من طرف اسرة التحرير الثلاثاء ديسمبر 11, 2018 9:28 am
بّسم الله الرّحمن الرّحيم
مكتبة الحديث الشريف
جامع العلوم والحكم
● [ الحديث الثالث والعشرون ] ●
عَنْ أبي مالِكٍ الأشْعَريِّ - رضي الله عنه - قالَ : قالَ رسولُ الله - صلى الله عليه وسلم - : ( الطُّهورُ شَطْرُ الإيمانِ ، والحَمْدُ للهِ تَملأُ المِيزانَ ، وسُبحَانَ اللهِ ، والحَمْدُ للهِ ، تَملآنِ أو تَملأُ ما بَيْنَ السَّماواتِ والأرْضِ ، والصَّلاةُ نورٌ ، والصَّدقَةُ بُرهَانٌ ، والصَّبْرُ ضِياءٌ ، والقُرآنُ حُجَّةٌ لك أو عَلَيكَ ، كُلُّ النَّاسِ يَغْدُو ، فَبائعٌ نَفْسَهُ ، فمُعْتِقُها أو مُوبِقها ).
رواه مسلم .
الشرح
هذا الحديث خرَّجه مسلم(1) من رواية يحيى بن أبي كثير : أنَّ زيدَ بن سلام حدثه : أنَّ أبا سلام حدثه عن أبي مالك الأشعري ، قال : قال رسولُ الله - صلى الله عليه وسلم - : ( الطُّهور شطر الإيمان ، والحمد لله تملأ الميزان ) ، فذكر الحديثَ . وفي أكثر نسخ " صحيح مسلم " : ( والصبرُ ضياء ) وفي بعضها : ( والصيامُ ضياء ) (2) .
وقد اختلف في سماع يحيى بن أبي كثير من زيدِ بن سلاَّم ، فأنكره يحيى بنُ معين ، وأثبته الإمامُ أحمدُ ، وفي هذه الرواية التصريحُ بسماعه منه(3) .
__________
(1) الصحيح 1/140 ( 223 ) ( 1 ) .
وأخرجه ابن أبي شيبة ( 37) ، وأحمد 5/342 و343 و344 ، والدارمي ( 159 ) ، والترمذي ( 3517 ) ، والنسائي في" الكبرى " ( 9996 ) ، وفي "عمل اليوم والليلة " ، له ( 168 ) ، وأبو عوانة 1/189 ، والطبراني في " الكبير " 3423 ) ، والمروزي في " تعظيم قدر الصلاة " ( 435 ) و( 436 ) ، وابن منده في " الإيمان " ( 211 ) ، واللالكائي في " شرح أصول الاعتقاد" ( 1619 ) ، وأبو نعيم في " المسند المستخرج " ( 534 ) ، والبيهقي 1/42 وفي " الاعتقاد " ، له : 176 ، والبغوي ( 148 ) .
(2) انظر : المفهم 1/477 .
(3) انظر : تهذيب الكمال 3/80 ( 2095 ) .
● [ الصفحة التالية ] ●
وخرَّج هذا الحديث النسائيُّ(1) ، وابنُ ماجه(2) من رواية معاوية بن سلام ، عن أخيه زيدِ بن سلاَّم ، عن جدِّه أبي سلام ، عن عبد الرحمان بن غنم ، عن أبي مالك ، فزاد في إسناده عبد الرحمان بن غنم ، ورجَّحَ هذه الرواية بعضُ الحفاظ ، وقال : معاوية بن سلام أعلمُ بحديثِ أخيه زيدٍ من يحيى بن أبي كثيرٍ(3) ، ويقوِّي ذلك أنَّه قد روي عن عبد الرحمان بن غنم ، عن أبي مالك من وجهٍ آخر ، وحينئذٍ فتكونُ روايةُ مسلمٍ منقطعةً(4) .
وفي حديث معاويةَ بعضُ المخالفة لحديث يحيى بن أبي كثير ، فإنَّ لفظ حديثه عند ابن ماجه : ( إسباغُ الوضوء شطرُ الإيمان ، والحمد لله مِلء الميزان ، والتسبيحُ والتَّكبيرُ مِلء السماء والأرض ، والصلاة نورٌ ، والزكاة برهانٌ ، والصبر ضياءٌ ، والقرآنُ حُجَّةٌ لك أو عليك ، كلُّ النَّاسِ يغدو ، فبائع نفسه ، فمعتقها ، أو موبقها )(5).
__________
(1) في " المجتبى " 5/5 وفي " عمل اليوم والليلة " ، له ( 169 ) .
(2) في " سننه " ( 280 ) .
(3) انظر : علل الجارودي 1/45 .
(4) قال الإمام النووي في " شرح صحيح مسلم " 2/86 في تعليقه على إسناد مسلم لهذا الحديث : ( هذا الإسناد مما تكلم فيه الدارقطني وغيره ، فقال : سقط فيه رجل بين أبي سلام وأبي مالك ، والساقط عبد الرحمان بن غنم ، قال : والدليل على سقوطه : أن معاوية بن سلام رواه عن أخيه زيد بن سلام ، عن جده أبي سلام ، عن عبد الرحمان بن غنم ، عن أبي مالك الأشعري ، وهكذا أخرجه النسائي وابن ماجه وغيرهما ويمكن أنْ يجاب لمسلم عن هذا بأنَّ الظاهر من حال مسلم أنَّه علم سماع أبي سلام لهذا الحديث من أبي مالك فيكون أبو سلام سمعه من أبي مالك وسمعه أيضاً من عبد الرحمان بن غنم ، عن أبي مالك فرواه مرة عنه ، ومرة عن عبد الرحمان ) ، وانظر : التتبع : 19-20 ( 34 ) مع التعليق عليه .
(5) سبق تخريجه .
● [ الصفحة التالية ] ●
وخرَّج الترمذي حديث يحيى بن أبي كثير الذي خرَّجه مسلم ، ولفظ حديثه : ( الوضوءُ شطرُ الإيمانِ ) ، وباقي حديثه مِثلُ سياقِ مسلمٍ(1) .
وخرَّج الإمامُ أحمدُ(2) والترمذي(3) من حديث رجلٍ من بني سليم ، قال : عدَّهُنَّ رسولُ الله - صلى الله عليه وسلم - في يدي أو في يده : ( التسبيحُ نصفُ الميزان ، والحمد لله تملؤه ، والتكبير يملأ ما بين السماء والأرض ، والصومُ نصفُ الصبر ، والطهورُ نصفُ الإيمان ) .
فقوله - صلى الله عليه وسلم - : ( الطهور شطرُ الإيمان ) فسر بعضهم الطهورَ هاهنا بتركِ الذُّنوب، كما في قوله تعالى : { إِنَّهُمْ أُنَاسٌ يَتَطَهَّرُون } (4) ، وقوله : { وَثِيَابَكَ فَطَهِّرْ } (5) ، وقوله : { إِنَّ اللهَ يُحِبُّ التَّوَّابِينَ وَيُحِبُّ الْمُتَطَهِّرِينَ } (6) .
وقال : الإيمانُ نوعان : فعلٌ وترك ، فنصفُه : فعلُ المأموراتِ ، ونصفُه : ترك المحظورات ، وهو تطهيرُ النفس بترك المعاصي ، وهذا القولُ محتمل لولا أنَّ رواية : ( الوضوء شطرُ الإيمان ) تردُّه ، وكذلك رواية : ( إسباغ الوضوء ) .
__________
(1) سبق تخريجه .
(2) في " مسنده " 4/260 و5/363 و365 و370 و372 .
(3) في " جامعه " ( 3519 ) .
وأخرجه : معمر في " جامعه " ( 20582 ) ، وأبو عمر العدني في " الإيمان " ( 58 ) ، والدارمي ( 660 ) ، والمروزي في " تعظيم قدر الصلاة " ( 432 ) و( 433 ) ، والطبراني في " الدعاء " ( 1734 ) ، وأبو الشيخ في " طبقات المحدّثين " ( 785 ) ، والبيهقي في " شعب الإيمان " (631 ) و( 3575 ) ، وقال الترمذي : ( حديث حسن ) على أنَّ في إسناده مقالاً ؛ فإنَّ جُري النهدي مقبول حيث يتابع ولم يتابع .
(4) الأعراف : 82 .
(5) المدثر : 4 .
(6) البقرة : 222 .
● [ الصفحة التالية ] ●
وأيضاً ، ففيه نظرٌ من جهة المعنى ، فإنَّ كثيراً من الأعمال تُطَهِّرُ النفس مِنَ الذُّنوبِ السابقة ، كالصلاة ، فكيف لا تدخل في اسم الطُّهور ، ومتى دخلت الأعمالُ ، أو بعضُها ، في اسم الطُّهور ، لم يتحقَّقْ كونُ تركِ الذنوبِ شَطْرَ الإيمان .
والصحيح الذي عليه الأكثرون : أنَّ المراد بالطهور هاهنا : التَّطهُّر بالماء من الأحداث ، وكذلك بدأ مسلمٌ بتخريجه في أبواب الوضوء (1) ، وكذلك خرَّجه النَّسائي وابن ماجه(2) وغيرهما ، وعلى هذا ، فاختلف الناسُ في معنى كون الطهور بالماء شطرَ الإيمان.
فمنهم من قال : المرادُ بالشطر : الجزءُ ، لا أنَّه النصفُ بعينه ، فيكونُ الطهور جزءاً مِنَ الإيمان ، وهذا فيه ضعف؛ لأنَّ الشطر إنَّما يُعْرَفُ استعمالُه لغة في النِّصف؛ ولأنَّ في حديث الرجلِ من بني سُليم : ( الطهورُ نصف الإيمان ) كما سبق .
ومنهم من قال : المعنى أنَّه يُضاعَفُ ثوابُ الوضوء إلى نصف ثوابِ الإيمان ، لكن من غير تضعيف ، وفي هذا نظرٌ ، وبُعدٌ .
ومنهم من قال : الإيمانُ يكفِّرُ الكبائرَ كلَّها ، والوضوء يكفِّر الصَّغائِرَ ، فهو شطرُ الإيمان بهذا الاعتبار ، وهذا يردُّه حديث : ( من أساءَ في الإسلام أُخِذَ بما عمل في الجاهلية ) وقد سبق ذكره .
ومنهم من قال : الوضوء يُكفِّرُ الذنوبَ مع الإيمان ، فصار نصفَ الإيمانِ ، وهذا ضعيف(3) .
__________
(1) سبق تخريجه .
(2) سبق تخريجه .
(3) انظر : المفهم ( 166 ) ، وشرح صحيح مسلم للنووي 2/86 ، وفيض القدير ( 5343 ) .
● [ الصفحة التالية ] ●
ومنهم من قال : المرادُ بالإيمان هاهنا : الصلاة ، كما في قوله - عز وجل - : { وَمَا كَانَ اللهُ لِيُضِيعَ إِيمَانَكُمْ } (1)، والمراد : صلاتُكم إلى بيتِ المقدس ، فإذا كان المرادُ بالإيمان الصلاةَ ، فالصلاةُ لا تُقبل إلا بطهور ، فصار الطُّهور شطر الصلاة بهذا الاعتبار ، حكى هذا التفسير محمدُ بن نصر المروزي في " كتاب الصلاة "(2) عن إسحاق بن راهويه ، عن يحيى بنِ آدم ، وأنَّه قال في معنى قولهم : لا أدري نصفُ العلم : إنَّ العلم إنَّما هو : أدري ولا أدري ، فأحدهما نصفُ الآخر(3) .
__________
(1) البقرة : 143 .
(2) تعظيم قدر الصلاة ( 439 ) .
(3) تعظيم قدر الصلاة ( 442 ) .
● [ الصفحة التالية ] ●
قلت : كُلُّ شيءٍ كان تحته نوعان : فأحدُهما نصفٌ له ، وسواءٌ كان عددُ النوعين على السواء ، أو أحدهما أزيد من الآخر ، ويدلُّ على هذا حديثُ: ( قسمتُ الصلاةَ بيني وبَينَ عبدي نصفين )(1) والمرادُ : قراءة الصلاة ، ولهذا فسّرها بالفاتحة ، والمرادُ أنَّها مقسومة لِلعبادة والمسألة ، فالعبادةُ حقُّ الربِّ والمسألةُ حقُّ العبد ، وليس المرادُ قسمة كلماتها على السواء (2) . وقد ذكر هذا الخطابيُّ ، واستشهد بقول العرب : نصف السنة سفر ، ونصفها حَضَر ، قال : وليس على تساوي الزمانين فيهما ، لكن على انقسام الزمانين لهما ، وإنْ تفاوتت مدتاهما(3) ، وبقول شريح - وقيل له : كيف أصبحت ؟ - قال : أصبحت ونصفُ الناس عليَّ غضبان(4) ، يريد أنَّ الناسَ بين محكومٍ له ومحكومٍ عليه ، فالمحكومُ عليه غضبان ، والمحكوم له راضٍ عنه ، فهما حزبان مختلفان . ويقول الشاعر :
إذا مِتُّ كان الناسُ نصفينِ شامتٌ بموتي ومُثْنٍ بالذي كنتُ أفعلُ
ومراده أنَّهم ينقسمون قسمين .
__________
(1) أخرجه : مالك في " الموطأ " ( 224 ) برواية يحيى الليثي ، وعبد الرزاق ( 2767 ) و( 2768 ) ، والحميدي ( 973 ) ، وأحمد 2/241 و285 و460 ، والبخاري في " القراءة خلف الإمام " ( 52 ) و( 54 ) و( 55 ) و( 64 ) و( 67 ) وفي " خلق أفعال العباد " ، له 1/48 ، ومسلم 2/8 ( 395 ) ( 38 ) ، وأبو داود ( 821 ) ، وابن ماجه ( 3784 ) ، والترمذي ( 2953 ) ، والنسائي 2 / 136 وفي " الكبرى " ، له ( 981 ) و( 8012 ) و( 8013 ) و( 10982 ) وفي " التفسير " ، له ( 2 ) وفي " فضائل الصحابة "، له ( 38 )، وابن خزيمة ( 502 ) من حديث أبي هريرة به ، الروايات مطولة ومختصرة .
(2) انظر : شرح صحيح مسلم للنووي 2/ 289 – 290 .
(3) انظر : معالم السنن 1/176 .
(4) لم أقف عليه في مظانه وذكره صاحب عون المعبود 3/28 ( ط دار الكتب العلمية ) .
● [ الصفحة التالية ] ●
قلت : ومِنْ هذا المعنى : حديث أبي هريرة المرفوع في الفرائض : ( إنَّها نصف العلم ) خرَّجه ابن ماجه(1) ، فإنَّ أحكامَ المكلفين نوعان : نوع يتعلق بالحياة ، ونوع يتعلَّقُ بما بعدَ الموتِ، وهذا هو الفرائضُ. وقال ابنُ مسعود : الفرائضُ ثلث العلم(2) . ووجه ذلك الحديث الذي خرَّجه أبو داود(3) وابنُ ماجه(4) من حديث عبد الله بن عمرو مرفوعاً : ( العلم ثلاثة، وما سوى ذلك ، فهو فضلٌ : آية محكمة، أو سنّةٌ قائمةٌ ، أو فريضة عادلة ) .
__________
(1) في " سننه " ( 2719 ) .
وأخرجه: الطبراني في "الأوسط" ( 5293 ) ، والحاكم 4/332 ، والبيهقي 6/208 –209 ، وإسناده ضعيف لضعف حفص بن عمر بن أبي العطاف .
(2) لم أقف عليه .
وأخرجه : معمر في " جامعه " ( 21013 ) من قول قتادة .
(3) في " سننه " ( 2885 ) .
(4) في " سننه " ( 54 ) .
وأخرجه : الدارقطني ( 4015 ) ، والحاكم 4/332 ، والبيهقي 6/208 ، وإسناده ضعيف لضعف عبد الرحمان بن زياد الإفريقي وعبد الرحمان بن رافع التنوخي .
● [ الصفحة التالية ] ●
وروي عن مجاهد أنَّه قال : المضمضةُ والاستنشاقُ نصفُ الوضوء ، ولعلَّه أراد أنَّ الوضوء قسمان : أحدهما مذكور في القرآن ، والثاني مأخوذٌ من السُّنَّةِ ، وهو المضمضة والاستنشاق ، أو أراد أنَّ المضمضةَ والاستنشاقَ يُطَهِّرُ باطنَ الجسدِ ، وغسلَ سائرِ الأعضاء يُطهر ظاهره ، فهما نصفان بهذا الاعتبار ، ومنه قولُ ابن مسعود : الصبرُ نصفُ الإيمان ، واليقينُ الإيمان كله(1) . وجاء من رواية يزيد الرقاشي ، عن أنسٍ مرفوعاً : ( الإيمانُ نصفان : نصفٌ في الصَّبر ، ونصفٌ في الشُّكر )(2) ، فلمَّا كان الإيمانُ يشمل فعلَ الواجباتِ ، وتركَ المحرَّمات ، ولا يُنالُ ذلك كلُّه إلاَّ بالصَّبر ، كان الصبرُ نصفَ الإيمان ، فهكذا يقالُ في الوضوء : إنَّه نصف الصلاة .
وأيضاً فالصلاةُ تُكفر الذنوبَ والخطايا بشرط إسباغ الوضوء وإحسانه ، فصار شطرَ الصلاة بهذا الاعتبار أيضاً ، كما في " صحيح مسلم "(3) عن عثمان ، عن النَّبيِّ - صلى الله عليه وسلم - قال : ( ما مِنْ مُسلمٍ يتطهر فيُتِمُّ الطهورَ الذي كُتِبَ عليه ، فيُصلي هذه الصلوات الخمْسَ إلاَّ كانت كفَّارةً لما بينَهنَّ ) . وفي روايةٍ له(4) : ( من أتمَّ الوُضوء كما أمره الله ، فالصلواتُ المكتوبات كفاراتٌ لما بينهن ) .
__________
(1) أخرجه : عبد الله بن أحمد في " السنة " ( 817 ) ، والطبراني في " الكبير " ( 8544 ) ، والحاكم 2 / 446 ، والبيهقي في " شعب الإيمان " ( 48 ) .
(2) أخرجه : الخرائطي في "فضيلة الشكر" ( 18 ) ، والقضاعي في " مسند الشهاب " ( 159 )، والبيهقي في " شعب الإيمان " ( 9715 ) ، وطبعة الرشد ( 9265 ) .
(3) الصحيح 1/142 ( 231 ) ( 10 ) .
وأخرجه : البيهقي في " شعب الإيمان " ( 2726 ) .
(4) في " صحيحه " 1/142 ( 231 ) ( 11 ) .
● [ الصفحة التالية ] ●
وأيضاً فالصلاةُ مفتاحُ الجنَّة ، والوضوء مفتاح الصَّلاة ، كما خرَّجه الإمامُ أحمد(1) والترمذي(2) من حديث جابرٍ مرفوعاً ، وكلٌّ من الصلاة والوضوء مُوجِبٌ لفتح أبواب الجنَّة كما في " صحيح مسلم " (3) عن عُقبة بن عامر سمع النَّبيَّ - صلى الله عليه وسلم - يقول : ( ما من مسلمٍ يتوضأ ، فيُحسنُ وضوءه ، ثم يقوم فيصلي ركعتين ، يقبل عليهما بقلبه ووجهه ، إلا وجبت له الجنَّة ) ، وعن عقبة ، عن عمر ، عن النَّبيِّ - صلى الله عليه وسلم - قال : ( ما مِنْكُم مِن أحَدٍ يتوضأ فيُبْلغُ أو يُسبغُ الوضوء ، ثم يقولُ : أشهدُ أنْ لا إله إلا الله ، وأشهدُ أنَّ محمداً عبدُه ورسوله ، إلا فُتحتْ له أبوابُ الجنَّةِ الثمانية يدخل من أيِّها شاء )(4) .
__________
(1) في " مسنده " 3/340 .
(2) في " جامعه " ( 4 ) . =
= ... وأخرجه : الطيالسي ( 2712 ) ، والعقيلي في " الضعفاء " 2/137، والطبراني في "الأوسط" ( 4364 ) وفي "الصغير" ، له ( 596 ) ، وابن عدي في " الكامل " 4/241 ، والبيهقي في " شعب الإيمان " ( 2711 ) و( 2712 ) ، والخطيب في " الموضح " 1/352 ، وهو حديث ضعيف لضعف سليمان بن قرم وأبي يحيى القتات .
(3) الصحيح 1/144 ( 234 ) .
(4) أخرجه : الترمذي ( 55 ) ، والنسائي 1/95 وفي " الكبرى " ، له ( 141 ) والبيهقي 1/78.
وأخرج الروايتين معاً : عبد الرزاق ( 142 ) ، وابن أبي شيبة ( 21 ) ، وأحمد 4/145 و153 ، ومسلم 1/144 ( 234 ) ( 17 ) ، وأبو داود ( 169 ) ، والنسائي في " عمل اليوم والليلة " ( 84 ) ، وأبو يعلى ( 72 ) ، وابن خزيمة ( 222 ) و( 223 ) ، وابن حبان ( 1050 ) ، والطبراني في " الكبير " 19/( 917 ) ، وأبو نعيم في " المسند المستخرج " ( 554 ) ، والبيهقي 1/78 .
● [ الصفحة التالية ] ●
وفي " الصحيحين " (1) عن عُبَادة ، عن النَّبيِّ - صلى الله عليه وسلم - ، قال : ( من قال : أشهدُ أنْ لا إلهَ إلاَّ الله وحدَه لا شريكَ له، وأنَّ محمداً عبدُه ورسولُه ، وأنَّ عيسى عبدُ الله، وابنُ أمتِهِ ، وكلمتُهُ ألقاها إلى مريمَ ، وروحٌ منه ، وأنَّ الجنَّةَ حقٌّ ، وأنَّ النار حقٌّ ، أدخله الله مِنْ أيِّ أبوابِ الجنةِ الثمانيةِ شاءَ ) .
فإذا كان الوضوء مع الشهادتين موجباً لفتح أبواب الجنَّة ، صار الوضوءُ نصفَ الإيمان بالله ورسوله بهذا الاعتبار .
وأيضاً فالوضوء من خِصال الإيمان الخفيَّة التي لا يُحافِظُ عليها إلاَّ مُؤمنٌ ، كما في حديث ثوبان وغيره ، عن النَّبيِّ - صلى الله عليه وسلم - : ( لا يُحافِظُ على الوضوء إلا مؤمن )(2) . والغسل من الجنابة قد ورد أنَّه أداء الأمانة ، كما خرَّجه العقيلي(3) من حديث أبي الدرداء ، عن النَّبيِّ - صلى الله عليه وسلم - قال : ( خمسٌ من جاءَ بهنَّ مع إيمانٍ دخل الجنَّةَ : من حافظ على الصلوات الخمس على وضوئهن وركوعهن وسجودهن ومواقيتهن ، وأعطى الزَّكاةَ من ماله طيِّبَ النَّفسِ بها - قال : وكان يقول : - وايمُ اللهِ ، لا يفعل ذلك إلا مؤمنٌ ، وصام رمضانَ ، وحجَّ البيتَ من استطاع إليه سبيلاً ، وأدَّى الأمانة ) قالوا : يا أبا الدرداء ، وما أداءُ الأمانة ؟ قال : الغسلُ من الجنابة ، فإنَّ الله لم يأتمنِ ابنَ آدم على شيءٍ من دينه غيرها .
وخرَّج ابنُ ماجه(4)
__________
(1) تقدم تخريجه .
(2) تقدم تخريجه .
(3) في " الضعفاء " 3/123 .
وأخرجه : أبو داود ( 429 ) ، والطبراني في " الصغير " ( 759 ) .
وأخرجه : البيهقي في " شعب الإيمان " ( 2750 ) ، موقوفاً .
(4) في " سننه " ( 598 ) .
وأخرجه : المروزي في " تعظيم قدر الصلاة " ( 511 ) ، والطبراني في " الكبير " ( 3989 ) وفي " مسند الشاميين " ، له ( 732 ) ، والبيهقي في " شعب الإيمان " ( 2748 ) ، وإسناده ضعيف لانقطاعه كما نص عليه أبو حاتم .
● [ الصفحة التالية ] ●
من حديث أبي أيوبَ ، عن النَّبيِّ - صلى الله عليه وسلم - قال : ( الصلواتُ الخمس ، والجمعة إلى الجمعة ، وأداءُ الأمانة كفَّارةٌ لما بينهنَّ ) ، قيل : وما أداء الأمانة ؟ قالَ : ( الغسل من الجنابة ، فإنَّ تحتَ كُلِّ شعرة جنابة ) ، وحديث أبي الدرداء الذي قبلَه(1) جعل فيه الوضوءَ من أجزاءِ الصلاة .
وجاء في حديثٍ آخر خرَّجه البزار(2) من رواية شبابة بن سوار : حدثنا المُغيرة ابن مسلم ، عن الأعمش ، عن أبي صالح ، عن أبي هريرة مرفوعاً : ( الصلاةُ ثلاثةُ أثلاث : الطهور ثُلُثٌ ، والركوع ثُلُثٌ ، والسجودُ ثُلُثٌ ، فمن أدَّاها بحقِّها ، قُبِلَتْ منه ، وقُبِلَ منه سائرُ عمله ، ومن رُدَّتْ عليه صلاتُه ، رُدَّ عليه سائر عمله ) وقال : تفرَّد به المغيرةُ ، والمحفوظُ عن أبي صالح ، عن كعب من قوله .
فعلى هذا التقسيم الوضوءُ ثُلُثُ الصلاة ، إلا أنْ يجعل الركوع والسجود كالشيء الواحد ، لتقاربهما في الصورة ، فيكونُ الوضوءُ نصفَ الصلاة أيضاً .
ويحتمل أنْ يُقال : إنَّ خصالَ الإيمان من الأعمال والأقوال كُلّها تُطَهِّرُ القلبَ وتُزكيه ، وأما الطهارةُ بالماء ، فهي تختصُّ بتطهير الجسدِ وتنظيفه ، فصارت خصالُ الإيمان قسمين : أحدُهما يُطهِّرُ الظاهر ، والآخر يُطهِّرُ الباطن ، فهما نصفان بهذا الاعتبار ، والله أعلم بمراده ومراد رسوله في ذلك كُلِّه .
__________
(1) عبارة : ( الذي قبله ) سقطت من ( ص ) .
(2) كما في " كشف الأستار " ( 349 ) .
وأخرجه : الصيداوي في " معجم الشيوخ " : 323 ، وهذا الحديث أعله البزار بالوقف فقال : ( لا نعلمه مرفوعاً إلاَّ عن المغيرة ، ولم يتابع عليه ، وإنَّما نحفظه عن أبي صالح عن كعب قوله ) .
● [ الصفحة التالية ] ●
وقوله - صلى الله عليه وسلم - : ( والحمدُ لله تملأ الميزانَ ، وسبحان اللهِ والحمد لله تملآن أو تملأُ ما بَيْنَ السماوات والأرض ) فهذا شكٌّ مِن الراوي في لفظه ، وفي رواية النَّسائي وابن ماجه : ( والتسبيح والتكبير مِلءُ السماء والأرض ) . وفي حديث الرجل من بني سُليم : ( التسبيحُ نصفُ الميزانِ ، والحمد لله تملؤُه ، والتكبيرُ يملأ ما بَيْنَ السماء والأرض )(1) .
وخرَّج الترمذي(2) من حديث الإفريقي ، عن عبد الله بن يزيد ، عن عبد الله ابن عمرٍو ، عن النَّبيِّ - صلى الله عليه وسلم - ، قال : ( التسبيحُ نصفُ الميزان ، والحمدُ لله تملؤه ، ولا إله إلاَّ الله ليس لها دونَ اللهِ حجابٌ حتَّى تصلَ إليه ) ، وقال : ليس إسناده بالقوي(3) .
قلت : اختلف في إسناده على الإفريقي ، فروي عنه ، عن أبي علقمة ، عن أبي هريرة ، عن النَّبيِّ - صلى الله عليه وسلم - ، وفيه زيادة : ( والله أكبر ملء السماوات والأرض )(4) .
روى جعفر الفريابي في كتاب " الذكر " وغيره من حديث عليٍّ ، عن النَّبيِّ - صلى الله عليه وسلم - قال : ( الحمد لله ملء الميزان ، وسبحان الله نصف الميزان ، ولا إله إلا الله والله أكبر ملء السماوات والأرض وما بينهن ) .
وخرَّج الفريابي أيضاً من حديث معاذ بن جبل ، عن النَّبيِّ - صلى الله عليه وسلم - قال : ( كلمتان إحداهما مَنْ قالها لم يكن لها ناهية دونَ العرش ، والأخرى تملأ ما بين السماء والأرض : لا إله إلا الله والله أكبر )(5) .
__________
(1) سبق تخريجه .
(2) في " جامعه " ( 3518 ) .
(3) فيه عبد الرحمان بن زياد بن أنعم الإفريقي ضعيف ، انظر : الجرح والتعديل 5/290
( 1111 ) .
(4) أخرجه : إسحاق بن راهويه ( 340 ) ، وإسناده ضعيف لضعف ابن لهيعة .
(5) أخرجه : الطبراني في " الكبير " 20/ ( 334 ) .
● [ الصفحة التالية ] ●
فقد تضمنت هذه الأحاديثُ فضلَ هذه الكلمات الأربع التي هي أفضلُ الكلام ، وهي : سبحانَ الله ، والحمدُ لله ، ولا إله إلا الله ، والله أكبر .
فأما الحمدُ لله ، فاتفقت الأحاديثُ كلُّها على أنَّه يملأ الميزانَ ، وقد قيل : إنَّه ضربُ مثل ، وأنَّ المعنى : لو كان الحمدُ جسماً لملأ الميزان ، وقيل : بل الله - عز وجل - يُمثِّلُ أعمالَ بني آدم وأقوالهم صُوَراً تُرى يومَ القيامة وتوزَنُ ، كما قال النَّبيُّ - صلى الله عليه وسلم - : ( يأتي القرآنُ يومَ القيامة تقْدُمُه البقرةُ وآلُ عمران كأنَّهما غمامتان أو غَيَايتانِ(1) أو فِرقان(2) من طيرٍ صَوَّاف )(3) .
وقال : ( كلمتانِ حبيبتان إلى الرحمان ، ثقيلتان في الميزان ، خفيفتان على اللسان : سبحان الله وبحمده ، سبحانَ الله العظيمِ )(4) .
__________
(1) كل شيء أظل الإنسان فوق رأسه كالسحابة وغيرها . انظر : النهاية 3/403 .
(2) أي : قطعتان . انظر : النهاية 3/440 .
(3) أخرجه : أحمد 4/183 ، والبخاري في " التاريخ الكبير " 8/39 ( 2512 ) ، ومسلم 2/197 ( 805 ) ( 253 ) ، والترمذي ( 2883 ) ، والطبراني في " مسند الشاميين " ( 1418 ) ، وأبو نعيم في " المسند المستخرج " ( 1826 ) ، والبيهقي في " شعب الإيمان "
( 2373 ) من حديث النواس بن سمعان ، به .
(4) أخرجه : ابن أبي شيبة ( 29413 ) و( 35026 ) ، وأحمد 2/232 ، والبخاري 8/107
( 6406 ) و8/173( 6682 ) و9/198 ( 7563 )، ومسلم 8/70 ( 2694 ) ( 31 ) ، وابن ماجه ( 3806 ) ، والترمذي ( 3467 ) ، والنسائي في " عمل اليوم والليلة " ( 830 ) . من طرق عن ابن فضيل ، عن عمارة بن قعقاع ، عن أبي هريرة ، به .
● [ الصفحة التالية ] ●
وقال : ( أثقلُ ما يُوضَع في الميزانِ الخُلُق الحسنُ )(1) ، وكذلك المؤمن يأتيه عملُه الصالحُ في قبره في أحسنِ صُورَةٍ ، والكافرُ يأتيه عملُه في أقبح صورةٍ ، ورُوي أنَّ الصلاة والزكاة والصيام وأعمال البرِّ(2) تكونُ حَوْل الميت في قبره تُدافعُ عنه ، وأنَّ القرآن يصعَد فيشفعُ له(3) .
__________
(1) أخرجه : معمر في " جامعه " ( 20157 ) ، والطيالسي ( 978 ) ، والحميدي ( 393 ) و( 394 ) ، وأحمد 6/442 و446 و448 و451 ، وعبد بن حميد ( 204 ) و( 214 ) والبخاري في " الأدب المفرد " ( 270 ) و( 464 ) ، وأبو داود ( 4799 ) ، والترمذي ( 2002 ) و( 2003 ) من حديث أبي الدرداء ، وقال الترمذي : ( حسن صحيح ) .
(2) في ( ص ) : ( والزكاة والأعمال ) .
(3) أخرجه : عبد الرزاق ( 6703 ) ، وابن أبي شيبة ( 12062 ) ، وهناد بن السري في " الزهد " ( 338 ) ، والطبري في " تفسيره " ( 15709 ) ، وابن حبان ( 3113 ) ، والطبراني في " الأوسط " ( 2651 ) ، والحاكم 1/379 – 380 و380 – 381 ، والبيهقي في " الاعتقاد " : 220 – 221 وفي " إثبات عذاب القبر " ، له ( 67 ) ، من حديث أبي هريرة ، به .
● [ الصفحة التالية ] ●
وأما سبحان الله ، ففي رواية مسلم : ( سبحان الله والحمد لله تملأ - أو تملآن - ما بَينَ السماء والأرض )(1) ، فشكَّ الراوي في الذي يملأ ما بين السماءِ والأرض : هل هو الكلمتان أو إحداهما ؟ وفي رواية النَّسائي وابنِ ماجه : ( التسبيحُ والتَّكبيرُ ملءُ السَّماءِ والأرض ) ، وهذه الروايةُ أشبه ، وهل المرادُ أنَّهما معاً يملآن ما بينَ السماء والأرض ، أو أنَّ كلاً منهما يملأُ ذلك ؟ هذا محتمل(2) . وفي حديث أبي هريرة والرجلِ الآخر أنَّ التكبير وحدَه يملأُ ما بينَ السَّماءِ والأرض .
__________
(1) قال النووي : ( وأما معناه فيحتمل أن يقال لقدر ثوابهما جسماً لملأ ما بين السماوات والأرض وسبب عظم فضلهما ما اشتملتا عليه من التنزيه لله تعالى ، بقوله : ( سبحان الله ) والتفويض والافتقار إلى الله بقوله : ( الحمد لله ) ، والله أعلم ) . شرح النووي لصحيح مسلم 2/87 .
(2) قال السندي : ( بالإفراد ، أي : كل منهما أو مجموعهما ، وفي بعض النُّسخ يملأن بالتثنية ، والظاهر أنَّ هذا يكون عند الوزن ) . حاشية السندي في سنن النسائي 5/6 .
● [ الصفحة التالية ] ●
وبكلِّ حال فالتسبيح دونَ التحميد في الفضل كما جاء صريحاً في حديث عليٍّ وأبي هريرة ، وعبد الله بن عمرو ، والرجل من بني سُليمٍ : أنّ التسبيح نصفُ الميزان، والحمد لله تملؤه ، وسببُ ذلك أنَّ التحميدَ إثباتُ المحامد كلِّها لله ، فدخل في ذلك إثباتُ صفاتِ الكمال ونعوتِ الجلال كلِّها ، والتسبيحُ هو تنزيه اللهِ عن النقائص والعيوب والآفات(1) ، والإثباتُ أكملُ من السلب ، ولهذا لم يرد التسبيحُ مجرَّداً ، لكن مقروناً بما يدلُّ على إثبات الكمال ، فتارةً يُقرَنُ بالحمد ، كقولِ : سبحان الله وبحمده ، وسبحان الله والحمد لله ، وتارة باسمٍ من الأسماء الدَّالَّةِ على العظمة والجلال ، كقوله : سبحان الله العظيم ، فإنْ كان حديثُ أبي مالكٍ يدلُّ على أنَّ الذي يملأُ ما بَيْنَ السَّماء والأرض هو مجموعُ التسبيح والتكبير ، فالأمرُ ظاهر ، وإنْ كان المراد أنَّ كلاً منهما يملأُ ذلك ، فإنَّ الميزان أوسعُ مما بينَ السَّماء والأرض ، فما يملأ الميزانَ هو أكبر ممَّا يملأ ما بينَ السَّماء والأرض ، ويدلُّ عليه أنَّه صحَّ عن سلمانَ - رضي الله عنه - أنَّه قال : يُوضعُ الميزانُ يوم القيامة ، فلو وُزِنَ فيه السماواتُ والأرضُ لوسعت ، فتقولُ الملائكة : يا ربِّ لمن تزن هذا ؟ فيقول الله تعالى : لمن شئتُ من خلقي ، فتقول الملائكة : سبحانك ما عبدناك حقّ عبادتك . وخرَّجه الحاكم مرفوعاً وصححه(2) ، ولكن الموقوف(3) هو المشهور .
وأمَّا التكبيرُ ، ففي حديث أبي هريرة والرجل من بني سُليمٍ : أنَّه وحده يملأ ما بين السماوات والأرض ، وفي حديث عليٍّ أنَّ التكبير مع التهليل يملأ السماوات والأرض وما بينهن .
__________
(1) قال السندي : ( التسبيح هو التنزيه عن جميع ما لا يليق بجنابه الأقدس ) . حاشية السندي 3/78 .
(2) في " المستدرك " 4/586 .
(3) أخرجه : عبد الله بن المبارك في " الزهد " ( 1357 ) .
● [ الصفحة التالية ] ●
وأما التهليلُ وحده ، فإنَّه يصلُ إلى اللهِ من غيرِ حجابٍ بينه وبينه . وخرَّج التِّرمذي(1) من حديث أبي هريرة ، عنِ النَّبيِّ - صلى الله عليه وسلم -، قال : ( ما قالَ عبدٌ لا إله إلا الله مخلصاً ، إلاَّ فُتِحَتْ له أبوابُ السَّماء ، حتَّى تُفضيَ إلى العرش ما اجتُنِبَتِ الكبائر ) .
وقال أبو أمامة : ما من عبدٍ يُهلِّل تهليلةً ، فيُنهْنِهُها (2) شيءٌ دونَ العرشِ ، وورد أنَّه لا يعدِلُها شيء في الميزان في حديث البطاقة المشهور ، وقد خرَّجه أحمد(3) والترمذي(4) والنَّسائي ، وفي آخره عندَ الإمامِ أحمد : ( ولا يثقل شيءٌ بسم الله الرحمن الرحيم ) . وفي " المسند "(5) عن عبد الله بن عمرو ، عن النَّبيِّ - صلى الله عليه وسلم - أنَّه قال : ( إنَّ نوحاً - عليه السلام - لمَّا حضرته الوفاةُ ، قال لابنه : آمرك بـ ( لا إله إلا الله ) ، فإنَّ السماوات السبعَ والأرضين السبع لو وضعت في كفةٍ ، ووضعت لا إله إلا الله في كفَّةٍ ، رجحت بهنَّ لا إله إلا الله ) .
__________
(1) في " جامعه " ( 3590 ) .
وأخرجه : النسائي في " الكبرى " ( 10669 ) وفي " عمل اليوم والليلة " ، له ( 833 ) ، وقال الترمذي : ( حسن غريب ) .
(2) أي : منعها وكفها عن الوصول إليه . لسان العرب 14/312 ( نهنه ) .
(3) في " مسنده " 2/213 و221 .
(4) في " جامعه " ( 2639 ) .
وأخرجه : عبد الله بن المبارك في " زوائده على الزهد " ( 371 ) ، وعبد بن حميد ( 339 ) وابن ماجه ( 4300 ) ، وابن حبان ( 225 ) ، وأبو القاسم الكناني في "جزء بطاقة" ( 2 ) ، والطبراني في " الأوسط " ( 4725 ) ، والحاكم 1/6 و529 ، والبيهقي في " شعب الإيمان " ( 283 ) ، والبغوي ( 4321 ) من حديث عبد الله بن عمرو ، وقال الترمذي : ( حسن غريب ) .
(5) مسند الإمام أحمد 2/169 و225 .
وأخرجه : البخاري في " الأدب المفرد " ( 548 ) ، وهو حديث صحيح .
● [ الصفحة التالية ] ●
وفيه أيضاً عن عبد الله بن عمرو ، عن النَّبيِّ - صلى الله عليه وسلم - ، قال : ( إنَّ موسى - عليه السلام - قال: يا ربِّ علمني شيئاً أذكُرُكَ به وأدعوك به ، قال : يا موسى ، قل : لا إله إلا الله ، قال : كلُّ عبادِكَ يقولُ هذا ، إنَّما أُريدُ شيئاً تخصُّني به ، قال : يا موسى ، لو أنَّ السماوات السبعَ وعامرهن غيري ، والأرضين السبع في كفَّة ولا إله إلا الله في كفَّةٍ مالت بِهِنَّ لا إله إلا الله )(1) .
وقد اختلف في أيِّ الكلمتين أفضلُ ؟ أكلمةُ الحمدِ أم كلمةُ التَّهليلِ ؟ وقد حكى هذا الاختلافَ ابنُ عبد البرِّ(2) وغيره . وقال النَّخعي : كانوا يرون أنَّ
الحمدَ أكثرُ الكلام تضعيفاً(3) ، وقال الثوري : ليس يُضاعف من الكلام مثل الحمد لله(4) .
والحمدُ يتضمَّنُ إثباتَ جميع أنواع الكمال لله ، فيدخل فيه التوحيد . وفي " مسند الإمام أحمد " (5)
__________
(1) لم أقف على رواية عبد الله بن عمرو ، وما وجدته في المصادر يروى عن أبي سعيد الخدري .
أخرجه : النسائي في" الكبرى " ( 10670 ) و( 10980 ) وفي " عمل اليوم والليلة " ، له ( 834 ) و( 1141 ) ، وأبو يعلى ( 393 ) ، وابن حبان ( 6218 ) ، والطبراني في " الدعاء " ( 1480 ) ، والحاكم 1/528 ، والبيهقي في " الأسماء والصفات " : 128 ، وهو حديث ضعيف ؛ فإنَّه من رواية دراج ، عن أبي الهيثم ، وهي سلسلة ضعيفة .
(2) في " التمهيد " 6/42 – 44 .
(3) أخرجه : البيهقي في " شعب الإيمان " ( 4393 ) .
(4) ذكره أبو نعيم في " حلية الأولياء " 7/16 .
(5) المسند 2/302 و310 و3/35 و38 .
وأخرجه : ابن أبي شيبة ( 29827 ) ، والبزار كما في " كشف الأستار " ( 3074 ) ، والنسائي في " الكبرى " ( 10676 ) وفي " عمل اليوم والليلة " ، له ( 840 ) ، والحاكم 1/512 ، وابن عبد البر في " التمهيد " 6/47 .
● [ الصفحة التالية ] ●
عن أبي سعيد وأبي هريرة ، عن النَّبيِّ - صلى الله عليه وسلم - ، قال : ( إنَّ الله اصطفى من الكلام أربعاً : سبحان الله ، والحمدُ لله ، ولا إله إلا الله ، والله أكبر ، فمن قال : سبحان الله ، كُتِبَتْ له عشرون حسنة ، أو حُطَّتْ عنه عشرون سيئة ، ومن قال : الله أكبر مثل ذلك ، ومن قال : لا إله إلا الله مثل ذلك ، ومن قال : الحمدُ للهِ ربِّ العالمين من قبل نفسه ، كتبت له ثلاثونَ حسنة ، أو حطَّتْ عنه ثلاثون سيئة ) . وقد روي هذا عن كعبٍ من قوله(1)، وقيل : إنَّه أصحُّ من المرفوع.
وقولُه - صلى الله عليه وسلم - : ( والصلاةُ نورٌ ، والصدقةُ برهانٌ ، والصبرُ ضياءٌ ) ، وفي بعض نسخ " صحيح مسلم " : ( والصيام ضياءٌ ) ، فهذه الأنواع الثلاثةُ من الأعمال أنوارٌ كلُّها ، لكن منها ما يختصُّ بنوعٍ من أنواع النُّور ، فالصَّلاةُ نورٌ مطلق ، ويُروى بإسنادين فيهما نظر عن أنسٍ ، عِنِ النَّبيِّ - صلى الله عليه وسلم - ، قال : ( الصلاةُ نورُ المؤمنِ )(2)
__________
(1) أخرجه : المروزي في " تعظيم قدر الصلاة " ( 326 ) ، والنسائي في " الكبرى " ( 10679) وفي " عمل اليوم والليلة " ، له ( 843 ) ، والبيهقي في " شعب الإيمان " ( 3740 ) .
(2) أخرجه : المروزي في " تعظيم قدر الصلاة " ( 176 ) ، وأبو يعلى ( 3655 ) ، والقضاعي في " مسند الشهاب " ( 144 ) .
وفيه عيسى بن ميسرة قال عنه ابن حجر : ( متروك ) . انظر : التقريب ( 5317 ) ، وكذلك فيه أبو خالد الأحمر ، قال عنه ابن حجر : ( صدوق يخطئ ) . انظر : التقريب ( 2547 ) .
● [ الصفحة التالية ] ●
، فهي للمؤمنين في الدُّنيا نورٌ في قلوبهم وبصائرهم ، تُشرِق بها قلوبُهم ، وتستنير بصائرُهم ولهذا كانت قرَّة عين المتقين ، كما كان النَّبيُّ - صلى الله عليه وسلم - يقول : ( جعلت قُرَّةُ عيني في الصلاة ) خرّجه أحمد(1) والنَّسائي(2).
وفي روايةٍ : ( الجائع يشبع ، والظمآنُ يروى ، وأنا لا أشبع من حُبِّ الصلاة )(3) . وفي " المسند " (4) عن ابن عباسٍ ، قال : قال جبريلُ للنَّبيِّ - صلى الله عليه وسلم - : إنَّ الله قد حبَّبَ إليكَ الصَّلاةَ ، فخُذْ منها ما شئتَ . وخرَّج أبو داود(5)
__________
(1) في " مسنده " 3/128 و199 و285 .
(2) في " المجتبى " 7/61 وفي " الكبرى " ، له ( 8887 ) و( 8888 ) .
وأخرجه : ابن سعد في " الطبقات " 1/304 ،والعقيلي في " الضعفاء " 2/160 ، وابن أبي عاصم في " الزهد " ( 235 ) ، والمروزي في " تعظيم قدر الصلاة " ( 322 ) و(323 ) ، وأبو يعلى ( 3482 ) و( 3530 ) ، والطبراني في" الأوسط " ( 5772 ) وفي " الصغير " ، له ( 728 ) ، وابن عدي في " الكامل " 4/313 ، وأبو الشيخ في " أخلاق النبي " : 98 و229 ، والبيهقي 7/78 ، والخطيب في " تاريخه " 12/371 ، والضياء المقدسي في " المختارة " 4/367 ( 1533 ) و4/428 ( 1680 ) و 5/112 ( 1736 ) و5/113 ( 1737 ) . من حديث أنس بن مالك ، وهو حديث حسن .
(3) لم أقف عليه في مظانه ، وذكره الديلمي في " مسند الفردوس " 2/119 ( 2622 ) .
(4) مسند الإمام أحمد 1/245 و255 و269 .
وأخرجه : عبد بن حميد ( 666 ) ، والطبراني في" الكبير " ( 12929 ) ، وإسناده ضعيف لضعف علي بن زيد بن جدعان ويوسف بن مهران .
(5) في " سننه " ( 4985 ) و( 4986 ) .
وأخرجه : أحمد 5/364 ، والطبراني في " الكبير " ( 6214 ) ، والخطيب في " تاريخه " 10/444 – 445 ، وطبعة دار الغرب 12/204 ، وقد حصل فيه اختلاف شديد فصله الخطيب ، والدارقطني في " العلل " 4/120 –122 س ( 461 ) .
● [ الصفحة التالية ] ●
من حديث رجلٍ من خزاعةَ : أنَّ النَّبيَّ - صلى الله عليه وسلم - قال : ( يا بلالُ ، أقمِ الصَّلاةَ وأرِحْنا بها ) .
قال مالك بن دينار : قرأتُ في التوراة : يا ابن آدم ، لا تَعْجزْ أنْ تقومَ بين يديَّ في صلاتِك باكياً ، فأنا الذي اقتربتُ بقلبك وبالغيب رأيت نوري ، يعني : ما يفتح للمصلي في الصلاة من الرِّقة والبكاء(1) .
وخرَّج الطبراني(2) من حديث عُبادة بنِ الصامت مرفوعاً : ( إذا حافظ العَبْدُ على صلاته ، فأقام وضوءها ، وركوعها ، وسجودها ، والقراءة فيها ، قالت له : حَفِظكَ الله كما حَفِظتني ، وصُعِدَ بها إلى السَّماء ، ولها نورٌ حتَّى تنتهي إلى الله - عز وجل -، فتشفع لصاحبها ) .
وهي نورٌ للمؤمنين في قبورهم ، ولاسيَّما صلاة الليل ، كما قال أبو الدرداء : ( صلُّوا ركعتين في ظُلَم اللَّيلِ لِظلمة القبور ) (3) .
وكانت رابعةُ قد فَتَرَتْ عن وِرْدها باللَّيلِ مُدَّةً ، فأتاها آتٍ في منامها
فأنشدها :
صلاتُك نورٌ والعبادُ رُقُودُ . ونومُكِ ضِدٌّ للصَّلاةِ عنيدُ
وهي في الآخرة نورٌ للمؤمنين في ظلمات القيامة ، وعلى الصراط ، فإنَّ الأنوارَ تُقسم لهم على حسب أعمالهم . وفي " المسند " و" صحيح ابن حبان " عن عبد الله بن عمرو ، عن النَّبيِّ - صلى الله عليه وسلم - : أنَّه ذكر الصلاة ، فقال : ( من حافظ عليها كانت له نوراً وبُرهاناً ونجاةً يَوْمَ القيامة ، ومَنْ لم يُحافِظْ عليها لم يكن له نور ولا نجاة ولا بُرهانٌ )(4) .
وخرَّج الطبراني(5)
__________
(1) أخرجه : أبو نعيم في " حلية الأولياء " 2/359 .
(2) في " مسند الشاميين " ( 427 ) .
وأخرجه : الطيالسي ( 585 ) ، والبزار في " مسنده " ( 2691 ) و( 2708 ) ، والبيهقي في " شعب الإيمان " ( 3140 ) ، وطبعة الرشد ( 2871 ) ، وهو حديث ضعيف .
(3) انظر : أخبار مكة للفاكهي 3/134 .
(4) سبق تخريجه .
(5) في " الأوسط " ( 6641 ) و( 6656 ) .
وفيه بقية بن الوليد وقد عنعنه ، قال عنه ابن عيينة : ( لا تسمعوا من بقية ما كان في السنة ، واسمعوا منه ما كان في الثواب وغيره ) ، وسئل عنه ابن معين فقال : ( إذا حدَّث عن الثقات مثل صفوان ابن عمرو وغيرهم فأما إذا حدث عن أولئك المجهولين فلا . وإذا كنى ولم يسم اسم الرجل فليس يساوي شيء ) . وقال عنه الهيثمي : ( مدلس ) ، وقال عنه ابن حجر: ( صدوق كثير التدليس عن الضعفاء ) .
انظر : الجرح والتعديل 2/359 ( 1728 ) ، ومجمع الزوائد 2/39 ، والتقريب ( 734 ) .
● [ الصفحة التالية ] ●
بإسنادٍ فيه نظرٌ من حديث ابن عباس وأبي هريرة ، عن النَّبيِّ - صلى الله عليه وسلم -: ( من صلَّى الصلوات الخمسَ في جماعة ، جاز على الصِّراط كالبرقِ اللاَّمع في أوَّلِ زُمرةٍ من السابقين ، وجاء يومَ القيامة ووجهُه كالقمر ليلَةَ البدرِ ) .
وأمَّا الصدقة ، فهي برهان ، والبرهان : هو الشُّعاعُ الذي يلي وجهَ الشَّمس ، ومنه حديثُ أبي موسى : أنَّ روحَ المؤمن تخرُج مِنْ جسده لها برهان كبرهانِ الشَّمس(1) ، ومنه سُمِّيَت الحُجَّةُ القاطعةُ برهاناً ؛ لوضوح دلالتها على ما دلَّت عليه ، فكذلك الصدقة برهان على صحة الإيمان ، وطيب النفس بها علامة على وجود حلاوة الإيمان وطعمه ، كما في حديث عبد الله بن معاوية الغاضِري ، عن النَّبيِّ - صلى الله عليه وسلم - : ( ثلاث من فعلهن فقد طَعِمَ طَعْمَ الإيمان : مَنْ عَبَدَ الله وحدَه ، وأنَّه لا إله إلا الله ، وأدَّى زكاةَ ماله طيِّبَةً بها نفسُه رافِدةً عليه في كُلِّ عامٍ ) ، وذكر الحديثَ ، خرَّجه أبو داود(2) .
وقد ذكرنا قريباً حديث أبي الدرداء فيمن أدى زكاة ماله طيبة بها نفسه ، قال : وكان يقول : لا يفعلُ ذلك إلا مؤمن(3) . وسبب هذا أنَّ المالَ تحبُّه النُّفوسُ ، وتبخَلُ به ، فإذا سمحت بإخراجه لله - عز وجل - دلَّ ذلك على صحَّة إيمانها بالله ووعده ووعيده ، ولهذا منعت العربُ الزكاة بعدَ النَّبيِّ - صلى الله عليه وسلم - ، وقاتلهم الصدِّيقُ - رضي الله عنه - على منعها ، والصلاةُ أيضاً برهانٌ على صحة الإسلام .
وقد خرَّج الإمامُ أحمد(4)
__________
(1) لم أقف عليه .
(2) في " سننه " ( 1582 ) .
وأخرجه : ابن أبي عاصم في " الآحاد والمثاني " ( 1062 ) ، والطبراني في " الصغير " ( 546 ) ، والبيهقي 4/109 وفي " شعب الإيمان " ، له ( 3297 ) ، وهو حديث صحيح .
(3) سبق تخريجه .
(4) في " مسنده " 3/321 و399 .
وأخرجه : معمر في " جامعه " ( 20719 ) ، وعبد بن حميد ( 1138 ) ، والبزار كما في " كشف الأستار " ( 1609 ) ، وأبو يعلى ( 1999 ) ، وابن حبان ( 1723 ) و( 4514 ) ، والطبراني في " الكبير " 19/( 212 ) و( 298 ) ، وفي " الأوسط " ( 2751 ) ، والحاكم في " المستدرك " 4/480 ، والبيهقي في " شعب الإيمان " ( 5761 ) .
تنبيه : لفظ رواية أبي يعلى : ( الصلاة قربان ) .
● [ الصفحة التالية ] ●
والترمذي(1) من حديث كعب بن عُجره ، عن النَّبيِّ - صلى الله عليه وسلم - قال : ( الصلاة برهان ) .
وقد ذكرنا في شرح حديث : ( أُمرتُ أنْ أقاتلَ الناس حتَّى يشهدوا أنْ لا إله إلا الله وأنَّ محمَّداً رسول الله ، ويقيمُوا الصلاة ويؤتوا الزَّكاة )(2) أنَّ الصلاةَ هي الفارقةُ بين الكفرِ والإسلام ، وهي أيضاً أوَّل ما يُحاسَبُ به المرءُ يومَ القيامةِ ، فإنْ تمَّت صلاتُه ، فقد أفلح وأنجح ، وقد سبق حديث عبد الله بن عمرو فيمن حافظ عليها أنَّها تكونُ له نوراً وبرهاناً ونجاةً يوم القيامة(3) .
وأمَّا الصبرُ ، فإنَّه ضياء ، والضياءُ : هو النُّورُ الذي يحصلُ فيه نوعُ حرارةٍ وإحراقٍ كضياء الشمس بخلاف القمر ، فإنَّه نورٌ محضٌ ، فيه إشراقٌ بغير إحراقٍ ، قال الله - عز وجل - : { هُوَ الَّذِي جَعَلَ الشَّمْسَ ضِيَاءً وَالْقَمَرَ نُوراً } (4)ومِن هُنا وصف الله شريعةَ موسى بأنَّها ضياءٌ ، كما قال : { وَلَقَدْ آتَيْنَا مُوسَى وَهَارُونَ الْفُرْقَانَ وَضِيَاءً وَذِكْراً لِلْمُتَّقِينَ } (5)وإنْ كان قد ذكر أنَّ في التوراة نوراً كما قال : { إِنَّا أَنْزَلْنَا التَّوْرَاةَ فِيهَا هُدىً وَنُورٌ } (6)، ولكن الغالب على شريعتهم الضياءُ لما فيها مِنَ الآصار والأغلال والأثقال .
__________
(1) في " جامعه " ( 614 ) ، وقال الترمذي : ( حسن غريب ) .
(2) سبق تخريجه .
(3) سبق تخريجه .
(4) يونس : 5 .
(5) الأنبياء : 48 .
(6) المائدة : 44 .
● [ الصفحة التالية ] ●
ووصف شريعةَ محمَّدٍ - صلى الله عليه وسلم - بأنَّها نورٌ لما فيها من الحَنيفيَّةِ السمحة ، قال تعالى : { قَدْ جَاءكُمْ مِنَ اللهِ نُورٌ وَكِتَابٌ مُبِينٌ } (1) وقال : { الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الرَّسُولَ النَّبِيَّ الأُمِّيَّ الَّذِي يَجِدُونَهُ مَكْتُوباً عِنْدَهُمْ فِي التَّوْرَاةِ وَالإنْجِيلِ يَأْمُرُهُمْ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَاهُمْ عَنِ الْمُنْكَرِ وَيُحِلُّ لَهُمُ الطَّيِّبَاتِ وَيُحَرِّمُ عَلَيْهِمُ الْخَبَائِثَ وَيَضَعُ عَنْهُمْ إِصْرَهُمْ وَالأَغْلالَ الَّتِي كَانَتْ عَلَيْهِمْ فَالَّذِينَ آمَنُوا بِهِ وَعَزَّرُوهُ وَنَصَرُوهُ وَاتَّبَعُوا النُّورَ الَّذِي أُنْزِلَ مَعَهُ أُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ } (2) .
ولما كان الصبر شاقَّاً على النفوس ، يحتاجُ إلى مجاهدةِ النفس وحبسِها ، وكفِّها عمَّا تهواهُ ، كان ضياءً ، فإنَّ معنى الصَّبر في اللغة : الحبسُ ، ومنه قَتْلُ الصبر : وهو أنْ يُحبَسَ الرَّجلُ حتى يقتل(3) .
__________
(1) المائدة : 15 .
(2) الأعراف : 157 .
(3) انظر : لسان العرب 7/276 ( صبر ) .