقت الأهواء والشّيع
    فإنّهم أفضل الأحياء كلّهم ... إن جدّ بالناس جدّ القول أو شمعوا
    فلما فرغ حسان قال الأقرع بن حابس: إن هذا الرجل لمؤتىً له، خطيبهم أخطب من خطيبنا، وشاعرهم أشعر من شاعرنا؛ ثم أسلموا وأجازهم رسول الله، صلى الله عليه وسلم، وفيهم أنزل الله تعالى: (إنَّ الَّذِينَ يُنَادُونَكَ مِنْ وَرَاء الحُجُرَاتِ أكْثَرُهُمْ لا يَعْقِلُونَ) الآيات الحجرات: 4.
    الختات بالخاء المعجمة، وتائين كل واحدة منهما معجمة باثنتين من فوق. وعيينة بضم العين المهملة، وبائين كل واحدة منهما مثناة من تحت، ونون.
    وفيها قدم على رسول الله، صلى الله عليه وسلم، كتب ملوك حمير مقرين بالإسلام مع رسولهم الحارث بن عبد كلال والنعمان قيل ذي رعين وهمدان، فأرسل إليه زرعة ذو يزن مالك بن مرة الرهاوي بإسلامهم، وكتب إليهم رسول الله، صلى الله عليه وسلم، يأمرهم بما عليهم في الإسلام وينهاهم عما حرم عليهم.
    وفيها قدم وفد بهراء على رسول الله، صلى الله عليه وسلم، فنزلوا على المقداد بن عمرو. وفيها قدم وفد بني البكاء. وفيها قدم وفد بني فزارة فيهم خارجة بن حصن. وفيها قدم وفد ثعلبة بن منقذ. وفيها قدم وفد سعد بن بكر، وكان وافدهم ضمام بن ثعلبة، فسأل رسول الله، صلى الله عليه وسلم، عن شرائع الإسلام وأسلم، فلما رجع إلى قومه قال رسول الله، صلى الله عليه وسلم: لئن صدق ليدخلن الجنة؛ فلما قدم على قومه اجتمعوا إليه فكان أول ما تكلم به أن قال: بئست اللات والعزى ! فقالوا: اتق البرص والجذام والجنون. فقال: ويحكم إنهما لا يضران ولا ينفعان، وإن الله قد بعث رسولاً وأنزل عليه كتاباً وقد استنقذكم به مما كنتم فيه؛ وأظهر إسلامه، فما أمسى ذلك اليوم في حاضره رجل مشرك ولا امرأة مشركة، فما سمع بوافد قوم كان أفضل من ضمام بن ثعلبة.
    ● [ ذكر حج أبي بكر رضي الله عنه ] ●

    وفيها حج أبو بكر بالناس ومعه عشرون بدنة لرسول الله، صلى الله عليه وسلم، ولنفسه خمس بدنات، وكان في ثلاثمائة رجل، فلما كان بذي الحليفة أرسل رسول الله، صلى الله عليه وسلم، في أثره علياً وأمره بقراءة سورة براءة على المشركين فأدركه بالعرج، وأخذها منه فعاد أبو بكر وقال: يا رسول الله بأبي أنت وأمي أنزل في شيء ؟ قال: لا، ولكن لا يبلغ عني إلا أنا أو رجل مني، ألا ترضى يا أبا بكر أنك كنت معي في الغار وصاحبي على الحوض ؟ قال: بلى، فسار أبو بكر أميراً على الموسم، فأقام الناس الحج وحجت العرب الكفار على عادتهم في الجاهلية، وعلي يؤذن ببراءة، فنادى يوم الأضحى: لا يحجن بعد العام مشركٌ ولا يطوفن بالبيت عريان، ومن كان بينه وبين رسول الله، صلى الله عليه وسلم، عهد فأجله إلى مدته فقالوا: نحن نبرأ من عهدك وعهد ابن عمك إلا من الطعن والضرب، ورجع المشركون، فلام بعضهم بعضاً وقالوا: ما تصنعون وقد أسلمت قريش ؟ فأسلموا.
    وفي هذه السنة فرضت الصدقات، وفرق رسول الله، صلى الله عليه وسلم، فيها عماله.
    وفيها في شعبان توفيت أم كلثوم بنت النبي، صلى الله عليه وسلم، وهي زوج عثمان بن عفان وغسلتها أسماء بنت عميس وصفية بنت عبد المطلب، وقيل: غسلتها نسوة من الأنصار، منهن أم عطية، وصلى عليها رسول الله، صلى الله عليه وسلم، ونزل في حفرتها أبو طلحة.
    وفيها مات عبد الله بن أبي بن سلول رأس المنافقين، وكان ابتداء مرضه في شوال، فلما توفي جاء ابنه عبد الله إلى النبي، صلى الله عليه وسلم، فسأله قميصه، فأعطاه، فكفنه فيه، وجاء رسول الله، صلى الله عليه وسلم، ليصلي عليه، فقام عمر في صدره وقال: يا رسول الله أتصلي عليه وقد قال يوم كذا وكذا وكذا ! يعدد أيامه، ورسول الله، صلى الله عليه وسلم، يتبسم ثم قال: أخر عني عمر، قد خيرت فاخترت، قد قيل لي: (اسْتَغْفِرْ لَهُمْ أوْ لا تَسْتَغْفِرْ لَهُمْ، إنْ تَسْتَغْفِرْ لَهُمْ سَبْعِينَ مَرّةً فَلَنْ يَغْفِرَ اللهُ لَهُمْ) التوبة: 80؛ ولو علمت أن لو زدت على السبعين غفر لهم لزدت، ثم صلى عليه وقام على قبره حتى فرغ منه، فأنزل الله تعالى: (وَلا تُصَلِّ عَلى أحَدٍ مِنْهُمٍ مَاتَ أبَداً وَلا تَقُمْ عَلى قَبْرِهِ) الآية التوبة: 84. وفيها نعى النبي، صلى الله عليه وسلم، النجاشي للمسلمين، وكان موته في رجب سنة تسع، وصلى عليه رسول الله، صلى الله عليه وسلم، وفيها توفي أبو عامر الراهب عند النجاشي.

    avatar
    اسرة التحرير
    Admin


    عدد المساهمات : 3695
    تاريخ التسجيل : 23/01/2014

    من حصار الطائف إلى ختام المجلد ألأول Empty ختام المجلد ألأول

    مُساهمة من طرف اسرة التحرير الثلاثاء أبريل 09, 2019 10:50 am

    ● [ ذكر الأحداث في سنة عشر ] ●
    ذكر وفد نجران مع العاقب والسيد

    وفيها أرسل رسول الله، صلى الله عليه وسلم، خالد بن الوليد إلى بني الحارث بن كعب بنجران في شهر ربيع الآخر وأمره أن يدعوهم إلى الإسلام ثلاثاً، فإن أجابوا أقام فيهم وعلمهم شرائع الإسلام، وإن لم يفعوا قاتلهم. فخرج إليهم ودعاهم إلى الإسلام، فأجابوا وأسلموا، فأقام فيهم وكتب إلى رسول الله، صلى الله عليه وسلم، يعلمه إسلامهم، وعاد خالد ومعه وفدهم فيهم قيس بن الحصين بن يزيد بن قينان ذي الغصة ويزيد بن عبد المدان وغيرهما، فقدموا على رسول الله، صلى الله عليه وسلم، ثم عادوا عنه في بقية شوال أو في ذي الحجة، وأرسل إليهم عمرو بن حزم يعلمهم شرائع الإسلام ويأخذ صدقاتهم، وكتب معه كتاباً، وتوفي رسول الله، صلى الله عليه وسلم، وعمرو بن حزم على نجران.
    وأما نصارى نجران فإنهم أرسلوا العاقب والسيد في نفر إلى رسول الله، صلى الله عليه وسلم، وأرادوا مباهلته، فخرج رسول الله، صلى الله عليه وسلم، ومعه علي وفاطمة والحسن والحسين، فلما رأوهم قالوا: هذه وجوه لو أقسمت على الله أن يزيل الجبال لأزالها، ولم يباهلوه وصالحوه على ألفي حلة ثمن كل حلة أربعون درهماً، وعلى أن يضيفوا رسل رسول الله، صلى الله عليه وسلم، وجعل لهم ذمة الله تعالى وعهده ألا يفتنوا عن دينهم ولا يعشروا، وشرط عيهم أن لا يأكلوا الربا ولا يتعاملوا به. فلما استخلف أبو بكر عاملهم بذلك، فلما استخلف عمر أجلى أهل الكتاب عن الحجاز وأجلى أهل نجران، فخرج بعضهم إلى الشام وبعضهم إلى نجرانية الكوفة، واشترى منهم عقارهم وأموالهم. وقيل: إنهم كانوا قد كثروا فبلغوا أربعين ألفاً فتحاسدوا بينهم، فأتوا عمر بن الخطاب وقالوا: أجلنا، وكان عمر بن الخطاب قد خافهم على المسلمين فاغتنما فأجلاهم، فندموا بعد ذلك ثم استقالوه فأبى، فبقوا كذلك إلى خلافة عثمان. فلما ولي علي أتوه وقالوا: ننشدك الله خطك بيمينك. فقال: إن عمر كان رشيد الأمر وأنا أكره خلافه، وكان عثمان قد أسقط عنهم مائتي حلة، وكان صاحب النجرانية بالكوفة يبعث إلى من بالشام والنواحي من أهل نجران بجبونهم الحلل.
    فلما ولي معاوية ويزيد بن معاوية شكوا إليه تفرقهم وموت من مات منهم وإسلام من أسلم منهم، وكانوا قد قلوا، وأروه كتاب عثمان، فوضع عنهم مائتي حلة تكملة أربعمائة حلة. فلما ولي الحجاج العراق وخرج عليه عبد الرحمن بن محمد بن الأشعث اتهم الدهاقين بموالاته واتهمهم معهم فردهم إلى ألف وثلاثمائة حلة وأخذهم بحلل وشيٍ. فلما ولي عمر بن عبد العزيز شكوا إليه فناءهم ونقصهم وإلحاح العرب عليهم بالغارة وظلم الحجاج، فأمر بهم فأحصوا ووجدوا على العشر من عدتهم الأولى، فقال: أرى هذا الصلح جزيةً وليس على أرضهم شيء وجزية المسلم والميت ساقطة، فألزمهم مائتي حلة. فلما تولى يوسف بن عمر اثقفي ردهم إلى أمرهم الأول عصبية للحجاج. فلما استخلف السفاح عمدوا إلى طريقه يوم ظهوره من الكوفة فألقوا فيها الريحان ونثروا عليه، فأعجبه ذلك من فعلهم، ثم رفعوا إليه أمرهم وتقربوا إليه بأخواله بني الحارث بن كعب، فكلمه فيهم عبد الله بن الحارث فردهم إلى مائتي حلة. فلما ولي الرشيد شكوا إليه العمال فأمر أن يعفوا من العمال وأن يكون مؤداهم بيت المال.
    وفيها قدم وفد سلامان في شوال، وهم سبعة نفر، رأسهم حبيب السلاماني. وفيها قدم وفد غبشان في رمضان، ووفد عامر في شهر رمضان أيضاً. وفيها قدم وفد الأزد رسأهم صرد بن عبد الله في بضعة عشر رجلاً، فأسلم، وأمره رسول الله، صلى الله عليه وسلم، على من أسلم من قومه، وأمره أن يجاهد المشركين، فسار إلى مدينة جرش، وفيها قبائل من ايمن فيهم خثعم، فحاصرهم قريباً من شهر فامتنعوا منه فرجع حتى كان بجبل يقال له كشر، فظن أهل جرش أنه منهزم فخرجوا في طلبه فأدركوه، فعطف عليهم فقاتلهم قتالاً شديداً، وقد كان أهل جرش بعثوا رجلين منهم إلى رسول الله، صلى الله عليه وسلم، ينظران حاله. فبينما هما عنده إذ قال: بأي بلاد الله شكر ؟ فقالا: ببلادنا جبل يقال له كشر. فقال: إنه ليس بكشر ولكنه شكر، وإن بدن الله لتنحر عنده الآن. فقال لهما أبو بكر أبو عثمان: ويحكما إنه ينعى لكما قومكما فاسألاه أن يدعوا الله يرفع عنهم، ففعلا، فقال: اللهم ارفع عنهم، فخرجا من عنده إلى قومهما فوجداهم قد أصيبوا ذلك اليوم في تلك الساعة التي ذكر فيها النبي، صلى الله عليه وسلم، حالهم، وخرج وفد جرش إلى رسول الله، صلى الله عليه وسلم، فأسلموا.
    وفيها قدم وفد مراد مع فروة بن مسيك المرادي على رسول الله، صلى الله عليه وسلم، مفارقاً لملوك كندة، وقد كان قبيل الإسلام بين مراد وهمدان وقعة ظفرت فيها همدان وأكثروا القتل في مراد، وكان يقال لذلك اليوم يوم الرزم، وكان رئيس همدان الأجدع بن مالك والد مسروق، وفي ذلك يقول فروة:
    فإن نغلب فغلاّبون قدماً ... وإن نهزم فغير مهزّمينا
    وما إن طبّنا جبنٌ ولكن ... منايانا ودولة آخرينا
    كذاك الدّهر دولته سجالٌ ... تكرّ صروفه حينا وحينا
    فبينا ما يسرّ به ويرضى ... ولو لبست غضارته سنينا
    إذ انقلبت به كرّات دهرٍ ... فألفى للأولى غبطوا طحينا
    ومن يغبط بريب الدّهر منهم ... يجد ريب الزّمان له خؤونا
    فلو خلد الملوك إذاً خلدنا ... ولو بقي الكرام إذاً بقينا
    فأفنى ذلكم سروات قومٍ ... كما افنى القرون الأوّلينا
    ولما توجه فروة إلى رسول الله، صلى الله عليه وسلم، مفارقاً لقومه قال:
    لّما رأيت ملوك كندة أعرضت ... كالرّجل خان الرّجل عرق نسائها
    يمّمت راحلتي أؤمّ محمّداً ... أرجو فضائلها وحسن ثرائها
    فلما انتهى إلى رسول الله، صلى الله عليه وسلم، قال له: يا فروة هل ساءك ما أصاب قومك يوم الرزم ؟ فقال: يا رسول الله من ذا يصيب قومه مثل ما أصاب قومي ولم يسؤه ذلك ؟ فقال رسول الله، صلى الله عليه وسلم: إن ذلك لا يزيد قومك في الإسلام إلا خيراً، فاستعمله رسول الله، صلى الله عليه وسلم، على مراد وزبيد ومذحج كلها وبعث معه خالد بن سعيد ابن العاص، فكان على الصدقات إلى أن توفي رسول الله، صلى الله عليه وسلم.
    وفيها أرسل فروة بن عمرو الجذامي ثم النفاثي رسولاً إلى رسول الله، صلى الله عليه وسلم، بإسلامه وأهدى له بغلة بيضاء، وكان فروة عاملاً للروم على من يليهم من العرب، وكان منزله معان في أرض الشام، فلما بلغ الروم إسلامه طلبوه حتى أسروه فحبسوه، فقال في محبسه ذلك:
    طرقت سليمى موهناً فشجاني ... والرّوم بين الباب والقربان
    صدّ الخيال وساءه ما قد رأى ... وهممت أن أغفي وقد أبكاني
    لا تكحلنّ العين بعدي إثمداً ... سلمى ولا تدننّ للإنسان
    فلما اجتمعت الروم لصلبه على ماء لهم يقال له عفرى بفلسطين قال:
    ألا هل أتى سلمى بأنّ خليلها ... على ماء عفرى فوق إحدى الرّواحل
    على ناقةٍ لم يلقح الفحل أمّها ... مشذّبةٍ أطرافها بالمناجل
    وهذا من أبيات المعاني. فلما قدموه ليصلبوه قال:
    بلّغ سراة المسلمين بأنّني ... سلمٌ لربّي أعظمي ومقامي
    ثم ضربوا عنقه وصلبوه.
    وفيها قدم وفد زبيد على رسول الله، صلى الله عليه وسلم، مع عمرو بن معدي كرب، وكان رسول الله، صلى الله عليه وسلم، قد استعمل على زبيد ومراد فروة بن مسيك في هذه السنة قبل قدوم عمرو، فلما عاد عمرو من عند رسول الله، صلى الله عليه وسلم، أقام في قومه بني زبيد وعليهم فروة، فلما توفي رسول الله، صلى الله عليه وسلم، ارتد عمرو.
    وفيها قدم وفد عبد القيس على رسول الله، صلى الله عليه وسلم، وفيهم الجارود بن عمرو، وكان نصرانياً فأسلم وأسلم من معه، وكان الجارود حسن الإسلام، نهى قومه عن الردة بعد موت النبي، صلى الله عليه وسلم، لما ارتدوا مع الغرور، وهو المنذر بن النعمان، وقد كان رسول الله، صلى الله عليه وسلم، بعث العلاء بن الحضرمي قبل الفتح إلى المنذر بن ساوى العبدي فأسلم وحسن إسلامه، ثم هلك بعد وفاة رسول الله، صلى الله عليه وسلم، وقبل ردة أهل البحرين، والعلاء أمير لرسول الله على البحرين.
    وفيها قدم وفد بني حنيفة وفيهم مسيلمة، وكان منزله في دار ابنة الحارث امرأة من الأنصار، واجتمع مسيلمة برسول الله، صلى الله عليه وسلم، ثم عاد إلى اليمامة وتنبأ وتكذب لهم وادعى أنه شريك رسول الله في النبوة، فاتبعه بنو حنيفة.
    وفيها قدم وفد كندة مع الأشعث بن قيس، وكانوا ستين راكباً، فقال الأشعث: نحن بنو آكل المرار وأنت ابن آكل المرار. فقال النبي: صلى الله عليه وسلم: (نحن بنو النضر بن كِنانة لا نَقْفُز أمّنا ولا ننتفي من أبينا).
    وفيها قدم وفد محارب. وفيها قدم وفد الرهاويين، وهم بطن من مذحج.
    ورهاء بفتح الراء، قاله عبد الغني بن سعيد. وفيها قدم وفد عبس. وفيها قدم وفد صدف، وافوا رسول الله، صلى الله عليه وسلم، في حجة الوداع. وفيها قدم وفد خولان، وكانوا عشرة.
    وفيها قدم وفد بني عامر بن صعصعة فيهم عامر بن الطفيل وأربد بن قيس وجبار بن سلمى، بضم السين وبالإمالة، بن مالك بن جعفر وكان هؤلاء الثلاثة رؤوس القوم وشياطينهم، وكان عامر يريد الغدر برسول الله، صلى الله عليه وسلم، فقال له قومه: إن الناس قد أسلموا فأسلم. فقال: لا أتبع عقب هذا الفتى، ثم قال لأربد: إذا قدمنا عليه فإني شاغله فاعله بالسيف من خلفه. فلما قدموا جعل يكلم النبي، صلى الله عليه وسلم، يشغله ليفتك به أربد، فلم يفعل أربد شيئاً، فقال عامر للنبي، صلى الله عليه وسلم: لأملأنها عليك خيلاً ورجالاً فلما ولى قال رسول الله، صلى الله عليه وسلم: اللهم اكفني عامراً فلما خرجوا قال عامر لأربد: لم لم تقتله ؟ قال: كلما هممت بقتله دخلت بيني وبينه حتى ما أرى غيرك، أفأضربك بالسيف ؟ ورجعوا، فلما كانوا ببعض الطريق أرسل الله على عامر بن الطفيل الطاعون فقتله، وإنه لفي بيت امرأة سلولية، فمات وجعل يقول: يا بني عامر أغدة كغدة البعير وموتٌ في بيت سلولية ؟ وأرسل الله على أربد صاعقة فأحرقته، وكان أربد بن قيس أخا لبيد بن ربيعة لأمه.
    وفيها قدم على رسول الله، صلى الله عليه وسلم، وفد طيء فيهم زيد الخيل، وهو سيدهم، فأسلموا وحسن إسلامهم. وقال رسول الله، صلى الله عليه وسلم: (ما ذُكر لي رجل من العرب بفضلٍ ثمّ جاءني إلاّ رأيتُهُ دون ما يقال فيه إلاّ ما كان من زيد الخيل)، ثم سماه زيد الخير وأقطع له فيد وأرضين معها. فلما رجع أصابته الحمى بقرية من نجد فمات بها.
    وفيها كتب مسيلمة الكذاب إلى رسول الله، صلى الله عليه وسلم، يذكر أنه شريكه في النبوة، وأرسل الكتاب مع رسولين، فسألهما رسول الله، صلى الله عليه وسلم، عنه، فصدقاه. فقال لهما: لولا أن الرسل لا تقتل لقتلتكما.
    وكان كتاب مسيلمة: من مسيلمة رسول الله إلى محمد رسول الله، أما بعد فإني قد أشركت معك في الأمر وإن لنا نصف الأرض ولقريش نصفها، ولكن قريشاً قوم يعتدون.
    فكتب إليه رسول الله، صلى الله عليه وسلم: (بسم اله الرحمن الرحيم، من محمّد رسول الله إلى مسيلمة الكذّاب، أمّا بعد فالسّلام على مَنِ اتّبع الهُدى، فإنّ الأرض لله يورثها من يشاء من عباده والعاقبة للمتّقين).
    وقيل: إن دعوى مسيلمة وغيره النبوة كانت بعد حجة الوداع ومرضته التي مات فيها. فلما سمع الناس بمرضه وثب الأسود العنسي باليمن، ومسيلمة باليمامة، وطليحة في بني أسد.
    ● [ ذكر إرسال علي إلى اليمن وإسلام همدان ] ●

    في هذه السنة بعث رسول الله، صلى الله عليه وسلم، علياً إلى اليمن، وقد كان أرسل قبله خالد بن الوليد إليهم يدعوهم إلى الإسلام فلم يجيبوه، فأرسل علياً وأمره أن يعقل خالداً ومن شاء من أصحابه، ففعل، وقرأ علي كتاب رسول الله، صلى الله عليه وسلم، على أهل اليمن، فأسلمت همدان كلها في يوم واحد، فكتب بذلك إلى رسول الله، صلى الله عليه وسلم، فقال: السلام على همدان، يقوله ثلاثاً، ثم تتابع أهل اليمن على الإسلام، وكتب بذلك إلى رسول الله، صلى الله عليه وسلم، فسجد شكراً لله تعالى.
    ●[ ذكر بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم ]●
    أمراءه على الصدقات

    وفيها بعث رسول الله، صلى الله عليه وسلم، أمراءه وعماله على الصدقات، فبعث المهاجرين بن أبي أمية بن المغيرة إلى صنعاء، فخرج عليه العنسي وهو بها، وبعث زياد بن لبيد الأنصاري إلى حضرموت على صدقاتهم، وبعث عدي بن حاتم الطائي على صدقات طيء وأسد، وبعث مالك بن نويرة على صدقات بني حنظلة، وجعل الزبرقان بن بدر وقيس بن عاصم على صدقات سعد بن زيد مناة بن تميم، وبعث العلاء بن الحضرمي إلى البحرين، وبعث علي بن أبي طالب إلى نجران ليجمع صدقاتهم وجزيتهم ويعود، ففعل وعاد، ولقي رسول الله، صلى الله عليه وسلم، بمكة في حجة الوداع، واستخلف على الجيش الذي معه رجلاً من أصحابه، وسبقهم إلى النبي، صلى الله عليه وسلم، فلقيه بمكة، فعمد الرجل إلى الجيش فكساهم كل رجل حلة من البز الذي مع علي، فلما دنا الجيش خرج علي ليتلقاهم فرأى عليهم الحلل، فنزعها عنهم، فشكاه الجيش إلى رسول الله، صلى الله عليه وسلم، فقام النبي، صلى الله عليه وسلم، خطيباً فقال: (أيّها النّاس لا تشكو عليّاً فوالله إنه لأخْشَنُ في ذات الله وفي سبيل الله).
    ● [ ذكر حجة الوداع ] ●

    خرج رسول الله، صلى الله عليه وسلم، إلى الحج لخمس بقين من ذي القعدة لا يذكر الناس إلا الحج، فلما كان بسرف أمر الناس أن يحلوا بعمرة إلا من ساق الهدي، وكان رسول الله، صلى الله عليه وسلم، قد ساق الهدي وناس مع، وكان علي بن أبي طالب قد لقيه محرماً، فقال له النبي، صلى الله عليه وسلم: حل كما حل أصحابك. فقال: إني قد أهللت بما أهل به رسول الله، فبقي على إحرامه، ونحر رسول الله، صلى الله عليه وسلم، الهدي عنه وعن علي وحج بالناس فأراهم مناسكهم وعلمهم سنن حجهم وخطب خطبته التي بين فيها للنا ما بين، وكان الذي يبلغ عنه بعرفه ربيعة بن أمية بن خلف لكثرة الناس.
    فقال بعد حمد الله:
    أيها الناس اسمعوا قولي فلعلي لا ألقاكم بعد عامي هذا بهذا الموقف أبداً. أيها الناس إن دماءكم وأموالكم عليكم حرام كحرمة يومكم هذا، وكل رباً موضوع كلم رؤوس أموالكم، وإن ربا العباس بن عبد المطلب موضوعٌ كله، وكل دم كان في الجاهلية موضوعٌ، وأول دم أضع دم ابن ربيعة بن الحارث بن عبد المطلب، وكان مسترضعاً في بني ليث فقتلته هذيل. أيها الناس إن الشيطان قد يئس أن يعبد بأرضكم هذه أبداً ولكنه يطاع فيما سوى ذلك وقد رضي بما تحقرون من أعمالكم. أيها الناس (إنَّمَا النَّسيءُ زِيَادَةٌ في الكُفْرِ) التوبة: 37، وإن الزمان قد استدار كهيئته يوم خلق الله السموات والأرض، و(إنَّ عِدَّةَ الشُّهُورِ عِنْدَ اللهِ اثْنَا عَشَرَ شَهْراً) التوبة: 36. أيها الناس استوصوا بالنساء خيراً. وهي خطبة طويلة.
    وقال حين وقف بعرفة:
    هذا الموقف - للجبل الذي هو عليه - وكل عرفة موقف. وقال بالمزدلفة: هذا الموقف وكل مزدلفة موقف. ولما نحر بمنى قال: هذا المنحر وكل منى منحر. فقضى رسول الله، صلى الله عليه وسلم، الحج، وكانت حجة الوداع وحجة البلاغ، وذلك أن رسول الله، صلى الله عليه وسلم، لم يحج بعدها، وأرى الناس مناسكهم وعلمهم حجتهم.
    ● [ ذكر عدد غزواته ] ●
    صلى الله عليه وسلم وسراياه

    وكان آخر غزوة غزاها رسول الله، صلى الله عليه وسلم، بنفسه غزوة تبوك، وجميع غزواته بنفسه تسع عشرة غزوة. قال الواقدي: هكذا يرويه أهل العراق عن زيد بن أرقم، وهو خطأ لأنه زيداً غزا مؤتة مع عبد الله بن رواحة وهو رديفه على رحله، ولم يغز مع النبي، صلى الله عليه وسلم، غير ثلاث غزوات أو أربع، وقيل: غزا رسول الله، صلى الله عليه وسلم، ستاً وعشرين غزوة، وقيل: سبعاً وعشرين، فمن قال: ستاً وعشرين جعل غزوة خيبر ووادي القرى واحدة لأنه لم يرجع من خيبر إلى منزله، ومن فرق بينهما جعل غزواته سبعاً وعشرين، جعل خيبر غزوة ووادي القرى غزوة.
    وأول غزوة غزاها ودان، وهي الأبواء، ثم بواط بناحية رضوى، ثم العشيرة، ثم بدر الأولى لطلب كرز بن جابر، ثم بدر التي قتل فيها قريشاً، ثم غزوة بني سليم، ثم غزوة السويق، ثم غزوة غطفان، وهي غزوة ذي أمر، ثم غزوة بحران بالحجاز، ثم غزوة أحد، ثم غزوة حمراء الأسد، ثم غزوة بني النضير، ثم غزوة ذات الرقاع، ثم غزوة بدر الآخرة، ثم غزوة دومة الجندل، ثم غزوة الخندق، ثم غزوة بني قريظة، ثم غزوة بني لحيان من هذيل، ثم غزة ذي قرد، ثم غزوة بني المصطلق، ثم غزوة الحديبية، ثم غزوة خيبر، ثم عمرة القضاء، ثم غزوة فتح مكة، ثم غزوة حنين، ثم غزوة الطائف، ثم غزوة تبوك؛ قاتل منها في تسع غزوات: بدر وأحد والخندق وقريظة والمصطلق وخيبر والفتح وحنين والطائف.
    واختلف في عدد سراياه، فقيل: كانت خمساً وثلاثين ما بين سرية وبعث، وقيل: ثمانياً وأربعين.
    وفي هذه السنة قدم جرير بن عبد الله البجلي في رمضان مسلماً، فبعثه إلى ذي الخلصة فهدمها، وكان من حجر أبيض بتبالة، وهو صنم بجيلة وخثعم وأزد السراة، فلما أتى رسول الله، صلى الله عليه وسلم، خبر هدمه سجد شكراً لله تعالى.
    وفيها أسلم باذان باليمن وبعث بإسلامه إلى رسول الله، صلى الله عليه وسلم.
    ● [ ذكر عدد حج النبي ] ●
    صلى الله عليه وسلم وعمره

    قال جابر: حج النبي، صلى الله عليه وسلم، حجتين، حجة قبل أن يهاجر وحجة بعدما هاجر معها عمرة. وقال ابن عمر: اعتمر رسول الله، صلى الله عليه وسلم، ثلاث عمر، وقالت عائشة: أربع عمر، وروي مثل ذلك عن ابن عمر.
    ● [ ذكر صفة النبي صلى الله عليه وسلم ] ●
    وأسمائه وخاتم النبوة

    قال علي بن أبي طالب: كان رسول الله، صلى الله عليه وسلم، ليس بالطويل ولا بالقصير، ضخم الرأس واللحية، شئن الكفين والقدمين، ضخم الكراديس، مشرباً وجهه حمرةً، طويل المسربة، إذا مشى تكفأ تكفؤاً كأنما ينحط من صبب، لم أر قبله ولا بعده مثله، وكان أدعج العينين، سبط الشعر، سهل الخدين، ذا وفرة، كأن عنقه إبريق فضة، وإذا التفت التفت جميعاً، كأن العرق في وجهه اللؤلؤ الرطب لطيب عرقه وريحه.
    قال أبو عبيدة وغيره: شئت الكفين والقدمين، يعني أنهما إلى الغلظ أقرب، وقوله: ضخم الكراديس، يعني ألواح الأكتاف، والمسربة الشعر ما بين السرة واللبة، والصبب الانحدار، والدعج في العين السواد، والسبط من الشعر ضد الجعد.
    وكان بين كتفيه، صلى الله عليه وسلم، خاتم النبوة، وهي بضعة ناشزة حولها شعر.
    وأما أسماؤه فهي كما قال رسول الله، صلى الله عليه وسلم: (أنا محمّد، وأنا أحمد والمقفّي والحاشر ونبّي الرحمة ونبّي التوبة ونبّي الملحمة والعاقب والماحي الذي يمحو الله به الكُفْر. والحاشر الذي يحشر النّاس على قدمه. والعاقب آخر الأنبياء.
    وأما شعره وشيبه فقال أنس: لم يشنه الله بالشيب، وقيل: كان في مقدم لحيته عشرون شعرة بيضاء ولم يخضب. قال جابر بن سمرة: وكان في مفرق رأسه شعرات بيض إذا دهنه غطاهن الدهن، وأخرجت أم سلمة شعره مخضوباً بالحناء والكتم. وقال أبو رمثة: كان رسول الله، صلى الله عليه وسلم، يخضب، وكان شعره يبلغ كتفيه أو منكبيه. وقالت أم هانئ: كان له ضفائر أربع.
    ● [ ذكر شجاعته وجوده ] ●
    صلى الله عليه وسلم

    قال أنس: كان رسول الله، صلى الله عليه وسلم، أشجع الناس، وأسمح الناس، وأحسن الناس، وقع في المدينة فزع فركب فرساً عرياً فسبق الناس إليه فجعل يقول: أيها الناس لم تراعوا. وقال علي بن أبي طالب: كنا إذا اشتد البأس اتقينا برسول الله، صلى الله عليه وسلم، فكان أقربنا إلى العدو، وكفى بهذا شجاعةً أن مثل علي الذي هو هو في شجاعته يقول هذا، وقد تقدم في غزواته ما يستدل به على تمكنه من الشجاعة وأنه لم يقاربه فيها أحدٌ.
    ●[ ذكر عدد أزواج النبي صلى الله عليه وسلم ]●
    وسراريه وأولاده

    قال ابن الكلبي: إن النبي، صلى الله عليه وسلم، تزوج خمس عشرة امرأة، ودخل بثلاث عشرة، وجمع بين إحدى عشرة، وتوفي عن تسع. وأول امرأة تزوجها خديجة بنت خويلد، وكان تزوجها قبله عتيق بن عائذ بن عبد الله بن مخزوم ومات عنها، وتزوجها بعد عتيق أبو هالة بن زرارة بن نباش التميمي، فولدت له هند بن أبي هالة، ثم مات عنها، فتزوجها رسول الله، صلى الله عليه وسلم، فولدت له ثمانية: القاسم والطيب والطاهر وعبد الله وزينب ورقية وأم كلثوم وفاطمة، فأما الذكور فماتوا وهم صغار، وأما الإناث فبلغن ونكحن وولدن، ولم يتزوج على خديجة في حياتها أحداً وكان موتها قبل الهجرة بثلاث سنين، ولم يولد له ولد من غيرها إلا إبراهيم.
    فلما توفيت خديجة نكح بعدها سودة بنت زمعة، وقيل عائشة، فأما عائشة فكانت يوم تزوجها صغيرة بنت ست سنين، وأما سودة فكانت امرأة ثيباً، وكانت قبله عند السكران بن علمرو بن شمس أخي سهيل بن عمرو، وكان من مهاجرة الحبشة فتنصر بها ومات، فخلف عليها رسول الله، صلى الله عليه وسلم، وهو بمكة، وكان الذي خطبها عليه خولة بنت حكيم زوجة عثمان بن مظعون، فدخل بسودة بمكة، زوجها منه أبوها زمعة بن قيس، فلما تزوجها كان أخوها عبد بن زمعة غائباً، فلما قدم جعل يحثي التراب على رأسه، فلما أسلم قال: إني سفيهٌ حيث فعلت ذلك، وندم على ما كان منه.
    وأما عائشة فدخل بها بالمدينة وهي ابنة تسع سنين، ومات عنها وهي ابنة ثماني عشرة سنة، ولم يتزوج بكراً غيرها، ومات سنة ثمان وخمسين.
    ثم تزوج بعدها حفصة بنت عمر بن الخطاب، وكانت قبله عند خنيس بن حذافة السهمي خنيس بالخاء المعجمة والنون والسين المهملة، وكان بدرياً، ولم يشهد من بني سهم بدراً غيره، ولم تلد له شيئاً، وماتت بالمدينة في خلافة عثمان.
    ثم تزوج بعدها أم سلمة ابنة أبي أمية زاد الركب المخزومية، وكانت قبله عند أبي سلمة بن عبد الأسد المخزومي، شهد بدراً وأصابته جراحة يوم أحد فمات منها، وتزوجها رسول الله، صلى الله عليه وسلم، قبل الأحزاب، وماتت سنة تسع وخمسين، وقيل: بعد قتل الحسين، رضي الله عنه.
    ثم تزوج زينب بنت خزيمة من بني عامر بن صعصعة، ويقال لها أم المساكين، وتوفيت في حياته، ولم يمت في حياته غيرها وغير خديجة بنت خويلد، وكانت زينب قبله عند الطفيل بن الحارث بن عبد المطلب.
    ثم تزوج عام المريسيع جويرية ابنة الحارث بن أبي ضرار الخزاعية من بني المصطلق، وكانت قبله عند مالك بن صفوان المصطلقي، لم تلد له شيئاً.
    ثم تزوج أم حبيبة بنت أبي سفيان بن حرب، وكانت عند عبيد الله بن جحش، وكان من مهاجرة الحبشة فتنصر ومات بها، فأرسل النبي، صلى الله عليه وسلم، إلى النجاشي فخطبها عليه وتزوجها وهي بالحبشة، وزوجها منه خالد بن سعيد بن العاص، وقيل: بل خطبها إلى عثمان بن عفان فزوجها منه، وبعث فيها إلى النجاشي فساق منه المهر أربعمائة دينار وأرسلها إليه، وتوفيت في خلافة أخيها معاوية فلم تلد له شيئاً.
    ثم تزوج زينب بنت جحش، وكانت قبله عند زيد بن حارثة مولاه، فلم تلد له شيئاً، فزوجها الله إياه وبعث في ذلك جبرائيل، وكانت تفخر على نساء النبي، صلى الله عليه وسلم، وتقول: أنا أكرمهن ولياً وسفيراً، وهي أول من توفي من أزواجه، توفيت بعده في خلافة عمر.
    ثم تزوج عام خيبر صفية بنت حيي بن أخطب، وكانت قبله تحت سلام بن مشكم فتوفي عنها، وخلف عليها كنانة بن الربيع بن أبي الحقيق، فقتله محمد بن مسلمة صبراً بأمر النبي، صلى الله عليه وسلم، ثم أعتقها النبي، صلى الله عليه وسلم، وتزوجها سنة ست، وماتت سنة ست وثلاثين.
    ثم تزوج ميمونة ابنة الحارث الهلالية، وكانت قبله عند عمير بن عمرو الثقفي، ولم تلد له شيئاً، ثم خلف عليها أبو زهير بن عبد العزى بعد عمير، ثم رسول الله، صلى الله عليه وسلم، بعده، وهي خالة ابن عباس وخالد بن الوليد، وتزوجها في عمرة القضاء بسرف.
    ثم تزوج امرأة من بني كلاب يقال لها النشا بنت رفاعة، وقيل: هي شنبا ابنة أسماء بن الصلت، وقيل: ابنة الصلت بن حبيب، توفيت قبل أن يدخل بها.
    ثم تزوج الشنبا ابنة عمرو الغفارية، وقيل الكنانية، فمات إبراهيم ابنه قبل أن يدخل بها، فقالت: لو كان نبياً ما مات ابنه، فطلقها.
    ثم تزوج غزية ابنة جابر الكلابية، خطبها عليه أبو أسيد، بضم الهمزة، الساعدي، فلما قدمت على النبي، صلى الله عليه وسلم، استعاذت بالله منه ففارقها.
    ثم تزوج أسماء ابنة النعمان بن الأسود بن شراحل الكندي، فلما دخل بها وجد بها بياضاً فمتعها وردها إلى أهلها، وقيل: بل استعاذت منه أيضاً فردها.
    والعالية ابنة ظبيان فجمعها ثم فارقها.
    وقتيلة بنت قيس أخت الأشعث فتوفي عنها قبل أن يدخل بها، فارتدت.
    وفاطمة ابنة سرع.
    وقال ابن الكلبي: غزية هي أم شريك. قال: وقيل: إنه تزوج خولة ابنة الهذيل بن هبيرة، وليلى ابنة الخطيم الأنصارية عرضت نفسها عليه فتزوجها، فأخبرت قومها، فقالوا: أنتِ غيور وله نساء فاستقيليه فأقالته ففارقها.
    وأما من خطب النبي، صلى الله عليه وسلم، من النساء، ولم ينكحها فمنهن أم هانئ بنت أبي طالب خطبها ولم يتزوجها. ومنهن ضباعة بنت عامر من بني قشير. ومنهن صفية بنت بشامة أخت الأعور العنبري. ومنهن أم حبيبة ابنة عمة العباس، فوجد العباس أخاه من الرضاعة فتركها. ومنهن جمرة ابنة الحارث بن أبي حارثة خطبها، فقال أبوها: بها سوء، ولم يكن بها، فرجع إليها فوجدها قد برصت.
    وأما سراريه فهي مارية ابنة شمعون القبطية، وولدت له إبراهيم؛ وريحانة ابنة زيد القرظية، وقيل: هي من بني النضير.
    ● [ ذكر موالي رسول الله ] ●
    صلى الله عليه وسلم

    فمنهم زيد بن حارثة، وابنه أسامة بن زيد، وثوبان، ويكنى أبا عبد الله، أصله من السراة، وسكن حمص بعد موت النبي، صلى الله عليه وسلم، ومات سنة سبع وخمسين، وقيل: سكن الرملة، ولا عقب له.
    وشقران، وكان من الحبشة، وقيل من الفرس، واسمه صالح بن عيد، واختلف في أمره، فقيل: إن رسول الله، صلى الله عليه وسلم، ورثه من أبيه، وقيل: كان لعبد الرحمن بن عوف فوهبه للنبي، صلى الله عليه وسلم، وأعقب.
    وأبو رافع، واسمه إبراهيم، وقيلأو يقع، فقيل: كان للعباس فوهبه للنبي، صلى الله عليه وسلم، فأعتقه رسول الله، صلى الله عليه وسلم، وقيل: كان لأبي أحيحة سعيد بن العاص فأعتق ثلاثةٌ من بنيه أنصباءهم منه، وشهد معهم بدراً وهم كفار، وقتلوا يومئذٍ، ووهب خالد بن سعيد نصيبه منه للنبي، صلى الله عليه وسلم، فأعتقه وابنه البهي، واسمه رافع، وأخوه عبيد اله بن أبي رافع، كان يكتب لعلي بن أبي طالب.
    وسلمان الفارسي، وكنيته أبو عبد الله، من أهل أصبهان، وقيل: من أهل رامهرمز، أصابه سبياً بعض من كلب وبيع من يهودي بوادي القرى، فكاتب اليهودي وأعانه النبي، صلى الله عليه وسلم، حتى عتق.
    وسفينة، كان لأم سلمة، فأعتقته وشرطت عليه خدمة رسول الله، صلى الله عليه وسلم، حياته. قيل: اسمه مهران، وقيل: رباح، وقيل: كان من عجم الفرس.
    وأنسة يكنى أبا مسروح، وهو من مولدي السراة، وكان يأذن على رسول الله، صلى الله عليه وسلم، وشهد معه بدراً وأحداً والمشاهد كلها، وقيل: كان من الفرس.
    وأبو كبشة، واسمه سليم، قيل: كان من موالي مكة، وقيل: كان من مولدي أرض دوس، اشتراه رسول الله، صلى الله عليه وسلم، وأعتقه، وشهد بدراً والمشاهد كلها، وتوفي يوم استخلف عمر بن الخطاب سنة ثلاث عشرة.
    ورويقع أبو مويهبة، كان من مولدي مزينة، فاشتراه رسول الله، صلى الله عليه وسلم، وأعتقه.
    ورباح الأسود، كان يأذن على رسول الله، صلى الله عليه وسلم.
    وفضالة نزل الشام.
    ومدعم قتل بوادي القرى.
    وأبو ضميرة، قيل: كان من الفرس من ولد بشتاسب الملك، فأصابه رسول الله، صلى الله عليه وسلم، في بعض وقائعه فأعتقه، وهو جد أبي حسين.
    ويسار وكان نوبياً، أصابه في بعض غزواته فأعتقه، وهو الذي قتله العرنيون الذين أغاروا على لقاح رسول الله، صلى الله عليه وسلم.
    ومهران مولاه، حدث عن النبي، صلى الله عليه وسلم.
    وكان له خصي يقال له مابوز، أهداه له المقوقس مع مارية وشيرين، قيل: إنه الذي قذفت مارية به، فبعث رسول الله، صلى الله عليه وسلم، علياً ليقتله، فرآه خصياً فتركه. وخرج إليه من الطائف وهو محاصرهم أربعة أعبد فأعتقهم، منهم أبو بكرة.
    ● [ ذكر من كان يكتب لرسول الله ] ●
    صلى الله عليه وسلم

    ذكر أن عثمان بن عفان كان يكتب له أحياناً وعلي بن أبي طالب أحياناً، وخالد بن سعيد، وأبا بن سعيد، والعلاء بن الحضرمي. وأول من كتب له أبي بن كعب، وكتب له زيد بن ثابت، وكتب له عبد الله بن سعد بن أبي سرح، ثم ارتد ورجع إلى الإسلام يوم الفتح. وكتب له معاوية بن أبي سفيان، وحنظلة الأسيدي بضم الهمزة، وتشديد الياء، كذلك يقوله المحدثون، وهو منسوب إلى أسيد بن عمرو بن تميم، بالتشديد إجماعاً.
    ذكر أسماء خيله صلى الله عليه وسلمقيل: أول فرس ملكه، صلى الله عليه وسلم، فرس اشتراه بالمدينة من أعرابي من فزارة بعشر أواق، وسماه السكب، وأول غزوة غزاها عليه أحد. وفرس لأبي بردة بن نيار اسمه ملاوح. وكان له فرس يدعى المرتجز، وهو الفرس الذي شهد به خزيمة بن ثابت، وكان صاحبه من بني مرة. وكان له ثلاثة أفراس: لزاز والظرب واللحيف، وأما لزاز فأهداه له المقوقس، وأما اللحيف فأهداه له ربيعة بن أبي البراء، وأما الظرب فأهداه له فروة بن عمرو الجذامي. وكان له فرس يقال له الورد، أهداه له تميم الداري، فوهبه النبي، صلى الله عليه وسلم، لعمر بن الخطاب، فحمل عليه في سبيل الله فوجده يباع. وقيل: كان له فرس اسمه اليعسوب.
    تفسير هذه الأسماء: السكب الكثير الجري، كأنما يصب جريه صباً. واللحيف سمي به لطول ذنبه كأنه يلحف الأرض بذنبه. أي يغطيها. ولزاز سمي به لشدة تلززه. والظرب سمي به لشدة خلقه، سمي بالجبل الصغير. والمرتجز سمي به لحسن صهيله. واليعسوب سمي به لأنه أجود خيله، لأن اليعسوب الرئيس.
    ● [ ذكر بغاله وحميره وإبله ] ●
    صلى الله عليه وسلم

    كانت له دلدل، وهي أول بغلة رؤيت في الإسلام، أهداها له المقوقس ومعها حمار اسمه عفير، وبقيت البلغة إلى زمن معاوية، وأهدى له فروة بن عمرة بغلة يقال لها فضة، فوهبها لأبي بكر، وحماره يعفور بقي بعد منصرفه من حجة الوداع.
    وأما إبله فكانت له القصوى، وهي التي أخذها من أبي بكر بأربعمائة درهم وهاجر عليها، وكانت من نعم بني الحريش، وبقيت مدة، وهي العضباء والجدعاء أيضاً. قال ابن المسيب: كان في طرف أذنها جدع، وقيل: لم يكن بها جدع.
    وأما لقاحه فكان له عشرون لقحة بالغابة، وهي التي أغار عليها القوم، يأتي لبنها أهله كل ليلة، وكان له لقاح غزار، منهن: الحناء والسمراء والعريس والسعدية والبغوم واليسيرة والريا ومهرة والشقراء.
    وأما منائحه، فكانت له سبع منائح من الغنم: عجوة وزمزم وسقيا وبركة وورسة وأطلال وأطراف، وسبع أعنز يرعاهن أيمن بن أم أيمن.
    تفسير هذه الأسماء: عفير تصغير ترخيم الأعفر، وهو الأبيض بياضاً غير خالص، ومنه أيضاً اسم حماره يعفور، كأخضر ويخضور. البغام صوت الإبل، ومنه البغوم. والباقي لا يحتاج إلى شرح.
    ● [ ذكر أسماء سلاحه ] ●
    صلى الله عليه وسلم

    كان له ذو الفقار، غنمه يوم بدر، وكان لمنبه بن الحجاج، وقيل لغيره، وغنم من بني قينقاع ثلاثة أسياف: سيفاً قلعياً وسيفاً يدعى بتاراً وسيفاً يدع الحتف، وكان له المخذم ورسوب، وقدم معه المدينة سيفان شهد بأحدهما بدراً يسمى العضب. وكان له ثلاثة أرماح وثلاث قسي، قوس اسمها الروحاء وقوس تدعى البيضاء، وقوس نبع تدعى الصفراء، وكان له درع يقال لها الصعدية، وكان له درع يقال لها فضة، غنمها من بني قينقاع، وكان له درع تسمى ذات الفضول، كانت عليه يوم أحد، يه وفضة. وكان له ترس فيه تمثال رأس كبش، فكرهه رسول الله، صلى الله عليه وسلم، فأصبح وقد أذهبه الله عز وجل.
    ● تفسير هذه الأسماء :
    سمي السيف ذو الفقار لحفر فيهز والسيف المخذم القاطع. والرسوب الذي يمضي في الضربة ويثبت فيها.
    ● [ تم المجلد الأول من الكامل في التاريخ ] ●
    لابن الأثير

    من حصار الطائف إلى ختام المجلد ألأول Fasel10

    مختصر الكامل في التاريخ لابن الأثير
    منتدى نافذة ثقافية - البوابة
    من حصار الطائف إلى ختام المجلد ألأول E110


      الوقت/التاريخ الآن هو الجمعة أبريل 26, 2024 1:45 pm