منتدى ميراث الرسول

هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.

    الحديث الخامس والثلاثون

    avatar
    اسرة التحرير
    Admin


    عدد المساهمات : 3695
    تاريخ التسجيل : 23/01/2014

    الحديث الخامس والثلاثون Empty الحديث الخامس والثلاثون

    مُساهمة من طرف اسرة التحرير الأربعاء مايو 17, 2017 9:57 am

    الحديث الخامس والثلاثون Game10

    بّسم الله الرّحمن الرّحيم
    مكتبة الحديث الشريف
    جامع العلوم والحكم
    الحديث الخامس والثلاثون 1410
    ● [ الحديث الخامس والثلاثون ] ●

    عَنْ أَبي هُريرةَ - رضي الله عنه - ، قالَ : قالَ رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : ( لا تَحَاسَدُوا ، ولا تَنَاجَشوا ، ولا تَبَاغَضُوا ، ولا تَدَابَرُوا ، ولا يَبِعْ بَعضُكُمْ على بَيعِ بَعضٍ ، وكُونُوا عِبادَ اللهِ إِخْواناً ، المُسلِمُ أَخُو المُسلم ، لا يَظلِمُهُ ولا يَخذُلُهُ ، ولا يَكذِبُهُ ، ولا يَحقِرُهُ ، التَّقوى هاهُنا ) ، - ويُشيرُ إلى صدرِهِ ثلاثَ مرَّاتٍ - ( بِحَسْبِ امرئٍ مِنَ الشَّرِّ أنْ يَحقِرَ أخَاهُ المُسلِمَ ، كُلُّ المُسلمِ على المُسلِمِ حرامٌ : دَمُهُ ومَالُهُ وعِرضُهُ ). رواه مسلم.
    هذا الحديث خرَّجه مسلم من رواية أبي سعيدٍ مولى عبد الله بن عامر بن كُرَيز عن أبي هريرة ، وأبو سعيد هذا لا يعرَفُ اسمُه ، وقد روى عنه غيرُ واحدٍ ، وذكره ابن حبان في " ثقاته "، وقال ابن المديني : هو مجهول .
    وروى هذا الحديث سفيان الثوري ، فقال فيه : عن سعيد بن يسار ، عن أبي هُريرة ، ووهم في قوله : ( سعيد بن يسار ) ، إنَّما هو : أبو سعيد مولى ابنِ كُريز ، قاله أحمد ويحيى والدَّارقطني، وقد رُوِي بعضُه من وجه آخر.
    وخرَّجه الترمذي من رواية أبي صالح عن أبي هريرة ، قال : قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : ( المسلم أخو المسلم ، لا يخونُه ولا يكذِبُه ولا يَخذُلُه ، كلُّ المسلمِ على المسلم حرامٌ : عِرْضُه وماله ودمُه ، التقوى هاهنا ، بحسب امرئٍ منَ الشرِّ أنْ يحقِرَ أخاهُ المسلم ).
    وخرَّج أبو داود من قوله : ( كلُّ المسلم ) إلى آخره.
    وخرَّجاه في " الصحيحين " من رواية الأعرج عن أبي هريرة عن النَّبيِّ - صلى الله عليه وسلم - ، قال : ( لا تحاسَدُوا ولا تناجَشُوا ، ولا تباغَضُوا ولا تَدابَروا ، وكونوا عبادَ اللهِ إخواناً ).
    وخرَّجاه من وجوه أخر عن أبي هريرة.
    وخرَّج الإمام أحمد من حديث واثلةَ بنِ الأسقعِ ، عن النَّبيِّ - صلى الله عليه وسلم -، قال: ( كُلُّ المسلم على المسلم حرامٌ : دمه ، وعرضه ، وماله ، المسلم أخو المسلمِ ، لا يظلمُه ولا يَخذُلُه ، والتَّقوى هاهنا - وأومأ بيده إلى القلب - وحسبُ امرئٍ منَ الشرِّ أنْ يحقِرَ أخاهُ المسلم ). وخرَّج أبو داود آخره فقط.
    وفي " الصحيحين " من حديث ابن عمرَ عن النَّبيِّ - صلى الله عليه وسلم - ، قال : ( المسلم أخو المسلم ، لا يَظلِمُهُ ولا يُسلِمه ) . وخرَّجه الإمامُ أحمد، ولفظه : ( المسلم أخو المسلم ، لا يظلِمُه ولا يخذُله ولا يحقِرُه ، وبحسب المرئ مِنَ الشَّرِّ أن يحقِرَ أخاه المسلم ).
    وفي " الصحيحين " عن أنس ، عن النَّبيِّ - صلى الله عليه وسلم - ، قال : ( لا تباغَضُوا ، ولا تحاسَدوا ، ولا تدابروا ، وكونوا عِبادَ الله إخواناً ).
    ويُروى معناه من حديث أبي بكر الصديق مرفوعاً وموقوفاً.
    فقوله - صلى الله عليه وسلم - : ( لا تحاسدوا ) يعني : لا يحسُدْ بعضُكم بعضاً ، والحسدُ مركوزٌ في طباع البشر ، وهو أنَّ الإنسان يكرهُ أن يفوقَهُ أحدٌ منْ جنسهِ في شيءٍ من الفضائل.
    ثم ينقسم الناس بعدَ هذا إلى أقسام ، فمنهم من يسعى في زوال نعمةِ المحسودِ بالبغي عليه بالقول والفعل ، ثمَّ منهم من يسعى في نقلِ ذلك إلى نفسه ، ومنهم من يَسعى في إزالته عن المحسودِ فقط من غيرِ نقل إلى نفسه ، وهو شرُّهما وأخبثهما ، وهذا هو الحسدُ المذمومُ المنهيُّ عنه ، وهو كان ذنبَ إبليس حيث حسدَ آدم - عليه السلام - لمَّا رآه قد فاق على الملائكة بأنْ خلقه الله بيده ، وأسجد له ملائكتَه ، وعلَّمه أسماء كلِّ شيءٍ ، وأسكنه في جواره ، فما زال يسعى في إخراجه من الجنَّة حتَّى أخرج منها ، ويروى عن ابن عمرَ أنَّ إبليسَ قال لنوح : اثنتان بهما أُهلك بني آدم : الحسد ، وبالحسد لُعِنتُ وجُعلتُ شيطاناً رجيماً ، والحرص وبالحرص أُبيح آدمُ الجنةَ كلَّها ، فأصبتُ حاجتي منه بالحرص . خرَّجه ابنُ أبي الدُّنيا.
    وقد وصف الله اليهودَ بالحسد في مواضع من كتابه القرآن ، كقوله تعالى : { وَدَّ كَثِيرٌ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ لَوْ يَرُدُّونَكُمْ مِنْ بَعْدِ إِيمَانِكُمْ كُفَّاراً حَسَداً مِنْ عِنْدِ أَنْفُسِهِمْ مِنْ بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُمُ الْحَقّ }، وقوله : { أَمْ يَحْسُدُونَ النَّاسَ عَلَى مَا آتَاهُمُ اللهُ مِنْ فَضْلِهِ }.
    وخرَّج الإمام أحمد والترمذي من حديث الزُّبير بن العوَّام ، عن النَّبيِّ - صلى الله عليه وسلم - : ( دبَّ إليكم داءُ الأمم من قبلكم : الحسدُ والبغضاءُ ، والبغضاءُ هي الحالقة ، حالقة الدين لا حالقةُ الشعر ، والذي نفس محمد بيده لا تُؤمنوا حتى تحابُّوا ، أولا أُنبئكم بشيءٍ إذا فعلتموه تحابَبْتُم ؟ أفشوا السَّلام بينكم ).
    وخرَّج أبو داود من حديث أبي هريرة ، عن النَّبيِّ - صلى الله عليه وسلم - ، قال : ( إيَّاكم والحسد ، فإنَّ الحسدَ يأكلُ الحسناتِ كما تأكلُ النَّارُ الحطب ، أو قال : العُشبَ ).
    وخرَّج الحاكم وغيرُه من حديث أبي هريرة ، عن النَّبيِّ - صلى الله عليه وسلم - ، قال : ( سيُصيبُ أُمَّتي داءُ الأمم ) ، قالوا : يا نبيَّ الله ، وما داءُ الأمم ؟ قال : ( الأشرُ والبَطَرُ ، والتَّكاثرُ والتَّنافسُ في الدُّنيا ، والتَّباغُض ، والتَّحاسدُ حتى يكونَ البغيُ ثمَّ الهرجُ ).
    وقسم آخر من الناسِ إذا حسدَ غيره ، لم يعمل بمقتضى حسده ، ولم يبغِ على المحسود بقولٍ ولا فعلٍ . وقد رُوي عن الحسن أنَّه لا يأثمُ بذلك، وروي مرفوعاً من وجوه ضعيفة ، وهذا على نوعين :
    أحدهما : أنْ لا يمكنه إزالةُ الحسدِ من نفسِه ، فيكون مغلوباً على ذَلِكَ ، فلا يأثمُ به.
    والثاني : من يُحدِّثُ نفسَه بذلك اختياراً ، ويُعيده ويُبديه في نفسه مُستروِحاً إلى تمنِّي زوالِ نعمة أخيه ، فهذا شبيهٌ بالعزم المصمِّم على المعصية ، وفي العقاب على ذلك اختلافٌ بين العلماء ، وربما يُذكر في موضعٍ آخر إنْ شاء الله تعالى ، لكن هذا يَبعُدُ أن يَسلَمَ من البغي على المحسود ، ولو بالقول ، فيأثم بذلك.
    وقسم آخر إذا حسد لم يتمنَّ زوال نعمة المحسود ، بل يسعى في اكتساب مثل فضائله ، ويتمنَّى أنْ يكونَ مثله ، فإن كانتِ الفضائلُ دنيويَّةً ، فلا خيرَ في ذلك ، كما قال الَّذينَ يُريدُونَ الحياةَ الدُّنيا : { يَا لَيْتَ لَنَا مِثْلَ مَا أُوتِيَ قَارُونُ }، وإنْ كانت فضائلَ دينيَّةً ، فهو حسن ، وقد تمنَّى النَّبيُّ - صلى الله عليه وسلم - الشَّهادة في سبيل الله - عز وجل - . وفي " الصحيحين " عنه - صلى الله عليه وسلم - ، قال : ( لا حسدَ إلاَّ في اثنتين : رجلٌ آتاه اللهُ
    مالاً ، فهو يُنفقه آناء الليل وآناء النَّهار ، ورجلٌ آتاهُ اللهُ القرآن ، فهو يقومُ به آناء اللَّيل وآناءَ النَّهار ) ، وهذا هو الغبطة ، وسماه حسداً من باب الاستعارة.
    وقسم آخر إذا وجدَ من نفسه الحسدَ سعى في إزالته ، وفي الإحسان إلى المحسود بإسداءِ الإحسان إليه ، والدُّعاء له ، ونشر فضائله ، وفي إزالة ما وَجَدَ له في نفسه مِنَ الحسدِ حتّى يبدلَه بمحبَّة أنْ يكونَ أخوه المسلمُ خيراً منه وأفضلَ ، وهذا مِنْ أعلى درجات الإيمان ، وصاحبه هو المؤمنُ الكاملُ الذي يُحبُّ لأخيه ما يحبُّ لنفسه ، وقد سبق الكلام على هذا في تفسير حديث : ( لا يؤمن أحدكم حتى يحب لأخيه ما يحب لنفسه ).
    وقوله - صلى الله عليه وسلم - : ( ولا تناجَشوا ) : فسَّره كثيرٌ من العلماء بالنَّجْشِ في البيع ، وهو : أن يزيدَ في السِّلعة من لا يُريدُ شِراءها، إمَّا لنفع البائع بزيادةِ الثَّمن له ، أو بإضرارِ المشتري بتكثير الثمن عليه ، وفي " الصحيحين " عن ابنِ عمرَ ، عن النَّبيِّ - صلى الله عليه وسلم - أنَّه نهى عن النَّجش.
    وقال ابن أبي أوفى : النَّاجش : آكلُ ربا خائنٌ ، ذكره البخاري.
    قال ابنُ عبد البرِّ : أجمعوا أنَّ فاعلَه عاصٍ لله - عز وجل - إذا كان بالنَّهي عالماً.
    واختلفوا في البيع ، فمنهم من قال : إنَّه فاسدٌ ، وهو روايةٌ عن أحمد، اختارها طائفةٌ من أصحابه ، ومنهم من قال : إنْ كان الناجشُ هو البائعَ ، أو من واطأه البائع على النَّجش فسد ؛ لأنَّ النَّهيَ هُنا يعودُ إلى العاقدِ نفسِه ، وإنْ لم يكن كذلك ، لم يفسُد ، لأنَّه يعودُ إلى أجنبيٍّ . وكذا حُكِي عَنِ الشَّافعيِّ أنَّه علَّل صحة البيع بأنَّ البائعَ غيرُ النَّاجش، وأكثرُ الفقهاء على أنَّ البيعَ صحيحٌ مطلقاً وهو قولُ أبي حنيفة ومالكٍ والشَّافعيِّ وأحمد في رواية عنه ، إلاَّ أنَّ مالكاً وأحمد أثبتا للمشتري الخيارَ إذا لم يعلم بالحال، وغُبِنَ غَبناً فاحشاً يخرج عن العادة ، وقدَّره مالكٌ وبعضُ أصحاب أحمد بثلث الثَّمنِ ، فإن اختارَ المشتري حينئذٍ الفسخَ ، فله ذلك ، وإن أراد الإمساكَ ، فإنَّه يحطُّ ما غُبِنَ به من الثَّمن ، ذكره أصحابنا.
    ويحتمل أن يُفسَّرَ التَّناجُشُ المنهيُ عنه في هذا الحديث بما هو أعمُّ من ذلك ، فإنَّ أصلَ النَّجش في اللُّغة : إثارةُ الشَّيءِ بالمكرِ والحيلةِ والمخادعةِ ، ومنه سُمِّي النَّاجِشُ في البيع ناجشاً ، ويسمّى الصَّائدُ في اللغة ناجشاً، لأنَّه يُثير الصَّيد بحيلته عليه ، وخِداعِه له ، وحينئذٍ ، فيكونُ المعنى : لا تتخادَعوا ، ولا يُعامِلْ بعضُكُم بعضاً بالمكرِ والاحتيال . وإنَّما يُرادُ بالمكر والمخادعة إيصالُ الأذى إلى المسلم : إمَّا بطريقِ الأصالة ، وإما اجتلاب نفعه بذلك ، ويلزم منه وصولُ الضَّرر إليه ، ودخولُه عليه ، وقد قال الله - عز وجل - : { وَلا يَحِيقُ الْمَكْرُ السَّيِّئُ إِلاَّ بِأَهْلِهِ }. وفي حديث ابن مسعودٍ عنِ النَّبيِّ - صلى الله عليه وسلم - : ( مَنْ غَشَّنا فليس منَّا ، والمكرُ والخِداعُ في النار ). وقد ذكرنا فيما تقدَّم حديث أبي بكر الصدِّيق المرفوع : ( ملعونٌ من ضارَّ مسلماً أو مكرَ به ) خرَّجه الترمذيُّ.
    فيدخل على هذا التقدير في التناجش المنهي عنه جميعُ أنواع المعاملات بالغشِّ ونحوه ، كتدليس العيوب ، وكِتمانها ، وغشِّ المبيع الجيد بالرديء ، وغَبْنِ المسترسل الذي لا يَعرِفُ المماكسة ، وقد وصف الله تعالى في كتابه الكفَّار والمنافقين بالمكر بالأنبياء وأتباعهم ، وما أحسنَ قول أبي العتاهية :
    لَيــس دُنيــــــا إلاَّ بـديـنٍ ولَيْـــ ● ـسَ الدِّين إلاَّ مَكارمُ الأخْلاقِ
    إنَّما المَكْرُ والخَديعَةُ في النَّارِ ● هُمَــا مِنْ خِصالِ أهْلِ النِّفاقِ وإنَّما يجوزُ المكرُ بمن يجوزُ إدخالُ الأذى عليه ، وهم الكفَّارُ المحاربون ، كما قال النَّبيُّ - صلى الله عليه وسلم - : ( الحربُ خدعةٌ ).
    وقوله - صلى الله عليه وسلم - : ( ولا تَباغضوا ) : نهى المسلمين عَنِ التَّباغض بينهم في غير الله ، بل على أهواءِ النُّفوسِ ، فإنَّ المسلمينَ جعلهمُ الله إخوةً ، والإخوةُ يتحابُّونَ بينهم ، ولا يتباغضون ، وقال النَّبيُّ - صلى الله عليه وسلم - : ( والذي نفسي بيده ، لا تدخُلُوا الجنَّة حتى تؤمنوا ، ولا تؤمنوا حتَّى تحابُّوا ، ألا أدلُّكم على شيءٍ إذا فعلمتموه تحاببتم ؟ أفشوا السَّلام بينكم ) خرَّجه مسلم. وقد ذكرنا فيما تقدَّم أحاديثَ في النَّهي عن التَّباغُض والتَّحاسد.
    وقد حرَّم الله على المؤمنين ما يُوقع بينهم العداوة والبغضاء ، كما قال : { إِنَّمَا يُرِيدُ الشَّيْطَانُ أَنْ يُوقِعَ بَيْنَكُمُ الْعَدَاوَةَ وَالْبَغْضَاءَ فِي الْخَمْرِ وَالْمَيْسِرِ وَيَصُدَّكُمْ عَنْ ذِكْرِ اللهِ وَعَنِ الصَّلاةِ فَهَلْ أَنْتُمْ مُنْتَهُونَ }.
    وامتنَّ على عباده بالتَّأليف بين قلوبهم ، كما قال تعالى : { وَاذْكُرُوا نِعْمَتَ اللهِ عَلَيْكُمْ إِذْ كُنْتُمْ أَعْدَاءً فَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِكُمْ فَأَصْبَحْتُمْ بِنِعْمَتِهِ إِخْوَاناً }، وقال : { هُوَ الَّذِي أَيَّدَكَ بِنَصْرِهِ وَبِالْمُؤْمِنِينَ وَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِهِمْ لَوْ أَنْفَقْتَ مَا فِي الأَرْضِ جَمِيعاً مَا أَلَّفْتَ بَيْنَ قُلُوبِهِمْ وَلَكِنَّ اللهَ أَلَّفَ بَيْنَهُمْ }.
    ولهذا المعنى حرم المشي بالنَّميمة ، لما فيها من إيقاع العداوة والبغضاء ، ورُخِّصَ في الكذب في الإصلاح بين النَّاس ، ورغَّب الله في الإصلاح بينهم ، كما قال تعالى : { لا خَيْرَ فِي كَثِيرٍ مِنْ نَجْوَاهُمْ إِلاَّ مَنْ أَمَرَ بِصَدَقَةٍ أَوْ مَعْرُوفٍ أَوْ إِصْلاحٍ بَيْنَ النَّاسِ وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ ابْتِغَاءَ مَرْضَاتِ اللهِ فَسَوْفَ نُؤْتِيهِ أَجْراً عَظِيماً }، وقال : { وَإِنْ طَائِفَتَانِ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ اقْتَتَلُوا فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُمَا }، وقال : { فَاتَّقُوا اللهَ وَأَصْلِحُوا ذَاتَ بَيْنِكُمْ }.
    وخرَّج الإمام أحمد وأبو داود والترمذيُّ من حديث أبي الدرداء ، عن النَّبيِّ - صلى الله عليه وسلم - ، قال : ( ألا أخبركم بأفضلَ مِنْ درجة الصلاة والصيام والصَّدقة ؟ ) قالوا : بلى يا رسول الله ، قال : ( صلاحُ ذاتِ البينِ ؛ فإنَّ فسادَ ذات البين هي الحالِقةُ ).
    وخرَّج الإمام أحمد وغيرُه من حديث أسماءَ بنتِ يزيد ، عن النَّبيِّ - صلى الله عليه وسلم - ، قال : ( ألا أُنبِّئُكم بشرارِكم ؟ ) قالوا : بلى يا رسول الله ، قال : ( المشَّاؤون بالنَّميمة ، المفرِّقُون بينَ الأحبَّةِ ، الباغون للبُرءاءِ العَنَت ).
    وأمَّا البغض في الله ، فهو من أوثق عرى الإيمان ، وليس داخلاً في النَّهي ، ولو ظهر لرجل من أخيه شرٌّ ، فأبغضه عليه ، وكان الرَّجُل معذوراً فيه في نفس الأمر ، أثيب المبغضُ له ، وإن عُذِرَ أخوه ، كما قال عمر : إنَّا كُنَّا نعرفكُم إذ رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بين أظهُرنا ، وإذ ينْزل الوحيُ ، وإذ يُنبِّئُنا الله مِنْ أخبارِكُم ألا وإنَّ رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قدِ انطُلِقَ به ، وانقطعَ الوحيُ ، فإنَّما نَعْرفكم بما نَخْبُركم ، ألا مَنْ أظهرَ منكم لنا خيراً ظننَّا به خيراً ، وأحببناه عليه ، ومَنْ أظهر منكم شرّاً ، ظننا به شراً ، وأبغضناه عليه ، سرائرُكم بينكم وبينَ ربِّكم - عز وجل - ).
    وقال الربيع بن خُثَيْم : لو رأيت رجلاً يُظهر خيراً ، ويُسرُّ شرّاً ، أحببتَه عليه ، آجرَك الله على حبِّك الخيرَ ، ولو رأيت رجلاً يُظهر شرّاً ، ويسرُّ خيراً أبغضته عليه ، آجرَك الله على بُغضك الشرَّ.
    ولمَّا كثُرَ اختلافُ النَّاس في مسائل الدِّين ، وكثرَ تفرُّقُهم ، كثُر بسببِ ذلك تباغُضهم وتلاعُنهم ، وكلٌّ منهم يُظهِرُ أنَّه يُبغض لله ، وقد يكونُ في نفس الأمر معذوراً ، وقد لا يكون معذوراً ، بل يكون متَّبِعاً لهواه ، مقصِّراً في البحث عن معرفة ما يُبغِضُ عليه ، فإنَّ كثيراً من البُغض كذلك إنَّما يقعُ لمخالفة متبوع يظنُّ أنَّه لا يقولُ إلاَّ الحقَّ ، وهذا الظَّنُّ خطأٌ قطعاً ، وإنْ أُريد أنَّه لا يقول إلاَّ الحقَّ فيما خُولِفَ فيه ، فهذا الظنُّ قد يُخطئ ويُصيبُ ، وقد يكون الحامل على الميلِ مجرَّد الهوى ، أو الإلفُ ، أو العادة ، وكلُّ هذا يقدح في أنْ يكون هذا البغضُ لله ، فالواجبُ على المؤمن أن ينصحَ نفسَه ، ويتحرَّزَ في هذا غاية التحرُّزِ ، وما أشكل منه ، فلا يُدخِلُ نفسَه فيه خشيةَ أن يقعَ فيما نُهِيَ عنه مِنَ البُغض المُحرَّمِ.
    وهاهنا أمرٌ خفيٌّ ينبغي التَّفطُّن له ، وهو أنَّ كثيراً من أئمَّةِ الدِّينِ قد يقولُ قولاً مرجوحاً ويكون مجتهداً فيه ، مأجوراً على اجتهاده فيه ، موضوعاً عنه خطؤه فيهِ ، ولا يكونُ المنتصِرُ لمقالته تلك بمنْزلته في هذه الدَّرجة ؛ لأنَّه قد لا ينتصِرُ لهذا القولِ إلاَّ لكونِ متبوعه قد قاله ، بحيث أنَّه لو قاله غيرُه من أئمَّة الدِّينِ ، لما قبِلَهُ ولا انتصر له ، ولا والى من وافقه ، ولا عادى من خالفه ، وهو مع هذا يظن أنَّه إنَّما انتصر للحقِّ بمنْزلة متبوعه ، وليس كذلك ، فإنَّ متبوعه إنَّما كان قصدُه الانتصارَ للحقِّ ، وإنْ أخطأ في اجتهاده ، وأمَّا هذا التَّابعُ ، فقد شابَ انتصارَه لما يظنُّه الحقَّ إرادة علوِّ متبوعه ، وظهور كلمته ، وأنْ لا يُنسَبَ إلى الخطأ ، وهذه دسيسةٌ تَقْدَحُ في قصد الانتصار للحقِّ ، فافهم هذا ، فإنَّه فَهْمٌ عظيم ، والله يهدي مَنْ يشاء إلى صراطٍ مستقيم.
    وقوله : ( ولا تدابروا ) قال أبو عبيد : التَّدابر : المصارمة والهجران ، مأخوذ من أن يُولِّي الرَّجلُ صاحبَهُ دُبُرَه، ويُعرِض عنه بوجهه ، وهو التَّقاطع.
    وخرَّج مسلم من حديث أنسٍ ، عن النَّبيِّ - صلى الله عليه وسلم - ، قال : ( لا تحاسدُوا ، ولا تَبَاغَضُوا ، ولا تَقَاطعُوا ، وكونوا عِبادَ الله إخواناً كما أمركُم الله ) . وخرَّجه أيضاً بمعناه من حديث أبي هريرة عن النَّبيِّ - صلى الله عليه وسلم -.
    وفي " الصحيحين " عن أبي أيوب ، عن النَّبيِّ - صلى الله عليه وسلم - ، قال : ( لا يَحِلُّ لمسلمٍ أنْ يهجرَ أخاه فوق ثلاثٍ ، يلتقيان ، فيصدُّ هذا ، ويصدُّ هذا ، وخيرُهما الَّذي يَبدأ بالسَّلام ).
    وخرَّج أبو داود من حديث أبي خراش السُّلميِّ ، عن النَّبيِّ - صلى الله عليه وسلم - ، قال : ( مَنْ هَجر أخاه سنةً ، فهو كسفكِ دمه ).
    وكلُّ هذا في التَّقاطع للأمورِ الدُّنيويَّة ، فأمَّا لأجلِ الدِّين ، فتجوزُ الزِّيادةُ على الثلاثِ، نصَّ عليه الإمام أحمدُ ، واستدلَّ بقصَّةِ الثَّلاثةِ الَّذينَ خُلِّفوا ، وأمر النَّبيُّ - صلى الله عليه وسلم - بهجرانهم لمَّا خاف منهمُ النِّفاق ، وأباح هِجران أهلِ البدع المغلَّظة والدعاة إلى الأهواء ، وذكر الخطابي أنَّ هِجران الوالدِ لولده ، والزَّوج لزوجته ، وما كان في معنى ذلك تأديباً تجوزُ الزِّيادة فيه على الثَّلاث ؛ لأنَّ النَّبيَّ - صلى الله عليه وسلم - هجر نساءه شهراً.
    واختلفوا : هل ينقطع الهِجران بالسَّلام ؟ فقالت طائفةٌ : يَنقطِعُ بذلك ، ورُوي عن الحسن ومالكٍ في رواية ابن وهبٍ، وقاله طائفةٌ من أصحابنا.
    وخرَّج أبو داود من حديث أبي هريرة عن النَّبيِّ - صلى الله عليه وسلم - قالَ : ( لا يحلُّ لمؤمنٍ أنْ يهجُرَ مؤمناً فوق ثلاثٍ ، فإن مرَّت به ثلاثٌ ، فليلقَهُ ، فليسلِّم عليهِ ، فإن ردَّ عليهِ السَّلامَ ، فقد اشتركا في الأجر ، وإن لم يردَّ عليهِ ، فقد باءَ بالإثم ، وخرج المُسلِّمُ من الهجرة ) . ولكن هذا فيما إذا امتنع الآخرُ من الرَّدِّ عليهِ ، فأمَّا معَ الرَّدِّ إذا كانَ بينهما قبل الهجرةِ مودَّةٌ ، ولم يعودا إليها ، ففيه نظر . وقد قالَ أحمد في رواية الأثرم ، وسئل عن السَّلام : يقطعُ الهِجران ؟ فقال : قد يُسلم عليه وقد صَدَّ عنه، ثم قال النَّبيُّ - صلى الله عليه وسلم - يقول : ( يلتقيان فيصدُّ هذا ، ويصدُّ هذا ) ، فإذا كان قد عوَّده أنْ يُكلِّمه أو يُصافحه . وكذلك رُوي عن مالكٍ أنَّه لا تنقطعُ الهجرة بدونِ العود إلى المودَّة.
    وفرَّق بعضُهم بين الأقارب والأجانب ، فقال في الأجانب : تزول الهجرةُ بينهم بمجرَّد السَّلام ، بخلافِ الأقارب ، وإنَّما قال هذا لوجوب صلة الرَّحِمِ.
    قوله - صلى الله عليه وسلم - : ( ولا يبِعْ بعضُكم على بيع بعض ) قد تكاثرَ النَّهي عَنْ ذلك ، ففي " الصحيحين " عن أبي هريرة ، عن النَّبيِّ - صلى الله عليه وسلم - ، قال : ( لا يبيع الرجلُ على بيع أخيه ، ولا يخطُبُ على خِطبةِ أخيه ) . وفي رواية لمسلم : ( لا يَسُمِ المسلمُ على سومِ المسلم ، ولا يَخطُبُ على خِطبته ) . وخرَّجاه من حديث ابن عمر عن النَّبيِّ - صلى الله عليه وسلم - ، قال : ( لا يَبِعِ الرَّجُلُ على بيع أخيه ، ولا يخطُبْ على خِطبة أخيه ، إلاَّ أنْ يأذن له ) . ولفظه لمسلم.
    وخرَّج مسلم من حديث عقبة بن عامر ، عن النَّبيِّ - صلى الله عليه وسلم - ، قال : ( المؤمنُ أخو المؤمنِ ، فلا يَحِلُّ للمؤمن أن يبتاعَ على بيع أخيه ، ولا يخطبَ على خِطبةِ أخيه ، حتَّى يَذَرَ ).
    وهذا يدلُّ على أنَّ هذا حقُّ للمسلم على المسلم ، فلا يُساويه الكافر في ذلك ، بل يجوزُ للمسلم أن يبتاعَ على بيع الكافر ، ويَخطُبَ على خِطبته ، وهو قولُ الأوزاعيِّ وأحمدَ ، كما لا يثبتُ للكافر على المسلم حقُّ الشُّفعة عنده ، وكثيرٌ من الفُقهاء ذهبوا إلى أنَّ النَّهي عامٌّ في حقِّ المسلم والكافر.
    واختلفوا : هلِ النَّهيُ للتَّحريم ، أو للتَّنزيه ، فمِنْ أصحابنا من قال : هو للتَّنزيه دونَ التَّحريم ، والصَّحيحُ الذي عليه جمهورُ العلماء : أنَّه للتَّحريمِ.
    واختلفوا : هل يصحُّ البيع على بيعِ أخيه ، أوِ النِّكاحُ على خِطبته ؟ فقال أبو حنيفة والشافعي وأكثر أصحابنا : يَصِحُّ ، وقال مالك في النِّكاح : إنَّه إن لم يدخل بها ، فُرِّقَ بينهما ، وإنْ دخل بها لم يُفرَّقْ. وقال أبو بكر مِنْ أصحابنا في البيع والنِّكاحِ : إنَّه باطلٌ بكلِّ حالٍ ، وحكاه عن أحمد.
    ومعنى البيع على بيع أخيه : أنْ يكونَ قد باع منه شيئاً ، فيبذُل للمشتري سلعتَه ليشتريها ، ويفسخ بيعَ الأوَّلِ . وهل يختصُّ ذلك بما إذا كان البذلُ في مدَّة الخيار ، بحيث يتمكَّن المشتري مِنَ الفسخِ فيه ، أم هو عامٌّ في مدَّةِ الخيار وبعدَها ؟ فيه اختلاف بين العلماء ، قد حكاه الإمامُ أحمد في رواية حرب ، ومال إلى القول بأنَّه عامٌّ في الحالينِ ، وهو قولُ طائفةٍ من أصحابنا . ومنهم من خصَّه بما إذا كان ذلك في مدَّة الخيار ، وهو ظاهرُ كلامِ أحمد في رواية ابن مشيش ، ومنصوصُ الشَّافعي، والأوَّلُ أظهرُ ، لأنَّ المشتري وإنْ لم يتمكَّنْ من الفسخ بنفسه بعد انقضاء مدة الخيار فإنَّه إذا رغب في ردِّ السِّلعة الأُولى على بائعها ، فإنَّه يتسبَّب في ردِّها عليه بأنواع من الطُّرق المقتضية لضَرره ، ولو بالإلحاح عليه في المسألة ، وما أدَّى إلى ضررِ المسلم ، كان محرَّماً ، والله أعلم .
    وقوله - صلى الله عليه وسلم - : ( وكونوا عباد الله إخواناً ) : هذا ذكره النَّبيُّ - صلى الله عليه وسلم - كالتَّعليل لِما تقدَّم ، وفيه إشارةٌ إلى أنَّهم إذا تركُوا التَّحاسُدَ ، والتَّناجُشَ ، والتَّباغُضَ، والتدابرَ ، وبيعَ بعضِهم على بيعِ بعضٍ ، كانوا إخواناً.
    وفيه أمرٌ باكتساب ما يصيرُ المسلمون به إخواناً على الإطلاق ، وذلك يدخلُ فيه أداءُ حقوقِ المسلم على المسلم مِنْ رَدِّ السلامِ ، وتشميت العاطس ، وعيادة المريض ، وتشييع الجنازة ، وإجابةِ الدَّعوة ، والابتداء بالسَّلام عندَ اللِّقاء ، والنُّصح بالغيب.
    وفي " الترمذي " عن أبي هُريرة ، عن النَّبيِّ - صلى الله عليه وسلم - ، قال : ( تَهادَوا ، فإنَّ الهديةَ تُذهِبُ وَحَرَ الصَّدر ) . وخرَّجه غيرُه، ولفظه : ( تهادوا تحابُّوا ).
    وفي " مسند البزار " عن أنس ، عن النَّبيِّ - صلى الله عليه وسلم - ، قال : ( تهادوا ، فإنَّ الهدية تَسُلُّ السَّخيمة ).
    ويُروى عن عمر بن عبد العزيز - يرفعُ الحديثَ - قال : ( تصافحوا ، فإنَّه يُذهِبُ الشَّحناء ، وتهادَوْا ).
    وقال الحسن : المصافحةُ تزيد في الودِّ.
    وقال مجاهد : بلغني أنه إذا تراءى المتحابّان ، فضحك أحدُهما إلى الآخر، وتصافحا ، تحاتت خطاياهما كما يتحاتُّ الورقُ من الشجر ، فقيل له : إنَّ هذا ليسيرٌ مِنَ العمل ، قال : تقولُ يسيرٌ والله يقولُ : { لَوْ أَنْفَقْتَ مَا فِي الأَرْضِ جَمِيعاً مَا أَلَّفْتَ بَيْنَ قُلُوبِهِمْ وَلَكِنَّ اللهَ أَلَّفَ بَيْنَهُمْ إِنَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ }.
    وقوله - صلى الله عليه وسلم - : ( المسلمُ أخو المسلم ، لا يظلِمُه ، ولا يَخذُلُه ، ولا يَكذِبُه ، ولا يَحقِرُه ) . هذا مأخوذ من قوله - عز وجل - : { إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ فَأَصْلِحُوا بَيْنَ أَخَوَيْكُمْ }، فإذا كان المؤمنون إخوةً ، أُمروا فيما بينهم بما يُوجب تآلُفَ القلوب واجتماعَها ، ونُهوا عمَّا يوجبُ تنافرَ القلوب واختلافَها ، وهذا من ذلك.
    وأيضاً ، فإنَّ الأخ مِنْ شأنه أنْ يوصِلَ إلى أخيه النَّفع ، ويكفَّ عنه الضَّرر ، ومن أعظم الضرِّ الذي يجبُ كفُّه عَنِ الأَخِ المسلم الظُّلم ، وهذا لا يختصُّ بالمسلم ، بل هو محرَّمٌ في حقِّ كلِّ أحَدٍ ، وقد سبق الكلام على الظُّلم مستوفى عندَ ذكر حديث أبي ذرِّ الإلهي : ( يا عبادي إنِّي حرَّمتُ الظُّلم على نفسي ، وجعلته بينكم محرَّماً ، فلا تظالموا ).
    ومِنْ ذلك : خِذلانُ المسلم لأخيه ، فإنَّ المؤمن مأمورٌ أنْ يَنصُرَ أخاه، كما قال - صلى الله عليه وسلم - : ( انصُر أخاك ظالماً أو مظلوماً ) ، قال : يا رسولَ الله ، أنصُرُهُ مَظلوماً ، فكيف أنصره ظالماً ؟ قال : ( تمنعه عنِ الظُّلم ، فذلك نصرُك إيَّاه ) . خرَّجه البخاري بمعناه من حديث أنس ، وخرَّجه مسلم بمعناه من حديث جابر.
    وخرَّج أبو داود من حديث أبي طلحة الأنصاري وجابرِ بن عبد الله ، عن النَّبيِّ - صلى الله عليه وسلم - ، قال : ( ما مِن امرئٍ مسلمٍ يخذُلُ امرأً مسلماً في موضع تُنتَهكُ فيه حرمتُه ، ويُنتقصُ فيه من عِرضه ، إلاّ خذله الله في موطنٍ يُحبُّ فيه نُصرتَه ، وما مِن امرئٍ ينصرُ مسلماً في موضع يُنتقصُ فيه من عِرضِه ، ويُنتهكُ فيه من حرمته ، إلاّ نصره الله في موضع يحبُّ فيه نصرَتَه ).
    وخرّج الإمام أحمد من حديث أبي أمامة بن سهل ، عن أبيه ، عن النَّبيِّ - صلى الله عليه وسلم - ، قال : ( مَنْ أُذِلَّ عنده مؤمنٌ ، فلم ينصُرْه وهو يقدِرُ على أن ينصُرَه ، أذلَّه الله على رؤوس الخلائق يوم القيامة ).
    وخرَّج البزار من حديث عِمران بن حُصين ، عن النَّبيِّ - صلى الله عليه وسلم - ، قال : ( مَنْ نَصرَ أخاه بالغيب وهو يستطيعُ نصرَه ، نَصَرَهُ الله في الدُّنيا والآخرة ).
    ومن ذلك : كذِبُ المسلم لأخيه ، فلا يَحِلُّ له أن يُحدِّثه فيكذبه ، بل لا يُحدِّثه إلاَّ صدقاً ، وفي " مسند الإمام أحمد " عن النَّوَّاس بن سمعان ، عن النَّبيِّ - صلى الله عليه وسلم - ، قال : ( كَبُرَت خِيانةً أن تُحدِّثَ أخاكَ حديثاً هو لك مصدِّقٌ وأنت به كاذب ) .
    ومن ذلك : احتقارُ المسلم لأخيه المسلم ، وهو ناشئٌ عن الكِبْرِ ، كما قال النَّبيُّ - صلى الله عليه وسلم - : ( الكِبْرُ بَطَرُ الحقِّ وغَمْطُ الناس ) خرَّجه مسلم من حديث ابن مسعود ، وخرَّجه الإمام أحمد، وفي رواية له : ( الكبرُ سَفَهُ الحقِّ ، وازدراءُ الناس ) ، وفي رواية : ( وغمص الناس )، وفي رواية زيادة : ( فلا يَراهم شيئاً ) وغمص النَّاس : الطَّعنُ عليهم وازدراؤهم، وقال الله - عز وجل - : { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا يَسْخَرْ قَوْمٌ مِنْ قَوْمٍ عَسَى أَنْ يَكُونُوا خَيْراً مِنْهُمْ وَلا نِسَاءٌ مِنْ نِسَاءٍ عَسَى أَنْ يَكُنَّ خَيْراً مِنْهُنّ }، فالمتكبر ينظرُ إلى نفسه بعين الكمال ، وإلى غيره بعين النَّقصِ ، فيحتقرهم ويزدريهم ، ولا يراهم أهلاً لأنْ يقومَ بحقُوقهم ، ولا أن يقبلَ مِنْ أحد منهم الحقَّ إذا أورده عليه.
    وقوله - صلى الله عليه وسلم - : ( التَّقوى هاهنا ) يشير إلى صدره ثلاثَ مرَّاتٍ : فيه إشارةٌ إلى أنَّ كرم الخَلْق عند الله بالتَّقوى ، فربَّ من يحقِرُه الناس لضعفه ، وقلَّةِ حظِّه من الدُّنيا ، وهو أعظمُ قدراً عند الله تعالى ممَّن له قدرٌ في الدُّنيا ، فإنَّ الناسَ إنّما يتفاوتُون بحسب التَّقوى ، كما قال الله تعالى : { إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللهِ أَتْقَاكُمْ }، وسئل النَّبيُّ - صلى الله عليه وسلم - : مَنْ أكرمُ الناسِ ؟ قال : ( أتقاهُم لله - عز وجل - ). وفي حديث آخر : ( الكرمُ التَّقوى )، والتَّقوى أصلُها في القلب ، كما قال تعالى : { وَمَنْ يُعَظِّمْ شَعَائِرَ اللهِ فَإِنَّهَا مِنْ تَقْوَى الْقُلُوبِ }. وقد سبق ذكر هذا المعنى في الكلام على حديث أبي ذرٍّ الإلهي عند قوله : ( لو أنَّ أوَّلكم وآخرَكم وإنسَكُم وجنَّكُم كانوا على أتقى قلبِ رجلٍ واحد منكم ، ما زاد ذلك في مُلكي شيئاً ).
    وإذا كان أصلُ التَّقوى في القُلوب ، فلا يطَّلعُ أحدٌ على حقيقتها إلا الله - عز وجل - ، كما قال - صلى الله عليه وسلم - : ( إنَّ الله لا ينظرُ إلى صُورِكُم وأموالِكم ، ولكن ينظرُ إلى قلوبكم وأعمالكم ) وحينئذ ، فقد يكونُ كثيرٌ ممَّن له صورةٌ حسنةٌ ، أو مالٌ ، أو جاهٌ ، أو رياسةٌ في الدنيا ، قلبه خراباً من التقوى ، ويكون من ليس له شيء من ذلك قلبُه مملوءاً مِنَ التَّقوى ، فيكون أكرمَ عند الله تعالى ، بل ذلك هو الأكثر وقوعاً ، كما في " الصحيحين " عن حارثةَ بن وهبٍ ، عن النَّبيِّ - صلى الله عليه وسلم - ، قال : ( ألا أُخبِرُكم بأهل الجنَّةِ : كلُّ ضعيف متضعَّفٍ ، لو أقسم على الله لأبرَّهُ ، ألا أخبركم بأهل النَّارِ : كلُّ عُتُلٍّ جَوَّاظٍ مُستكبِرٍ ).
    وفي " المسند " عن أنس عن النَّبيِّ - صلى الله عليه وسلم - ، قال : ( أمَّا أهلُ الجنَّة ، فكلُّ ضعيفٍ متضعَّفٍ ، أشعث ، ذي طِمرين ، لو أقسمَ على الله لأبرَّه ؛ وأمَّا أهلُ النَّارِ ، فكلُّ جَعْظَريٍّ جَوَّاظ جمَّاعٍ ، منَّاعٍ ، ذي تَبَع ).
    وفي " الصحيحين " عن أبي هريرة ، عن النَّبيِّ - صلى الله عليه وسلم - ، قال : ( تحاجَّت الجنَّةُ والنَّارُ ، فقالتِ النَّارُ : أُوثِرْتُ بالمتكبِّرينَ والمتجبِّرين ، وقالتِ الجنَّةُ : لا يدخُلُني إلا ضعفاءُ النَّاس وسَقَطُهم ، فقال الله للجنَّةِ : أنت رحمتي أرحمُ بك من أشاءُ من عبادي ، وقال للنار : أنت عذابي ، أعذِّبُ بكِ من أشاء من عبادي ).
    وخرَّجه الإمام أحمد من حديث أبي سعيدٍ عن النَّبيِّ - صلى الله عليه وسلم - قال : ( افتخرت الجنَّةُ والنَّارُ ، فقالت النار : يا ربِّ ، يدخُلُني الجبابرة والمتكبِّرون والملوكُ والأشرافُ ، وقالت الجنَّةُ : يا ربِّ يدخُلُني الضُّعفاء والفقراءُ والمساكين ) وذكر الحديث.
    وفي " صحيح البخاري " عن سهل بن سعد ، قال : مرَّ رجلٌ على رسولِ الله - صلى الله عليه وسلم - ، فقال لرجل عنده جالس : ( ما رأيك في هذا ؟ ) فقالَ رجلٌ منْ أشراف الناس : هذا والله حريٌّ إنْ خطَب أنْ يُنكح ، وإنْ شفع أنْ يشفَّعَ ، وإن قالَ أن يُسمَعَ لقوله ، قالَ : فسكت النَّبيُّ - صلى الله عليه وسلم - ، ثُمَّ مرَّ رجلٌ آخر ، فقالَ لهُ
    رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : ( ما رأيك في هذا ؟ ) قال : يا رسول الله ، هذا رجلٌ مِن فقراء المسلمين ، هذا حريٌّ إنْ خطب أنْ لا يُنكحَ ، وإن شفع أن لا يشفَّع ، وإنْ قال أنْ لا يُسمع لقوله ، فقال رسول - صلى الله عليه وسلم - : ( هذا خيرٌ من ملءِ الأرض مثل هذا ).
    وقال محمد بنُ كعب القُرَظيُّ في قوله تعالى : { إِذَا وَقَعَتِ الْوَاقِعَةُ لَيْسَ لِوَقْعَتِهَا كَاذِبَةٌ خَافِضَةٌ رَافِعَةٌ }، قال : تَخفِضُ رجالاً كانوا في الدُّنيا مرتفعين ، وترْفَعُ رجالاً كانوا في الدُّنيا مخفوضين.
    قوله - صلى الله عليه وسلم - : ( بحسب امرئٍ مِنَ الشَّرِّ أنْ يحقِرَ أخاه المسلم ) يعني : يكفيه مِنَ الشرِّ احتقارُ أخيه المسلم ، فإنَّه إنَّما يحتقرُ أخاه المسلم لتكبُّره عليه ، والكِبْرُ من أعظمِ خِصالِ الشَّرِّ ، وفي " صحيح مسلم " عن النَّبيِّ - صلى الله عليه وسلم - أنَّه قال : ( لا يدخلُ الجنَّة من في قلبه مثقالُ ذرَّةٍ من كِبْرٍ ) .
    وفيه أيضاً عنه أنَّه قال : ( العزُّ إزاره والكبر ردائه ، فمن نازعني عذَّبتُه ) فمنازعته الله تعالى صفاته التي لا تليقُ بالمخلوق ، كفى بها شراً.
    وفي " صحيح ابن حبان " عن فَضالة بنِ عُبيدٍ ، عن النَّبيِّ - صلى الله عليه وسلم - ، قال : ( ثلاثة لا يُسأل عنهم : رجلٌ يُنازعُ الله إزاره ، ورجلٌ يُنازع الله رداءه ، فإنَّ رداءه الكبرياء ، وإزاره العزُّ ، ورجلٌ في شكٍّ من أمر الله تعالى والقُنوطِ من رحمة الله ).
    وفي " صحيح مسلم " عن أبي هريرة ، عن النَّبيِّ - صلى الله عليه وسلم - ، قال : ( من قال : هلكَ الناسُ ، فهو أهلكهم ) قال مالك : إذا قال ذلك تحزُّناً لما يرى في الناس ، يعني في دينهم فلا أرى به بأساً ، وإذا قال ذلك عُجباً بنفسه ، وتصاغُراً للناس ، فهو المكروهُ الذي نُهي عنه . ذكره أبو داود في " سننه ".
    قوله - صلى الله عليه وسلم - : ( كلُّ المسلمِ على المسلمِ حرامٌ : دمهُ ومالُه وعِرضه ) هذا ممَّا كان النَّبيُّ - صلى الله عليه وسلم - يخطب به في المجامع العظيمةِ ، فإنَّه خطب به في حَجَّة الوداع يومَ النَّحر ، ويومَ عرفةَ ، ويوم الثاني من أيَّام التَّشريق ، وقال : ( إنَّ دماءكم وأموالكم وأعراضكم عليكم حرامٌ، كحُرمة يومكم هذا، في شهركم هذا، في بلدكم هذا ) وفي رواية للبخاري وغيره : ( وأبشاركم ) .
    وفي رواية : فأعادها مراراً ، ثم رفع رأسه ، فقالَ : ( اللَّهُمَّ هل بلَّغتُ ؟ اللهمَّ هل بلَّغت ؟ ).
    وفي رواية : ثم قال : ( ألا ليبلغِ الشاهدُ منكمُ الغائبَ ).
    وفي رواية للبخارى : ( فإنَّ الله حرّم عليكم دماءكم وأموالكم وأعراضكم إلا بحقها ). وفي رواية : ( دماؤكم وأموالُكم وأعراضُكم عليكُم حرامٌ ، مثلُ هذا اليوم ، وهذا البلد إلى يوم القيامة ، حتّى دفعةٌ يدفعُها مسلمٌ مسلماً يريدُ بها سوءاً حرام ).
    وفي رواية قال : ( المؤمنُ حرامٌ على المؤمن ، كحرمة هذا اليوم لحمُه عليه حرامٌ أنْ يأكُلَه ويغتابه بالغيب ، وعِرضُه عليه حرامٌ أنْ يخرِقَه ، ووجهُه عليه حرام أنْ يَلطِمَه ، ودمُه عليه حرام أنْ يسفِكَه ، وحرامٌ عليه أنْ يدفعه دفعةً تُعنته ).
    وفي " سنن أبي داود " عن بعضِ الصَّحابة أنَّهم كانوا يسيرونَ مَعَ النَّبيِّ - صلى الله عليه وسلم - ، فنام رجلٌ منهم ، فانطلق بعضُهم إلى حبلٍ معه ، فأخذها ففزِعَ ، فقال النَّبيُّ - صلى الله عليه وسلم - : ( لا يحلُّ لمسلم أنْ يروِّع مسلماً ).
    وخرَّج أحمد وأبو داود والترمذي عن السَّائب بن يزيد ، عن النَّبيِّ - صلى الله عليه وسلم - ، قال : ( لا يأخذ أحدُكم عصا أخيه لاعباً جادّاً ، فمن أخذَ عصا أخيه ، فليردَّها إليه ) . قال أبو عبيد : يعني أن يأخذ شيئاً لا يريد سرقتَه ، إنَّما يريدُ إدخالَ الغيظِ عليه ، فهو لاعبٌ في مذهب السرقة ، جادٌ في إدخال الأذى والروع عليه.
    وفي " الصحيحين " عن ابنِ مسعودٍ ، عن النَّبيِّ - صلى الله عليه وسلم - ، قال : ( إذا كنتم ثلاثة ، فلا يتناجى اثنان دُونَ الثَّالث ، فإنَّ ذلك يُحزِنُهُ ) ولفظه لمسلم.
    وخرَّج الطبراني من حديث ابنِ عباس عن النَّبيِّ - صلى الله عليه وسلم - ، قال : ( لا يتناجى اثنان دُونَ الثَّالث ، فإنَّ ذلك يُؤذي المؤمنَ ، واللهُ يكره أذى المؤمن ).
    وخرَّج الإمام أحمد من حديث ثوبان ، عن النَّبيِّ - صلى الله عليه وسلم - ، قال : ( لا تؤذوا عبادَ الله ، ولا تعيِّرُوهم ، ولا تطلبُوا عوراتهم ، فإنَّ من طلبَ عورةَ أخيه المسلمِ ، طلب اللهُ عورَته حتى يفضحَهُ في بيته ).
    وفي " صحيح مسلم " عن أبي هريرة أنَّ النَّبيَّ - صلى الله عليه وسلم - سُئِلَ عنِ الغيبة ، فقال : ( ذكرُك أخاكَ بما يكرهُ ) ، قال : أرأيت إنْ كان فيه ما أقولُ ؟ فقال : ( إن كان فيه ما تقولُ فقد اغتَبته ، وإنْ لم يكن فيه ما تقولُ ، فقد بهتَّه ).
    فتضمَّنت هذه النُّصوص كلُّها أنَّ المسلمَ لا يحِلُّ إيصالُ الأذى إليه بوجهٍ مِنَ الوجوهِ من قولٍ أو فعلٍ بغير حقٍّ ، وقد قال الله تعالى : { وَالَّذِينَ يُؤْذُونَ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ بِغَيْرِ مَا اكْتَسَبُوا فَقَدِ احْتَمَلُوا بُهْتَاناً وَإِثْماً مُبِيناً }.
    وإنَّما جعلَ اللهُ المؤمنين إخوةً ليتعاطفوا ويتراحموا ، وفي " الصحيحين " عن النعمان بن بشير ، عن النَّبيِّ - صلى الله عليه وسلم - ، قال : ( مَثَلُ المؤمنين في توادِّهم وتراحُمِهم وتعاطُفهم ، مَثَلُ الجسدِ ، إذا اشتكي منه عضوٌ ، تداعى له سائرُ الجسد بالحمَّى والسَّهر ).
    وفي رواية لمسلم : ( المؤمنون كرجلٍ واحدٍ ، إنِ اشتكى رأسه تداعى له سائر الجسد بالحمى والسهر ) .
    وفي رواية له أيضاً : ( المسلمون كرجلٍ واحد إنِ اشتكى عينُه ، اشتكى كلُّه ، وإنِ اشتكى رأسُه ، اشتكى كلُّه ).
    وفيهما عن أبي موسى ، عن النَّبيِّ - صلى الله عليه وسلم - ، قال : ( المؤمن للمؤمن كالبُنيان ، يشدُّ بعضُه بعضاً ).
    وخرَّج أبو داود من حديث أبي هُريرة ، عن النَّبيِّ - صلى الله عليه وسلم - ، قال : ( المؤمن مرآةُ المؤمنِ ، المؤمنُ أخو المؤمنِ ، يكفُّ عنه ضيعتَه ، ويحوطُه من ورائِه ) . وخرَّجه الترمذي، ولفظه : ( إنَّ أحدَكُم مرآةُ أخيه ، فإنْ رأى به أذى ، فليُمطه عنه ).
    قال رجل لعمر بن عبد العزيز : اجعل كبيرَ المسلمين عندَك أباً ، وصغيرهم ابناً ، وأوسَطَهم أخاً ، فأيُّ أولئك تُحبُّ أنْ تُسيء إليه ؟ ومن كلام يحيى بن معاذ الرازي : ليكن حظُّ المؤمن منك ثلاثة : إنْ لم تنفعه ، فلا تضرَّه ، وإنْ لم تُفرحه ، فلا تَغُمَّه ، وإنْ لم تمدحه فلا تَذُمَّه.

    الحديث الخامس والثلاثون Fasel10

    جامع العلوم والحكم لابن رجب الحنبلي
    منتدى ميراث الرسول
    صلى الله عليه وسلم
    الحديث الخامس والثلاثون E110


      الوقت/التاريخ الآن هو الأحد نوفمبر 24, 2024 12:12 pm