من طرف اسرة التحرير الجمعة نوفمبر 13, 2015 10:56 am
بّسم اللّه الرّحمن الرّحيم
مكتبة الثقافة الأدبية
الأصول في النحو
● [ شرح الثالث من التوابع : وهو عطف البيان ] ●
اعلم : أن عطف البيان كالنعت والتأكيد في إعرابهما وتقديرهما وهو مبين لما تجريه عليه كما يبينان وإنما سمي عطف البيان ولم يقل أنه نعت لأنه اسم غير مشتق من فعل ولا هو تحلية ولا ضرب من ضروب الصفات فعدل النحويون عن تسميته نعتاً
وسموه عطف البيان لأنه للبيان جيء به وهو مفرق بين الإسم الذي يجري عليه وبين ما له مثل اسمه نحو : رأيتُ زيداً أبَا عمروٍ ولقيت أخاكَ بكراً
والفرق بين عطف البيان والبدل أن عطف البيان تقديره النعت التابع للإسم الأول والبدل تقديره أن يوضع موضع الأول وتقول في النداء إذا أردت عطف البيان يا أخانا زيداً فتنصب وتنون لأنه غير منادى فإن أردت البدل قلت : يا أخانا زيدُ وقد بينت هذا الباب في النداء ومسائله وستزداد بياناً في باب البدل إن شاء الله
● [ شرح الرابع من التوابع : وهو عطف البدل ] ●
البدل على أربعة أقسام
إما أن يكون الثاني هو الأول أو بعضه أو يكون المعنى مشتملاً عليه أو غلطاً وحق البدل وتقديره أن يعمل العامل في الثاني كأنه خالٍ من الأول وكان الأصل أن يكونا خبرين أو تدخل عليه واو العطف ولكنهم اجتنبوا ذلك للبس
الأول ما ابتدلته من الأول وهو هُو : وذلك نحو قولك : مررتُ بعبد الله زيدٍ ومررت برجلٍ عبد الله وكان أصل الكلام : مررت بعبد الله ومررت بزيدٍ أو تقول : مررتُ بعبد اللِه وزيدٍ ولو قلت ذلك لظن أن الثاني غير الأول فلذلك استعمل البدل فراراً من اللبس وطلباً للإختصار والإِيجاز ويجوز إبدال المعرفة من النكرة والنكرة من المعرفة والمضمر من المظهر والمظهر من المضمر البدل في جميع ذلك سواء
فأما إبدال المعرفة من النكرة فنحو : قول الله : ( صراطٍ مستقيمِ صراطٍ الله ) فهذا إبدال معرفة من نكرة فتقول على هذا : مررت برجلٍ عبد اللِه وأما إبدال النكرة من المعرفة فنحو قولك : مررت بزيدٍ رجلٍ صالحٍ كما قال الله عز و جل ( بالناصية ناصيةٍ كاذبة خاطئة ) فهذا إبدال نكرة من معرفة وأما إبدال الظاهر من المضمر فنحو قولك : مررتُ بهِ زيدٍ وبهما أخويك ورأيت الذي قامَ زيدٌ تبدل زيداً من الضمير الذي في ( قام ) ولا يجوز أن تقول : رأيتُ زيداً أباهُ والأب غير زيدٍ لأنك لا تبينه لغيره
الثاني ما أبدل من الأول وهو بعضه : وذلك نحو قولك : ضربتُ زيداً رأسَهُ وأتيتُ قومَكَ بعضَهم ورأيتُ قومَكَ أكثَرهم ولقيت قومكَ ثلاثَتهم ورأيت بني عمِّكَ ناساً منهم وضربت وجوهها أولها قال سيبويه : فهذا يجيء على وجهينِ : على أنه أراد أكثَر قومِكَ وثلثي قومكَ وضربتُ وجوهَ أولِها ولكنه ثني الإسم تأكيداً والوجه الآخر : أن يتكلم فيقول : رأيتُ قومَكَ ثم يبدو أن يبين ما الذي رأى منهم
فيقول : ثلاثتَهم أو ناساً منهم ومن هذا قوله عز و جل : ( ولله على الناس حج البيتِ من استطاع إليهِ سبيلاً ) والمستطيعونَ بعضُ الناسِ
الثالث ما كان من سبب الأول : وهو مشتمل عليه نحو : سُلبَ زيدٌ ثوبَهُ وسرق زيد مالُه لأن المعنى : سُلبَ ثوب زيد وسرق مالُ زيدٍ ومن ذلك قول الله عز و جل : ( يسألونك عَنِ الشهرِ الحرامِ قتالٍ فيهِ ) لأن المسألة في المعنى عن القتال في الشهر الحرام ومثله : ( قُتلَ أصحابُ الأخدودِ النارِ ذات الوقود ) وقال الأعشى
( لَقدْ كَانَ في حَوْلٍ ثَوَاءٍ ثَوَيْتُهُ ... تفضى لَبَانَاتُ ويْسأْمُ سائِمُ )
وقال آخر :
( وذَكَرَتْ تَقْتُدَ بَرْدَ مَائِهَا ... وعَتَكُ الَبْولِ على أنسائِها )
الرابع وهو بدل الغلط والنسيان : وهو البدل الذي لا يقع في قرآن ولا شعرٍ وذلك نحو قولهم : مررتُ برجلٍ حمارٍ كأنه أراد أن يقول : مررتَ بحمارِ فغلط فقال : برجلٍ أو بشيءٍ
واعلم : أن الفعل قد يبدل من الفعل وليس شيء من الفعل يتبع الثاني الأول في الإِعراب إلا البدل والعطف والبدل نحو قول الشاعر :
( إنَّ على اللِه أنْ تُبايعا ... تُؤخذَ كُرهاً أو تجيء طائعاً )
وإنما يبدل الفعل من الفعلِ إذا كان ضرباً منه نحو هذا البيت
ونحو قولك : إن تأتني تمشي أمشي معكَ لأن المشيَ ضرب من الإِتيان ولا يجوز أن تقول : أن تأتي تأكل آكلْ معكَ لأن الأكل ليس من الإِتيان في شيء
[ مسائل من هذا الباب ]
تقول : بعتُ متاعَك أسفلَهُ قبلَ أعلاهُ واشتريتُ متاعَك بعضَهُ أعَجلَ من بعضٍ وسقيت إبلَك صغارها أحسن من سقي كبارها ودفعت الناس بعضَهم ببعضٍ وضربت الناسَ بعضَهم قائماً وبعضَهم قاعداً وتقول : مررت بمتاعِكَ بعضِه مرفوعاً وبعضِه مطروحاً كأنك قلت مررت ببعضِ متاعِكَ مرفوعاً وببعضِ مطروحاً لأنك مررتَ به في هذه الحال وإذا كان صفة للفعل لم يجز الرفع وتقول : بعتُ طعامَكَ بعضه مكيلاً وبعضَهُ موزوناً إذا أردت أن الكيل والوزن وقعا في حال البيع فإن رفعت فإلى هذا المعنى ولم يكن متعلقاً بالبيع فقلت : بعتُ طعامَك بعضهُ مكيلٌ وبعضهُ موزونٌ أي بعته وهو موجود كذا فيكون الوزن والكيل قد لحقاه قبل البيع وليسا بصفة للبيع وتفهم هذا بأن الرجل إذا قال : بعتُكَ هذا الطعامَ مكيلاً وهذا الثوب مقصوراً فعليه أن يسلمه إليه مكيلاً ومقصوراً وإذا قال : بعتُكَ وهو مكيل فإنما باعه شيئاً موصوفاً بالكيل ولم يتضمنه البيع تقول : خَوفتُ الناسَ ضعيفَهم وقويُهم كأنك قلت : خوفت ضعيفَ الناسِ قويهم وكان تقدير الكلام قبل أن ينقل فعل إلى ( فَعَلتُ ) خافهُ الناس ضعيفُهم قويهم فلما قلت : خَوَّفتُ صار الفاعلُ مفعولاً وقد بينت هذا فيما تقدم ومثل ذلك ألزمت الناس بعضهم بعضاً كان الأصل : لزمَ الناسُ بعضَهم بعضاً فلما قلت ألزمتُ صار الفاعل مفعولاً وصار الفعل يتعدى إلى مفعولين وتقول : دفعتُ الناسِ بعضُهم ببعضٍ على قولكَ : دفع الناسُ بعضُهم بعضاً فإذا قلت : دفعَ صار ما كان يتعدى لا يتعدى إلا بحرف جر فتقول : دفعَ الناسُ بعضَهم ببعضٍ وتقول : فضلتُ متاعَكَ أسفلَهُ على أعلاهِ كأنه في التمثيل : فَضل متاعُكَ أسفلهُ على أعلاه فلما قلت : فضَّلتُ صار الفاعل مفعولاً ومثله : صككتُ الحجرينِ أحدهما بالآخرِ كان التقدير : اصطكَ الحجرانِ أحدهما بالآخرِ فلما قلت : صككتُ صار الفاعل مفعولاً ومثل ذلِكَ : ولولا دفاعُ اللِه الناسَ بعضَهُم ببعضٍ والمعنى : لولا أن دفعَ الناسُ بعضهُم ببعضٍ ولو قلت : دفعَ الناسُ بعضَهم بعضاً لم يحتج إلى الباء لأنه فعل يتعدى إلى مفعول قلت دفَع اللُه الناسَ واستتر في الفعلِ عمله في الفاعل ن لم يجز أن يتعدى إلى مفعول ثانٍ إلا بحرفِ جرٍّ فعلى هذا جاءت الآيةُ ولذلك دخلت الباء وتقول : عجبتُ من دفعِ الناسِ بعضَهم بعضاً إذا جعلت الناس فاعلين كأنك قلت عجبت من أن دفع الناسُ بعضَهم بعضاً فإن جعلت الناس مفعولين قلت : عجبت من دفعِ الناسِ بعضِهم ببعضٍ لأن المعنى : عجبتُ من أنْ دفَع الناسُ بعضهم ببعضٍ وتقول : سمعتُ وقَع أَنيابهِ بعضِها فوقَ بعضٍ جرى على قولك : وقعت أنيابهُ بعضُها فوقَ بعضٍ فأنيابُه هنا فاعلةٌ وتقول : عجبتُ من إيقاعِ أنيابهِ بعضِها فوقَ بعضٍ جراً فأنيابِه هنا مفعولةٌ قامت مقام الفاعل ولو قلت : أوقعت أنيابُه بعضُها فوقَ بعضٍ لقلت : عجبتُ من إيقاعي أنيابَهُ بعضَها فوقَ بعضٍ فنصبت أنيابَه وتقول : رأيتُ متاعك بعضَهُ فوقَ بعضٍ إذا جعلت ( فوقَ ) في موضع الإسم المبني على المبتدأ وجعلت المبتدأ بعضَهُ كأنك قلت : رأيتُ متاعَكَ بعضَهُ أجود من بعضٍ فإن جعلت ( فوقَ ) وأجودها حالاً نصبتَ ( بعضَهُ ) وإن شئت قلت : رأيت متاعَك بعضَه أحسنَ من بعضِ فتنصبُ ( أَحسنَ ) على أنه مفعول ثانٍ وبعضُه منصوب بأنه بدلٌ من متاعِكَ
قال سيبويه : والرفع في هذا أعرف والنصب عربي جيدٌ فما جاء في الرفع ( ويومَ القيامةِ ترى الذين كذبوا على الله وجوههم مسودة )
ومما جاء في النصب : ( خلقَ اللُه الزرافةَ يديها أطولَ من رجلِيها ) قال : حدثنا يونس أن العرب تنشد هذا البيت لعبدة بن الطبيب :
( فَمَا كَانَ قَيْسٌ هُلْكُه هُلْك وَاحِدٍ ... ولِكَّنهُ بُنيانُ قَوْمٍ تَهَدَّما )
وقال رجل من خثعم أو بجيلة :
( ذَرِيني إنَّ أَمَرِكِ لَنْ يُطاعَا ... وما ألفيتِني حِلْمي مُضَاعا )
وتقول : جعلتُ متاعَكَ بعضَهُ فوقَ بعضٍ كما قلت : رأيتُ متاعَك بعضَهُ فوقَ بعضٍ وأنتَ تريد رؤية العين وتنصب ( فوقَ ) بأنه وقع موقع الحال فالتأويل : جعلت ورأيتُ متاعك بعضَهُ مستقراً فوقَ بعضٍ أو راكباً فوق بعضٍ أو مطروحاً فوق بعضٍ أو ما أشبه هذا المعنى ( ففوقَ ) ظرف نصبه الحال وقام مقام الحال كما يقوم مقام الخبر في قولك : زيدٌ فوقَ الحائِط إذا قلت : رأيتُ زيداً في الدار فقولك ( في الدارِ ) يجوز أن يكون ظرفاً لرأيت ويجوز أن يكون ظرفاً لزيدٍ كما تقول : رميتُ من الأرضِ زيداً على الحائِط فقولك : على الحائِط ظرف يعمل فيه استقرار زيدٍ كأنكَ قلت : رميتُ من الأرضِ زيداً مستقراً على الحائِط ونحو هذا ما جاء في الخبر كتب عمر إلى أبي عبيدة بالشام : الغوثَ الغوثَ وأبو عبيدة وعمر رحمه اللُه كتب إليه من الحجاز فالكتاب لم يكن بالشام ولك أن تعدى ( جعلتَ ) إلى مفعولين فتقول : جعلتُ متاعَكَ بعضَهُ فوقَ بعضٍ فتجعل ( فوقَ بعضٍ ) مفعولاً ثانياً كما يكون في ( ظننتُ ) متاعَكَ بعضَه فوقَ بعضٍ ( فجعلتُ ) هذه إذا كانت بمعنى ( علمتُ ) تعدت إلى واحد مثل رأيتُ إذا كانت من رؤية العين وإذا كانت جعلتُ ليست بمعنى علمتُ وإنما تكلم بها عن توهم أو رأيٍ أو قولٍ كقول القائل : جَعلتُ حسني قبيحاً وجعلتُ البصرةَ بغدادَ وجعلت الحلالَ حراماً فإذا لم ترد فجعلت العلاج والعمل في التعدي بمنزلة ( رأيتُ ) إذا أردت بها رؤية القلب ولم ترد رؤية العين ولك أن تعدي ( جعلتُ ) إلى مفعولين على ضرب آخر على أن تجعل المفعول الأول فاعلاً في الثاني كما تقول : أَضْربتُ زيداً عمراً تريد أنك جعلتَ زيداً يضربُ عمراً فيكون حينئذٍ قولك : فوقَ بعضٍ مفعولُ مفعولٍ وموضعه نصب تعدى إليه الفعل بحرف جرٍّ لأنك إذا قلت : مررت بزيدٍ فموضع هذا نصب وهذا نحو : صُكَّ الحجرانِ أحدهما بالآخرِ فإذا جعلت أنت أحدهما يفعل بالآخر قلت : صككتُ الحجرين أحدهما بالآخر ولم يكن بُدٌ من الباء لأن الفعل متعدٍّ إلى مفعولٍ واحدٍ فلما جعلت المفعول في المعنى فاعلاً احتجت إلى مفعول فلم يتصل الكلام إلا بحرف جرٍّ وقد بينت ذا فيما تقدم وأوضحته فهذه ثلاثة أوجهٍ في نصب ( جَعَلْتُ ) متاعَكَ بعضَهُ على بعضٍ وهي النصب على الحال والنصب على أنه مفعولٌ ثانٍ والنصب على أنه مفعولُ مفعولٍ فافهمهُ فإنه مشكل في كتبهم ويجوز الرفعُ فتقول : جعلت متاعَك بعضه على بعضٍ وتقول : أبكيتَ قومكَ بعضهم على بعضٍ فهذا كان أصله بكى قومُكَ بعضُهم على بعضٍ فلما نقلته إلى ( أبكيتُ ) جعلت الفاعل مفعولاً وهو في المعنى فاعلٌ إلا أنك أنت جعلتهُ فاعلاً وقولك : على بعضٍ لا يجوز أن يقع موقع الحال لأنك لا تريد أنّ بعضَهم مستقرٌ على بعضٍ ولا مطروحٌ على بعضٍ كما كان ذلكَ في المتاعِ قال سيبويه : لم ترد أن تقول : بعضُهم على بعضٍ في عونٍ ولا أن أجسادَهم بعضاً على بعضٍ وقولك : بعضُهم في جميع هذه المسائل منصوب على البدل فإن قلت : حزنتُ قومَك بعضُهم أفضلُ من بعضٍ كان الرفع حُسناً لأن الآخر هو الأول وإن شئت نصبت على الحال يعني ( أفضلَ ) فقلت : حَزنت قومَكَ بعضَهم أفضلَ من بعضٍ كأنك قلت : حَزنت بعضَ قومِكَ فاضلينِ بعضهم
قال سيبويه : إلا أن الأعرف والأكثر إذا كان الآخر هو الأول أن يبتدأ والنصب عربي جيد وتقول : ضُربَ عبد اللِه ظهرُه وبطنُهُ ومُطرنا سهلُنا وجبلُنا ومطرنَا السهلُ والجبلُ وجميع هذا لك فيه البدل ولك أن يكون تأكيداً كأجمعينَ لأنك إذا قلت : ضُرب زيدٌ الظهرُ والبطنُ فالظهر والبطن هما جماعة زيدٍ وإذا قلت : ( مَطرنا ) فإنما تعني : مطرت بلادُنا والبلاد يجمعها السهل والجبل
قال سيبويه : وإن شئت نصبت فقلت ضُربَ زيدٌ الظهرَ والبطنَ ومطرنا السهل والجبل وضُرب زيد ظهرهُ وبطنهُ والمعنى : حرف الجر وهو ( في ) ولكنهم حذفوه قال : وأجازوا هذا كما أجازوا دخلتُ البيتَ وإنما معناه : دخلت في البيتِ والعامل فيه الفعل وليس انتصابه هنا انتصاب الظروف قال : ولم يجيزوا حذف حرف الجر في غير السهلِ والجبلِ والمظهر والبطنِ نظير هذا في حذف حرف الجر نُبئتَ زيداً تريد : عن زيدٍ وزعم الخليل : أنهم يقولون مطرنا الزرع والضرع وإن شئت رفعت على البدل على أن تصيره بمنزلة أجمعينَ توكيداً
قال سيبويه : إن قلت : ضُربَ زيد اليدُ والرجلُ جاز أن يكون بدلاً وأن يكون توكيداً وإن نصبته لم يحسن والبدل كما قال جائزٌ حَسنٌ والتوكيد عندي يَقْبُحُ إذا لم يكن الإسم المؤكِدُ هو المؤكَدُ واليد والرجل ليستا جماعة زيدٍ وهو في السهلِ والجبلِ عندي يحسنُ لأن السهلَ والجبلَ هما جماعة البلادِ وكذلك البطنُ والظهرُ إنما يراد بهما جماعة الشخص فإن أراد باليد والرجل أنه قد : ضُربت جماعة واجتزأ بذكر الطرفين في ذلك جاز
قال : وقد سمعناهم يقولون : ضربتهم ظهراً وبطناً وتقول : ضربت قومَك صغيرهم وكبيرهم على البدل والتأكيد جميعاً فإن قلت : أو كبيرهم لم يجز إلا البدل وتقول : زيدُ ضربتهُ أخاكَ فتبدل ( أخاك ) من الهاء لأن الكلام الأول قد تم وقد خبرتك : أن البدل إنما هو اختصار خبرين فإن قلت : زيدٌ ضربتُ أخاكَ إيّاهُ لم يجز لأن الكلام الأول ما تم فإن قلت : مررتُ برجلٍ قائمٍ رجلُ أبوهُ فجعلت أباه بدلاً من رجل لم يجز لأنه لا يصلح أن تقول : مررت برجلٍ قائمٍ أبوهُ وتسكت ولا يتم بذلك الكلام فإن قلت : مررتُ برجلٍ قائمٍ زيدٍ أبوهُ فقد أجازه الأخفش على الصفة وقال : لأن قولك أبوه من صفة زيدٍ فصار كأنه بعض اسمه ولو كان بدلاً من زيدٍ لم يكن كلاماً ونظير هذا : مررتُ برجلٍ قائمٍ رجلٌ يحبُه وبرجلٍ قائمٍ زيدٌ الضاربه
● [ شرح الخامس من التوابع : وهو العطف بحرف ] ●
حروف العطف عشرة أحرف يُتبِعنَ ما بعدهن ما قبلهن من الأسماء والأفعال في إعرابها
الأول : الواو ومعناها إشراك الثاني فيما دخل فيه الأول وليس فيها دليل على أيهما كان أولاً نحو قولك : جاء زيدٌ وعمروٌ ولقيت بكراً وخالداً ومررت بالكوفةِ والبصرةِ فجائز أن تكون البصرة أولاً وجائز أن تكون الكوفةُ أولاً قال الله عز و جل : ( واسجدي واركعي مع الراكعين ) والركوع قبل السجود
الثاني الفاء : وهي توجب أن الثاني بعد الأول وإن الأمر بينهما قريبٌ نحو قولك : رأيتُ زيداً فعمراً ودخلت مكةَ فالمدينةَ وجاءني زيدٌ فعمروٌ ومررت بزيدٍ فعمروٍ فهي تجيء لتقدم الأول واتصال الثاني فيه
الثالث ثُمَّ : وثم مثل الفاء إلا أنها أشد تراخياً وتجيء لتعلم أن بين الثاني والأول مهلة تقول ضربتُ زيداً ثم عمراً وجاءني زيدٌ ثم عمروٌ ومررت بزيدٍ ثم عمروٍ
الرابع أو : ولها ثلاثة مواضع تكون لأحد الشيئين بغير تعيينه عند شك المتكلم أو قصده أحدهما أو إباحة وذلك قولك : أتيت زيداً أو عمراً وجاءني رجلٌ أو ا مرأةٌ هذا إذا شك فأما إذا قصد بقوله أحدهما فنحو : كُلِ السمكَ أو اشربِ اللبنَ أي لا تجمعهما ولكن اختر أيهما شئت وكقولك : أعطني ديناراً أو اكسني ثوباً والموضع الثالث الإِباحة وذلك قولك : جالس الحسن أو ابن سيرين وأئت المسجد أو السوق أي قد أذنت لك في مجالسة هذا الضرب من الناسِ وعلى هذا قولُ الله عز و جلَ : ( ولا تطعْ منهم آثماً أو كفوراً )
الخامس إما : وإما في الشك والخبر بمنزلة ( أو ) وبينهما فصل وذلك أنك إذا قلت : جاءني زيدٌ أو عمروٌ وقع الخبر في ( زيدٍ ) يقيناً حتى ذكرت ( أو ) فصار فيه وفي عمروٍ شك و ( إما ) تبتدىء به شاكاً وذلك قولك : جاءني إما زيدٌ وإما عمروٌ أي أحدهما وكذلك وقوعها للتخيير تقول : اضرب إما عبد الله وإما خالداً فالآمر لم يشك ولكنه خير المأمور كما كان ذلك في ( أو ) ونظيره قول الله عز و جل : ( إنّا هديناهُ السبيلَ إما شاكراً وإما كفوراً ) وكقوله عز و جل : ( فإمّا مناً بعدُ وإما فداءً )
السادس ( لاَ ) : وهي تقع لإخراج الثاني مما دخل فيه الأول وذلك قولك : ضربتُ زيداً لا عمراً ومررت برجلٍ لا امرأةٍ وجاءني زيدٌ لا عمروٌ
السابع بلْ : ومعناها الإِضراب عن الأول والإِثبات للثاني نحو قولك : ضربتُ زيداً بلْ عمراً وجاءني عبد الله بلْ أخوهُ وما جاءني رجلٌ بل امرأةٌ
الثامن لكنْ : وهي للإستدراك بعد النفي ولا يجوز أن تدخل بعد واجب إلا لترك قصةٍ إلى قصةٍ ( تامةٍ ) فأما مجيئها للإستدراك بعد النفي فنحو قولك : ما جاءني زيدٌ لكنْ عمروٌ وما رأيت رجلاً لكنْ امرأة ومررت بزيدٍ لكنْ عمروٍ لم يجز
التاسع أَمْ : وهي تقع في الإستفهام في موضعين : فأحدهما أن تقع عديلة الألف على معنى ( أي ) وذلك نحو قولك : أزيدٌ في الدار أم عمروٌ وكقولك : أأعطيتَ زيداً أم أحرمته فليس جوابُ هذا لا ولا ( نَعَمْ ) كما أنه إذا قال : أيهما لقيتَ أو أي الأمرين فعلت لم يكن جواب هذا لا ولا ( نعم ) لأن المتكلم مدع أن أحد الأمرين قد وقع لا يدري أيهما هو فالجواب أن يقول : زيدٌ أو عمروٌ فإن كان الأمر على غير دعواه فالجواب : أن تقول : لم ألقَ واحداً منهما أو كليهما فمن ذلك قول الله عز و جل : ( أأنتم أشدُّ خلقا أم السماءُ بناها ) ومثل ذلك : ( أهمْ خيرٌ أم قومُ تُبع ) فخرج هذا من الله مخرج التوقيف والتوبيخ ومخرجه من الناس يكون استفهاماً ويكون توبيخاً ويدخل في هذا الباب التسوية لأن كل استفهام فهو تسوية وذلك نحو قولك : ليتَ شعري أزيدٌ في الدارِ أمْ عمروٌ وسواءٌ عليَّ أذهبت أم جئتَ فقولك : سواءٌ عليَّ تخبر أن الأمرين عندك واحدٌ وإنما استوت التسوية والإستفهام لأنك إذا قلتَ مستفهماً أزيدٌ عندك أم عمروٌ فهما في جهلك لهما مستويان لا تدري أن زيداً في الدار كما لا تدري أن عمراً فيها وإذا قلت : قد علمتُ أزيدٌ في الدار أم عمروٌ فقد استويا عند السامع كما استوى الأولانِ عند المستفهم وأي داخلة في كل موضع تدخل فيه أم مع الألف تقول : قد عملتُ أيُّهما في الدار تريد أذَا أم ذَا قال الله عز و جل : ( فلينظر أيها أَزكى طَعاماً ) وقال ( لنعلم أيُّ الحزبين أحصى لمِا لبثوا أمدا ) فأي تنتظم معنى الألف مع أم جميعاً وأما الموضع الثاني من موضعي ( أمْ ) فإن تكون منقطعة مما قبلها خبراً كان أو استفهاماً وذلك نحو قولك فيما كان خبراً : إنَّ هذا لزيدُ أم عمروٌ يا فتى وذلك أنك نظرت إلى شخصٍ فتوهمته زيداً فقلت على ما سبق إليك ثم أدركك الظن أنه عمرو فانصرفت عن الأول فقلت : أم عمروٌ مستفهماً فإنما هو إضراب على معنى ( بَلْ ) إلا أن ما يقعُ بعد ( بَلْ ) يقينٌ وما يقع بعد ( أمْ ) مظنون مشكوك فيه وذلك أنك تقول : ضربتُ زيداً ناسياً أو غالطاً ثم تذكر فتقول : بَلْ عمراً مستدركاً مثبتاً للثاني تاركاً للأول فهي تخرج من الغلط إلى استثباتٍ ومن نسيان إلى ذكر و ( أمْ ) معها ظن أو استفهام وإضراب عما كان قبله ومن ذلك : هل زيدٌ منطلقٌ أم عمروٌ يا فتى قائماً أضرب عن سؤاله عن انطلاق زيد وجعل السؤال عن عمرو فهذا مجرى هذا وليس على منهاج قولك : أزيدٌ في الدار أم عمروٌ وأنت تريد : أيهما في الدار لأن ( أَمْ ) عديلة الألف ولا تقع ( هَلْ ) موقع الألف مع ( أَمْ ) وقد تدخل ( أَمْ ) على ( هلْ )
قال الشاعر :
( أمْ هَلْ كَبيرٌ بكى ... . . . )
العاشر حتى : تقول ضربتُ القومَ حتىَّ زيداً وقد ذكرتها كيف تكون عاطفة فيما تقدم حين ذكرناها مع حروف الخفض وأفردنا لها باباً واعلم أن قوماً يُدخلون ليس في حروف العطف ويجعلونها كلا وهذا شاذ في كلامهم وقد حكى سيبويه أن قوماً يجعلونها ( كَما ) فيقولون : لَيس الطيبُ إلا المسكَ
واعلم : أن حروف العطف لا يدخل بعضها على بعض فإن وجدت ذلك في كلام فقد أُخرج أحدهما من حروف النسق وذلك مثل قولهم : لم يقم عمروٌ ولا زيدٌ الواو نَسقٌ ( ولا ) توكيد للنفي وكذلك قولك : والله لا فعلتُ ثم والله لا فعلتُ ثم نَسق والواو قَسمٌ وحروف العطف لا يفرق بنيها وبين المعطوف بشيء مما يعترض بين العامل والمعمول فيه والأشياء التي يعترض بها : الأيمانُ والشكوكُ والشروطُ
وقد يجوز ذلك في ( ثم وأو ولا ) لأنها تنفصل وتقوم بأنفسها وقد يجوز الوقوف عليها فتقول : قامَ زيدٌ ثم والله عمروٌ وثم أظن عمروٌ و ( لا ) التي للعطف يصح أن تلي الماضي لأنه قد غلب عليه الدعاء وقد يجوز أن يكون مع الماضي بمنزلة ( لَم ) وذلك قولك : زيدٌ قامَ لا قعد فيلتبس بالدعاء فإن لم يلتبس جاز عندي وقد جاءت ( لا ) نافية مع الماضي في غير خبر كما جاءت ( لَم ) وذلك قوله تعالى : ( فلا صَدَّقَ ولا صَلَّى ) وتقول : لم يقمْ زيدٌ ولم يقعد ولا يجوز : ولا يقعدُ إلا أن ترفعه وكذلك : لن يقومَ زيدٌ ولا يقعدُ بواوٍ وغير واوٍ
● [ باب العطف على الموضع ] ●
الأشياء التي يقال أن لها موضعاً غير لفظها على ضربين : أحدهما اسمٌ مفرد مبني والضرب الآخر اسم قد عمل فيه عامل أو جعل مع غيره بمنزلة اسم فيقال : إن الموضع للجميع فإن كان الإسم معرباً مفرداً فلا يجوز أن يكون له موضع لأنا إنما نعترف بالموضع إذا لم يظهر في اللفظ الإِعراب فإذا ظهر الإِعراب فلا مطلوب
[ الضرب الأول ]
وهو الإسم المضمر والمبني وذلك نحو : هذا تقول : إن هذا أخوكَ فموضع ( هذَا ) نصب لأنك لو جعلت موضع هذا اسماً معرباً قلت : إن زيداً أخوكَ فمن أجل هذا جاز أن تقول : إن هذا وزيداً قائمان ولهذا جاز أن تقول : يا زيدُ العاقلَ فتنصب على الموضع وإنما جاز الرفع على اللفظ لأنه مبني يشبه المعرب لاطراده في الرفع وقد بينت هذا في باب النداء وليس في قولك ( هذا ) حركة تشبه الإِعراب فإذا قلت : يا زيد وعمروُ فحكم الثاني حكم الأول لأنه منادى فهو مضموم وقد قالوا على ذلك : يا زيدُ والحارثُ كما دخلت الألف واللام و ( يا ) لا تدخل عليهما ومن قال : إن موضع الإسم الذي عملت فيه ( إنَّ ) رفعٌ فقد غلط من قبل أن المعرب لا موضع له ومن أجل أنه يلزمه أن يكون لهذا موضعان في قولك : إن هذا وزيداً أخواكَ لأن موضع زيدٍ عنده إذا قال : إن زيداً رفعٌ فيلزمه أن يكون موضُع ( هذا ) نصباً ورفعاً
[ الضرب الثاني ]
ينقسم أربعة أقسام : جملة قد عمل بعضها في بعضٍ أو اسم عمل فيه حرف أو اسمٌ بني مع غيره بناء أو اسم موصول لا يتمُّ إلا بصلته
الأول جملة قد عمل بعضها في بعض : اعلم أن الجمل على ضربين ضربٍ لا موضع له وضرب له موضعٌ
فأما الجملة التي لا موضع لها فكل جملة ابتدأتها فلا موضع لها نحو قولك : مبتدئاً : زيدٌ في الدار وعمروٌ عندكَ فهذه لا موضع لها
الضرب الثاني : الجملة موقع اسم مفرد نحو قولك : زيدٌ أبوهُ قائمٌ فأبوه قائم جملة موضعها رفع لأنك لو جعلت موضعها اسماً مفرداً نحو : منطلق لصلح وكنت تقول : زيدٌ منطلقٌ فتقول على هذا هندٌ منطلقةٌ وأبوها قائمٌ فيكون موضع أبوها ( قائمٌ ) رفعاً لأنك لو وضعت موضع هذه الجملة ( قائمةً ) لكان رفعاً فإن قلت : هندٌ أبوها قائمٌ ومنطلقةٌ جاز والأحسن عندي أن تقدم ( منطلقةً ) لأن الأصل للمفرد والجملة فرع ولا ينبغي أن تقدم الفرع على الأصل إلا في ضرورة شعرهم وكذلك : مررت بامرأةٍ أبوها شريفٌ وكريمةٌ حقه أن يقول : بامرأةٍ كريمةٍ وأبوها شريفٌ لأن الأصل للمفرد وإنَّ وصفه مثله مفرداً وتقديم الجملة في الصفة عندي على المفرد أقبح منه في الخبر إذا قلت : هندٌ أبوها كريمٌ وشريفةٌ لأن أصل الصفة أن تكون مساوية للموصوف تابعة له في لفظها ومعرفتها ونكرتها وليس الخبر من المبتدأ بهذه المنزلة فإذا قلت : زيدٌ أبوه قائمٌ وكريم لزيدٍ لم يحسنْ لأنه ملبس يصلح أن يكون لزيدٍ وللأبِ والأولى أن يكون معطوفاً على ( قائمٍ ) لما خبرتك فإن لم يلبس صلُحَ وكذلك حق حروف العطف أن تعطف على ما قرب منها أولى
القسم الثاني
القسم الثاني اسم عمل فيه حرف : هذا القسم على ضربين :
ضرب يكون العامل فيه حرفاً زائداً للتوكيد سقوطه لا يخل بالكلام بل يكون الإِعراب على حقه والكلام مستعمل
والضرب الآخر أن يكون الحرف العامل غير زائد ومتى أسقط لم يتصل الكلام بعضه ببعض
فالضرب الأول : نحو قولك : لستَ بقائمٍ ولا قاعدٍ الباء زائدة لتأكيد النفي
ولو أسقطتها لم يخل بالكلام واتصل بعضه ببعضٍ فموضع ( بقائمٍ ) نصب لأن الكلام المستعمل قبل دخولها ( لستَ قائماً ) فهذا لك أن تعطف على موضعه فتقول لستَ بقائمٍ ولا قاعداً ومن ذلك : هل من رجلٍ عندك وما من أحد في الدار فهذا لك أن تعطف على الموضع لأن موضع ( من رجلٍ ) رفعٌ وكذلك : خَشَّنتُ بصدره وصدر زيدٍ ولو اسقطت الباء كان جيداً فقلت خَشنت صدره وصدرُ زيدٍ وكذلك : كفى بالله إنما هو : كفى الله فعلى ذا تقول : كفى بزيدٍ وعمروٍ ومن ذلكَ : إن زيداً في الدار وعمراً ولو أسقطت ( إنّ ) لكان : زيدٌ في الدار وعمروٌ فإن مع ما عملت فيه في موضع رفعٍ وينبغي أن تعلم أنه ليس لك أن تعطف على الموضع الذي فيه حرف عامل إلا بعد تمام الكلام من قبل أن العطف نظير التثنية والجمع ألا ترى أن معنى قولك : قامَ الزيدانِ إنما هو : قامَ زيدٌ وزيدٌ فلما كان العاملان مشتركين في الإسم ثُنيا ولو اختلفا لم يصلح فيهما إلا الواو فكنت تقول : قامَ زيدٌ وعمروٌ فالواو نظير التثنية وإنما تدخل إذا لم تكن التثنية فلما لم يكن يجوز أن يجتمع في التثنية الرفع والنصب ولا الرفع والخفض ولا أن يعمل في المثنى عاملان كذلك لم يجز في المعطوف والمعطوف عليه
فإذا تم الكلام عطفت على العامل الأول وكنت مقدراً إعادته وإن كنت لا تقيده في اللفظ لأنك مستغنٍ عنه ألا ترى أنه لا يجوز أن تقول : إن زيداً وعمروٌ منطلقان لما خبرتك به ولأن قولك ( منطلقانِ ) يصير خبراً لمرفوع ومنصوب وهذا مستحيل فإذا قلت : ( إن زيداً منطلق وعمروٌ ) صَلُح لأن الكلام قد تم ورفعت لأن الموضع للإبتداء وإن زائدةٌ فعطفت على موضع ( إنّ ) وأعملت الإبتداء وأضمرت الخبر وحذفته اجتراءً بأن الأول يدل عليه فإن أختلف الخبران لم يكن بدٌ من ذكره ولم يجز حذفهُ نحو قولك : إن زيداً ذاهبٌ وعمروٌ جالسٌ لأن ( ذاهباً ) لا يدل على ( جالس ) فإذا تم الكلام فلك العطف على اللفظ والموضع جميعاً وإذا لم يتم لم يجز إلا اللفظ فقط وكذلك لو قلت : ( هَلْ من رجلٍ وحمارٍ موجودان ) فإن قلت : وحمارٌ جاز كما تقول : إن عمراً وزيداً منطلقان وكذلك إذا قلت : خشنت بصدره وصدر زيدٍ عطفت على ( خشنت ) ولم يعرج على الباء وجاز لأن الكلام قد تم فكأنك قد أعدت : خشنت ثانية فالفرق بين العطف على الموضع والعطف على اللفظ أن المعطوف على اللفظ كالشيء يعمل فيهما عامل واحد لأنهما كاسم واحد والمعطوف على المعنى يعمل فيها عاملان والتقدير تكرير العامل في الثاني إذا لم يظهر عمله في الأول وتصير كأنها جملة معطوفة على جملة وكل جملتين يحذف من أحدهما شيء ويقتصر بدلالة الجملة الأخرى على ما حذف فهي كالجملة الواحدة ونظير هذا قولهم : ضربتُ وضربني زيدٌ اكتفوا بذكر زيد عن أن يذكروا أولاً إلا أن هذا حذف منه المعمول فيه وكان الثاني دليلاً على الأول وذاك حذف العامل منه إلا أن حذف العامل إذا دل عليه الأول أحسن مع العطف لأن الواو تقوم مقام العامل في كل الكلام
الضرب الآخر : أن يكون الحرف العامل غير زائد وذلك نحو قولك : مررتُ بزيدٍ وذهبتُ إلى عمروٍ ومُرَّ بزيدٍ وذهب إلى عمرو فتقول : إن موضع ( بزيدٍ ) في : ( مررتُ بزيدٍ ) منصوب وموضع إلى عمرو في ذهبت إلى عمرو نصب وموضع بزيد في مر بزيدٍ رفع وإنما كان ذلك لأنك لو جعلت موضع : ( مررتُ ) ما يقارب معناه من الأفعال المتعدية لكان زيد منصوباً نحو : أتيتُ زيداً ولو أسقطت الباء في قولك : مررت بزيدٍ لم يجز لأن الأفعال التي هي غير متعدية في الأصل لا تتعدى إلا بحرف جر وقد بينت فيما تقدم صفة الأفعال المتعدية والأفعال التي لا تتعدى فتقول على هذا إذا عطفت على الموضع : مررتُ بزيدٍ وعمراً وذهبتُ إلى بكرٍ وخالداً ومُرَّ بزيدٍ وعمروٍ كأنك قلت : وأتى عمروٌ وأتيتُ عمراً ودل ( مررتُ ) على ( أتيتُ ) فاستغنيت بها وحذفت قال الشاعر :
( جِئْنِي بِمِثْلِ بَنِي بَدْرٍ لِقَوْمِهم ... أو مِثْلَ أسرةِ مَنظورِ بن سيارِ )
كأنه قال : أو هاتِ مثل أسرة منظور لأنّ جئني بمثل بني بدرٍ يدل على : هاتِ أو أعطني وما أشبه هذا
القسم الثالث
القسم الثالث اسم بني مع غيره :
وذلك نحو : خمسةَ عشرَ وتسعةَ عشرَ فحكم هذا حكم المبني المفرد تقول : إن خمسةَ عشرَ درهماً ويكفيك خمسةَ دنانيرٍ وخمسةُ دنانير النصب على ( إنَّ ) والرفع على موضع ( إنَّ ) وقولك : لا رجل في الدار بمنزلةِ : خمسة عشر في البناء إلا أن ( رجل ) مبني يضارع المعرفة فجاز لك أن تقول : لا رجلَ وغلاماً لكَ فتعطف عليه لأن ( لا ) تعمل في النكرة عمل ( إنّ ) فبنيت مع ( لا ) على الفتح الذي عملته ( لا ) ومنعت التنوين ليدل منع التنوين على البناء لأنه اسم نكرة منصوبٌ متمكنُ ودل على ذلك قولهم : لا ماءَ ماءَ بارداً لك ألا تراهم بنوا ماء مع ماءٍ فعلمت بذلك أن هذا الفتح قد ضارعوا به المبني وأشبه خمسة عشر وكان هو الدليل على أن ( لا ) مبنية مع النكرة المفردة إذا قلت : لا ماءَ لك وقد بينت هذا في باب النفي فلهذا جاز أن تقول لا رجل وغلاماً لك على اللفظ ولا رجل وغلامٌ لك على موضع ( لا ) ويدل على بناء رجل في قولك : لا رجلَ أنه لا يجوز أن تقول : لا رجلَ وغلامُ لكَ فلو لم يعدلوا فتحة النصب إلى فتحة البناء لما جاز لأنّ الواو تدخل الثاني فيما دخل فيه الأول ولو وجدنا في كلامهم اسماً نكرة متمكناً ينصب بغير تنوين لقلنا أنه منصوب غير مبني فكما تقول أن المنادى المفرد بني على الضم كالمعرب المرفوع تقول في هذا أنه معرب كالمبني المفتوح ولهذا لا يجوز أن ينعت الرجل على الموضع فيرفع لأن موضع ( رجلٍ ) نصبٌ لأن لو كان موضعه مضافاً ما كان إلا نصباً فلهذا قلنا أنه بني على التقدير الذي كان له وموضع ( لا ) مع رجلٍ رفعٌ موضعُ ابتداءٍ كما كانت إن مع ما عملت فيه إلا أن النحويين أجازوا : لا رجلَ ظريفٌ وقالوا : رفعناه على موضع : لا رجل وإنما جاز هذا مع ( لا ) ولم يجز مع ( أن ) لأن ( لا ) مع رجلٍ بمنزلة اسم واحد وليست ( إنَّ ) مع ما عملت فيه بمنزلة شيء واحد لو قلت : إن زيداً العاقلُ منطلقٌ لم يجز وقد ذكرت هذا في باب إنّ ويدلك أيضاً على أن ( لا ) مع ما عملت فيه بمنزلة اسم واحد أنه لا يجوز لك أن تفصل بين ( لا ) والإسم ومتى فعلت ذلك لم يكن إلا الرفع وذلك قولك : لا لك مالٌ ولا تقول : لا لكَ مالَ لأن ( لكَ ) قد منع البناء وقد حكي عن بعضهم : لا رجلَ وغلامَ لك فحذف التنوين من الثاني وشبهه بالعطف على النداء وهذا شاذٌ لا يعرج عليه وإنما حكمنا على ( لا ) أنها نصبت في قولك : لا رجلَ لقولهم : لا رجلَ وغلاماً لكَ وأنه يجوز أن تقول لا رجل وغلاماً منطلقان فلو لم تكن ( لا ) نصبت لم يجز أن تعطف على رجل منصوباً فهذا الفرق بين ( لا ) رجلَ وخمسة عشَر
وقد عرفتك من أين تشابها ومن أين افترقا وأما عطف المفرد على المفرد في النداء فلا يجوز أن تعطفه على الموضع لو قلت : يا زيدُ وعمراً لم يجز من قبل أن زيداً إنما بني لأنه منادى مخاطب باسمه
والصلة التي أوجبت البناء في زيدٍ هي التي أوجبت البناء في عمروٍ وهُما في ذلك سواءٌ ألا ترى أنهم يقولون : يا عبد الله وزيدٌ فيضمون الثاني والأول منصوب لهذه العلة ولولا ذلك لما جاز وليس مثل هذا في سائر ما يعطف عليه
القسم الرابع
القسم الرابع وهو ما عطف على شيء موصول لا يتم إلا بصلته : وذلك قولك : ضربت الذي في الدارِ وزيداً عطفت على الذي مع صلتها ولو عطفت على الذي مفرداً لم يجز ولم يكن اسماً معلوماً وكذلك ( مَن ) إذا كانت بمعنى الذي تقول ضربتُ مَن في الدار وزيداً ومثل ذلك ( مَا ) إذا كانت بمعنى ( الذي ) تقول : أخرجتُ ما في الدار وزيداً فالذي ومَنْ وما مبهماتْ لا تتم في الإِخبار إلا بصلات وما يوصل فيكون كالشيء الواحد ( أن ) مع صلتها تكون كالمصدر نحو قولك : يعجبني أن تقوم فموضع أن تقوم رفع لأن المعنى : يعجبني قيامُك وكذلك إن قلت : كرهتُ أن تقومَ فموضع أن تقوم نصب وعجبت مِنْ أن تقومَ خَفضٌ فتقولُ على هذا : عجبتُ من أن يقومَ زيدٌ وقعودِكَ تريد : من قيامِ زيدٍ وقعودِك
● [ باب العطف على عاملين ] ●
اعلم : أن العطف على عاملين لا يجوز من قبل أن حرف العطف إنما وضع لينوب عن العامل ويغني عن إعادته فإن قلت : قامَ زيدٌ وعمروٌ فالواو أغنت عن إعادة ( قام ) فقد صارت ترفع كما يرفع قامَ وكذلك إذا عطفت بها على منصوب نحو قولك : إن زيداً منطلقٌ وعمراً فالواو نصبت كما نصبت ( إنَّ ) وكذلك في الخفض إذا قلت : مررت بزيدٍ وعمروٍ فالواو جرت كما جرت الباء فلو عطفت على عاملين أحدهما يرفع والآخر ينصب لكنت قد أحلت لأنها كان تكون رافعةً ناصبة في حال قد أجمعوا على أنه لا يجوز أن تقول : مَرَّ زيدٌ بعمروٍ وبكرٌ خالدٍ فتعطف على الفعل والباء ولو جاز العطف على عاملين لجاز هذا واختلفوا إذا جعلوا المخفوض يلي الواو فأجاز الأخفش ومن ذهب مذهبه : مَرَّ زيدٌ بعمروٍ وخالدٌ بكرٍ واحتجوا بأشياء منها قول الشاعر :
( هَوِّنْ عَلَيْكَ فإنَّ الأُمورَ ... بِكَفِّ الإِلهِ مَقَادِيرُهَا )
( فَلَيْسَ بآتِيكَ مَنْهِيُّهَا ... ولاَ قَاصِرٍ عَنْكَ مأمورُهَا )
وقال النابغة :
( فَلَيْسَ بِمَعْرُوفٍ لَنَا أنْ نَرُدَّها ... صِحَاحاً ولا مستنكراً أن تُعقَّرا )
وما يحتجون به :
ما كلُ سوداءَ تمرةً ولا بيضاءَ شحمةً فعطف على كُلِ وما ومن ذلك :
( أَكُلَّ امرِيءٍ تَحْسَبِينَ امرأاً ... ونَارٍ تَوَقَّدُ بالليلِ نَارَا )
ومذهب سيبويه في جميع هذه أن لا يعطف على عاملين ويذكر أن في جميعها تأويلاً يرده إلى عمل واحد ونحن نذكر ما قاله سيبويه في باب ( ما ) تقول : ما أبو زينب ذاهباً ولا مقيمةٌ أُمها ترفع لأنك لو قلت : ما أبو زينبَ مقيمةً أمها لم يجز لأنها ليست من سببه ومثل ذلك قول : الأعور الشني هَوّنْ عليكَ فأنشد البيتين ورفَع ولا قاصر عنك مأمورها وقال : لأنه جعل المأمور من سبب الأمور ولم يجعله من سبب المذكر وهو المنهي ومعنى كلامه أنه لو كان موضع ليس ( ما ) لكان الخبر إذا تقدم في ( ما ) على الإسم لم يجز إلا الرفع لا يجوز أن تقول : ما زيدٌ منطلقاً ولا خارجاً معنٌ فإن جعلت في ( خارجٍ معن ) شيئاً من سبب زيدٍ جاز النصب وكان عطفاً على الخبر لأنه يصير خبراً لزيدٍ لأنه معلق بسبب له فكذلك لو قلت : فما يأتيكَ منهيها ولا قاصرٌ عنك مأمورها غير قولك منهيها ثم قال : وجَرهُ قومٌ فجعلوا المأمور للمنهي والمنهي هو الأمور لأنه من الأمور وهو بعضُها فأجراه وأنثه كما قال جرير
( إذا بَعْضُ السِّنينِ تَعرَّقتْنا ... كَفَى الأيتامَ فَقْدَ أَبى اليتيمِ )
فصار تأويل الخبر ليس : بآتيك الأمور ولا قاصرٌ بعضها فجعل : بعض الأمور أموراً وكذلك احتج لقول النابغة في الجر فقال : يجوز أن تجر وتحمله على الرد لأنه من الخيل يعني في قوله : أن تردَها لأن ( أن تردهَا ) في موضع ردَها كما قال ذو الرمة :
( مَشَيْنَ كَمَا اهتزَّتْ رِمَاحٌ تَسَفَّهْتْ ... أَعَاليها مَرَّ الرِّياحِ النَّواسِمِ )
كأنه قال : تسفهتها الرياح فهذا بناء الكلام على الخيل وذلك ردَّ إلى الأمور وقال : كأنه قال : ليس بآتيكَ منهيها وليست بمعروفة ردها حين كان من الخيلِ والخيلُ مؤنثةٌ فأنثَ وهذا مثل قوله : ( بَلى مَن أسلمَ وجهه لله وهوَ مُحسنٌ فَلُه أجرهُ عند رَبهِ ولا خوفٌ عليهم ولا هم يحزنون ) أجرى الأول على لفظ الواحد والآخر على المعنى هذا مثله في أنه تكلم به مذكراً ثم أنث كما جمع وهو في قوله : ليس بآتيتكَ منهيها كأنه قال : ليس بآتيتكَ الأمور وفي ليس بمعروف ردَها وكأنه قال : ليست بمعروفةٍ خيلنا صحاصاً قال : وإن شئت نصبت فقلت : ولا مستنكراً ولا قاصراً
قال أبو العباس : قال الأخفش : وليس هذان البيتان على ما زعم سيبويه يعني في الجر لأنه يجوز عند العطف وأن يكون الثاني من سبب الأول وأنكر ذلك سيبويه لأنه عطف على عاملين على السين والباء فزعم أبو الحسن : أنها غلط منهُ وأن العطف على عاملين جائز نحو قول الله عز و جل في قراءة بعض الناس ( وفي خلقِكم وما بث من دابةٍ آياتٍ ) فجر الآيات وهي في موضع نصب ومثل قوله ( لعَلى هدىً أو في ضلالٍ مبينٍ ) عطف على خبر ( إنّ ) وعلى ( الكل )
قال أبو العباس : وغلطَ أبو الحسن في الآيتين جميعاً ولكن قوله : ( واختلاف الليل والنهار وما أنزل اللّهُ من السماء من رزقٍ فأحيا به الأرضَ بعدَ موتهِا وتصريف الرياح آياتٍ لقومٍ يعقلون ) وابتدأ الكلام : ( إن في السمواتِ والأرضِ لآياتٍ للمؤمنين ) ( وفي خلقكم وما يبثُّ من دابةٍ آياتٍ لقوم يوقنون واختلاف الليلِ والنهارِ وما أنزلَ اللّهُ من السماء من رزقٍ فأحيا بهِ الأرضَ بعد موتِها وتصريفِ الرياحِ آياتٍ )
بعد هذه الآية وإن جرَّ آيات فقد عطف على عاملين وهي قراءة عطف على ( إن ) و ( في ) قال وهذا عندنا غير جائز لأن الذي تأوله سيبويه بعيدٌ وقال : لأن الرد غير الخيل والعقرُ راجع إلى الخيل فليس بمتصل بشيء من الخيل ولا داخل في المعنى
وقال : أما قوله : فليس بآتيكَ منهيها ولا قاصرٌ عنكَ مأمورها فهو أقرب قليلاً وليس منه لأن المأمورَ بعضها والمنهي بعضها وقربه أنهما قد أحاطا بالأمور وقال : وليس يجوزُ الخفض عندنا إلا على العطف على عاملين فيمن أجازه
وأما قولُهم : ما كلُّ سوداءَ تمرةٌ ولا بيضاءَ شحمة فقال سيبويه : كأنكَ أظهرت كُلَّ مضمرٍ فقلت : ولا كُلَّ بيضاء فمذهب سيبويه أنَّ ( كُلَّ ) مضمرة هنا محذوفة وكذلك :
أُكَلَّ امْرِىءٍ تَحْسَبِينَ أمرأاً ... ونَارٍ تَوقَّدُ بالليلِ نَارا )
يذهب إلى أنه حذف ( كُلُّ ) بعد أن لفظ بها ثانية وقال : استغنيت عن تثنيةِ ( كلِّ ) لذكرك إياه في أول الكلام ولقلة التباسه على المخاطب قال : وجاز كما جازَ في قوله : ما مثلُ عبد اللَّهِ يقول ذاكَ ولا أخيهِ وإن شئت قلت : ولا مثلَ أخيهِ فكما جاز في جمع الخبر كذلك يجوز في تفريقه وتفريقُه أن تقول : ما مثلُ عبد الله يقولُ ذاك ولا أخيه يكرهُ ذاكَ قال : ومثلُ ذلك : ما مثلُ أخيكَ ولا أبيكَ يقولانِ ذلكَ فلما جاز في هذا جاز في ذاك
وأبو العباس رحمه الله لا يجيزُ : ما مثلُ عبد الله يقولُ ذاكَ ولا أخيهِ يكرهُ ذاكَ والذي بدأ به سيبويه الرفعُ في قولكَ : ما كُلُّ سوداءَ تمرةٌ ولا بيضاءَ شحمةٌ والنصب في ( وناراً ) هو الوجه وهذه الحروف شواذْ فأما من ظنَّ أن من جَر آياتٍ في الآية فقد عطف على عاملين فغلطٌ منهُ وإنما نظير ذلك قولك : إنَّ في الدار علامةً للمسلمين والبيتِ عَلاّمةً للمؤمنينِ فإعادة علامة تأكيد وإنما حسنت الإِعادة للتأكيد لما طال الكلام كما تعاد ( إن ) إذا طال الكلام وقد ذكرنا هذا في باب إنَّ وأنَّ ولولا أنا ذكرنا التأكيد وأحكامه فيما تقدم لذكرنا ها هنا منه طرفاً كما أنك لو قلت : إنَّ في الدار الخيرَ والسوق والمسجدَ والبلدَ الخير كان إعادته تأكيداً وحسُن لما طال الكلام فآياتٌ الأخيرةُ هي الأولى وإنما كانت تكون فيه حجة لو كان الثاني غير الأول حتى يصيرا خبرين وأما من رفع وليست ( آيات ) عنده مكررة للتأكيد فقد عطف أيضاً على عاملين نصب أو رفع لأنه إذا قال : ( إنَّ في السّمَوات والأرضِ لآيَاتٍ لْلُمؤمنِينَ وَفي خَلْقِكُمْ وَمَا يَبُثُّ مِنْ دَابَّةٍ آيَاتٍ لقَوْمٍ يُوقِنونَ وَاخْتِلاَفِ اللّيلِ والنَّهارِ وَمَا أَنْزَلَ اللّهُ مِنْ السَّماءِ مِنْ رِزْقٍ فأَحْيَا بِهِ الأرْضَ بَعدَ مَوْتِها وتَصْريفِ الرِّياحِ آيَاتٍ لقومٍ يَعْقِلُونَ ) فإذا رفع فقد عطف ( آياتٍ ) على الإبتداء وإختلافاً على ( في ) وذلك عاملان ولكنه إذا قصد التكرير رفع أو نصب فقد زال العطف على عاملين فالعطف على عاملين خطأ في القياس غير مسموعٍ من العرب ولو جاز العطف على عاملين لجاز على ثلاثة وأكثر من ذلك ولو كان الذي أجاز العطف على عاملين أي شاهد عليه بلفظ غير مكرر نحو : ( إنَّ في الدار زيداً والمسجدَ عمراً ) وعمرٌو غيرُ زيدٍ لكان ذلك له شاهداً على أنه إنْ حكى مثله حاكٍ ولم يوجد في كلام العرب شائعاً فلا ينبغي أن تقبله وتحمل كتاب الله عز و جل عليه
كتاب : الأصول في النحو
المؤلف : أبي بكر محمد بن سهل بن السراج النحوي البغدادي
منتدى الرسالة الخاتمة - البوابة