منتدى ميراث الرسول

هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.

    الفن الثالث: تشريح العين: المقالة الأولى

    avatar
    اسرة التحرير
    Admin


    عدد المساهمات : 3695
    تاريخ التسجيل : 23/01/2014

    الفن الثالث: تشريح العين: المقالة الأولى Empty الفن الثالث: تشريح العين: المقالة الأولى

    مُساهمة من طرف اسرة التحرير الأحد ديسمبر 09, 2018 4:05 am

    الفن الثالث: تشريح العين: المقالة الأولى B310

    بّسم اللّه الرّحمن الرّحيم
    القانون فى الطب لإبن سينا
    الكتاب الثالث : الأمراض الجزئية
    الفن الثالث : تشريح العين
    المقالة الأولى : أحوال العين والرمد
    الفن الثالث: تشريح العين: المقالة الأولى 1410
    ● [ فصل في تشريح العين ] ●

    فنقول: قوّة الإبصار ومادة الروح الباصر، تنفذ إلى العين من طريق العصبتين المجوّفتين اللتين عرفتهما في التشريح، وإذا انحدرت العصبة والأغشية التي تصحبها إلى الحجاج اتّسع طرف كل واحد منهما، وامتلأ، وانبسط اتساعاً يحيط بالرطوبات التي في الدقّة التي أوسطها الجليدية، وهي رطوبة صافية، كالبرد والجليد، مستديرة، ينقص تفرطحها من قدّامها استدارتها، وقد فرطحت ليكون المتشنج فيها أوفر مقداراً، ويكون للصغار من المرئيات قسم بالغ تتشنّج فيه، ولذلك فإن مؤخرها يستدقّ يسيراً ليحسن انطباقها في الأجسام الملتقمة لها، المستعرضة، المستوسعة عن دقة، ليحسن التقامها إياها، وجعلت هذه الرطوبة في الوسط، لأنه أولى الأماكن بالحرز، وجعل وراءها رطوبة أخرى تأتيها من الدماغ لتغذوها، فإن بينها وبين الدم الصرف تدريجاً.
    وهذه الرطوبة تشبه الزجاج الذائب، ولون الزجاج الذائب صفاء يضرب إلى قليل حمرة. أما الصفاء، فلأنها تغذو الصافي، وأما قليل حمرة، فلأنها من جوهر الدم ولم يستحل إلى مشابهة ما يغتذي به تمام الاستحالة، وإنما أخرت هذه الرطوبة عنها لأنها من بعث الدماغ إليها يتوسط الشبكي، فيجب أن تلي جهته، وهذه الرطوبة تعلو النصف المؤخر من الجليدية إلى أعظم دائرة فيها، وقدامها رطوبة أخرى تشبه بياض البيض، وتسمى بيضية، وهي كالفضل عن جوهر الجليدية، وفضل الصافي صافٍ، ورضعت من قدام لسبب متقدم، ولسبب كالتمام.
    والسبب المتقدم هو أن جهة الفضل مقابلة لجهة الغذاء، والسبب التمامي هو أن يدرج حمل الضوء على الجليدية ويكون كالجنة لها، ثم أن طرف العصبة يحتوي على الزجاجية والجليدية إلى الحد الذي بين الجليدية والبيضية، والحد الذي ينتهي عنده الزجاجية عند الإكليل احتواء الشبكة على الصيد، فلذلك تسمى شبكتة، وينبت من طرفها نسج عنكبوتي يتولد منه صفاق لطيف، تنفذ معه خياطات من الجزء المسمى الذي سنذكره، وذلك الصفاق حاجز بين الجليدية وبين البيضية ليكون بين اللطيف والكثيف حاجز ما، وليأتيه غذاء من أمامه نافذ إليه من الشبكي والمشيمي، وإنما كان رقيقاً كنسج العنكبوت، لأنه لو كان كثيفاً قائماً في وجه الجليدية، لم يبعد أن يعرض منه لاستحالته أن يحجب الضوء عن الجليدية من طريق البيضيّة، وأما طرف الغشاء الرقيق، فإنه يمتلئ وينتسج عروقاً كالمشيمة، لأنه منفذ الغذاء بالحقيقة، وليس يحتاج إلى أن يكون جميع أجزائه مهيأة للمنفعة الغذائية، بل الجزء المؤخر، ويسمى مشيمياً. وأما ما جاوز ذلك الحدّ إلى قدام، فيثخن صفاقاً إلى الغلظ ما هو، ذا لون أسمانجوني بين البياض والسواد، ليجمع البصر وليعدل الضوء فعل إطباقنا البصر عند الكلال التجاء إلى الظلمة، أو إلى التركيب من الظلمة والضوء، وليحول بين الرطوبات، وبين القرني الشديد الصلابة، ويقف كالمتوسط العدل، وليغذو القرنية بما يتأذى إليه من المشيمية، ولا يتم إحاطته من قدامه لئلا يمنع تأدي الأشباح، بل يخلي قدامه فرجة، وثقبة كما يبقى من العنب عند نزع ثفروقه عنه، وفي تلك الثقبة تقع التأدية، إذا انسدت منع الإبصار، وفي باطن هذه الطبقة العنبية خمل حيث يلاقي الجليدية ليكون أشبه بالمتخلخل اللين، وليقل أذى مماسِّتِهِ.
    وأصلب أجزائه مقدمه حيث تلاقي الطبقة القرنية الصلبة، وحيث يتثقب ليكون ما يحيط بالثقبة أصلب، والثقبة مملوءة رطوبة للمنفعة المذكورة، وروحاً يدل عليه ضمور ما يوازي الثقبة عند قرب الموت. أما الحجاب الثاني، فإنه صفيق جداً ليحسن الضبط، ويسمى مؤخره طبقة صلبة وصفيقة، ومقدّمه يحيط بجميع الحدقة وتشف، لئلا تمنع الإبصار، فيكون ذلك في لون القرن المرقق بالنحت والجرد، ويسمى لذلك قرنية. وأضعف أجزائه ما يلي قدّام، وهي بالحقيقة كالمؤلفة من طبقات رقاق أربعة، كالقشور المتراكبة، إن انقشرت منها واحدة لم تعم الآفة. وقول قوم: إنها ثلاث طبقات، ومنها ما يحاذي الثقبة لأن ذلك الموضع إلى الستر والوقاية أحوج، وأما الثالث فيختلط بعضل حركة الحدقة، ويمتلئ كله لحماً أبيض دسماً، ليليّن العين والجفن، ويمنعها أن تجف، وتسمى جملته الملتحم، فأما العضل المحركة للمقلة، فقد ذكرناها في التشريح، وأما الهدب، فقد خلق لدفع ما يطير إلى العين وينحدر إليها من الرأس، ولتعديل الضوء بسواده، إذ السواد يجمع نور البصر، وجعل مغرسه غشاء يشبه الغضروف، ليحسن انتصابها عليه، فلا يضطجع لضعف المغرس، وليكونا للعضلة الفاتحة للعين مستنداً كالعظم يحسن تحريكه.
    وأجزاء الجفن جلد، ثم أحد طاقي العشاء، ثم شحمه، ثم عضله، ثم الطاق الآخر، وهذا هو الأعلى. وأما الأسفل، فينعقد من الأجزاء العضلية، والموضع الذي في شقه خطر هو ما يلي موقه عند مبدأ العضلة.
    ● [ فصل في تعرّف أحوال العين وأمزجتها ] ●
    والقول الكلي في أمراضها
    يتعرف ذلك من ملمسها، ومن حركتها، وعن عروقها، ومن لونها، ومن شكلها، ومن قدرها، ومن فعلها الخاص، وحال ما يسيل منها، وحال انفعالاتها. فأما تعرف ذلك من ملمسها، فأن يصيبها اللمس حارة، أو باردة، أو صلبة يابسة، أو لينة رطبة. وأما تعرف ذلك من حركتها، فأن تتأمل هل حركتها خفيفة، فتمد على حرارة أو على يبوسة، كما يفصل ذلك ملمسها، أم ثقيلة فتدل على برد ورطوبة. وأما تعرف ذلك من عروقها، فأن تتعرف هل هي غليظة واسعة، فيدل ذلك على حرارتها، أم دقيقة خفية، فيدل ذلك على برودتها، وأن تتعرف هل هي خالية، فيدل ذلك على يبوستها، أم ممتلئة، فيمل ذلك على كثرة المادة فيها. وأما تعرف ذلك من لونها فإن كل لون يحل على الخلط الغالب المناسب، أعني الأحمر والأصفر والرصاصي والكمد.
    وأما تعرف ذلك من شكلها، فإن حسن شكلها، يدل على قوتها في الخلقة، وسوء شكلها على ضد ذلك. وأما حال عظمها وصغرها فعلى حسب ما قيل في الرأس وأما تعرّف ذلك من فعلها الخاص، فإنها إن كانت تبصر الخفي من بعيد ومن قريب معاً، ولا تتأذى بما يرد عليها من المبصرات القوية، فهي قوية المزاج معتدلة، وإن كانت ضعيفة الإبصار، وعلى خلاف ذلك، ففي مزاجها أو خلقتها فساد وإن كانت لا تقصر في إدراك القريب وإن دق وتقصر في إدراك البعيد، فروحها صافٍ صحيح قليل، تدعي الأطباء أنه لا يفي للانتشار خارجاً لرقته، ويعنون بذلك الشعاع الذي يعتقدون أنه من جملة الروح، وأنه يخرج، فيلاقي المبصر وإن كانت لا تقصر في إدراك البعيد، فإن أدنى منها الدقيق لم تبصر، وإن نحي عنها إلى قدر من البعد أبصرته، فروحها كبير كدر غير صاف، لطيف، بل رطب، ومزاجها رطب، تدّعي الأطباء أنه لا يرقّ، ولا يصفو إلا بالحركة المتباعدة. وإذا أمعن الشعاع في الحركة رق ولطف، وإن كانت تضعف في الحالين، فروحها قليل كدر، وأما تعرف ذلك من حال ما يسيل منها، فإنها إن كانت جافة لا ترمص البتة، فهي يابسة، وإن كانت ترمص بإفراط، فهي رطبة جداً.
    وأما من حال انفعالاتها، فإنها إن كانت تتأذى من الحر، وتتشفى بالبرد، فبها سوء مزاج حار، وإن كانت بالضد فبالضد. واعلم أن الوسط في كل واحد من هذه الأنواع معتدل، إلا المفرط في جودة الإبصار فهو المعتدل.
    والعين يعرض لها جميع أنواع الأمراض المادية، والساذجة، والتركيبية الآلية والمشتركة. وللعين في أحوالها التي تعرض لها من هيئة الطرف، والتغميض، والتفتيح، واللون، والدمعة، أحكام متعلقة بالأمراض الحادّة، يجب أن تطلب منها. وأمراض العينين قد تكون خاصة، وقد تكون بالمشاركة. وأقرب ما تشاركه، الدماغ والرأس، والحجب الخارجة والداخلة، ثم المعدة. وكل مرض يعرض للعين بمشاركة الحجاب الخارج، فهو أسلم مما كان بخلافه.
    ● [ فصل في علامات أحوال العين ] ●
    علامات كون مرض العين بشركة الدماغ أن يكون في الدماغ بعض دلائل آفاته المذكورة، فإن كان الواسطة الحجب الباطنة، ترى الوجع والألم يبتدئ من غور العين، وإن كانت المادة حارة، وجدت عطاساً وحكةً في الأنف، وإن كانت باردة، أحسست بسيلان بارد. وقلما تكون هذه المشاركة بسوء مزاج مفرد، وإن كانت المشاركة مع الحجب الخارجة وكانت المادة تتوجّه منها، أحس بتمدد يبتدئ في الجبهة والعروق الخارجة. وتظهر المضرة فيما يلي الجفن أكثر، وإن كانت بمشاركة المعدة كانت العلامات المذكورة في باب مشاركة الدماغ للمعدة، وإن كان هناك خيالات بسبب المعدة، قلت في الخواء، وكثرت في الامتلاء.
    وأما علامات المرض المادي من حيث هو في نفس العين، فان الدموي يدل عليه الثقل، والحمرة، والدمع، والانتفاخ، ودرور العروق، وضربان الصدغين، والالتزاق، والرمص، وحرارة الملمس، وخصوصاً إذا اقترن به علامات دموية الرأس.
    وأما البلغمي، فيدل عليه ثقل شديد، وحمرة خفية مع رصاصية ما والتصاق، ورمص، وتهتج، وقلة دموع. وأما الصفراوي، فيدل عليه النخس والالتهاب مع حمرة إلى صفرة، ليست كحمرة الدموي، ورقة دمع حاد، وقلة الالتصاق. وأما المزاجات الساذجة، فيمل عليها الثقل مع الجفاف، ومع وجود دلائل ذكرناها في باب التعرف. وأما الأمراض الآلية والمشتركة، فيأتي لكل واحد منها باب.
    ● [ فصل قي قوانين كلية في معالجات العين ] ●
    معالجات العين مقابلة لأمراض العين، ولما كانت الأمراض إما مزاجية مادية، وإما مزاجية ساذجة، وإما تركيبية، وإما تفرق اتصال، فعلاج العين، إما استفراغ ويدخل فيه تدبير الأورام، وإما تبديل مزاج، وإما إصلاح هيئة، كما في الجحوظ، وإما إدمال وإلحام، والعين تستفرغ المواد عنها، إما على سبيل الصرف عنها، وإما على سبيل التحليب منها. والصرف عنها هو أولاً من البدن إن كان ممتلئاً، ثم من الدماغ بما عرفت من منقيات الدماغ، ثم النقل عنها من طريق الأنف، ومن العروق القريبة من العين مثل عرقي المأقين. وأما التحليب منها، فيكون بالأدوية المدمعة. وأما تبديل المزاج، فيقع بأدوية خاصية أيضاً.
    وأما تفرق الاتصال الواقع فيها، فيعالج بالأدوية التي لها تجفيف غير كثير، وبعيد من اللذع وأنت ستطلع على هذه الأدوية من كلامنا في الرمد وسائر علل العين.
    ويجب أن تعلم أن الأمراض المادية في العين يجب أن يستعمل فيها تقليل الغذاء وتناول ما يولد الخلط المحمود، واجتناب كل مبخر وكل ما يسوء هضمه، وإذا كانت المادة منبعثة من عضو قصدت فصد ذلك العضو، وإذا كانت المادة تتوجه من الحجاب الخارج، استعملت الحجامة، واستعملت الرواح على الجبهة، ومن جملتها قشر البطيخ للحارة، والقلقديس للباردة، والعروق التي تفصد للعين، هي مثل القيفال، ثم العروق التي في نواحي الرأس، فما كان من قدّام، كان أنفع في النقل من الموضع، وما كان من خلف كان أنفع في الجذب.
    واعلم أن ما يحدث في العين من المواد، ويحتاج إلى نقله عنها إلى عضو آخر، فأصوب ما ينقل إليه هو المنخران، وذلك إذا لم تكن في فريق الانصباب إلى العين. وهذا النقل إنما هو بالعطوسات والنشوقات المذكورة في مواضع أخر، حيث ذكرنا تدبير أوجاع الرأس. وأدوية العين منها مبدلات للمزاج، إما مبردة مثل عصارات عنب الثعلب وعصا الراعي، وهو البطباط، وماء الهندبا، وماء الخس، وماء الورد وعصارته، ولعاب بزر قطونا، ومنها مسخنات مثل المسك والفلفل، والوج والماميران ونحوها، ومنها مجففات مثل التوتيا والأثمد والإقليميا، ومن جملتها مقبضات، مثل شياف ماميثا، والصبر، والفيلزهرج، والزعفران، والورد، ومنها ملينات مثل اللبن، وحكاك اللوز، وبياض البيض، واللعاب، ومنها منضجّات مثل العروق، وماء الخلبة، والزعفران، والميبختج، وخصوصاً منقوعاً فيه الخبز، ومنها محلّلات مثل الأنزروت، وماء الرازيانج، ومنها مخدرات مثل عصارة اللفّاح، والخشخاش والأفيون. واعلم أنه إذا كان مع علل العين صُداع، فابدأ في العلاج بالصداع، ولا تعالج العين قبل أن تزيله، وإذا لم يغن الاستفراغ والتنقية والتدبير الصائب، فاعلم أن في العين مزاجاً بارداً، أو مادة خبيثة لحجة في الطبقات تفسد الغذاء النافذ إليها، أو هناك ضعف في الدماغ، وفي موضع آخر تنقذف منه النوازل إلى العين، فاعلم هذه الأشياء.
    ● [ فصل في حفظ صحة العين وذكر ما يضرّها ] ●

    يجب على من يعتني بحفظ صحة العين أن يوقيها الغبار، والدخان، والأهوية الخارجة عن الاعتدال في الحر والبرد، والرياح المفججة والباردة، والسمومية، ولا يديم التحديق إلى الشيء الواحد لا يعدوه. ومما يجب أن يتقيه حقّ الاتقاء كثرة البكاء، ويجب أن يقل النظر في الدقيق إلا أحياناً على سبيل الرياضة، ولا يطيل نومه على القفا، وليعلم أن الاستكثار من الجماع أضرّ شيء بالعين، وكذلك الاستكثار من السكر والتملؤ من الطعام، والنوم على الامتلاء، وجميع الأغذية والأشربة الغليظة، وجميع المبخّرات إلى الرأس، ومن جملتها كل ما له حرافة، مثل الكرّاث، والحندقوقي، وجميع ما يجفّف بإفراط، ومن جملته الملح الكثير، وجميع ما يتولد منه بخار كثير، مثل الكرنب والعدس، وجميع ما ذكر في ألواح الأدوية المفردة ونسب إلى أنه ضارّ بالعين. وليعلم أن كل واحد من كثرة النوم، والسهر شديد المضرّة بالعين، وأوفقه المعتدل من كل واحد منهما. وأما الأشياء التي ينفع استعمالها العين، ويحفظ قوتها، فالأشياء المتخذة من الإثمد، والتوبا مثل أصناف التوتيا المرباة بماء المرزنجوش، وماء الرازيانج. والاكتحال كل وقت بماء الرازيانج عجيب عظيم النفع، وبرود الرمان الحلو عجيب نفعه أيضاً، وأيضاً البرود المتخذ من ماء الرمانين معتصراً بشحمهما، منضجين في التنور مع العسل كما ستقف عليه في موضعه. ومما يجلو العين ويحدها الغوص في الماء الصافي وفتح العين في داخله.
    وأما الأمور الضارة بالبصر، فمنها أفعال وحركات، ومنها أغذية، ومنها حال التصرّف في الأغذية فأما الأفعال والحركات فمثل جميع ما يجفف، مثل الجماع الكثير وطول النظر إلى المضيئات، وقراءة الدقيق قراءة بإفراط، فإن التوسّط فيها نافع، وكذلك الأعمال الدقيقة والنوم على الامتلاء في العشاء، بل يجب على من به ضعف في البصر أن يصبر حتى ينهضم، ثم ينام، وكل امتلاء يضره، وكل ما يجفف الطبيعة يضرُّه، وكل ما يعكر الدم من الأشياء المالحة والحريفة وغيرها يضرّه، والسكر يضره، وأما القيء، فينفعه من حيث ينقي المعدة، ويضرّه من حيث يحرك مواد الدماغ، فيدفعها إليه، وإن كان لا بد، فينبغي أن يكون بعد الطعام وبرفق، والاستحمام ضار، والنوم المفرط ضار، والبكاء الكثير وكثرة الفصد، وخصوصاً الحجامة المتوالية ضارة. وأما الأغذية فالمالحة، والحريفة والمبخرة وما يؤذي فم المعدة، والكراث، والبصل، والثوم، والبافرو أكلاً، والزيتون النضيج، والشبث والكرنب، والعدس.
    وأما التصرّف في الأغذية، فأن يتناولها بحيث يفسد هضمها ويكثر بخارها جمل ما بين في موضعه، وقد وقفت عليه، وتقف عليه في مقالات هذا الكتاب الثالث.
    ● [ فصل في الرمد والتكدر ] ●
    الرمد منه شيء حقيقي، ومنه شيء يشبهه، ويسمى التكدر، والتخثر. والخثر وهو يسخن، ويرطب، يعرض من أسباب خارجة تثيرها وتحمّرها، مثل الشمس، والصداع الإحتراقي، وحُمى يوم الاحتراقية،. والغبار، والدخان، والبرد في الأحيان لتقبيضه، والضربة لتهييجهما، والريح العاصفة بصفقها. وكلّ ذلك إثارة خفيفة تصحب السبب، ولا ترتث بعده ريثاً يعتدّ به، ولو أنه لم يعالج لزال مع زوال السبب في آخر الأمر، ويسمى باليونانية طارطسيس، فإن عاونه سبب بدني أو بادئ معاضد للبادئ الأول، أمكن حينئذ أن يستفحل، وينتقل ورماً ظاهراً حقيقياً انتقال حمّيات اليوم إلى حميات أخرى، وإذا انتقل، فهو في بدء ما ينتقل يسمى باليونانية لقويكما. ومن أصناف الرمد ما يتبع الجرب في العين، ويكون السبب فيه خدشة للعين، وهو يجري في أول الأمر مجرى التكدر، وإنما يتأتى علاجه بعد حكّ الجرب. وأما الرمد بالجملة، فهو ورم في الملتحمة، فمنه ما هو ورم بسيط غير مجاوز للحد في درور العروق والسيلان والوجع، ومنه ما هو عظيم مجاوز للحد في العظم، يربو فيه البياض على الحدقة فيغطيها، ويمنع التغميض، ويسمى كيموسيس، ويعرف عندنا بالوردينج. وكثيراً ما يعرض للصبيان بسبب كثرة موادهم وضعف أعينهم، وليس يكون عن مادة حارة فقط، بل وعن البلغمية والسوداوية، ولما كان الرمد الحقيقي ورماً في الحدقة، بل الملتحمة، وكل ورم، إما أن يكون عن دم، أو صفراء أو بلغم، أو سوداء، أو ريح، فكذلك الرمد لا يخلو سببه عن أحد هذه الأسباب، وربما كان الخلط الموزم متولّداً فيها، وربما كان صائراً إليها من الدماغ على سبيل النزلة من طريق الحجاب الخارج المجلّل للرأس، أو من طريق الحجاب الداخل، وبالجملة من الدماغ ونواحيه، فإنه إذا اجتمع في الدماغ مواد كثيرة وامتلاء، فأقمن بالعين أن ترمد، إلا أن تكون قوية جداً، وربما كانت الشرايين هي التي تصمت إليها فضولها إذا كانت الفضول تكثر فيها، سواء كانت الشرايين من الداخلة، أو الخارجة. وربما لم تكن المادة صائرة إليها من ناحية الدماغ والرأس، بل تكون صائرة إليها من الأعضاء الأخرى، وخصوصاً إذا كانت العين قد لحقها سوء مزاج، وأضعفها، وجعلها قابلة للآفات، وهي التي تصب إليها تلك الفضول.
    ومن أصناف الرمد ما له دور ونوائب بحسب دور انصباب المادة ولولدها واشتداد الوجع في الرمد، إما لخلط لذّاع يأكل الطبقات، وإما لخلط كثير ممدّد، وإما لبخار غليظ، وبحسب التفاوت في ذلك، يكن التفاوت في الألم. ومواد ذلك كما علمت، إما من التمدد، وإما من الرأس نفسه، وإما من العروق التي تؤدي إلى العين مادة رديئة حارة أو باردة، وربما كان من العين نفسها، وذلك أن يعرض لطبقات العين فساد مزاج لخلط محتبس فيها، أو رمد طال عليها فتحيل جميع ما يأتيها من الغذاء إلى الفساد، ومن كانت عينه جاحظة، فهو أقبل لعظم الرمد ونتوئه لرطوبة عينه، واتساع مسامها.
    وقد تكثر الدموع الباردة في أصناف من الرمد لعدم الهضم، وكثيراً ما ينحلّ الرمد بالاختلاف الطبيعي. واعلم أن رداءة الرمد بحسب كيفية المادة وعظمه بحسب كمية المادة.
    واعلم أن البلاد الجنوبية يكثر فيها الرمد ويزول بسرعة، أما حدوثه فيهم كثيراً، فلسيلان موادهم وكثرة بخاراتهم، وأما برؤه فيهم سريعاً، فلتخلخل مسام أعضائهم وانطلاق طبائعهم، فإن فاجأهم برد صعب، ومدهم لاتفاق طرو مانع قابض على حركة سيالة من خلط ثائر.
    وأما البلاد الباردة والأزمنة الباردة، فإن الرمد يقل فيها، ولكنه يصعب، أما قلته فيها، فلسكون الأخلاط فيها وجمودها، وأما صعوبتها، فلأنها إذا حصلت في عضو لم يتحلل بسرعة لاستحصاف المجاري، فمددت تمديداً عظيماً حتى يعرض أن يتقطر منها الصفاق، وإذا سبق شتاء شمالي، وتلاه ربيع جنوبي مطير، وصيف ومد كَثُر الرمد، وكذلك إذا كان الشتاء دقياً جنوبياً يملأ البدن الأخلاط، ثم تلاه ربيع شمالي يحقنه. والصيف الشمالي كثير الرمد، خصوصاً بعد شتاء جنوبي، وقد يكثر أيضاً في صيف كان جنوبي الربيع، جاف الشتاء شمالية، وقس الأبدان الصلبة على البلاد الشمالية والأبدان اللينة المتخلخلة على البلاد الجنوبية، وكما أن البلاد الحارة ترمد، فكذلك الحمام الحار جدا إذا دخله الإنسان، أوشك أن يرمد. واعلم أنه إذا كان الرمد وتغير حال العين يلزم مع العلاج الصواب، والتنقية البالغة، فالسبب فيه مادة رديئة محتقنة في العين يفسد الغذاء أو نوازل من الدماغ والرأس على نحو ما بيناه فيما سلف.
    العلامات:
    اعلم أنّ الأوجاع التي تحدث في العين، منها لذّاعة أكّالة، ومنها متمدّدة: واللذّاعة تدلّ على فساد كيفية المادة وحدّتها، والممددة تدل على كثرتها، أو على الريح. وأسرع الرمد منها أسيله دمعاً، وأحدّه لذعاً. وأبطؤه أيبسه. والرمص دلالة على النضج، أو على غلظ المادة، والذي يسرع من الرمص مع خفة الأعراض الأثقل، فهو يدل على غلظ المادة. والذي يصحب النضج وتخفّ معه العين في الأول قليلاً وينحلّ سريعاً، فهو المحمود. والذي حده صغار أقل دلالة على الخير، فإن صغر الحبّ يدل على بطء النضج، وإذا أخذت الأجفان تلتصق، فقد حان النضج، كما أنه ما دام سيلان مائي، فهو ابتداء بعد.
    وبعد هذا فنقول: أما التكدّر فيعرف لخفته وسببه وفقدان الورم البادي، وما كان من الرمد بمشاركة الرأس، دل عليه الصُداع، وثقل الرأس، فإن كان الطريق للنزلة من الدماغ إلى العين وإنما هو من الحجاب الخارج المحلّل للرأس، كانت الجبهة متمدّدة، والعروق الخارجة دارَّة، وكان الانتفاخ يبادر إلى الجفن، ويكون في الجبهة حمرة وضران، فإن كان من الحجاب الداخل لم يظهر ذلك، وظهر عطاس وحكّة في الفم والأنف، وإن كان بمشاركة المعدة رافقه تهوعّ وكرب. وعلامة ذلك الخلط في المعدة.
    وأما الرمد الدموي، فيدلّ عليه لون العين، ودرور العرق، وضربان الصدغين، وسائر علامات الدم في نواحي الدماغ، ولا يدمع كثيراً بل يرمص ويلتزق عند النوم.
    وأما الصفراوي، فيدلّ عليه نخس أشدّ، ووجع محرق ملتهب أشد، وحمرة أقل، ودمعة رقيقة حارة ربما قرحت، وربما خلت عن الدمع خلو الدموي، ولا يلتزق عند النوم، وقد يكون من هذا الجنس ما هو حمرة تضرب العين، وهي من جملة الأمزجة الخبيثة، وربما كوت العين وقرّحتها قراحة ذبابة ساعية. ومن الرمد الصفراوي جنس حكّاك حاف مع قلة حمرة وقلّة رمص، ولا يظهر الورم منه حجم يعتد به، ولا سيلان، وهو من مادة قليلة حادة.
    وأما البلغمي، فيدل عليه ثقل شديد، وحرارة قليلة، وحمرة خفيفة، بل السلطان يكون فيه للبياض، ويكون رمص والتصاق عند النوم، ويكون مع تهيّج، ويشاركه الوجه واللون، وإن كان مبدؤه المعدة صاحَبَه تهوع، وقد يبلغ البلغمي أن تنتأ فيه الملتحمة على السواد غطاً من الورم، إلا أنه لا يكون بين الحمرة شديدها ولا يكون معه دموع، بل رمص. وأما السوداوي، فيدل عليه ثقل مع كمودة وجفاف وإدمان وقلة التصاق. وأما لريحي فيكون معه تمدّد فقط بلا ثقل ولا سيلان، وربما أورث التمدّد حمرة.

    معالجات التكدر:
    التكدر وما يجري مجراه من الرمد الخفيف، فربما كفى فيه قطع السبب، فإن كان السبب معيناً من امتلاء من دم أو غيره، استفرغ، وربما كفى تسكين حركتها، وتقطير لبن، وبياض بيض، وغير ذلك فيها، فإن كان التكَثر من ضربة، قطر في العين دم حار من ريش حمام وغيره، أو من دم نفسه، وربما كفى تكميد بإسفنجة، أو صوفة مغموسة بمطبوخ، أو دهن ورد وطبيخ العدس، أو يقطر فيها لبن النساء من الثدي حاراً، فإن لم ينجع ذلك، فطبيخ الحلبة والشياف الأبيض.
    والذي يعرض من برد، فينفعه الحمّام إن لم يكن صار رمداً وورماً، ولم يكن الرأس والبدن ممتلئين، وينفع منه التكميد بطبيخ البابونج، والشراب اللطيف بعد ثلاث ساعات من الطعام. والنوم الطويل على الشراب من علاجاته النافعة، كان من الشمس، أو من البرد، أو غيره.
    وما كان من الرمد سببه الجرب، ثم كان خفيفاً، فليحك الجرب أولاً، ثم يعالج الرمد، وربما زال بعد حكّ الجرب من تلقاء نفسه، فإن كان عظيماً لا يحتمل مقارنة تدبير الحك، استعمل الرفق والتليين والتنقية حتى ينقاد ويحتمل المقارنة بينه وبين تدبير الحك.
    ● [ فصل في العلاج المشترك في أصناف الرمد ] ●
    وانصباب النوازل إلى العين
    القانون المشترك في تدبير الرمد المادي وسائر أمراض العين المادية، تقليل الغذاء، وتخفيفه، واختيار ما يولّد خلطاً محموداً، واجتناب كل مبخّر، واجتناب كل سوء هضم، واجتناب الجماع والحركة، وتدهين الرأس والشراب، واجتناب الحامض، والمالح، والحريف، وإدامة لين الطبيعة، والفصد من القيفال، فإنه يوافق جميع أنواعه.
    ويجب أن لا يقع بصر الرمد على البياض وعلى الشعاع، بل يكون ما يفوش له ويطيف به أسود وأخضر، ويعلق على وجهه خرقة سوداء تلوح لعينه. والأسود في حال المرض، والأسمانجوني في حال الصحة.
    ويجب أن يكون البيت الذي يسكنه إلى الظلمة، ويجب أن يجلب إليه النوم، فإنه علاج جيد، ويجب أن لا يترك الشعر يطول، فإنه ضار بالرمد جداً، إلا أن يكون الشعر مرسلاً في الأصل، فإنه يقع من حيث يجفف الرطوبات جذباً إلى غذائها، وإذا كان البدن نقياً والخلط الفاعل للرمد ناشئاً في العروق ومن جنس الدم الغليظ، وخصوصاً في تخر الرمد، فإن الاستحمام ليرقق المادة، وشرب الشراب الصرف ليزعجها ويخرجها نافعان، والحمام بعد الاستفراغ أفضل علاج للرمد، وخصوصاً إذا كان التكميد يسكن الوجع، ومما يجب أن يدبر في الرمد وسائر أمراض العين المادية، هو إعلاء الوسادة والحذر من طأطأته، ويجب أن يبعد الدهن من رأس الأرمد، فإنه شديد المضرة له، وأما تقطير الدهن ولو كان دهن الورد في الأذن، فعظيم المضرة جماً، وربما عظم الرمد حتى يضيق على الطبقات.
    وإن كانت المادة منبعثة من عضو، فينبغي أن يستفرغ من ذلك العضو، ويجذب إلى ضد الجهة بأي شيء كان بفصد وحقنة وغير ذلك، وربما لم يغن الفصد من القيقال واحتيج إلى فصد شريان الصدغ، أو الأذن، لينقطع الطريق الذي منه تأتي المادة، وذلك إذا كانت المادة تأتي العين من الشرايين الخارجة، وإذا أريد سل هذه الشراييون، فيجب أن يحلق الرأس، ويتأمل أي تلك الصغار أعظم وأنبض وأسخن، فيقطع ويبالغ في استئصاله إن كان مما يسل، وهي الصغار دون الكبار، وربما سل الذي على الصدغ. ويجب أن يخزم أولاً، ثم يقطع بعد أن يختار ما سلف ذكره من أن يكون ما يُبتَر أو يقطع أعظم الصغار وأسخنها. ويجب قبل البتر أن يشد ما دونه بخيط إبريسم شداً شديداً طويلاً، ويترك الشد عليه، ثم يقطع ما وراءه، فإذا عفن جاز أن يبان الشد، وهذا يحتاج إليه فيما هو أعظم، وأما الصغار، فيكفي أن يشرط شرطاً عنيفاً ليسيل ما فيها من الدم، وقد يقارب ذلك النفع حجامة النقرة وإرسال العلق على الجبهة، وإذا لم يغن ما عمل فصد من المأق ومن عروق الجبهة. على أن حجامة النقرة بالغة النفع.
    وإذا تطاولت العلة، استعملت الشياف الذي يقع فيه نحاس محرق وزاج محرق، وربما كفى الاكتحال بالصبر وحده. وإذا طال الرمد ولم ينتفع بشيء، فاعلم أن في طبقات العين مادة رديئة تفسد الغذاء الوارد عليها، فافزع إلى مثل التوتياء المغسول مخلوطاً بالملينات، مثل الاسفيذاج، وإقليميا الذهب المغسول، والنشا، وقليل صمغ، وربما اضطر إلى الكي على اليافوخ لتحتبس النزلة، فإنه ربما كان دوامه لدوام نزلة، فإذا كان المبدأ من الحجب الباطنة، كان العلاج صعباً، إلا أن مداره على الاستفراغات القوية مع استعمال ما يقوي الرأس من الضمادات المعروفة لهذا الشأن، مثل الضماد المتخذ من السنبل، والورد، والأقاقيا بماء الكزبرة الرطبة، والكزبرة الرطبة نفسها واليابسة مع قليل زعفران يترك على الموضع ساعة أو ساعتين، ثم يبان، وقد تستعمل فيها المغريات ومعدلات المواد الحادة، والألبان من جملتها.
    ولا يصلح أن يترك القطور منها في العين زماناً طويلاً، بل يجب أن يراق ويجمد كل وقت، ومنها بياض البيض، وليس من الواجب فيه أن يجمد، بل أن يترك ساعة لم تضر، وهو أحمد من اللبن، وإن كان اللّبن أحلى. وبياض البيض يجمع مع تليينه وتمليسه أن لا يلحج، ولا يسد المسام. وطبيخ الحلبة يجمع مع تحليله وإنضاجه أن يملس ويسكّن الوجع. ودهن الورد من هذا القبيل. وبالجملة يجب أن يكون الدواء المستعمل في العين، خصوصاً في الرمد لا خشونة فيه، ولا كيفية طعم كمر، أو حامض، أو حريف. ويجب أن يسحق جيداً ليذهب الخشونة، وما أمكنك أن تجتزئ بالمسخنة العديدة الطعم فذلك خير. وقد تستعمل فيه السعوطات السلقية وما يجري مجراها مما يخرج من الأنف بعض المادة، وذلك عندما لا يخاف جذبها إلى العين مادة أخرى، وقد تستعمل فيها الغراغر.
    ومن المعالجات النافعة التكميد بالمياه الفاترة بإسفنجة، أو صوفة، وربما أغنى استعماله مرة أو مرتين غنى كثيراً، وربما احتاج إلى تكرير كثير بحسب قوة الرمد وضعفه، وإذا كان الماء المكمد به طبيخ إكليل الملك والحلبة، كان أبلغ في النفع، وقد يطلى على الجبهة الروادع، خصوصاً إذا كان الطريق لانصباب المادة هو الحجاب الخارج، وهنه الروادع مثل قشر البطيخ خاصة، ومثل شياف ماميثا، ومثل الفيلزهرج، والصبر، وبزر الورد والزعفران والأنزروت، والمياه، مثل: ماء عنب الثعلب، وماء عصا الراعي، وكذلك العوسج، وسويق الشعير، وعنب الثعلب والسفرجل. وإن كانت الفضلة شديدة الحدة والرقة، استعملت اللطوخات الشديدة القبض، كالعفص، والجلنار، الحسك. والتضميد به لمجاري النوازل تأثير عظيم، هذا إن كانت المادة حارة، وإن كانت باردة، فيما يجفف ويقبض ويقوي العضو مع تسخين، مثل اللطخ بالزئبق والكبريت والبورق. ويجب أن يدام تنقية العين من الرمص بلبن يقطر فيه، فيغسلها، أو ببياض البيض، فإن احتيج إلى مسّ، فيجب أن يكون برفق.
    ويجب إن كان الرمد شديداً أن يفصد إلى أن يخاف الغشي، فإن إرسال الدم الكثير مبرئ في الوقت، ويجب ما أمكن أن يؤخر استعمال الشيافات إلى ثلاثة أيام، وليقتصر على التدبير المذكور من الاستفراغات وجذب المواد إلى الأطراف ولزوم ما ذكرناه من الأماكن والأحوال. ثم إن استعمل شيء بعد ذلك، فلا بأس به، وكثيراً ما يبرأ الرمد بهذه الأشياء من غير علاج آخر. وإما لين الطبيعة فأمر لا بد من الإسهال للخلط المستولي على الحم بعد الفصد، ولا خير في التكميد قبل التنقية، ولا في الحمام أيضاً، فربما صار ذلك سبباً لجذب مادة كثيرة بقطر طبقات العين. ويجب أن لا يستعمل في الابتداء المكثفات القوية والقابضة الشديدة، فتكثف الطبقة وتمنع التحليل ويعظم الوجع، خصوصاً إذا كان الوجع شديداً. والضعيفة القبض أيضاً في الابتداء لا تغني في منع المادة، وتضر بتكثيف الطبقة الظاهرة وتحقن فيها المادة، فإن اتفق شيء من هذا، تدورك بالتكميد بالماء الحار دائماً، والاقتصار على الشياف الأبيض محلولاً في ماء إكليل الملك صواب، فإن الأقوى من ذلك مع امتلاء الرأس ربما أضر. وأما المحللة، فاجتنبها في أول الأمر اجتناباً شديداً، وربما احتيج بعد استعمال هذه القابضات، وخصوصاً إذا خالطتها المخدرات إلى تقطير ماء السكر وماء العسل في العين، فإن حدث من هذا هيجان للعلة، برّدته بما لا تكثيف فيه لتتداركه به.
    ويجب أن يعني كما قلنا قبل هذا بتنقية الرمص برفق لا يؤذي العين، فإن في تنقية الرمص خفيفاً للوجع، وجلاء للعين، وتمكيناً للأدوية من العين، وربما أحوج اشتداد الوجع إلى استعمال المخدرات، مثل عصارة اللفاح،. والخس، والخشخاش، وشيء من السمّاق، فدافع بذلك ما أمكنك، فإن استعملت شيئاً من ذلك للضرورة، فاستعمله على حذر، وإما أمكنك أن تقتصر على بياض بيض مضروب بماء قد طبخ فيه الخشخاش فافعل، وربما وجب أن تجعل معه حلبة لتعين في تسكين الوجع من جهة التحليل، وتحلّل أيضاً وتزيل آفة المخدر.
    فأما إن كانت المادة رقيقة أكالة فلا بأس عندي باستعمال الأفيون والمخدرات، فإنه شفاء، ولا يعقب وجعاً، وإن كان يجب أن يعتقد أنه من حيث يضر بالبصر مكروه، ولكن الأفيون فيما حدث من الأوجاع عن مادة أكّالة ليست ممددة شفاء عاجل. وعلاج اللذع التغرية والتبريد والتلطيف، وعلاج التمديد إرخاء العين والتحليل بما نذكر كلاّ في مكانه، وتقل المادة. وإذا أزمنت العلة ففصد المأقين، وفصد الشريان الذي خلف الأذن.
    ويجب أن يجتنب أصحاب الرمد، وأصحاب النوازل إلى العين، -كما. قلنا مراراً- تدهين الرأس، وتقطير الدهن في الأذن. وجملة العلاج للرمد كعلاج سائر الأورام من الردع أولاً، والتحليل ثانياً، إلا أنه يستدعي لأجل العضو نفسه فضل ترفق، وهو أن يكون ما يقمع ويردع، أو يلطف ويحلّل ويجلو، ليس بعنيف الممر? مؤلم للحس، محدث للخشونة، وذلك لا يتم إلا بأن يكون قبض ما يردع معتدلاً ولذع ما يحلل خفياً، بل الأولى أن يكون في ذلك تجفيف بلا لذع، وأن يكون مكسور العنف بما يخلط من مثل بياض البيض، ولبن المرأة محلوباً على محك الشيافِ الذي يكتحل به.
    وإذا كانت المادة قد استفرغت ولم تسكّن الأوجاع في غاية العنف، فاستعمل الشياف المعروف باليومي مخلوطاً بمثل صفرة البيض، فلا يبعد أن يبرأ العليل من يومه، ويدخل الحمام من مسائه، ويكون الذي بقي تحليل لبقية مادة بمثل الشياف السنبلي، وربما أوجب الوقت أن يشمّمه من شياف الأصطفطيقان في اليوم الأول شيئاً يسيراً، ويزيده في اليوم الثاني منه، فيكون معه البرء. فإذا استعصت المادة في الرمد المتقادم على التحليل، فربما احتجت إلى مثل عصارة قثّاء الحمار وغير ذلك مما أنت تعلم.
    معالجات الرمد الصفراوي والدموي والحمرة:
    التدبير المشترك لما كان من الرمد ما سببه مادة صفراوية أو دموية، الفصد والاستفراغ، فإن كان الدم دماً حاراً صفراوياً، أو كان السبب صفراء وحدها، نفع مع الفصد الاستفراغ بطبيخ الهليلج، وربما جعل فيه تربد، وإن كان فيه أدنى غلظ وعلمت أن المادة متشربة في حجب الدماغ، قوّيته بأيارج فيقرا، وربما اقتصر في مثله على نقيع الصبر. وإن كان هناك حرارة كان الماء الذي ينقع فيه ماء الهندبا، أو ماء المطر، وجميع ذلك، يجب أن تبتدئ فيه بتضميد العين بالمبرّدات من انعصارات، مثل عصارة لسان الحمل، وعصارة ورق الخلاف واللعابات وتقطيرها فيها، ثم بياض البيض بلبن الأتن ومفرداً، ثم الشياف الأبيض، وسائر الشيافات التي نذكرها في الروادع، ولا يبلغ بها مبلغاً تتكثِّف له الطبقات وتحتقن المواد ويشتدّ الوجع. فإذا ارتدعت المادة بالاستفراغ والجذب والرواح، فتمرّج المنضجات، ولتكن أولاً مخلوطة بالرواح، ثم تصرف، ولتكن أولاً مرفقة مخلوطة بمثل ماء الورد.
    والألبان فيها قوة انضاج، وفي لعاب بزر قطونا مع الردع انضاج مّا، ولعاب حبّ السفرجل أشدّ إنضاجاً منه، وماء الحلبة جيد الإنضاج، مسكّن للوجع، وهو أول يبدأ به من المنضجات، وليس فيه جذب، وإن احتيج إلى تغليظ شيء من ذلك فبالعابات، أو إلى تبريده فبالعصارات. وقد جربت عصارة شجرة تسمى باليونانية أطاطا، وبالفارسية أشك، وفي ابتداء الرمد الحار وانتهائه، فكان ملائماً بالخاصية القوية.
    وقد تعقد هذه العصارات وتحفظ، ثم يتخطّى أمثال ذلك إلى طبيخ إكليل الملك، مدوفاً فيه الأنزروت الأبيض، خصوصاً المربّى بألبان النساء والأتن، وإذ أخذ ينحطّ زدت في استعمال المحلّلات مما هو أقوى، كالأنزروت في ماء الحلبة، والرازيانج، والتكميد بماء طبخ فيه الزعفران والمرّ، واستعملت الحمّام إن علمت أن الدماغ نقي، وسقيته بعد الطعام القليل بساعات شيئاً من الشراب انصرف القويّ العتيق قليل المقدار. فإن استحم بعده بماء حار أو كمد كان ذلك أنفع.
    واستعمل أيضاً الشيفات المذكورة الموصوفة في القراباذين لانحطاط الرمد وآخره، فإن كانت المادة دموية حجمت بعد الفصد، وأدمت دلك الأطراف وشدها أكثر مما في غيرها، واستعملت في أول الأمر العصارات المذكورة، ثم خلطت بها ألباب الخبز، ثم نقعت ذلك الخبز في الميبختج، وخلطته به، وربما وجب أن يخلط بذلك قليل أفيون إذا اشتدّ الوجع، فإن كانت المادة الصفراوي استفرغت بعد الفصد بما يخرج الصفراء، واستعملت الاستحمام بالماء العذب، وربما وافق صبّ البارد منه على الرأس والعين، وربما غسل الوجه بماء بارد مع مزج قليل مع الخلّ فنفع. ويجب أن يكون في الصفراوي اجتراء على استعمال القابضات في الأول بلا إفراط أيضاً، ويستعمل الشيافات القابضة محلولة في العصارات، وأما الحمرة من جملة ذلك، فيجب أن يستعمل عليها بعد الاستفراغ بالمسهّلات والحقن، الضمّاد المتخذ من قشور الرمان مطبوخة على الجمر، ومسحوقة بميبختج، أو عسل، ويدام تكميدها بإسفنج حار. والتضميد بدقيق الكرسنّة والحنطة مطبوخاً بشراب العسل، أو بأصل السوسن المدقوق ينفعه. ويجب أن يدام غسل العين باللبن ويدام تبريدها وترطيبها، لكن الاقتصار على التبريدات مما يبطئ ويبلّد، وإذا تحلّلت العلّة وبقيت الحمرة، ضمدت بصفرة البيض المشوية مسحوقة بزعفران وعسل وسائر ما كتب للحمرة في القراباذين.

    معالجات الرمد البارد:
    وأما الرمد الكائن من الأسباب الباردة، فيجب أن يستفرغ الخلط البارد، وربما احتيج إلى التكرير مشروباً كان أو محتقناً أو غرغرة، وأن يكون أول العلاج بالرادعات التي ليست بالباردة جداً، ولكن التي فيها تلطيف ما مثل المر والأنزروت. وإن استعملت شياف السنبل مع بعض المياه المعتدلة كان صالحاً،وإن لم يكن في طبقات الحدقة آفة إكتحلت بماء أغلي فيه الزعفران، وقلقليس، وعسل. ويجب أن تلطخ الجبهة في الابتداء بقلقديس، وخصوصاً إذا كان طريق المادة من الحجاب الخارج، وكذلك لا بأس بغسل الوجه بماء أديف فيه القلقديس.
    وإن لطخت الأجفان في الابتداء بالترياق وبالكبريت والزرنيخ كان جيد. وشرب الترياق أيضاً نافع، وقد جرّب في ذلك ورق الخروع مدقوقاً مخلوطاً بشب وورق الخطمي مطبوخاً في شراب، ونحن نذكر في القراباذين أقراصاً صالحة، لأن تلطخ الأجفان بها، وماء الحلبة، ولعاب بزر الكتان، مما ينفع تقطيره في عين الرمد البارد، وبعد ذلك الشياف الأحمر اللين، والشياف الأحمر الآخر الأكبر، وشياف لافرة حيانا، والأنزروت مدوفاً في عصارة أوراق الكبر، والتضميد بأوراق الكبر وحدها. وينفع هؤلاء كلهم التدبير اللطيف، واستعمال الحمّام والشراب الصرف الأبيض.
    معالجات الوردينج:
    وما كان من الرمد صار وردينجاً، فعلاجه الاستفراغ والفصد والحجامة، وربما احتجت إلى سل الشريان، فإن كان من ورم حار، واستفرغت من جميع الوجوه، ومن عروق الرأس، وحجمت، فيجب أن يستعمل مثل الشياف الأبيض من الرادعات، ومن العصارات اللينة الباردة، وأما الأضمدة من خارج فمثل الزعفران وورق الكزبرة، وإكليل الملك بصفرة البيض والخبز المنقوع في ربّ العنب، وربما احتيج أن يخلط به من المخدرات شيء، والأطلية أيضاً من مثل ذلك، ومن الماميثا، والحضض، والصبر. ومما جرّب له، صفرة البيض مع شحم الدب، يجعل منهما كالمرهم، ويجعلان على خرقة توضع على العين. وكذلك الورد ينفع في عقيد العنب، ثم يسخن مع صفرة البيض، ويوضع على العين، وإذا اشتدّ الوجع، ينفع زعفران مسحوق بلبن وعصارة الكزبرة، تقطر في العين، ويستحب في الوردينج أن يشغل بالعلاجات الخارجة، ويقتصر على تقطير اللبن في العين ثلاثة أيام إن احتمل الحال والوقت. وقد جرّب الكحالون في الوردينج لوجع المتقرّح أن يكحل بالأنزروت والزعفران وشياف ماميثا والأفيون، فإن كان الوردينج بعد الرمد الغليظ البارد استفرغت بالايارجات ضرره، واستعملت اللعابات اللينة المأخوذة بعصارة الكرنب، أو سلافته، وربما احتجت أن تمزجها بماء عنب الثعلب، وربما احتجت أن تخرجها بمرّ وزعفران.

    معالجات الرمد الريحي:
    فأما الرمد الريحي، فيعالج بالأطلية والتكميدات والحمّامات. والتكميد بالجاورس أنفع التكميدات له، وربما أقدم المخاطرون على استعمال المخدرات عند شلة الوجع، وذلك وإن سكّن في الوقت، فإنه يهيجه بعد ساعة تهييجاً أشد مما كان لمنعه الريح من التحلل، فعليك بالمحلّلات اللطيفة.
    ● [ فصل كلام قليل في أدوية الرمد المستعملة ] ●
    أما الشياف الأبيض، فإنه مغر مبرّد مسكّن للوجع، مصلح للخلط اللذاع، وقد يخلط به الأفيون فيكون أشدّ إسكاناً للوجع، لكنه ربما أضر بالبصر وطول بالعلة للتخدير والتفجيج. ومما يجري مجراه القرص الوردي، فإنه عظيم المنعفة في الالتهاب والوجع، وهو كبير وصغير.
    وتجد في القراباذين أقراصاً، وشيافات من هذا القبيل، وتجد في جدول العين من الأدوية المفردة الرادعة مثل المرداسنج، والكثيراء، والحضض، والورد، والاثمد الأصفهاني، وأقاقيا، وماميثا، وصندل، وعفص، وطين مختوم، وسائر العصارات، والصمغ، وغير ذلك من المفردات التي تخصّ بالمواد الغليظة، مثل المرّ، والزعفران، والكندر، والسنبل، وجندبيدستر، وقليل من النحاس الأحمر، والصبر خاصةً، وحماما، وقرن أيل محرق، وأقراص. وأما التقدير والخلط بما هو أبرد وبما هو أسخن، فذلك إلى الحس الصناعي في الجزئيات.
    وأما سائر المختلطات المجربة، فنذكر هذا في القراباذين. ومن الرّادعات المجربة لشدة الوجع والمادة الغليظة، شداد الأساكفة بعسل خالص وماء الحلبة، يجعل في المأقين بميل، وأما من المركبات، فمثل شياف أصطفطيقان، والأحمر اللين، وشياف الشاذنج الأكبر، وأقراص الورد من جملتها جيد بالغ النفع جداً.

    الفن الثالث: تشريح العين: المقالة الأولى Fasel10

    القانون فى الطب لإبن سينا
    الكتاب الثالث: الأمراض الجزئية
    منتدى حكماء رحماء الطبى - البوابة
    الفن الثالث: تشريح العين: المقالة الأولى E110


      الوقت/التاريخ الآن هو الجمعة نوفمبر 22, 2024 5:32 am