من طرف اسرة التحرير الثلاثاء ديسمبر 13, 2016 5:57 am
بّسم اللّه الرّحمن الرّحيم
القانون فى الطب لإبن سينا
الكتاب الثالث : الأمراض الجزئية
الفن الأول: أمراض الرأس والدماغ
تابع المقالة الأولى: أمراض الرأس والدماغ
[فصل في الاستدلالات المأخوذة من أحوال أعضاء هي كالفروع للدماغ]
مثل العين واللسان والوجه ومجاري اللهاة واللوزتين والرقبة والأعصاب
أما الاستدلال من العين، من جملتها فمن حال عروقها، ومن حال ثقلها وخفتها، من حال لونها في صفرته أو كمودته أو رصاصيته أو حمرته، وحال ملمسها وجميع ذلك يقارب جداً في الدلالة لما يكون في الدماغ نفسه. وقد يستدل بما يسيل منها من الدمع وْالرمص، وما يعرض لها من التغميض والتحديق وأحوال الطرف، ومن الغور والجحوظ والعظم والصغر والآلام والأوجاع، فإن جفاف العين قد يدلّ على يبس الدماغ وسيلان الرمص والدموع إذا لم يكن لعلة في العين نفسها يدلّ على رطوبة مقدم الدماغ، وعظم عروق العين يدل على سخونة الدماغ في الجوهر وسيلان الدمع لغير سبب ظاهر يحلّ في الأمراض الحارة على اشتعال الدماغ وأورامها، وخصوصاً إذا سالت من إحدى العينين، وإذا أخذ يغشي الحدقة رمص كنسج العنكبوت، ثم يجتمع فهو قريب وقت الموت. والعين التي تبقى مفتوحة لا تطرف كما قد يكون في قرانيطس وأحياناً في ليثرغس، ويكون أيضاً في فرانيطس عند انحلال القوّة يدل على آفة عظيمة في الدماغ، والكثيرة الطرف تدل على اشتعال وحرارة وجنون. واللازمة ينظرها موضعاً واحداً وهي المبرسمة، تدل على وسواس ومالنخوليا، وقد يستدل من حركاتها على أوهام الدماغ، من اعتقادات الغضب والغم والخوف والعشق والجحوظ، يدل على الأورام أو امتلاء أوعية الدماغ والصغر والغور، يدل على التحلل الكثير مِن جوهر الدماغ، كما يعرض في السهر والقطرب والعشق. وإن اختلفت هيئاتها في ذلك كما سنفصله في موضعه، وكذلك قد يدل على حمرة الدماغ وقوبا فيه. وأما المأخوذة من حال اللسان، فمثل أن اللسان كثيراً ما يدل بلونه على حال الدماغ، كما يدلّ ببياضة على ليثرغس وبصفرته أولاً، واسوداده ثانياً، على فرانيطس، وكما يدلّ بغلبة الصفرة عليه واخضرار العروق التي تحته على مصروعية صاحبه وليس الاستدلال بلون اللسان، كالاستدلال بلون العين فإنّ ذلك شديد الاختصاص بالدمغ وأما لون اللسان، فقد يستدل به على أحوال المعدة لكنه إذا علم أن في الدماغ آفة، لم يبعد الاستدلال به.
وأما المأخوذ من الوجه، فإما من لونه فأنت تعلم دلالة الألوان على الأمزاجة، وإما من سمنه وهزاله، فإن سمنه وحمرته يدل على غلبة الدم وهزاله مع الصفرة يدلّ على غلبة الصفراء وهزاله مع الكمودة، يدل على غلبة اليبس السوداويّ، والتهيّج يدلّ على غلبة الدم، والمائية بعد أن تكون هذه أحوالاً عارضة ليست أصليّة، وبعد أن يعلم أن لا علّة في البدن تغير السحنة إلا في جانب من الدماغ، وأما المأخوذة من حال الرقبة، فإنها إن كانت قويه غليظة، دلت على قوة من قوى الدماغ ووفوره، وإن كانت قصيرة دقيقة فبالضد، وإن كانت مهيأة لقبول خنازير وأورام، فالسبب في ذلك ليس ضعفاً فيها، ولا إذا خلت عن ذلك فالسبب فيه قوّة لها، بل السبب في ذلك ضعف القوة الهاضمة التي في الدماغ، لشيء من أنواع المزاج الذي نذكره، وقوّة من القوة الدافعة فإنّ نواحي العنق، قابلة لما يدفعه الدماغ باللحم الرخو الغددي الذي فيها. وكذلك حال الدلائل المأخوذة من حال اللهاة واللوزتين والأسنان أيضاً، وأمّا المأخوذة من حال الأعضاء العصبانية الباطنة، فذلك من طريق أحكام المشاركة، فإنها من الواجب أن تشارك الدماغ والنخاع، كما إذا دامت الآفات عليها جلبت إلى الدماغ النوع من المرض الذي بها أو ربما أحدث بها ذلك من الدماغ، فالأعصاب إذاً قويت وغلظت وقويت مسالكها التي تتحقق عليها دلت على قوّة الدماغ ودل ضد ذلك على ضدها.
بّسم الله الرّحمن الرّحيم
فصل في الاستدلال من المشاركات لأعضاء يشاركها الدماغ ويقرب منها
إذا كانت الأعضاء المشاركة للدماغ قوية، فالدماغ قوي وإن كانت كثيرة الآفات لا لأسباب ظاهرة تصل إليها، فإن الدماغ ضعيف أو مؤف، وربما كانت تلك الآفات في الأعضاء الأخرى بمشاركة آفة الدماغ مثل ما يتّفق أن لا ينهض المريض لبول، أو براز محتاج إليه لعدم الحس، كما يتفق في ليثرغس وقد السبات السهري ونحوه، أو أثقل الحركة عليه كما فيهما. وفي فرانيطس ومثل العجز عن الازدراد، والغصص والشرق في هذه الأمراض ومثل دلائل النفس فإن النفس قد ينقطع، ويبطل بسبب آفة في الدماغ متعدية إلى الحجاب وأعضاء النفس، وكما أن كبر النفسِ وعظمه أدلّ على صبار أو ضيقه وصغره على السباب السهري والليثرغس وقد يستدل من طريق المشاركات في الأوجاع أيضاً على أحوال الدماغ وعلى النحو المذكور، وقد يستدل من كيفية المشاركة، مثل إنه إن بلغ الوجع أصول العينين في الصداع، دلّ على أن السبب خارج القحف وقد يستدل أيضاً من امتلاء العروق وخلائها ومن لون الجلدة وغير ذلك مما سلف بعضه في خلل أبواب أخرى.
بّسم الله الرّحمن الرّحيم
● [ فصل في الاستدلال على العضو الذي يألم الدماغ بمشاركته ] ●
إن أكثر الأعضاء إيذاء للدماغ بالمشاركة هي: المعدة، فيجب أن يستدل على ذلك من حال الشهوة والهضم، وحال الجشاء والقراقر، وحال الفواق والغثيان، وحال الخفقان المعدي.
وينظر في كيفية الاستدلال من هذه على المعدة حيث تكلمنا في المعدة.
ويستدل أيضاً من حال الخواء والامتلاء، فإن مشاركات الدماغ للمعدة وهي ممتلئة أو ذات نفخة، يظهر في حال امتلائها. وأما مشاركته إياها بسبب الحرارة والمرّة الصفراء وأوجاعها التي تكون من ذلك ومن شدّة الحس، فيظهر في حال الخواء، وكثيراً ما يكون الامتلاء سبباً لتعدل المزاج وساداً بين البخار الحار وبين الدماغ.
وأخص ما يستدلّ به موضع الوجع في ابتدائه واستقراره، فإن أمراض الدماغ بمشاركة المعدة، قد يدلّ عليها الوجع إذا ابتدأ من اليافوخ، ثم انصبّ إلى ما بين الكتفين، ويشتدّ عند الهضم، وقد يمرض الرأس بمشاركته الكبد، فيكون الميل من الأوجاع إلى اليمين، كما إذا كان بمشاركة الطحال، كان الميل من الأوجاع إلى اليسار، وقد تكثر مشاركة الدماغ للمراق وما يلي الشراسيف، فيكون الوجع مائلاً إلى قدام جداً وقد يشارك الرحم فيكون مع أمراض الرحم. ودلائلها المذكورة في بابه ويقف الوجع حاق اليافوخ وأكثر مشاركات الدماغ للأعضاء يقع بأبخرة تصعد إليه، وطريق صعودها إما ما يلي قدام الشراسيف فيحس أولاً بتمددها إلى فوق وتوتر وضربان في العرق الذي يليها، ويحس ابتداء الألم من قدام. وأما ما يلي ناحية القفا فيحس ابتداء الألم من خلف، وتوتر العروق والشرايين الموضوعة من خلف، ويحس هناك بالضربان، وإذا راعيت أعراض العضو المشارك، فيجب أن لا يكون العرض عرض لذلك العضو في نفسه، بل لسبب مشاركته للدماغ لا مشاركة الدماغ له. فإنك كما تستدلّ من الغثيان على أن العلة الدماغية بشركة المعدة، فلا يبعد أن تغلط فتكون العلة في الدماغ أولاً، وتكون خفيفة وإما يظهر الغثيان في المعدة لمشاركتها للدماغ في علة خفية به، فيجب أن ترجع إلى الأصول التي أعطيناك في الكتاب الأول التي تميز بها الأمراض الأصلية، من أمراض المشاركة.
بّسم الله الرّحمن الرّحيم
● [ فصل في دلائل مزاج الدماغ المعتدل ] ●
فالدماغ المعتدل في مزاجه، هو القوي في الأفاعيل الحساسية والسياسية والحركية المعتدل في انتفاض ما ينتفض منه، واحتباسه القوي على مقاومة الأعراض المؤذية أشقر شعر الطفولة نارية، أحمر شعر الترعرع، وإلى السواد عند الاستكمال من الخلقة والنشو، وسط في الجعودة والسبوطة ونباته ومدة شبابه كل في وقته وشبيه غير مستعجل ولا متأخر عن الوقت الطبيعي ولا يسرع إليه الصلع.
بّسم الله الرّحمن الرّحيم
● [ فصل في دلائل الأمزجة الواقعة في الجبلة ] ●
يرى جالينوس أن الحرارة تولد اختلاط العقل والهذيان، وليلحق بهذا الطيش وسرعة وقوع البداءات وافتتان العزائم وأن البرودة تولد البلادة، وسكون الحركة وليلحق بهذا بطء الفهم وتعذر الفكر والكسل، وأن اليبوسة تفعل السهر ويدل عليها السهر وليشرط في هذا ما لم يكن من الرطوبات البورقية، ولم يكن مع ثقل في الدماغ، ودوام استفراغ الفضول أو غير ذلك من دلائل الرطوبة، فإن الرطوبة المالحة والبورقية بشهادة جالينوس نفسه، تفعل أرقاً كما في المشايخ وأما الرطوبة، فتفعل النوم المستغرق، واشترط مع نفسك الشرط المذكور.
ويرى جالينوس أن الدلالة على أن مزاجاً غالباً بلا مادة، وهو عدم سيلان الفضول مع دلالة سوء المزاج، والدلالة على أنه غالب بمادة سيلان الفضول، ونحن نقول إن لم يكن سد أو ضعف من القوة الدافعة، وعلامة ذلك ما ذكرناه فرغنا عنه، فالدلائل حرارة المزاج للدماغ سرعة نبات الشعر في أول الولادة، أو في البطن وسواده في الابتداء. أو تسوده بعد الشقرة سريعاً، وجعودته وسرعة الصلع وسرعة امتلاء الرأس، وثقله من الأسباب الواقعة مثل الروائح ونحوها، وتأذيه بالروائح الحادة، وقلة استعمال النوم مع خفته وظهور عروق العينين، وذكاء ما سرعة التقلب في الآراء والعزائم، كحال الصبيان، ويدل عليه اللمس وحمرة اللون، ونضج الفضول المنصبة المنتصبة والمنتفضة واعتدالها في القوام بالقياس إلى غيره.
وإما دلائل المزاج البارد، فزيادة نفض الفضول على ما ذكر من الشرط وسبولة الشعر، وقلة سواده وسرعة الشيب، وسرعة الانفعال من الآفات وكثرة النوازل وعروض الزكام لأدنى سبب، وخفاء العروق في العينين، وكثرة النوم، وتكون صورته مثل صورة الناعس، بطيء حركة الأجفان والثبات على العزائم كحال المشايخ.
وأما دلائل المزاج اليابس، فنقاء مجاري الفضول وصفاء الحواس، والقوة على السهر وقوة الشعر وسرعة نباته لدخانية المزاج في السنّ الأوّل، وسرعة الصلع، وجعودة الشعر.
وأما دلائل المزاج الرطب، فسبوطة الشعر بوطء النبات منه، وبطء الصلع وكدورة الحواس، وكثرة الفضول والنوازل واستغراق النوم. وأما دلائل المزاج الحار اليابس، فعدم الفضول وصفاء الحواس وقوة السهر، وقلّة النوم، وإسراع نبات الشعر في الأول، وقوته وسواده وجعودته وسرعة الصلع جداً، وحرارة ملمس الرأس وجفوفه مع حمرة بيّنة فيه، وفي العين، وتنقّل في العزائم وعجلة فيها وقوّة الفهم والذكر وسرعة الأفعال النفسية.
وأما دلائل المزاج الحار الرطب، فإنه إن كان ذلك المزاج غير بعيد جداً من الاعتدال، كان اللون حسناً والعروق واضحة والملمس حاراً ليّناً وكون الفضول أكثر وأنضج، والشعر أسبط إلى الشقرة غير سريع الصلع، ويكون التسخّن والترطب سريعين إليه. وأما إن كان بعيداً منه، فيكون مسقاماً قبولاً للنكايات من الحر والبرد، والأمراض العفنية في جوهره سريعاً، وتكون حواس صاحبه ثقيلة كدرة وعيناه ضعيفتان، ولا يصبر عن النوم، ويرى أحلاماً مشوّشة.
وأما دلائل المزاج البارد اليابس، فأن يكون الرأس بارد الملمس، حائل اللون خفي العروق فيه وفي العينين، بطيء نبات الشعر أصهبه رقيقه بطيء الصلع، خصوصاً إن لم يكن يبسه أغلب من برده، ويكون متضرراً بالمبردات على الشرط المذكور وتكون الحواس صافية في الشيبة، فإذا طعن في السن ضعف بسرعة وهرم، وظهر التشنج والتعفن والتقبض في نواحي رأسه، ويكون سريع الشيخوخة وتكون صحته مضطربة، فتارة يكون خفيف الرأس منفتح المسالك، وتارة يكون بالخلاف. وأما المزاج البارد الرطب، فيكون الإنسان فيه كثير النوم مستغرقاً فيه رديء الحواس، كسلان بليداً كثير استفراغ الفضول من الرأس، ويدلّ عليه أيضاً بطء الصلع وسرعة وقوع النوازل، وأما دلائل الأورام وغيرها فسنقوله في التفصيل.
بّسم الله الرّحمن الرّحيم
● [ فصل في علامات أمراض الرأس مرضاً مرضاً ] ●
هذا الباب والذي قبله، كالنتيجة من الأصول التي أعطيناها في الاستدلال على أحوال الرأس، ويجب أن تحفظ هذه الدلائل، فلا يحتاج أن تعاد في كل باب من الأبواب التي نتكلم عليها في أمراض نواحي الرأس، فإنَا إن أعدناها في باب ما، فإنما نعيدها ليكون ذلك معيناً على معرفة كيفية الرجوع إلى هذه القوانين الكلية في أبواب أخرى، قد اقتصرنا فيها على ما يكون أوردناه في ذلك الباب الواحد. وكذلك يجب أن توطن نفسك عليه من الرجوع إلى القوانين الكلية في المعالجات الجزئية للرأس، اللهم إلا فيما لا يكون قد ذكر في الكلّيات، ووجب تخصيص ذكره في الجزئيات.
في علامة سوء المزاج الحار بلا مادة: يدل عليه التهاب مع عدم ثقل وسهر وقلق في الحركات، وتشوّش في التخاييل وإسراع إلى الغضب، وحمرة عين وانتفاع بالمبردات وتقدم المسخّنات. في علامة سوء المزاج البارد بلا مادة: برد يحس مع عدم ثقل وكسل وفتور وبياض لون الوجه، والعين ونقصان في التخيلات، وميل إلى الجبن وانتفاع بالمسخنات، وتضرر بالمبرّدات.
في علامة سوء المزاج اليابس بلا مادة: خفة وتقدم إستفراغات وجفاف الخيشوم، وغلبة سهر.
في علامة سوء المزاج الرطب بلا مادة: كسل وفتور مع قلة ثقل وقلة سيلان ما يسيل، أو اعتداله وإفراط نسيان وغلبة نوم.
في علامة الأمزجة المركبة التي تكون بلا مادة: امتزاج علامتي المزاجين واستدل على غلبة الحر، مع اليبوسة بسهر واختلاط عقل، وعلى غلبة البرد معه بحالة تشبه المرض المعروف بالجمود، وربما تأدت إليه واستدلّ على غلبة الرطوبة مع الحرارة، بغلبة نوم ليس شديد الإسبات وعلى غلبة البرودة مع الرطوبة بالنوم السباتي.
وأضيف إلى ما أوردناه سائر الدلائل المركّبة من دلائل الأفراد، في علامة غلبة المواد: أما الصفراوية فنقل ليس بالمفرط ولذع والتهاب وإحراق شديد ويبس في الخياشيم، وعطش وسهر، وصفرة لون الوجه والعين.
في علامة غلبة المواد الدموية: يدلّ عليها زيادة ثقل، وربما صحبه ضربان، ويكون معه انتفاخ الوجه، والعينين، وحمرة اللون ودرور العروق وسبات.
في علامات المواد الباردة البلغمية: برد محسوس وطول الأذى، وأزماته وقلّة حمرة اللون والوجه والعين، وقلة صفرته مع ثقل محسوس. لكن ذلك الثقل في المادة البلغمية أكثر، ومع كسل وبلادة وسبات ونسيان، ورصاصية اللون في الوجه، والعين واللسان.
في علامة المواد السوداوية: يكون الثقل أقلّ، ويكون السهر أكثر ووساوس وفكر فاسدة، وكمودة لون الوجه والعين، وجميع الأعضاء.
في علامة الأورام الحارة: فحمى لازمة وثقل وضربان، ووجع يبلغ أصل العين، وربما جحظت معه العينان، واختلاط عقل وسرعة نبض، فإن كان في نفس الدماغ، كان النبض مائلاً إلى الموجبة وإن كان في الحجب، كان الألم أشد وكان النبض مائلاً إلى المنشارية.
وأما علامات الأورام البلغمية: فنسيان وسبات وكثرة الثقل، ونبض موجي وترهل وتهيج.
وأما علامات الأورام السوداوية: فسهر، ووسواس مع ثقل مخصوص، وصلابة نبض وقد تركنا ما يجب أن نذكر ههنا دلائل ضعف الدماغ وقوّته، وعلامات الخلط الغالب عليه ودلائل أمراضه الخاصية، والتي تكون بالمشاركة تعويلاً على ما أوردناه من ذلك في باب الصداع، فليتأمل من هِناك فإنه مورد هذا الموضع ولينقل منه إلى الأبواب.
فصل في قوانين العلاج إنا إذا أردنا أن نستفرغ مادة، فإن دلت الدلالة على أن معها دماً وافراً وليس في الدم نقصان أي مادة كانت، بدأنا بالفصد من القيفال، ومن عروق الرأس المذكورة في باب الفصد، مثل عروق الجبهة والأنف وعروق ناحية الأذن. ويجب أن يقع فصدها في خلاف جانب الوجع.
فإن كان الأمر عظيماً والدم غالباً، فصدنا الوداج وإنما يميل إلى الفصد، وإن غلبت الأخلاط الأخرى أيضاً فنبدأ به لأن الفصد استفراغ مشترك للأخلاط، فإن كانت المادة دماً فقط، كفى الفصد التام وإن كانت أخلاطاً أخرى، نظرنا فإن كان ذلك بشركة البدن كله استفراغنا البدن كله، ثم فصدنا الرأس وحده واستعملنا الاستفراغات التي تخصه، ولا نقدم عليها البتة إلا بعد استفراغ البدن كله إن كان في البدن خلط، وذلك إن علمنا أن المادة فيه نضجية، وذلك بمشاهدة ما ينجلب إليه، وإن لم يكن رقيقاً جداً أو غليظاً جداً. وإن كان المرض قد وافى المنتهى، وكنا قد تقدمنا بالإنضاج بالمروخات والنطولات، والضمّادات المنضجة استفرغنا من الرأس خاصة بالغرغرة إن لم نخف آفة في الرئة، ولم تكن النوازل المستنزلة بالغرغرة من جنس خلط جاد لاذع، ولم يكن الإنسان قابلاً لأمراض الرئة، وكان يمكنه الاحتراس عن نزول شيء رديء إلى الرئة، وكان حال الرأس أشدّ اهتماماً له من حال الرئة. واستعملنا أيضاً المشمومات المفتحة المعطسة والسعوطات والنطولات لتجذب المواد من الرأس.
وربما ضمدنا الرأس بعد الحلق بأدوية مسهلة لحبس الخلط الذي فيه إذا لم نخف من تلك الضمادات إفساد مزاج، وكنا نثق أن المادة منضجة سهلة الاستفراغ ومع هذا كله، فنتوقى في استفراغ الأخلاط الباردة أن لا نسهل منها الرقيقة، ونحبس الغليظة وسبيل وصولنا إلى هذا الغرض، أن نستفرغ بعد التليين بالملينات المنضجات. وكلما استعملنا استفراغاً، أتبعناه تلييناً ونتوقى في إستفراغات الأخلاط الحادة التي يضطر فيها لا محالة إلى أدوية حارة في بعض الأوقات، مثل الأيارج والسقمونيا، والتربد مع الاسطوخودس أن يبقى بعدها سوء مزاج حار، بل نجتهد في أن لا يبقى بعدها ذلك، وذلك بأن نتدارك الإسهال الكائن بها، والاستفراغ الواقع بالغرغرة، وغير ذلك تداركاً بالضمادات المبردة، وأن نتوقى استعمالها إلا بعد نقة مأخوذة من عادة المريض، إنّ ما يشربه من ذلك يسهله، ويستفرغه حتى لا يكون سقينا إياه سبباً لهلاك أو فساد، فإن كانت الأخلاط غير نضيجة أنضجنا أولاً كلاً بواجبه كما نذكر، وإن كانت الأخلاط متصعدة من جانب أو من البدن كله جذبنا إلى الخلاف مثلاً إن كان من أسافل، أو من البدن كله استعملنا الحقن، والحمولات وعصبنا الأطراف، وخصوصاً الرجل واستفرغنا العضو مثلاً إن كانت المعدة فبأيارج فيقرا أو كان الطحال فيما يخصه، وكذلك كل عضو ودبرنا كلاً بحسب تدبيره الذي يخصه، فهذه قوانين كلية في أمر المواد، وأي مادة استفرغت وحدث بسببها سوء مزاج عالجنا بالضد.
ومما تشترك فيه المواد المختلفة في الرأس من الرطوبات على مذهب أصحاب الكي، أن يكون حيث ينتهي إليه السبابة والخنصر، ممسوحاً من طرف الأنف أو حيث ينتهي إليه نصف خيط طوله من الأذن إلى الأذن، وليحلق أولاً الرأس، ولنرجع الآن إلى التفصيل. أما الدم، فإن كان في البدن كله، وكان حصل في الرأس مادة وافرة، فصدت القيفال، وإن كان يعد لم يحصل وهو في الحصول فصحت الأكحل، وإن خفت الحصول قبل أن يأخذ في الحصول، مثل أن يقع سبب جذاب للأخلاط حول الرأس من حر خارجي أو ضربة أو غير ذلك، فصدت الباسليق وإن شئت أن تجذب أكثر من ذلك، فصدت الصافن وحجمت الساق فوق الكعب بشبر، وفصدت عروق الرجل، وإن كان بمشاركة عضو فصدت العرق المشترك لهما، إن أردت أن تستفرغ منهما جميعاً، وكانت المادقارة وإن أردت الجذب إلى ناحية مع استفراغ العضو المشارك، فصحت عرقاً يشارك العضو المتقدم بالعلة، ويقع في خلاف جهة الرأس ثم إذا توجهت نحو الرأس وحده أو كان الدم من أول الأمر وحده فيه، فما كان واقعاً في الحجب الخارجة من القحف على ما سنذكره من الأمراض الجزئية، أو كان الوجع محسوساً بقرب الشؤون وأردت علاجاً خفيفاً فالحجامة عند النقرة، وكان غائراً وكان لا يرجى انجذابه إلى خارج القحف، فصدت عرق الجبهة خاصة إن كان الوجع مؤخراً، وبعد أخذ الدم يتناول المستفرغات المتخذة من الهليلج وعصارات الفواكه، إن بقيت حاجة ويستعمل الحقن وإن كانت العلة صعبة، مثل سكتة دموية مثلاً فصدت من الوداج.
وأما المنضجات: فإن كانت المادة بلغمية، فأمهات الأدوية التي تستعمل في إنضاجها هي ما فيه تلطيف وتقطيع وتحليل، كالمرزنجوش،، وورق الغار، والشيح، والقيسوم، والأذخر، والبابونج، وإكليل الملك، والشبث، والبسفانج، والأفتيمون وهما: أخصّ بالسوداوية، وحاشا وزوفا، والفوذنج والسذاب، والبرنجاسف، وكل مما كتبناه في جداول التحليل، والإنضاج من الأدوية والحارة، وإن كان تحصيل التدبير في البلغمي والسوداوي مختلفاً بما سنذكره.
وهذه الأدوية يجب أن يتصاعد في درجاتها بمقدار المادة، فإن كانت كثيرة الكمية شديدة الكيفية، جعلنا الأدوية الحارة قوية حتى في الدرجة الرابعة، مثل العاقر قرحا، والفربيون، وغير ذلك، اللهم إلا أن يخاف غليان المواد، وذلك إن كانت كثيرة جداً، وخفنا أنها إذا سخنت، إزداد حجمها وأوجب تمدداً مؤلماً، أو ورماً فهنالك يجب أن نبدأ فنستفرغ منها شيئاً، ثم نأخذ في إنضاج الباقي، والأصوب في إنضاج الأخلاط الليّنة الفجة، أن يكون العلاج والتضميد بأدوية معتدلة التسخين، وتستعمل الهدّ والتعصيب لينضج برفق، وإن كانت قليلة الكمّية، أو كانت ضعيفة الكيفية اقتصرنا من التي لا كثير تسخين فيها على اللطيفة في الدرجة الأولى، وإن كانت متوسّطة فعلى المتوسّطة، وإن كانت المادة سوداوية، لم نقتصر على هذه الأدوية حتى لا يزيد في التخفيف. ولا سيما إن كان السوداء غير طبيعي، بل حراقياً، بل يحتاج في إنضاج المادة السوداوية إلى التليين والترطيب، لا محالة ثم يعقب بالمنضجات المحللة اللطيفة التحليل التي في درجة الثانية، والثالثة، والأولى أن يجمع الملينة، والمرطبة مع الحارة المقطّعة المحللة.
وأما المادة الحارة، فإنضاجها يجمع قوامها، ويفتح مع ذلك ويقطع وهذه هي المبردات المرطبة التي فيها جلاء وغسل، مثل ماء الشعير، ولبن الماعز الحليب، ويجتنب اللبن من كان به ضعف قوّة مع الصداع والمنضجات التي بهذا الشرط ويستعمل المياه التي طبخ فيها أوراق الخلاف، والبنفسج والنيلوفر، وعصا الراعي، والبقول الباردة كلها المكتوبة في جداولها من الأدوية المفردة مخلوطة بشيء من الخلّ، ليغوِّصها وينفذ قوّتها. فإن كان فيها أدنى غلظ، زيد البابونج، والخطمي وإن كان بصاحب العلة سهر وأراد أن لا يسهر، جعل فيها قشور الخشخاش. وأقول أن الخلّ مشترك لجميع المواد، فإن تبريده يمكن أن يكسر بأدنى شيء ثم يبقى غوصه بالأدوية، وتقطيعه هذا إذا استعمل في المواد الباردة، وأما في إنضاج المواد الحارة، فلا إيثار عليه والأدهان الحارة كلّها المذكورة في القراباذين المتخذة من الرياحين، والزهر، والنبات داخلة في إنضاج الباردة. وإن كانت المواد شديدة البرد، أو كثيرة الكمية، أو عسرة الانحلال، فالأدهان المتّخذة بالصموغ الحارة والأفاويه القوية، ودهن البان، والزنبق، والنرجس، والسوسن، والأقحوان، والغار والمرزنجوش، والناردين، أو زيت قد طبخ فيه سذاب رطب، أو فوذنج رطب، أو شبث رطب أو بابونج رطب، وما أشبهه مما يذكر في القراباذين، والنفط، وأما دهن البلسان فللطفه، يتحلّل بسرعة فلا ينتفع فيه في الأطلية والمروخات انتفاعا كثيراً يليق بقوّته، ونحن نقابل المادة بالاستفراغ، وبالجذب إلى خلاف، وبهما جميعاً والجذب إلى الخلاف هو الجذب إلى اليد والرجل، ويعين عليه دلكها بملح ودهن بنفسج، أو دهن بابونج بحسب المزاج، ومما يستعمل فيما نحن فيه الرياضة التي يحفظ فيها الرأس حتى لا يتحرّك مع البدن، وإنما تحرّك الأسافل وحدها وهي رياضة يكون الإنسان فيها متعلقاً في حبل، أو متدلياً من جدار يتماسك عليه أعالي بدنه ولا يزال يحرّك الرجل، ويتعبها وهذا بعد الاستفراغ وذلك الأطراف وشدّها من فوق إلى أسفل من هذا القبيل، وخصوصاً عند التغذية، وقد يبقى الرأس وحده بالرياضة الخفيفة كالدلك، والغمز حتى المشط، واستعمال الأراجيح من المنقّيات الخاصة، كما يفعل في آخر ليثرغس حسب ما تعلم.
وأما الأمر الجامع للتدبيرين جميعاً فالحقن والحمولات، والمُدرَات والمعرقات بحسب المادة والقوة، وكلها معدَودة في القراباذين.
وأما المسهّلات التي تستفرغ الرأس بشركة البدن، فبحب الأيارج وحبّ القوقايا، وحب أسطوخودوس، وهذه هي أوفق للأخلاط المحترقة التي الغلبة عليها المرار، وفيها مع ذلك غلط بل هي كالمشتركة للمرارية والبلغمية، وأقوى من كله نقيع الصبر المتخذ بماء الهندبا، وخصوصاً الذي هو أقوى منه وهو المكتوب في القراباذين، أو نقيع الأيارج، والقيء بالسكنجبين مع بزر السرمق.
وأما طبيخ الهليلج والإجاص، والشاهترج وشراب الفواكه، وشراب البنفسج وطبيخ الخيار شنبر وما أشبه هذه مقوّاة بالسقمونيا، وغير مقواة بحسب حال البدن، وخلوه عن الحمى، أو كونه فيها. وبحسب السنّ والقوة، وأمثال ذلك في موافقة للأخلاط المرارية الرقيقة، وأما أيارج أركاغانيس وأيارج روفس وأيارج لوغاديا وأيارج جالينوس والحب المتخذ بحجر اللازورد، والخربق على ما نذكره فموافقة للأخلاط الغليظة، والسوداوية، وكذلك كل ما وقع فيه أسطوخودوس، ويصلح لها أيضاً القيء بشرب السكنجبين، وبزر الفجل، وشحم الِحنظل مع سائر الأدوية المخرجة للأخلاط الغليظة اللزجة، مما حددنا وذكرنا، وسائر المركبات المفصّلة في القراباذين على أن لها طبقات الأولى ما كان بأيارج، وتربد وأفتيمون، وغاريقون، وجندباستر وما أشبهه، ثم الحبوب الكبار ثم الأيارجات، ثم الخربقان الأسود للسوداء، والأبيض للبلغم مع حذر وتقية، واللازورد، والحجر الأرمني للسوداء بلا حذر ولا تقية، ويجب أن يبتدأ من الأضعف، ويتدرج حتى يعلم من حال العلة أنها قد انقطعت.
وأما المسهلات الرقيقة لتنقية الرأس، فهي: الشبيارات التي يتخذ منها حبّ كبار ليفعل الوزن القليل الفعل الكافي باللبث ولا يضرّ لقلّته تكريره، وينام عليه لئلا يبطل الحركة واليقظة فعله، وكان القانون والعمدة فيها الصبر، والأيارج ثم تقع معها المصطكى لتقوية المعدة، ويقع فيها الهليلج ليمنع البخار الحاد أن تولد منها في المعدة عن الرأس، فإن أريد للأخلاط المرارية استعين فيها بالسقمونيا، وما أشبهه، وربما كان استعمال السقمونيا مع الصبريات المستعملة لسبب تنقية الرأس نفسه، أو المعدة، وإن كان مرض الدماغ بمشاركتها مانعاً لتسخينها المفرط لفضل مكثها وتهييجها المقصر عن تمام التنقية بما يعين على التنقية. وإن أريد المعين في إخراج الأخلاط البلغمية استعين بشحم الحنظل مع الزنجبيل، والتربد والأسطوخودوس.
وإن أريد للأخلاط السوداوية، استعين بالخربق القليل، أو الأفتيمون والبسفايج، وما أشبهه وهي حبوب كثيرة بنسخ مختلفة تجدها في القراباذين، ويعرف منافعها واختيارها هناك.
وأما المنقّيات الخاصة بالرأس، فمن ذلك الغرغرات وكان المرِّي مستعمل في جميعها، فإن كانت الأخلاط مرارية صرفة لم تستعمل في تنقيتها الغرغرة، خوفاً من نزولها إلى الصدر، وقد اكتسبت فضل حدة من الأدوية المنقّية الحادة، فإن المطلقة للصفراء برفق ولطف واعتدال مزاج، لا تؤثر في الغرغرة أثراً كبيراً، فإن كان شيء من ذلك نافعاً فالسكنجبين البزوري مع الهندبا وحده، والسكنجبين العنصلي المتّخذ بالسقمونيا، وماء اللبلاب وماء الإجاص، وشراب البنفسج، والتمر هندي، مع قليل سقمونيا وما يجري هذا المجرى.
وأما إن كانت الأخلاط مرارية مع غلظ: فالغرغرة تكون بالمرّي والصبر، أو بالأيارج أو السكنجبين البزوري، والعنصلي مع الأيارج ولك أن تقوِّي ذلك بالسقمونيا، وقليل تربد، ولا نزيد على هذا.
وأما إن كانت الأخلاط الغليظة بلغمية، فزد عليها شحم الحنظل، والزنجبيل والأسطوخودوس، والتربد، وأيارج أركاغانيس ويوسطوس، وربما احتجت إلى أن تستعمل معها الخردل، والعاقر قرحا، والفلفل مع المصطكى تزيد بذلك تقوية فعل الدواء إذا كانت الأخلاط شديدة القوة، وكذلك ربما مضغت العاقر قرحا والفلفل، والزنجبيل، والوج حتى الميويزج، وما أشبهها وقد يخلط بها الملطّفات مثل الزوفا، والدار صيني والسليخة، والصعتر وقشور أصل الكبر، والفودنج وما يجري مجراها.
وأما العطوسات، فللأخلاط المرارية مثل بخار الخل المذاب فيه قليل سقمونيا، وشمِّ الفقاع الحامض الحاد، وللبلغمية الكندس، والفلفل والبصل والثوم، والحرف والخردل، والبزور الحادة وما جرى مجراها، وقد يتّخذ من هذه الأدوية ضمّادات، ويتّخذ منها أطلية على الأصداغ. وأما السعوطات فمنها ما يراد به التبريد والترطيب، ومنها ما يراد به التحليل، ومنها ما يراد به التقوية، وإذا استعملت السعوطات المحللة القوية، فتدرج في استعمالها. واستعملها أول مرة بدهن الورد، أو باللبن أو بما يجري مجراهما، وفي المرة الثانية، بعصارة السلق، ونحوها وفي المرة الثالثة بماء المرزنجوش، ونحوه فإن كان مبدأ المادة والبخارات، إنما هو من المعدة، فتأمل جوهر الخلط الحاصل في المعدة، وتعرفه بما تعلم في باب أمراض المعدة واستفرغه.
وأما إذا كانت المادة الرأسية بخارات ورياح محتقنة: فيجب أن تحتلها بماء طبخ، فيه الشيح والأفتيمون والحاشا والأدوية المذكورة في أبوابه، وتقطر أيضاً دهن الياسمين، والمرزنجوش، والغار في الأذن، وأما إذا أردت أن تقوي جرم الدماغ، وتمنع الأخلاط المرارية عن الصعود إليه من المعدة، وما يليها فيجب أن تطعمه الفواكه الحامضة، وخاصة الرمان الحامض، والتفاح والكمثري، والحصرم وخصوصاً بعد الطعام.
وأما معالجتك السدد فبالنطولات المفتحة دائماً، ويجب أن يكن سكبها وسكب كل نطول يستعمل في كل غرض سكباً من مكان علو ليكون غوص قوتها أكثر، والرأس منتصب ليقع على اليافوخ فوق مؤخر الرأس، والعظام الصلية ويكون أيضاً بالمضوغات، وحبوب الشبيار والأدهان المحللة.
وإن كان سبب الألم رياحاً، في المعدة نقيت، ثم أعطيت دهن اللوز الحلو والمر بماء طبيخ الأصول، والحلبة والقردمانا وما أشبهه، وأعطيت دهن الخروع مع نقيع الصبر.
وأما معالجتك للأورام الحارة: فيجب أن يبتدأ فيها أولاً بما يدفع من المبردات المذكورة، مخلوطة بالخل وماء الورد إلا أن يكون هناك وجع شديد، وحينئذ فاجتنب الخلّ، وينفع فيها استعمال دهن الورد مبرداً مقداراً صالحاً غير مفرط مضروباً بالخل الكثير، أو القليل في الجبهة والرأس، وماء عنب الثعلب، والقرنفل، والزعفران، والصندل، وشياف ماميثا والطين الأرمني، والعدس المقشر ونحو ذلك، ومياه قد طبخت فيها القوابض الباردة، ومن الحارة القابضة القوية، ما فيها تركيب أيضاً في مزاجها بالبرد كالأثل، واجتنب الأدوية الشديدة البرد المتخذة من مثل الخشخاش، والأفيون وغير ذلك، إلا عند حاجة شديدة ووجع شديد، والبابونج قد يكسر قوة المخدرات في الأنطلة، والقيء مما لا ينتفع به في معالجات أمراض الرأس، إلا أن يكون بمشاركة مادة في المعدة، أصلح وجوه دفعها القيء قال جالينوس: ليس حال الصداع في شدة الحاجة إلى المخدرات، حال القولنج فإن وجع القولنج، قد يبلغ أن يقتل، ولا كذلك الصداع في كثر الأمر فإن كانت المواد شديدة الحدة، استعملت ماء الفواكه المذكورة، ثم تشتغل بالمنضجات المذكورة للمواد الحادة، ثم تستعمل ما فيه أدنى تحليل مثل مياه قد طبخ فيها الكشك، وأصول الآس، ومن الأدهاندهن البابونج الطري وحده، أو مخلوطاً بدهن الورد بحسب حدة المرض وقوام المادة، وقرب العهد من المبتدي وبعده، ثم مياه قد طبخ فيها أصول الكِرَفس والرازيانج، وبزورهما، والنخالة، والحلبة، والخطمي، وإكليل الملك والأقحوان الأبيض، ومن الأدهان دهن الشبث، ونحوه أيضاً حتى ينتهي فيحلل حينئذ. وأيضاً ضمادات متخذة من هذه وأما الاستفراغات الواجبة، فتتقدم بها بحسب المادة، ويستعمل في تغذية صاحب الورم الصفراوي خاصة الأغذية الخفيفة الرطبة.
وأما الأورام الباردة، فيبدأ فيها أولاً كما في غيرها بالاستفراغ، ويستعمل فيها ما يقع فيه دهن الخروع، ودهن اللوز المر والفيقرا ونحو ذلك من أصناف الأشربة المعروفة. بمياه الأصول، ويقتصر من الرادعات في ابتدائه على دهن الورد، ويخلط بها الملطفات كالحاشا، والفودنج، والجندبيدستر خاصة، ثم يستحمل العنصل وخلّه ضماداً أو غرغرةً إن أمكن ذلك، وربما سقوا من الجندبيدستر ثلثي مثقال وخصوصاً لأصحاب ليثرغس، ثم يستعمل المنضجات التي فيها إرخاء، وقليل تحليل مما ذكرناه، ثم بعد ذلك وعند الانتهاء، فيستعمل في جميع الباردة والحارة المرخيات، ويكون المستعمل في الباردة المرخيات التامة والمحللات القوية من المياه والضمادات والأدهان. واعلم أن جميع من يشكو علة مادية في رأسه، فإنه يتضرر بالخمر، وبالإبطاء في الحمام، وجميع من به مرض في حجب الدماغ، فإنه يتضرر بالماء البارد جداً.
وأما معالجات سوء المزاج الحار وحده: فما فيه تبريد من البقول والأدهان الباردة المبردة، كدهن الورد، والخلاف، والنيلوفر، والبنفسج وخير ذلك كه دهن الورد، ودهن حب القرع، ودهن بزر الخس، ودهن بزر الخشخاش، وربما استعملوا دهن بزر البنج عند شدة الوجع، وخير هذه الأدهان، ما أصله زيت معتصر من زيتون إلى الفجاجة غير مملح، وقد أكثر ورق ما يربى فيه وكان طرياً.
وأما البقول الباردة، وما يجري مجراها فأنت تعرفها كلها وهي: مثل الخس، والبقلة الحمقاء، وجرادة القرع، وما يشبه ذلك وأيضاً ورق الخلاف، وورق النيلوفر، وعنب الثعلب، وعصا الراعي، وحيّ العالم، أو ماء الخيار، والقرع وسويق الشعير مع الخلّ، وماء الورد والكافور، والصندل، وأقاقيا، واللخلخة بدهن الورد، والخلّ ولا يتجاوز ذلك إلى ما فيه تخدير وإجماد للروح، إلا لضرورة شديدة. وقالوا: ولا يجب أن يكون الخلّ شديد الحدّة، والخمرية فإن فيه ضرراً ومن ذلك لعاب بزر القطونا بالخل، وماء الكزبرة وأوراقه، ويجب أن يجنب هذه الأضمدة والأطلية مؤخّر الدماغ الذي هو منشأ العصب، فإن هذه الأشياء إنما تنفع الدماغ من طريق الشأن الذي في اليافوخ، والشأن الأكليلي، وأما من طريق الخلف، فلا يصل إلى صميم الدماغ وتفسد منابت الأعصاب. أيضاً مما يعالجون به أن يتشمّموا الروائح الباردة، ويسعطوا بمثل هذه الأدهان والعصارات، ويجعل الأغذية من العدس والمحّ، أعني الماش والكشك، والأسفاناخ، والقطف، والطفشيل، وما أشبه ذلك، ويفرش هذه البقول والأوراق في مسكنه، حتى يكون في بيت بارد مفروشاً فيه الأغصان المبرّدة، وقد أمر أن يكون فيها ماء الشاهسفرم، فاغية الحنّاء، وأظن إن الأصوب أن يكون القرب منه من الشاهسفرم مرشوشاً بالماء البارد، وكذلك ينفعه تقريب الفواكه الباردة، والجمد أو المياه الغزيرة، فإن لم يجد مع الحرارة يبوسة بل رطوبة بلا مادة، وهذا قليل جداً في أمراض الدماغ، فاجعل الأطلية من مياه الفواكه التي فيها قبض كما ذكرنا، ولا سيما في ابتداء الأورام الحارة، وجميع هؤلاء يجب أن يمنعوا الحركات النفسانية الباطنة، وترديد الحدقة في الملامح، ويجنبوا النظر في التباريق، والتراويق وكذلك يخفّف على أسماعهم.
وأما إن كان سوء المزاج بارداً، فاستعمل الضمّادات والمياه المتخذة من الأدوية الحارة المذكورة، والأدهان المذكورة، خاصةً دهن السذاب المسخن، وإن احتيج فيه إلى زيادة تقوية، خلط به فربيون، كذلك دهن الغار والمرزنجوش، ونحوها وإن كان مع ذلك سوداوياً، وكان سوداء طبيعياً أو بلغمياً، فسخّنه مع ترطيب.
وأما إن كان إحتراقياً، فاجتنب كل ما يجفّف أو يسخن، واقتصر على المرطبات من الألبان، والأدهان، والنطولات، والأضمدة والأغذية.
فإن كان مع البرد يبس جمعت أيضاً بين الترطيب والتسخين.
وإن كان مع البرد رطوبة، استعملتَ المفرغات المذكورة، والأدوية التي فيها نشف مع الحرارة، مما ذكر لك في الجداول. ويجب أن تعلم أن السيالات تستعمل على الرأس قطراً على ما ذكرنا، وتستعمل حبساً في محبس من عجين أو صوف مبلول، يكلّل به الرأس ويكون مصبّها مما يلي المقدم من اليافوخ، وما كان منها ليّناً فيجب أن لا يترك عليه اللطخ منه، بل يغسل ولا يحبس نفسه في المحبس الإكليلي مدّة كثيرة، بل يجدد فإنه سريع التعفّن، وأجود ذلك أن يستعمل بعد الحلق، وكذلك جميع الضمّادات والمروخات، وإذا غذوت أصحاب أمراض الرأس المادية، فادلك الأطراف، وجفف جانب الرأس، وقوِّه بالرادعات، ثم أغذه حسب ما ترى من كمية المادة وكيفيتها، وقس على ذلك نظائره.
● [ تمت المقالة الأولى: أمراض الرأس والدماغ ] ●
القانون فى الطب لإبن سينا
الكتاب الثالث : الأمراض الجزئية
منتدى حُكماء رُحماء الطبى . البوابة