من طرف اسرة التحرير الجمعة ديسمبر 14, 2018 3:26 pm
بّسم الله الرّحمن الرّحيم مكتبة الثقافة الأدبية كشف الأسرار في حكم الطيور والأزهار إشارات الأطيار ● [ إشارة الدره ] ●
فبينما هو كلما نظر إلى ريشه نظرة، تذكر تلك الحضرة، فتجدد له الحسرة، وكلما نظر إلى ساقه نظرة صاح وصعد الزفرة، إذ رأيت إلى جانبه دره، قد كسيت ثيابا خضره، فصاحت بفصاحتها: أيها الطاووس، إلى كم هذا العبوس، والعيش المنكوس، أنت في الصورة عروس، وفي المعنى كظلمة الناووس، أوقعك الرأى المعكوس، حتى خرجت من منزلك المأنوس، وإنما أخرجت من مسكنك لجنايتك على الساكن، وتحريكك للأمر القاطن، فلو فكرت في السبب الذي أخرجت به، والشخص الذى طردت بسببه، لا شتغلت بإصلاح شأنك، عن التنزه في بستانك، ويجب عليك كما جنيت على آدم في تلك الدار، أن تشتغل ههنا بالاعتذار، وتشاركه في الاستغفار، وتعترف بعد الإنكار، وتزاحمه في خلوات الأذكار، لعلك أن تزور معه إذا زار، فإنه لا بد له أن يعود، وتعود إليه أيام السعود، فإن آدم أخرج إلى مزرعة الدنيا، وقيل له: ازرع اليوم ما هو في الغد محصود، فإذا انتهى زرعك، ونما فرعك، فعد إلى مقامك المحمود، على رغم الحسود. فمن عمل عملك فهو مسعود، وحذا حذوك فهو موعود بدار الخلود، ألا ترى كيف علت همتى، وسمت عزيمتى، فلم أرض لنفسى بما رضيته أبناء جنسي، لأني نظرت إلى الوجود، وما فيه موجود، فرأيت آدم وبنيه من الكل مقصود، خلق الله الكائنات لأجلهم، في كلامهم، وشاركتهم في طعامهم، فأتشبه بهم، وإن لم أكن منهم، وأخالطهم ولا أرغب عنهم، فغلت قيمتى إذ علت عزيمتى، فأحلوني محل النديم، وألف بيني وبينهم من له الحكم القديم، فاذكر كما يذكرون، وأشكر كما يشكرون، لعلهم عند اللقاء يذكرون، وإذا ذكرت يشكرون، فأكون في الدنيا من خدامهم، وفي الجنة تحت أقدامهم، وفي ذلك أقول: اخْتَبِرْ حَالِى تَجِدْنِى . مِنْ أصحِّ النَّاسِ مَجْبَرْ أَنَا قَدْ أَحُبَبْتُ قَوْماً . شُرِّفُوا مَعْنًى وَمَنْظَرْ كَبِّرُوا قَدْراً وَذِكراً . فهُمُ أزْكَى وَأَطْهَرْ هَكَذَا قَدْ قَالَ حَقًّا . سَيدُ الكونِ وَبَشَّرْ كُلُّ مَنْ يَهْوَى حَبِيباً . فَمَع المَحْبُوبِ يُحْشَرْ فلما سام نفسه بهذا السوم، ورأيته قد جلس بمزاحمته في صدور مجالس القوم، قلت: ما رأيت كاليوم، البهائم في اليقظة، وأنا في النوم، مالي لا أزاحم على أبواب ذوى المراحم، لعل يوهب مرحوم لراحم، ويقال: مرحبا بالقاجم، ها قد وهبنا الجناية للنادم.
كشف الأسرار في حكم الطيور والأزهار تأليف : عز الدين المقدسي منتدى همســــــات . البوابة