منتدى ميراث الرسول

هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.

    ختام أحداث سنة احدى وعشرين ومائتين والف

    avatar
    اسرة التحرير
    Admin


    عدد المساهمات : 3695
    تاريخ التسجيل : 23/01/2014

    ختام أحداث سنة احدى وعشرين ومائتين والف Empty ختام أحداث سنة احدى وعشرين ومائتين والف

    مُساهمة من طرف اسرة التحرير الجمعة أبريل 20, 2018 7:40 am

    ختام أحداث سنة احدى وعشرين ومائتين والف Tarek411

    بّسم الله الرّحمن الرّحيم
    مكتبة التاريخ
    عجائب الآثار
    الجزء الأول
    ختام أحداث سنة احدى وعشرين ومائتين والف 1410
    { الفصل الثاني }
    في ذكر حوادث مصر وولاتها واعيانها ووفيات
    فى سني الملاحم العظيمة والحوادث الجسيمة
    { ختام أحداث سنة احدى وعشرين ومائتين والف }

    وفي اثناء ذلك مات بشنك بك المعروف بالالفي الصغير مبطونا بناحية قبلي ثم أن المترجم خرج من الفيوم في اوائل المحرم من السنة المذكوره
    وكان حسن باشا طاهر بناحية جزيرة الهواء بمن معه من العسكر فكانت بينهما واقعة عظيمة انهزم فيها حسن باشا الى الرقق وادركه اخوه عابدين بك فأقام معه بالرفق كما تقدم وحضر الألفي الى بر الجيزة وانبابة وخرجت اليهم العساكر فكانت بينهم واقعة بسوق الغنم ظهر عليهم فيها أيضا ثم سار مبحرا وعدى من عسكره وجنده جملة الى السبكية فأخذوا منها ما اخذوه وعادوا الى استاذهم بالطرانة ثم انه انتقل راحلا الى البحيرة وحرب دمنهور ومحاصرتها وكانوا قد حصنوها غاية التحصين فلم يقدر عليها فعاد الى ناحية وردان ثم رجع الى حوش ابن عيسى لانه بلغه وصول مراكب وبها امين بك تابعه وعدة عساكر من النظام الجديد واشخاص من الانكليز لانه كان مع ماهو فيه من التنقلات والحروب يراسل الدولة والانكليز وارسل بالخصوص امين بك الى الانكليز فسعوا مع الدولة بمساعدته وحضروا اليه بمطلوبه فعمل لهم بحوش بن عيسى شنكا وارسلهم مع امين بك الى الامراء القبليين فلما بلغ محمد علي باشا ذلك راسل الامراء القبليين وداهنهم وارسل لهم الهدايا فراجت اموره عليهم مع مافي صدورهم من الغل للمترجم
    وفي اثر ذلك حضر قبطان باشا الى الاسكندرية ووردت السعادة بخبر وروده وان بعده واصل موسى باشا واليا على مصر بالعفو عن المصريين وكان من خبر هذه القضية والسبب في حركة القبطان ارساليات الألفي للانكليز ومخاطبة الانكليز الدولة ووزيرها المسمى محمد باشا السلحدار واصله مملوك السلطان مصطفى ولا يخفى الميل الى الجنسية فاتفق انه اختلى بسليمان أغا تابع صالح بك الوكيل الذي كان يوسف باشا الوزير قلده سلحدارا وارسله الى اسلامبول وسأله عن المصريين هل بقي منهم غير الألفي فقال له جميع الرؤساء موجودون وعددهم له وهم ومماليكهم يبلغون الفين وزيادة فقال انى ارى تمليكهم ورجوعهم على شروط نشترطها عليهم اولى من تمادي العداوة بينهم وبين هذا الذي ظهر من العسكر وهو رجل جاهل متحيل وهم لا يسهل بهم اجلاؤهم عن اوطانهم واولادهم وسيادتهم التى ورثوها عن اسلافهم فيتمادى الحال والحروب بينهم وبينه واحتياج الفريقين الى جمع العساكر وكثرة النفقات والعلائف والمصاريف فيجمعونها من أي وجه كان يؤدى ذلك الى خراب الاقليم فالاولى والمناسب صرف هذا المتغلب واخراجه وتولية خلافه فما رأيك في ذلك فقال له سليمان لا راى عندي في ذلك وخاف أن يكون كلامه له باطنا خلاف الظاهر وادرك منه ذلك فحلف له عند ذلك الوزير أن كلامه وخطابه له على ظاهره وحقيقته لكن لا بد من مصلحة للخزينة العامرة فقال له سليمان أغا اذا كان كذلك ابعثوا الى الألفي باحضار كتخداه محمد أغا لانه رجل يصلح للمخاطبة لمثل ذلك ففعل وحضر المذكور في اقرب وقت وتمموا الامر على مصلحة ألف وخمسمائة كيس كفلها محمد كتخدا المذكور يدفعها لقبطان باشا عند وصوله بيد سليمان أغا المذكور وكفالته أيضا لمحمد كتخدا بعد اتمام الشروط التى قررها له مخدومه ومن جملتها اطلاق بيع المماليك وشرائهم وجلب الجلابين لهم الى مصر كعادتهم فانهم كانوا منعوا ذلك من نحو ثلاث سنوات وغير ذلك وسافر كل من سليمان أغا الوكيل ومحمد كتخدا بصحبته قبودان باشا حتى طلعوا على ثغر سكندرية فركب صحبة سلحدار القبودان فتلاقوا مع المترجم بالبحيرة واعلموه بما حصل فامتلأ فرحا وسرورا وقال لسليمان أغا اذهب الى اخواننا بقبلي واعرض عليهم الامر ولا يخفى اننا الآن ثلاثة فرق كبيرنا ابراهيم بك وجماعته والمرادية وكبيرهم هناك عثمان بك البرديسي وانا واتباعي فيكون ما يخص كل طائفة خمسمائة كيس فإذا استلمت منهم الألف كيس ورجعت الى سلتك الخمسمائة كيس فركب المذكور وذهب اليهم واجتمع بهم واخبرهم بصورة الواقع وطلب منهم ذلك القدر فقال البرديسي حيث أن الألفي بلغ من قدره انه يخاطب الدول والقرانات ويراسلهم ويتمم اغراضه منهم ويولي الوزراء ويعزلهم بمراده ويتعين قبودان باشا في حاجته فهو يقوم بدفع المبلغ بتمامه لانه صار الآن هو الكبير ونحن الجميع اتباع له وطوائف خلفه بما فيه والدنا وكبيرنا ابراهيم بك وعثمان بك حسن وخلافه
    فقال سليمان أغا هو على كل حال واحد منكم واخوكم ثم إنه اختلى مع ابراهيم بك الكبير وتكلم معه فقال ابراهيم لك انا ارضى بدخولي اي بيت كان واعيش ما بقي من عمري مع عيالي واولادي تحت امارة اي من كان من عشيرتنا اولى من هذا الشتات الذي نحن فيه ولكن كيف افعل في الرفيق المخالف وهذا الذي حصل لنا كله بسوء تدبيره ونحسه وعشت انا ومراد بك المدة الطويلة بعد موت استاذنا وانا اتغاضى عن افعاله وافعال اتباعه واسامحهم فى زلاتهم كل ذلك حذرا وخوفا من وقوع الشر والقتل والعداوة الى أن مات وخلف هؤلاء الجماعة المجانين وترأس البرديسي عليهم مع غياب اخيه الألفي وداخله الغرور وركن الى ابناء جنسه وصادفهم واغتر بهم وقطع رحمه وفعل بالالفي الذي هو خشداشه واخوه ما فعل ولا يستمع لنصح ناصح اولا وآخرا وما زال سليمان أغا يتفاوض معهم في ذلك اياما الى أن اتفق مع ابراهيم بك على دفع نصف المصلحة ويقوم المترجم بالنصف الثاني فقال سلموني القدر اذهب به واخبره بما حصل فقالوا حتى ترجع اليه وتعلمه وتطيب خاطره على ذلك لئلا يقبضه ثم يطالبنا بغيره فلما رجع اليه واخبره بما دار بينهم قال اما قولهم اني اكون امير عليهم فهذا لا يتصور ولا يصح انى اتعاظم على مثل والدي ابراهيم بك وعثمان بك حسن ولا على من هو في طبقتي من خشداشيني على أن هذا لا يعيبهم ولا ينقص مقدارهم بان يكون المتامر عليهم واحد منهم ومن جنسهم ولك امر لم يخطر لي ببال وارضى بادنى من ذلك ويأخذوا علي عهدا بما اشترطه على نفسي اننا اذا عدنا الى اوطاننا أن لا اداخلهم في شىء ولا اقارشهم في امر وان يكون كبيرنا والدنا ابراهيم بك على عادته ويسمحوا لي بإقامتي بالجيزة ولا اعارضهم في شىء واقنع بإيرادي الذي كان بيدي سابقا فانه يكفيني وان اعتقدوا غدري لهم في المستقبل بسبب ما فعلوه معي من قتلهم حسي بك تابعي وتعصبهم وحرصهم على قتلي واعدامي انا واتباعي فبعض ما نحن فيه الان انساني ذلك كله فإن حسين بك المذكور مملوكي وليس هو أبي ولا ابني من صلبي وانما هو مملوكي اشتريته بالدراهم واشتري غيره ومملوكي مملوكهم وقد قتل لي عدة امراء ومماليك في الحروب فافرضه من جملتهم ولا يصيبني ويصيبهم الا ما قدر الله علينا وعلى أن الذي فعلوه بي لم يكن لسابق ذنب ولا جرم حصل مني في حقهم بل كنا جميعا اخوانا وتذكروا اشارتي عليهم السابقة في الالتجاء الى الانكليز وندموا على مخالفتي بعد الذي وقع لهم ورجعوا الي ثم اجمع رأيهم على سفري الى بلاد الانكليز فامتثلت ذلك وتجشمت المشاق وخاطرت بنفسي وسافرت اللا بلاد الانكلترة وقاسيت اهوال البحار سنة واشهرا كل ذلك لاجل راحتي وراحتهم وحصل ما حصل في غيابي ودخلوا مصر من غير قياس وبنوا قصورهم على غير اساس واطمأنوا الى عدوهم وتعاونوا به على هلاك صديقهم وبعد أن قضى غرضه منهم غدرهم واحاط بهم واخرجهم من البلدة واهانهم وشردهم واحتال عليهم ثانيا يوم قطع الخليج فراجت حيلته عليهم ايضا وارسلت اليهم فنصحتهم فاستغشوني وخالفوني ودخل الكثير منهم البلد وانحصروا في ازقتها وجرى عليهم ما جرى من القتل الشنيع والامر الفظيع ولم ينج الا من تخلف منهم او ذهب من غير الطريق ثم انه الان أيضا يرسلهم ويدهنهم ويهاديهم ويصالحهم ويثبطهم عما فيه النجاح لهم وما اظن ان الغفلة استحكمت فيهم الى هذا الحد فارجع اليهم وذكرهم بما سبق لهم من الوقائع فلعلهم ينتبهون من سكراتهم ويرسلون معك الثلثين او النصف الذي سمح به والدنا ابراهيم بك وهذا القدر ليس فيه كبير مشقة فانهم اذا وزعوا على كل امير عشرة اكياس وعلى كل كاشف خمسة اكياس وكل جندي او مملوك كيسا واحدا اجتمع المبلغ وزيادة وانا افعل مثل ذلك مع قومي والحمد لله ليسوا هم ولا نحن مفاليس وثمرة المال قضاء مصالح الدنيا وما نحن فيه الان من اهم المصالح وقل لهم البذار قبل فوات الفرصة والخصم ليس بغافل ولا مهمل والعثمانيون عبيد الدرهم والدينار فلما فرغ من كلامه ودعه سليمان أغا ورجع الى قبلي فوجد الجماعة اصروا على عدم دفع شىء ورجع ابراهيم بك أيضا الى قولهم ورأيهم ولما ألقي لهم سليمان أغا العبارات التي قالها صاحبهم وانه يكون تحت امرهم ونهيهم ويرضى بادنى المعاش معهم ويسكن الجيزة الى آخر ما قال قالوا هذا والله كله كلام لا اصل له ولا ينسى ثاره وما فعلناه في حقه وحق اتباعه ولو انعزل عنا وسكن قلعة الجبل فهو الألفي الذي شاع ذكره في الآفاق ولا تخاطب الدولة غيره وقد كنا في غيبته لا نطيق عفريتا من عفاريته فكيف يكون هو وعفاريته الجميع ومن ينشئه خلافهم وداخلهم الحقد زاد وفي وساوسهم الشيطان فقال لهم سليمان أغا اقضوا شغلكم في هذا الحين حتى تنجلي عنكم الاعداء الاغراب ثم اقتلوه بعد ذلك وتستريحوا منه فقالوا هيهات بعد أن يظهر علينا فإنه يقتلنا واحدا بعد واحد ويخرجنا الى البلاد ثم يرسل يقتلنا وهو بعيد المكر فلانا من اليه مطلقا وغرهم الخصم بتمويهاته وارسل اليهم هدايا وخيولا وسروجا واقمشة هذا ورسل القبودان تذهب وتأتي بالمخاطبات والعرضحالات حتى تمموا الامر كما تقدم
    وفي اثناء ذلك ينتظر القبودان جوابا كافيا وسلحداره مقيم أيضا عند المترجم والمترجم يشاغل القبودان بالهدايا والاغنام والذخيرة من الارز والغلال والسمن والعسل وغير ذلك الى أن رجع اليه سليمان أغا بخفي حنين محزونا مهموما متحيرا فيما وقع فيه من الورطة مكسوف البال مع القبودان ووزير الدولة وكيف يكون جوابه للمذكور والقبودان جعل في الابره خيطين ليتبع الاروج فلما وصل اليه سليمان أغا واخبره أن الجماعة القبليين لا راحة عندهم وامتنعوا من الدفع ومن الحضور وان المترجم يقوم بدفع القدر الذي يقدر عليه والذي يبقى ويتجمع عليه يقوم بدفعه فاغتاظ القبودان وقال انت تضحك على ذقني وذقن وزير الدولة وقد تحركت هذه الحركة على ظن أن الجماعة على قلب رجل واحد واذا حصل من المالك للبلدة عصيان ومخالفة ولم يكن فيهم مكافأة لمقاومته ساعدناهم بجيش من النظام الجديد وغيره حتى انهم متنافرون ومتحاسدون ومبغضون فلا خير فيهم وصاحبك هذا لا يكفي في المقاومة وحده ويحتاج الى كثير
    ولما ظهر لسليمان أغا الغيظ والتغير من القبودان خاف على نفسه أن يبطش به وعرف منه أن المانع له من ذلك غياب السلحدار عند المترجم لانه قال له واين سلحداري قال هو عند الألفي بالبحيرة فقال اذهب فأتني به واحضر صحبته وكان موسى باشا المتولي قد حضر أيضا فما صدق سليمان أغا بقوله ذلك وخلاصه من بين يديه فركب في الوقت وخرج من الاسكندرية فما هو الا أن بعد عنها مقدار غلوة الا والسلحدار قادم الى الاسكندرية فسأله الى اين يذهب فقال أن مخدومك ارسلني في شغل وها انا راجع اليكم وذهب عند المترجم ولم يرجع
    وفي اثناء هذه الايام كان المترجم يحارب دمنهور وبعث اليه محمد علي باشا التجريدة العظيمة التي بذل فيها جهده وفيها جميع عساكر الدلاة وهاهر باشا ومن معه من عساكر الأرنؤد والأتراك وعسكر المحاربه فحاربهم وكسرهم وهزمهم شر هزيمة حتى القوا بانفسهم في البحر ورجعوا في اسوأ حال فلو تجاسر المترجم وتبعهم لهرب الباقون من البلدة وخرجوا جميعا على وجوههم من شدة ما داخلهم من الرعب ولكن لم يرد الله ذلك ولم يجسروا للخروج عليه بعد ذلك
    ولما تنحت عنه عشيرته ولم يلبوا دعوته واتلفوا الطبخة وسافر القبودان وموسى باشا من ثغر الاسكندرية على الصورة المذكورةاستانف المترجم امرا اخر وراسل الانكليز يلتمس منهم المساعدة وان يرسلوا له طائفة من جنودهم ليقوى بهم على محاربة الخصم كما التمس منهم في العام الماضي فاعتذروا له بانهم صلح مع العثماني وليس في قانون الممالك اذا كانوا صلحا أن يتعدوا على المتصادقين معهم ولا يوجهون نحوها عساكر الا بأذن منهم او بإلتماس المساعدة في امر مهم فغاية ما يكون المكالمة والرتجي ففعلوا وحصل ما تقدم ذكره ولم يتم الامر فلما خاطبهم بعد الذي جرى صادف ذلك وقوع الغرة بينهم وبين العثماني فأرسلوا الى المترجم يعدون بانفاذ ستة ألاف لمساعدته فأقام بالجيزة ينتظر حضورهم نحو ثلاثة شهور وكان ذلك اوان القيظ وليس ثم زرع ولا نبات فضاقت على جيوشهم الناحية وقد طال انتظاره للانكليز فتشكى العربان المجتمعون عليه وغيرهم لشدة ما هم فيه من الجهد وفي كل حين يعدهم بالفرج ويقول لهم اصبروا ولم يبق الا القليل فلما اشتد بهم الجهد اجتمعوا اليه فقالوا له اما أن تنتقل معنا الى ناحية قبلي فان ارض الله واسعة واما أن تاذن لنا في الرحيل في طلب القوت فما وسعه الا الرحيل مكظوما مقهورا من معاندة الدهر في بلوغ المآرب الاول مجىء القبودان وموسى باشا على هذه الهيئة والصورة ورجوعهما على غير طائل الثاني عدم ملكة دمنهور وكان قصده أن يجعلها معقلا ويقيم بها حتى تأتيه النجدة الثالث تأخر مجىء النجدة حتى قحطوا واضطروا الى الرحيل والرابع وهو اعظمها مجانبة اخوانه وعشيرته وخذلانهم له وامتناعهم عن الإنضمام اليه فارتحل من البحيرة بجيوشه ومن يصحبه من العربان حتى وصل الى الاخصاص فنادى محمد علي باشا على العساكر بالخروج ولا يتأخر منهم واحد فخرجوا افواجا ليلا ونهارا حتى وصلوا الى ساحل بولاق وعدوا الى بر انبابه وجيشوا بظاهرها وقد وصل المترجم الى كفر حكيم يوم الثلاثاء ثامن عشر القعدة وانتشرت جيوشه بالبر الغربي ناحية انبابة والجيزة وركب الباشا واصناف العساكر ووقفوا على ظهر خيولهم واصطفت الرجالة ببنادقهم واسلحتهم ومر المترجم في هيئة عظيمة هائلة وجيوش تسد الفضاء وهم مرتبون طوابير ومعهم طبول وصحبته قبائل العرب من اولاد على والهنادي وعربان الشرق في كبكة زائدة والباشا والعسكر وقوف ينظرون اليهم من بعيد وهو يتعجب ويقول هذا طهماز الزمان والا ايش يكون ثم يقول للدلاة والخيالة تقدموا وحاربوا وانا اعطيكم كذا وكذا من المال ويذكر لهم مقادير عظيمة ويرغبهم فلم يتجاسروا على الاقدام
    وصاروا باهتين ومتعجبين ويتناجون فيما بينهم ويتشاورون في تقدمهم وتأخرهم وقد اصابوه بأعينهم ولم يزل سائرا حتى وصل الى قريب قناطر شبرامنت فنزل علي علوة هناك وجلس عليها وزاد به الهاجس والقهر ونظر الى جهة مصر وقال يا مصر انظري اولادك وهم حولك مشتتين متباعدين مشردين واستوطنك اجلاف الاتراك واليهود وارذل الارنؤد وصاروا يقبضون خراجك ويحاربون اولادك ويقاتلون ابطالك ويقاومون فرسانك ويهدمون دورك ويسكنون قصورك ويفسقون بولدانك وحورك ويطمسون بهجتك ونورك ولم يزل يردد هذا الكلام وامثاله وقد تحرك به خلط دموي وفي الحال تقايا دما وقال قضى الامر وخلصت مصر لمحمد علي وما ثم من ينازعه ويغالبه وجرى حكمه على المماليك المصرية فما اظن أن تقوم لهم راية بعد اليوم ثم انه احضر امراءه وامر عليهم شاهين بك واوصاه بخشداشينه واوصاهم به وان يحرصوا على دوام الالفة بينهم وترك التنازع الموجب للتفرق والتفاشل وان يحذروا من مخادعة عدوهم واوصاهم انه اذا مات يحملونه الى وادي البهنسا ويدفنونه بجوار قبور الشهداء فمات في تلك الليلة وهي ليلة الاربعاء تاسع عشر ذي القعدة فلما مات غسلوه وكفنوه وصلوا عليه وحملوه على بعير وارسلوه الى البهنسا ودفنوه هناك بجوار الشهداء وانقضى نحبه فسبحان من له سرمدية البقاء وفي الحال حضر المبشر الى محمد علي باشا وبشره بموت المترجم فلم يصدقه واستغرب ذلك وحبس البدوي الذي اتاه بالبشارة اربعة ايام وذلك لان اتباعه كانوا كتموا امر موته ولم يذيعوه في عرضيه والذي اشاع الخبر واتى بالبشارة رفيق البدوي الذي حمله على بعيره ولما ثبت موته عند الباشا امتلأ فرحا وسرورا وكذلك خاصته ورفعوا رؤوسهم واحضر ذلك المبشر فألبسه فروة سمور واعطاه مالا وامره أن يركب بتلك الخلعة ويشق بها من وسط المدينة ليراه اهل البلدة وشاع ذلك الخبر في الناس من وقت حضور المبشر وهم يكذبون ذلك الخبر ويقولون هذا من جملة تحيلاته فأنه لما سافر الى بلاد الانكليز لم يعلم بسفره احد ولم يظهر سفره الا بعد مضي اشهر فلذلك امر الباشا ذلك المبشر أن يركب بالخلعة ويمر بها من وسط المدينة ومع ذلك استمروا في شكهم نحو شهرين حتى قويت عندهم القرائن بما حصل بعد ذلك فانه لما مات تفرقت قبائل العربان التي كانت متجمعة حوله وبعضهم ارسل يطلب امانا من الباشا وغير ذلك مما تقدم ذكره وخبره في ضمن ماتقدم وكان محمد علي باشا يقول مادام هذا الألفي موجودا لايهنأ لي عيش ومثالي انا وهو مثال بهلوانين بلعبان ! على الحبل لكن هو في رجليه قبقاب فلما اتاه المبشر بموته قال بعد أن تحقق ذلك الان طابت لي مصر وماعدت احسب لغيره حسابا
    وكان المترجم اميرا جليلا مهيبا محتشما مدبرا بعيد الفكر في عواقب الامور صحيح الفراسة اذا نظر في سحنة انسان عرف حاله واخلاقه بمجرد النظر اليه قوي الشكيمة صعب المراس عظيم البأس ذا غيره حتى على من ينتمي اليه او ينسب الى طرفه يحب علو الهمة في كل شئ حتى أن التجار الذين يعاملهم في المشتروات لايساومهم ولا يفاصلهم في اثمانها بل يكتبون الاثمان بانفسهم كما يحبون ويريدون في قوائم وياخذها الكاتب ليعرضها عليه فيمضي عليها ولا ينظر فيها ويرى أن النظر في مثل ذلك او المحاققة فيه عيب ونقض يخل بالأمرية ولا تمضي السنة الا والجميع قد استوفوا حقوقهم ويستأنفوا احتياجات العام الجديد ولذلك راج حال المعاملين له رواجا عظيما لكثرة ربحهم عليه ومكاسبهم ومع ذلك يواسيهم في جملة احبابه والمنتسبين اليه بأرسال الغلال لمؤنه بيوتهم وعيالهم وكساوي العيد وينتصر لاتباعه ولمن انتمى اليه ويجب لهم رفعة القدر من غيرهم مع انه اذا حصل من احد منهم هفوة تخل بالمروءة عنفه وزجره فترى كشافة ومماليكه مع شدة مراسهم وقوة نفوسهم وصعوبتهم يخافونه خوفا شديدا ويهابون خطابه
    ومن عجيب امره ومناقبه التي انفرد بها عن غيره امتثال جميع قبائل العربان الكائنين بالقطر المصري لامره وتسخيرهم وطاعتهم له لايخالفونه في شئ وكان له معهم سياسة غريبة ومعرفة بأحوالهم وطبائعهم فكانما هو مربي فيهم او ابن خليفتهم او صاحب رسالتهم يقومون ويقعدون لامره مع انه يصادرهم في اموالهم وجمالهم ومواشيهم ويحبسهم ويطلقهم ويقتل منهم ومع ذلك لاينفرون منه وقد تزوج كثيرا من بناتهم فالتي تعجبه يبقيها حتى يقضي وطره منها والتي لا توافق مزاجه يسرحها الى اهلها ولم يبق في عصمته غير واحدة وهي التي أعجبته فمات عنها فلما بلغ العرب موته اجتمعت بنات العرب وصرن يندبنه بكلام عجيب تناقلته ارباب المغاني يغنون به على آلات اللهو المطربة وركبوا عليه ادوارا وقوافي وغير ذلك والعجب منه رحمه الله انه لما كان في دولتهم السابقة وينزل في كل سنة الى شرقية بلبيس ويتحكم في عربانها ويسومهم العذاب بالقبض عليهم ووضعهم في الزناجير ويتعاون على البعض منهم بالبعض الآخر وياخذ منهم الاموال والخيول والاباعر والاغنام ويفرض عليهم الفرض الزائدة ويمنعهم من التسلط على فلاحي البلاد ثم انه لما رجع من بلاد الانكليز وتعصب عليه البرديسي والعسكر واحاطوا به من كل جانب فاختفى منهم وهرب الى الوادي عند عشيبة البدوي فآواه واخفاه وكتم امره والبرديسي ومن معه يبالغون في الفحص والتفتيش وبذل الاموال والرغائب لمن يدل عليه او يآتي به فلم يطمعوا في شئ من ذلك ولم يفشوا سره وقيدوا بالطرق الموصلة له انفارا منهم تحرس الطريق من طارق يأتي على حين غفلة وهذا من العجائب حتى كان كثير من الناس يقولون انه يسخرهم او معه سر يسخرهم به فلما مات تفرق الجميع ولم يجتمعوا على احد بعده وذهبوا الى اماكنهم وبعضهم طلب من الباشا الامان واما مماليكه واتباعه فلم يفلحوا بعده وذهبوا الى الامراء القبليين فوجدوا طباعهم متنافرة عنهم ولم يحصل بينهم التئام ولا صفا كدر الفريقين من الآخر فانعزلوا عنهم الى أن جرى ما جرى من صلحهم مع الباشا واوقع بهم ما سيتلى عليك بعد أن شاء الله تعالى وبعد موت المترجم بنحوا الاربعين يوما وصلت نجدة الانكليز الى ثغر الاسكندرية وطلعوا اليه فبلغهم عند ذلك موت المذكور فلم يسهل بهم الرجوع فأرسلوا رسلهم الى الجماعة المصريين ظانين أن فيهم اثر الهمة والنخوة يطلبونهم للحضور ويساعدهم الانكليز على ردهم لمملكتهم واوطانهم وكان محمد علي باشا حين ذاك بناحية قبلي يحاربهم فطلبهم للصلح معه وارسل اليهم بعض فقهاء الازهر وخادعهم وثبطهم فقعدوا عن الحركة وجرى ما جرى على طائفة الانكليز كما سيتلى عليك خبره ثم عليهم بعد ذلك وكان امر الله مفعولا
    وكان للمترجم ولوع ورغبة في مطالعة الكتب خصوصا العلوم الغريبة مثل الجفريات والجغرافيا والاسطر نوميا والاحكام النجومية والمناظرات الفلكية وما تدل عليه من الحوادث الكونية ويعرف أيضا مواضع المنازل واسماءها وطبائعها والخمسة المتحيرة وحركات الثوابت ومواقعها كل ذلك بالنظر والمشاهدة والتلقي على طريقة العرب من غير مطالعة في كتب ولا حضور درس واذا طالع احد بحضرته في كتاب او اسمعه ناضلة مناضلة متضلع وناقشه مناقشة متطلع وله أيضا معرفة بالاشكال الرملية واستخراجات الضمائر بالقواعد الحرفية وكان له في ذلك اصابات ومنها ما اخبرني به بعض اتباعه انه لما وصل الى ثغر سكندرية راجعا من بلاد الانكليز رسم شكلا وتامل فيه وقطب وجهه ثم قال اني ارى حادثا في طريقنا وربما اني افترق منكم واغيب عنكم نحو اربعين يوما فلذلك احب أن يخفي امره ويأتي على حين غفلة وكان البرديسي قد اقام بالثغر رقيبا يوصل خبر وروده فلما وصل ارسل ذلك الرقيب ساعيا في الحال وكان ما ذكرناه في سياق التاريخ من غدرهم وقتلهم حسين بك أبو شاش بالبر الغربي وهروب بشتك بك من القصر وارسال العسكر لملاقاة المترجم على حين غفلة ليقتلوه وهروبه واختفاؤه ثم ظهوره واجتماعهم عليه بعد انقضاء تلك المدة او قريب منها وكان رحمه الله اذا سمع بانسان فيه معرفة بمثل هذه الاشياء احضره ومارسه فيها فإن رأى فيه فائدة او مزية اكرمه وواساه وصاحبه وقربه اليه وادناه وكان له مع جلسائه مباسطة مع الحشمة والترفع عن الهذيان والمجون وكان غالب اقامته بقصوره التي عمرها خارج مصر وهو القصر الكبير بمصر القديمة تجاه المقياس بشاطئ النيل والقصر الآخر الكائن بالقرب من زاوية الدمرداش والقصر الذي بجانب قنطرة المغربي على الخليج الناصري وكان اذا خرج من داره لبعض تلك القصور لايمر من وسط المدينة واذا رجع كذلك فسئل عن سبب ذلك فقال استحي أن امر من وسط الاسواق واهل الحوانيت والمارة ينظرون الي وافرجهم على نفسي
    وللمترجم اخبار وسير ووقائع لو سطرت لكانت سيرة مستقلة خصوصا وقائعه وسياحته ثلاث سنوات وثلاثة اشهر ايام اقام الفرنساوية بالقطر المصري ورحلته بعد ذلك الى بلاد الانكليز وغيابه بها سنة وشهورا وقد تهذبت اخلاقه بما اطلع عليه من عمارة بلادهم وحسن سياسة احكامهم وكثرة اموالهم ورفاهيتهم وصنائعهم وعدلهم في رعيتهم مع كفرهم بحيث لايوجد فيهم فقير ولا مسجد ولا ذو فاقة ولا محتاج وقد اهدوا له هدايا وجواهر وآلات فلكية واشكال هندسية واسطرلابات وكرات ونظارات وفيها ما اذا نظر الانسان فيها في الظلمة يرى اعيان الاشكال كما يراها في النور ومنها لخصوص النظر في الكواكب فيرى بها الانسان الكوكب الصغير عظيم الجرم وحوله عدة كواكب لاتدرك بالبصر الحديد ومن انواع الاسلحة الحربية اشياء كثيرة واهدوا له آلة موسيقى تشبه الصندوق بداخله اشكال تدور بحركات فيظهر منها اصوات مطربة على ايقاع الانغام وضروب الالحان وبها نشانات وعلامات لتبديل الانغام بحسب ما يشتهى السامع الى غير ذلك نهب ذلك جميعه العسكر الذين ارسلهم اليه البرديسي ليقتلوه وطفقوا يبيعونه في اسواق البلدة واغلبه تكسر وتلف وتبدد
    واخبرني بعض من خرج لملاقاته عند منوف العليا انه لما طلع اليها وقابله سليمان بك البواب اخلى له الحمام في تلك الليلة وكان قد بلغه كافة افعاله بالمنوفية من العسف والتكاليف وكذا باقي اخوانه وافعالهم بالاقاليم فكان مسامرتهم معه تلك الليلة في ذكر العدالة الموجبة لعمار البلاد ويقول لسليمان بك في التمثيل الانسان الذي يكون له ماشية يقتات هو وعياله من لبنها وسمنها وجبنها يلزمه أن يرفق بها في العلف حتى تدر وتسمن وتنتج له النتاج بخلاف ما اذا اجاعها واجحفها واتعبها واشقاها واضعفها حتى اذا ذبحها لايجد بها لحما ولا دهنا فقال هذا مااعتدناه وربينا عليه فقال أن اعطاني الله سيادة مصر والامارة في هذا القطر لامنعن هذه الوقائع واجري فيه العدل ليكثر خيره وتعمر بلاده وترتاح اهله ويكون احسن بلاد الله ولكن الاقليم المصري ليس له بخت ولا سعد واهله تراهم مختلفين في الاجناس متنافوي القلوب منحرفي الطباع فلم يمض على هذا الكلام الا بقية الليل وساعات من النهار حتى احاطوا به وفر هاربا و نجا بنفسه وجرى ما تقدم ذكره من اختفائه وظهوره وانتقاله الى الجهة القبلية واجتماع الجيوش عليه وحكمت عليه الصورة التي ظهر فيها وحصل له ما حصل
    واخبرني من اجتمع عليه في البحيرة وسامره فقال يافلان والله يخيل لي أن اقتل نفسي ولكن لاتهون علي وقد صرت الان واحدا بين الوف من الاعداء وهؤلاء قومي وعشيرتي فعلوا بي ما فعلوا وتجنبوني وعادوني من غير جرم ولا ذنب سبق مني في حقهم واشقوني واشقوا انفسهم وملكوا البلاد لاعدائي واعدائهم وسعيت واجتهدت في مراضاتهم ومصالحتهم والنصح لهم فلم يزدهم ذلك الا نفورا وتباعدا عني ثم هذه الجنود ورئيسهم الذين ولجوا البلاد وذاقوا حلاوتها وشبعوا بعد جوعهم وترفهوا بعد ذلهم يجيشون علي ويحاربوني ويكيدوني ويقاتلوني ثم أن هؤلاء العربان المجتمعين علي اصانعهم واسوسهم واغاضبهم واراضيهم وكذلك جندي ومماليكي وكل منهم يطلب مني رياسة وامارة ويظنون بغفلتهم أن البلاد تحت حكمي ويظنون اني مقصر في حقهم فتارة اعاملهم باللطف وتارة ازجرهم بالعنف فانا بين الكل مثل الفريسة والجميع حولي مثل الكلاب الجياع يريدون نهشي واكلي وليس بيدي كنوز قارون فأنفق على هؤلاء الجموع منها فيضطرني الحال الى التعدي على عباد الله واخذ اموالهم واكل مزارعهم ومواشيهم فان قدر الله لي بالظفر عوضت عليهم ذلك ورفقت بحالهم وان كانت الاخرى فالله يلطف بنا وبهم ولا بد أن يترجموا علينا ويسترضوا عن ظلمنا وجورنا بالنسبة لما يحل بهم بعدنا
    وبالجملة فكان آخر من ادركنا من الامراء المصريين شهامة وصرامة ونظرا في عواقب الامور وكان وحيدا في نفسه فريدا في ابناء جنسه وبموته اضمحلت دولتهم وتفرقت جمعيتهم وانكسرت شوكتهم وزادت نفرتهم وما زالوا في نقص وادبار وذلة وهوان وصغار ولم تقم لهم بعده راية وانفرضوا وطردوا الى اقصى البلاد في النهاية
    واما مماليكه وصناجقه فإنهم تركوا نصيحته ونسوا وصيته وانضموا الى عدوهم وصادقوه ولم يزل بهم حتى قتلهم وابادهم عن آخرهم كما سيتلى عليك خبر ذلك فيما بعد
    وكانت صفة المترجم معتدل القامة ابيض اللون مشربا بحمرة جميل الصورة مدور اللحية اشقر الشعر وقد خطه الشيب مليح العينين مقرون الحاجبين معجبا بنفسه مترفها في زيه وملبسه كثير الفكر كتوما لايبيح بسر ولا لاعز احبابه الا انه لم يسعفه الدهر وجنى عليه بالقهر وخاب امله وانقضى اجله وخانه الزمان وذهب في خبر كان ومات وله من العمر نحو الخمسة والخمسين سنة غفر الله له
    ومات الامير عثمان بك البرديسي المرادى وسمى البرديسي لانه تولى كشوفيه برديس بقبلي فعرف بذلك واشتهر به تقلد الامرية والصنجقية في سنة عشر ومائتين والف وتزوج ببنت احمد كتخدا علي وهي اخت علي كاشف الشرقية وعمل لها مهما وذلك قبل أن يتقلد الصنجقية وسكن بدار علي كتخدا الطويل بالازبكية واشتهر ذكره وصار معدودا من جملة الامراء ولما قتل عثمان بك البرديسي المرادي بساحل أبو قير ورجع من رجع الى قبلي كان الألفي الى بلاد الانكليز تعين المترجم بالرياسة على خشدشنية مع مشاركة بشنك بك الذي عرف بالالفي الصغير فلما حضروا الى مصر سنة ثمان عشرة بعد خروج محمد باشا خسرو وقتل طاهر باشا انضم اليه محمد علي باشا وكان اذ ذاك سرششمة العساكر وتواخى معه وصادقه ورمح في ميدان غفلته وتحالفا وتعاهدا على المحبة والمصافاة وعدم خيانة احدهما للآخر وان يكون محمد علي باشا وعساكره الاروام اتباعا له وهو الامير المتبوع فانتفخ جأشه لانه كان طائش العقل مقتبل الشبيبة فاغتر بظاهر محمد علي باشا لانه حين عمل شغله في مخدومه محمد باشا وبعده طاهر باشا دعا الامراء المصريين وادخلهم الى مصر وانتسب الى ابراهيم بك الكبير لكونه رئيس القوم وكبيرهم وعين لابراهيم بك خرجا وعلوفة مثل اتباعه وسبره واختبره فلم ترج سلعته عليه ووجده حريصا على دوام التراحم والالفة والمحبة وعدم التفاشل في عشيرته وابناء جنسه متحرزا من وقوع ما يوجب التقاطع والتنافر في قبيلته فلما ايس منه مال عنه وانضم الى المترجم واستخفه واحتوى على عقله وصاحبه وصادقه وصار يختلي معه ويتعاقر معه الشراب ويسامره ويسايره حتى باح له بما في ضميره من الحقد لاخوانه وتطلب الانفراد بالرياسة فصار يقوى عزمه ويزيد في اغرائه ويعده بالمعاونة والمساعدة على اتمام قصده ولم يزل به حتى رسخ في ذهن المترجم نصحه وصدقه كل ذلك توصلا لما هو كامن في نفسه من اهلاك الجميع ثم اشار عليه ببناء ابراج حول داره التي سكن بها بالناصرية فلما اتمها اسكن بها طائفة من عساكره كأنهم محافظون لما عساه أن يكون ثم سار معه الى حرب محمد باشا خسروا بدمياط فحاربوه واتوا به اسيرا وحبسوه ثم فعلوا بالسيد علي القبطان مثل ذلك ثم كائنة علي باشا الطرابلسي وقتله وقدم تقدم خبر ذلك كله وجميعه ينسب فعله للمصريين ولم يبق الايقاع بينهم فكان وصول الألفي عقب ذلك فاوقعوا به وبجنده ما تقدم ذكره وتفاشلوا وتفرقوا بعد جمعهم وقلوا بعد الكثرة ثم اشار على المترجم المصادق الناصح بتفريق اكثر الجمع الباقي في النواحي والجهات البعض منهم لرصد الألفي والقبض عليه وعلى جنده والبعض الاخر لظلم الفلاحين في البلاد ولم يبق بالمدينة غير المترجم وابراهيم بك الكبير وبعض امراء فعند ذلك سلط محمد علي العساكر بطلب علائفهم المنكسرة فعجزوا عنها فأراد المترجم أن يفرض على فقراء البلدة فرضة بعد أن استشار الاخ النصوح وطافت الكتاب في الحارات والازقة يكتبون اسماء الناس ودورهم ففزعوا وصرخوا في وجوه العسكر فقالوا نحن ليس لنا عندكم شئ ولا نرضى بذلك وعلائفنا عند امرائكم ونحن مساعدون لكم فعند ذلك قاموا على ساق وخرجت نساء الحارات وبأيديهم الدفوف يغنون ويقولون ايش تأخذ من تفليسي يا برديسي وصاروا يسخطون على المصريين ويترضون عن العسكر وفي الحال أحاطت العسكر ببيوت الامراء ولم يشعر البرديسي الا والعسكر الذين اقامهم بالابراج التي بناها حوله ليكونوا له عزا ومنعة يضربون عليه ويحاربونه ويريدون قتله وتسلقوا عليه فلم يسع الجميع الا الهروب والفرار وخرجوا خروج الضب من الوجار وذهب المترجم الى الصعيد مذؤما مدحورا مذموما مطرودا وجوزى مجازاة من ينتصر بعدوه ويعول عليه ويقص اجنحته برجليه وكالباحث عن حتفه بظلفه والجادع بظفره مارن انفه ولم يزل في هجاج وحروب كما سطر في السياق ولم ينتصر في معركة ولم يزل مصرا على معاداة اخيه الألفي وحاقدا عليه وعلى اتباعه حريصا على زلاته واعظمها قضية القبوداة وموسى باشا الى غير ذلك وكان ظالما غشوما طائشا سئ التدبير وقد اوجده الله جل جلاله وجعله سببا لزوال عزهم ودولتهم واختلال امرهم وخراب دورهم وهتك اعراضهم ومذاتهم وتشتيت جمعهم ولم يزل خبثه مرض ومات بمنفلوط ودفن هناك
    ومات الامير بشتك بك وهو الملقب الألفي الصغير وهو مملوك محمد بك الألفي الكبير امره وجعله وكيلا عنه مدة غيابه في بلاد الانكليز وكان قبل ذلك سلحداره وامر كشافه ومماليكه وجنده بطاعته وامتثال امره فلما حضر الامراء المصريون في سنة ثمان عشرة اقام هو بقصر مراد بك بالجيزة فلم يحسن السياسة وداخله الغرور واعجب بنفسه وشمخ على نظرائه وعلى اعمامه الذين هم خشداشون لاستاذه بل وعلى ابرهيم بك الكبير الذي هو بمنزلة جده وكان مراد بك الذي هو استاذ استاذه يراعي حقه ويتأدب معه ويقبل يده في مثل الاعياد ويقول هو اميرنا وكبيرنا وكذلك استاذ المترجم كان اذا دخل على ابرهيم بك قبل يده ولا يجلس بحضرته الا بعد أن يإذن له فلم يقتف المترجم في ذلك اسلافه بل سلك مسلك التعاظم والتكبر على الجميع واستعمل العسف في اموره مع الترفع على الجميع واذا عقدوا امرا بدونه حله او حلوا شيئا بدونه عقده فضاق لذلك خناق الجميع منه وكرهوه وكرهوا استاذه وكان هو من جملة اسباب نفورهم من استاذه وانحراف قلوبهم عنه فلما رجع استاذه وظهر من اختفائه وبلغه افعاله مقته وابعده ولم يزل ممقوتا عنده حتى مات مبطونا في حياة استاذه بناحية قبلي في تلك السنة
    ومات غير هؤلاء ممن له ذكر مثل سليمان بك المعروف بابو دياب بناحية قبلي أيضا ومات أيضا احمد بك المعروف بالهنداوي الألفي في واقعة النجيلة ومات أيضا صالح بك الألفي وهو أيضا من تأمر في غياب استاذه من بلاد الانكليز كان هو متوليا كشوفية الشرقية وغائبا هناك فارسلوا له تجريدة ليقتلوه وكان بناحية شلشلمون فوصله الخبر فترك خيامه واحماله وانقاله وهرب واختفى فلما وقعت حادثة الامراء مع العسكر وخرجوا من مصر هاربين وظهر الألفي من الوادي ذهب اليه وامده بما معه من الاموال وذهب مع استاذه الى قبلي ولم يزل حتى مات أيضا في هذه السنة وغير اولئك كثير لم تحضرني اسماؤهم ولا وفاتهم

    ختام أحداث سنة احدى وعشرين ومائتين والف Fasel10

    عجائب الآثار في التراجم والأخبار
    المؤلف : عبد الرحمن بن حسن الجبرتي
    مجلة نافذة ثقافية ـ البوابة
    ختام أحداث سنة احدى وعشرين ومائتين والف E110


      الوقت/التاريخ الآن هو الأحد نوفمبر 24, 2024 11:20 pm