منتدى ميراث الرسول

هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.

    المقدمة وكتاب الطهارة

    avatar
    اسرة التحرير
    Admin


    عدد المساهمات : 3695
    تاريخ التسجيل : 23/01/2014

    المقدمة وكتاب الطهارة Empty المقدمة وكتاب الطهارة

    مُساهمة من طرف اسرة التحرير الثلاثاء أبريل 28, 2020 10:25 am

    المقدمة وكتاب الطهارة Fekyh_11

    بّسم اللّه الرّحمن الرّحيم
    مكتبة الفقه الإسلامي
    الكافي في فقه أهل المدينة
    الفقه المالكي . المجلد الأول
    المقدمة وكتاب الطهارة 1410
    ● [ خطبة الكتاب ] ●

    بسم الله الرحمن الرحيم ، وصلى الله على سيدنا ومولانا محمد وآله وصحبه وسلم تسليما كثيرا .
    قال " الشيخ " الفقيه الحافظ أبو عمر [يوسف] بن عبد الله بن محمد بن عبد البر النمري القرطبي.
    الحمد لله ولي كل نعمة وكاشف كل غمة الذي كتب على نفسه الرحمة [ وجعل الوسط هذه الأمة ] منّ علينا بالإيمان وصيرنا من أهله وهدانا للإسلام وعلمنا شرائعه وفضلنا بالقرآن [ وتعبدنا ] بأحكامه وجعلنا من أمة محمد نبيه ورسوله وخاتم أنبيائه وألهمنا اتباع سنته فله الحمد كثيرا كما هو أهله وأحمده شاكرا لما سلف من آلائه وملتمسا للمزيد من نعمائه وأستعينه على رعاية ما استودعنا من حقوق وأرغب إليه في العون على توفيقه " وصلى الله علي سيدنا محمد رسوله ".
    أما بعد : فإن بعض إخواننا من أهل الطلب و[ العناية ] والرغبة في الزيادة من التعلم سألني أن أجمع له كتابا مختصرا في الفقه يجمع المسائل التي هي أصول وأمهات لما يبنى عليها من الفروع والبينات في فوائد الأحكام ومعرفة الحلال والحرام يكون جامعا مهذبا وكافيا مقربا ومختصرا مبوبا يستذكر به عند الاشتغال " وما يدرك الإنسان من الملال " ، [ ويكفي ] عن المؤلفات الطوال ويقوم مقام المذاكرة عند عدم المدارسة فرأيت أن أجيبه إلى ذلك لما رجوت فيه من [ عون ] العالم المقتصر ونفع الطالب المسترشد التماسا لثواب الله عز وجل في تقريبه على من أراده واعتمدت فيه على [ علم ]أهل المدينة وسلكت فيه [ مسلك ] مذهب الإمام أبي عبد الله مالك بن أنس رحمه الله.
    لما صح له من جمع مذاهب أسلافه من أهل بلده مع حسن الاختيار وضبط الآثار فأتيت فيه بما لا يسع جهله لمن أحب أن يسم بالعلم نفسه و[ اقتطعه ] من كتب المالكيين ومذهب المدنيين واقتصرت على الأصح علما والأوثق نقلا فعولت منها على سبعة [ قوانين ] . دون ما سواها وهي الموطأ، والمدونة وكتاب ابن عبد الحكم والمبسوط لإسماعيل [ القاضي ] والحاوي لأبي الفرج، ومختصر أبي مصعب، وموطأ ابن وهب.
    " وفيه من كتاب ابن الموازي ومختصر الوقار ومن العتبة والواضحة بقية صالحة ".
    ● ● ● [ كتاب الطهارة ] ● ● ●
    باب ما يوجب الوضوء من الأحداث
    وما لا يوجبه منها

    باب ما يوجب الوضوء من الأحداث وما لا يوجبه منها على ما يميز إلى الصلاة
    الذي يوجب الوضوء عند أهل المدينة مالك وأصحابه أربعة أنواع:
    " أحدها ما خرج " من أحد المخرجين من ريح أو غائط أو بول أو مذي أو ودي " ما خلا " المني فإنه يوجب الغسل والحجة في ذلك قول الله عز وجل: {أو جاء أحد منكم من الغائط} وذلك كناية عن كل ما يخرج من الفرجين مما كان معتادا أو معروفا دون ما خرج منهما نادرا غبا مثل الدم والدود، والحصاة التي لا أذى عليها، وما كان مثل ذلك، لأن الإشارة بذلك عند مالك إلى ما عهد دائما مترددا دون مالم يعهد .
    والنوع الثاني: ما غلب على العقل من الإغماء والنوم الثقيل والسكر والصرع فإن كان النوم خفيفا لا يخامر العقل ولا يغمره فإن استثقل نوما فقد وجب عليه الوضوء ولا يكاد الجالس ولا المحتبي " يستثقلان ".
    والحجة [ في ذلك ] أن النوم يوجب الوضوء قول رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إذا قام أحدكم من نومه فلا يغمس يده في وضوئه" فدل على أن الوضوء على من انتبه من نومه وقال زيد بن أسلم في قول الله عز وجل: {يا أيها الذين آمنوا إذا قمتم إلى الصلاة} ، قال: يريد قمتم من المضاجع يعني النوم، وقال صفوان بن عسال: أمرنا رسول الله صلى الله عليه وسلم "أن لا ننزع خفافنا من غائط ولا بول ولا ننزعهما إلا من جنابة" فسوى بين البول والغائط والنوم في هذا الحديث
    والنوم كالحدث ولكنه لا يقوى قوة الحدث لأن الحدث قليله وكثيره وصغيره وكبيره سواء في نقض الطهارة وقليل النوم متجاوز عنه لا حكم له والدليل على الفرق بينهما قوله صلى الله عليه وسلم: "وكاء السه العينان فإذا نامت العينان استطلق الوكاء فمن نام فليتوضأ".
    فدلنا بقوله عليه السلام على أن النوم إذا استحكم ونامت [العينان] لم يؤمن الحدث في الأغلب والأغلب أصل في أمور الدين والدنيا والنادر لا يراعى ومن لم يستثقل نوما وإنما اعتراه النعاس سنة فقد أمن منه الحدث وأقل أحوال النائم المستثقل أن يدخله الشك في الوضوء فلا يجوز له أن يستفتح الصلاة بغير وضوء مستيقن وهذا على مذهب مالك وجمهور أصحابه ولذلك دليل آخر وهو قول أنس بن مالك "وكان أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم ينتظرونه في صلاة العشاء فينامون حتى تخفق رؤوسهم ولا يتوضئون " فهذا يدلك على أن النوم ليس كالحدث " ومن ارتد ثم راجع الإسلام لزمه الوضوء ، وقد قيل: أن الوضوء ههنا استحباب إن لم يكن منه حدث ".
    والنوع الثالث: " الملامسة ، وهي ما دون الجماع من دواعي الجماع فمن قبل امرأة لشهوة كانت من ذوات محارمه أو غيرهن وجب عليه الوضوء التذ أم لم يلتذ فإن كانت من ذوات محارمه فقبلها رحمة وبرا كالأم "والابنة والأخت فلا وضوء عليه إلا أن يقصد إلى ما لا ينبغي فيلتذ ويشتهي ومن قصد إلى لمس امرأة فلمسها بيده انتقض وضوؤه إذا التذ بلمسها من فوق الثوب الرقيق الخفيف أو من تحته وسواء مس منها عند مالك شعرها أو سائر جسدها إذا التذ بلمس ذلك منها وليس لمس المرأة للرجل وهو لا يريد ذلك بموجب عليه شيئا إلا أن يلتذ بذلك ويريده وهذا كله قول مالك وأكثر أصحابه ومن أهل المدينة من قال: ليس بملامس من لمس من فوق الثوب لأنه إنما لمس الثوب.
    والقائلون بهذا يقولون بإيجاب الوضوء على كل قاصد إلى ملامسة النساء التذ أو لم يلتذ إذا كان عامدا لذلك فباشر بيده، وفي الموطأ لابن مسعود وابن عمر وهو مذهب عمر إيجاب الوضوء من الملامسة والقبلة دون اشتراط لذة وهذا كله علم أهل المدينة وأما أهل العراق فإن الملامسة عندهم الجماع وذكر ابن وهب عن عائشة وسعيد بن المسيب وابن شهاب ويحيى بن سعيد وربيعة وابن هرمز وزيد بن أسلم ومالك والليث وعبد العزيز بن أبي سلمة إيجاب الوضوء من القبلة ولم يذكر عن واحد منهم اعتبار اللذة.
    والنوع الرابع: مس الرجل لذكره بباطن الكف قاصدا لذلك فإن فعل ذلك فاعل وجب عليه الوضوء "وكذلك إن مسه قاصدا من بالغ غيره" ولا شيء على من مس فرج البهيمة ولا فرج الصبي والصبية واختلف عن مالك فيمن مس [ فرجه ] ناسيا أو بظاهر كفه وهو مع ذلك يستحب منه الوضوء ، ومن أصحابه من يجعل مسه من باب الملامسة ويعتبر في ذلك اللذة ويوجب الوضوء منه وإعادة الصلاة في الوقت وبعده كالملامس المتقدم ذكره وكان مالك لا يوجب إعادة الصلاة منه إلا في الوقت. وروي عن ابن عمر أنه أعاد الصلاة منه بعد خروج الوقت وقال به جماعة من المدنيين من أصحاب مالك وغيرهم ، واختلف عن مالك في مس المرأة فرجها فروي عنه أنها في ذلك كالرجل على ما ذكرنا من اختلاف أحوال الرجل في ذلك وعليها الوضوء وهو الأشهر وروي عنه أنه خفف ذلك ولم يوجب منه وضوء إلا أن تلطف وفسر الألطاف بالالتذاذ وقال إسماعيل بن أبي أويس سألت مالك بن أنس عن المرأة إذا مست فرجها أعليها الوضوء قال [ مالك ]: إذا ألطفت وجب عليها الوضوء ، فقلت له: ما ألطفت ؟ قال: تدخل يدها بين الشفرين [ ويوجب الوضوء عند مالك الشك في الحدث وهو من باب الاستثقال بالنوم هذا إذا لم يكن الشك في ذلك كثيرا ويستنكحه وأكثر أهل المدينة وغيرهم لا يوجبون الوضوء بالشك ولا ] يرون الشك عملا وقد كان بعض شيوخ العراقيين من المالكيين يقولون أن الوضوء عند مالك على من أيقن بالوضوء وشك في الحدث استحبابا ولمالك في الموطأ من وجد في ثوبه احتلاما ولم يدر متى نزل ذلك به أنه لا يعيد الصلاة إلا من أحدث نومة نامها وهذا طرح منه لأعمال الشك على ما روي عن عمر رضي الله عنه وما سلس من البول والمذي أو الودي وجرى على غير العادة فلا وضوء في شيء منه [ويستحب] مالك لسلس البول والمذي الوضوء لكل صلاة [وغيره يجعل الوضوء في ذلك إيجابا لكل صلاة لا استحبابا ]وهو الأحوط عندي قياسا على الصلاة لأنه يصلي وبوله يقطر فكذلك يتوضأ وبوله يقطر ولا يكلف إلا ما يقدر فإن كان سلس مذيه لشهوة متصلة وطول عزبة وجب عليه الوضوء لكل صلاة عند مالك وغيره وواجب [ حينئذ ] عليه التسري أو النكاح إن قدر ومن كان مذيه لعلة فأمذى في خلال ذلك لشهوة فعليه الوضوء وكذلك إذا بال صاحب سلس البول بول العادة فعليه الوضوء وما خرج من غير المخرجين من سائر الجسد من الدماء وغيرها فلا وضوء في شيء منها والرعاف والقيء والقلس والفصد والحجامة وعصر الجراح وما أشبه ذلك كله لا وضوء في شيء منها ولا وضوء في كل ما مسته النار ولما أجمع العلماء على أن القهقهة لا تنقض الوضوء في غير الصلاة فكذلك لا تنقضه في الصلاة والحديث فيها لا يصح اهـ
    ● [ باب ما يوجب الغسل ] ●

    يوجب الغسل إنزال الماء الدافق من الرجل والمرأة في النوم واليقظة جامع أو لم يجامع وكذلك يوجبه إيلاج الحشفة ومغيب الختان في فرج مباح أو محظور [وسواء] انزل أو لم ينزل [ وفي المحظور مع الغسل العام وجوبه أحكام ستأتي في كتاب الحدود إن شاء الله ] ويوجب الغسل أيضا على النساء مع ما تقدم ذكره الطهر من الحيض والنفاس. ويجب الغسل على الكافر إذا أسلم إلا أن يكون إسلامه قبل احتلامه فإن كان ذلك فغسله حينئذ مستحب ولاحتلامه واجب ومتى ما أسلم بعد بلوغه لزمه أن ينوى بغسله الجنابة هذا [تحصيل] مذهب مالك و [قد] قال بعض المتأخرين من أصحابه: غسله مستحب لأن الإسلام يهدم ما قبله ويقطع ما سلف من معاني الكفر وهذا ليس بشيء لأن الوضوء يلزمه إذا قام إلى الصلاة بعد إسلامه وإن لم يحدث بعد فكذلك يلزمه الغسل [ إن كان قد ] أجنب ولو مرة [واحدة]، لأنه مخاطب بالغسل إذا قام إلى الصلاة كما هو مخاطب [بالوضوء سواء مع ما جاء عن النبي صلى الله عليه وسلم في أمر قيس بن عاصم حين أسلم بالغسل وأجاز ابن القاسم للكافر أن يغتسل قبل إظهار الشهادة] بلسانه إذا اعتقد الإسلام بقلبه وهو قول ضعيف في النظر مخالف للأثر وذلك أن أحدا لا يكون بالنية مسلما دون القول حتى بلفظ شهادة الإيمان وكلمة الإسلام ويكون قلبه مصدقا للساعة في ذلك فكما لا يكون مسلما حتى يشهد بشهادة الحق فكذلك لا يكون متطهرا ولا مصليا حتى ينطق بالشهادة وإنما تعتقده الأفئدة من الإسلام والإيمان ما تنطق به الألسنة والإيمان عندنا الإقرار باللسان والتصديق بالقلب وإنما بعث رسول الله يدعو الناس إلى أن يقولوا لا اله الله وقال عليه السلام: "من قال لا إله إلا الله صادقا من قبله دخل الجنة".
    وقال للسوداء: "أتشهدين أن لا إله الا الله وإني رسول الله" والآثار بهذا المعنى كثيرة جدا وهذا قول جماعة أهل السنة في الإيمان إنه قول باللسان وتصديق بالقلب ويزكو بالعمل قال الله عز وجل: {إِلَيْهِ يَصْعَدُ الْكَلِمُ الطَّيِّبُ وَالْعَمَلُ الصَّالِحُ يَرْفَعُهُ} فاطر وإذا حاضت المرأة الجنب لم تغتسل حتى تطهر من حيضتها ويجزئها غسل واحد لجنابتها وحيضتها وان نوت بغسلها [الحيض وحده] أجزأها، فهذا كله غسل يجب على الحي وغسل الميت واجب كدفنه والصلاة عليه ومن قام به من الأحياء سقط بذلك فرضه وأجزأ .
    وأما الغسل المستحب والمسنون فغسل الجمعة والعيدين والإحرام بالحج وكان عمر يغتسل لدخوله مكة ولوقوفه عشية عرفة وكثير من أصحاب مالك يستحبون ذلك ويروونه عنه وكان مالك أيضا يستحب الغسل من غسل الميت ثم سكت عنه لحديث أسماء بنت عميس في غسلها زوجها أبا بكر رضي الله عنه وسؤالها من حضرها من المهاجرين والأنصار وكانوا يومئذ متوافرين هل عليها من غسل ؟ قالوا: لا ، وإذا وطئ بالغ أو غير بالغ فالغسل على البالغ منهما ذكرا كان أو أنثى ولا غسل على غير البالغ وسيأتي ذكر حد البلوغ في أول كتاب الصيام إن شاء الله ومن أصحبنا من لا يرى على المرأة غسلا إذا وطئها صبي إلا أن تنزل وجعله كالإصبع تستدخله والصحيح ما ذكرت لك وقد أجمعوا على الغسل في الرجل يطأ الصغيرة إذا أولج فيها وان لم ينزل.
    ومن خرج منه المنى من غير لذة ولا شهوة فلا غسل عليه وعليه الوضوء إلا أن يكون سلسا فيكون حكمه ما تقدم [ذكره] [ومتى] اغتسل لالتقاء الختانين وصلى ثم خرج منه الماء الدافق فقد اختلف [في ذلك عن مالك وأصحابه فقيل: لا غسل عليه وإنما عليه الوضوء لا غير وهو تحصيل المذهب وقيل: عليه الغسل وهو الأحوط ولا إعادة عليه لما صلى ].
    ● [ باب حكم الماء ] ●
    وما ينجسه وما يفسده

    الماء نوعان: جار وراكد فالجاري إذا وقعت فيه نجاسة جرى بها فما بعدها منه طاهر ، والراكد على ضربين إذا كان طاهرا احدهما ماء يحل به التطهر للصلاة وتطهر به النجاسة وهو الطاهر المطهر ، والآخر ماء طاهر جائز شربه ولا يجوز التطهر به للصلاة ولا يغسل به نجاسة فهو طاهر غير مطهر ، فأما الطاهر المطهر الذى يجوز به الوضوء وتغسل به النجاسات فهو الماء القراح الصافي [مثل] ماء السماء والأنهار والبحار والعيون والآبار وما عرفه الناس [ماء] مطلقا غير مضاف إلى شيء خالطه كما خلقه الله عز وجل صافيا ولا يضره لون أرضه وأما الماء الطاهر الذي لا يتطهر به فهو ماء أضيف شيء من الأشياء الطاهرة تخالطه أو باستخراج حتى غير ذلك الشيء اسمه ولونه وطعمه وريحه مثل ماء بل فيه خبز أو نقع فيه تين أو زيت أو تمر أو جلد او مسه زعفران أو زيت أو ماء ورد أو عصارة شيء أو غير ذلك مما غير منه طعما أو لونا أو رائحة وغلب عليه فإذا كان شيء من ذلك فقد حرم الوضوء بذلك الماء والتطهر به وصار في حكم [المرق] لا في حكم الماء وأما شربه فحلال وما خالط الماء عندهم مما سواه فغلب عليه صار الحكم له لا للماء فإن غلب الماء كان الحكم للماء لا له فإن وقع في الماء شيء من النجاسة فغير لونه أو طعمه أو ريحه فهو حرام لا يحل شربه ولا قربه ولا استعماله في شيء يحتاج إلى طهارة وهذا مما لا خلاف فيه بين العلماء فإن سقطت في الماء نجاسة أو مات فيه حيوان فلم يغير لونه ولا طعمه ولا ريحه فهو طاهر مطهر وسواء كان الماء قليلا أو كثيرا عند المدنيين واستحب بعضهم أن ينزح من ذلك الماء إن كان في بئر أو نحوها دلاء لتطيب النفس عليه ولا يحدون في الدلاء حدا لا يتعدى ويكرهون استعمال ذلك الماء قبل نزح الدلاء فإن استعمله أحد في غسل أو وضوء جاز إذا كان حاله ما وصفنا وقد كان بعض أصحاب مالك يرى لمن توضأ بهذا الماء وان لم يتغير أن يتيمم فيجمع بين الطهارتين احتياطا فان لم يفعل وصلى بذلك الوضوء أجزأه فهذا كله يدلك على أن أقوالهم في ذلك خرجت على الاستحباب لا على التحريم والإيجاب.
    وذهب المصريون من أصحاب مالك إلى أن الماء القليل يفسد بقليل النجاسة والماء الكثير لا يفسده إلا ما غير لونه أو طعمه او ريحه ولم يحدوا في ذلك حدا يجعلونه فرقا بين القليل والكثير ولم يوجبوا الإعادة على من توضأ بما حلت فيه نجاسة ولم تغيره إن كان [يسيرا إلا في الوقت خاصة] فدل أيضا على أن ذلك منهم استحباب وذهب إسماعيل بن اسحاق [ القاضي ] [ ومن تبعه من المالكيين البغداديين إلى القول الأول لعموم قول الله عز وجل: {وَأَنْزَلْنَا مِنَ السَّمَاءِ مَاءً طَهُوراً} .
    ويكون بمعنى ما طهر غيره مثل الضروب والقئول وشبهه وقال عز وجل: {وَيُنَزِّلُ عَلَيْكُمْ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً لِيُطَهِّرَكُمْ بِهِ} ، ولم يفرق مالك وأصحابه بين الماء تقع فيه النجاسة وبين النجاسة يرد الماء عليها راكدا كان الماء أو غير راكد.
    يقول رسول الله صلى الله عليه وسلم: "الماء لا ينجسه شيء" وقد روي "لا ينجسه شيء إلا ما غلب عليه فغير طعمه أو ريحه أو لونه" ويكره سؤر النصراني وسائر الكفار والمدمن خمرا وما اكل الجيف ومن توضأ بسؤرها فلا شيء عليه حتى يستيقن النجاسة والماء حيث ما وجد صافيا غير مضاف فهو على طهارته حتى يصح أنه قد حلت فيه نجاسة وتغير الماء بالطين والحمأة فهو على طهارته حتى يصح أنه قد حلت فيه نجاسة وتغير الماء مما لا دم له سائل كالعقرب والذباب والخنافس والجنادب والزنبور وبنات وردان والجراد فلا يضر الماء إن لم يغير ريحه فان انتن لم يتوضأ به وكذلك ما كان له دم سائل من دواب الماء كالحوت والضفدع لم يفسد ذلك الماء موته فيه إلا أن تتغير رائحته فإن تغيرت رائحته أو أنتن لم يجز التطهر به ولا الوضوء منه وليس بنجس عند مالك والماء المستعمل طاهر إذا كانت أعضاء المتوضئ به طاهرة إلا أن مالكا وجماعة من الفقهاء الجلة كانوا يكرهون الوضوء به وقال مالك [رحمه الله] لا خير فيه ولا أحب لأحد أن يتوضأ به فإن فعل وصلى لم أر عليه إعادة الصلاة وليتوضأ لما يستقبل وكذلك عنده الماء الذي يلغ فيه الكلب لا يتوضأ به أحد وهو يجد ماء غيره.
    وقد اضطرب فيه قوله وهذا هو الصحيح من مذهبه في ذلك وقد كان يفرق بين ما يجوز اتخاذه من الكلاب وبين ما لا يجوز منها اتخاذه في غسل الإناء من ولوغه وتحصيل مذهبه أنه طاهر عنده لا ينجس ولوغه شيئا ولغ فيه طعاما أو غيره إلا أنه استحب إهراق ما ولغ فيه من الماء ليسارة مؤنته وكلب البادية والحاضرة سواء ويغسل منه الإناء سبعا على كل حال تعبدا هذا ما استقر عليه مذهبه عند المناظرين عليه من أصحابه.
    وذكر ابن وهب في موطئه قال لي مالك: لا يتوضأ بسئور الكلب ضارا كان أو غير ضار إلا أن يكون الماء كثيرا مثل الحياض الكبار ، ومن كان معه إناءان أحدهما نجس لا يعرفه بعينه فان توضأ بالواحد وصلى ثم غسل أعضاءه من الثاني وتوضأ به وصلى فقد قبل ذلك ، وقيل: [إنه] يهرق الإناء الواحد ثم يحصل الثاني ماء مشكوكا فيه فلا يؤثر فيه الشك لأنه على طهارته فيتوضأ به ولا شيء عليه إذا كان الماء لا أثر فيه للنجاسة [ولم يتغير منه لون ولا طعم ولا ريح وهذا أصح المذاهب في ذلك وكذلك الثوب والأرض على طهارتهما لا يجب غسل شيء منهما حتى يستيقن النجاسة فيه فإذا استوقنت غسلت وأما النضج فلا يطهر نجاسة] وإنما هو لقطع الوسوسة وكأنه سنة طهارة ما شك فيه مما لا يلزم فيه طهارة
    ● [ باب في الاستنجاء بالاحجار ] ●

    إزالة النجاسة من الأبدان والثياب سنة مؤكدة عند مالك وأصحابه ووعند غيرهم فرض وهو قول أبى الفرج ولا يجوز تطهيرها بغير الماء إلا من مخرج الغائط والبول خاصة فإن المخرجين مخصوصان بالأحجار، والاستنجاء بالأحجار رخصة والماء أطهر وأطيب وأحب.
    ويستنجى من الغائط والبول بثلاثة أحجار لا يكون واحد منها مما قد استنجي به بل تكون نقية وما أنقى عند مالك من الأحجار أجزأ ويستحب الوتر ولا بأس بالاقتصار على حجر واحد إذا أنقى ولا يجزأ عند أكثر المدنيين دون ثلاثة أحجار ، وهو اختيار أبي الفرج فإن لم توجد الأحجار ولا الماء فكل ما ينقى من جواهر الأرض وغيرها يقوم مقامها إلا العظم والروث وما يجوز أكله فلا يجوز الاستنجاء به.
    ويكره الاستنجاء بالحممة ولا يجوز لأحد أن يستنجي بيمينه ومن صلى بغير استنجاء فعيه الإعادة قال مالك في الوقت وإنما الأحجار طهارة للمخرج وما فيه وعليه فإذا تعدى الأذى المرج فحكمه حكم سائر الجسد ولا يزيله إلا الماء وجائز الاستجمار في الحضر والسفر مع وجود الماء وعدمه ولا يستنجى من الريح
    ● [ باب النجاسات وغسلها ] ●

    والنجاسات [ كل ما خرج ] من مخرجي بني آدم ومن مخرجي ما لا يؤكل من لحمه من الحيوان وكذلك القئ المتغير والخمر والميتة كلها إلا ما لا دم له أو كان من دواب البحر ولم يختلف قول مالك وأصحابه في بعر ما يؤكل لحمه أن ليس بنجس وكذلك بوله عند أكثرهم واختلف قول مالك وأصحابه في إيجاب غسل الخف من روث الدواب ولم يختلف قوله في نجاسة بول ما لا يؤكل لحمه من الدواب وكذلك اختلف قوله في ذرق الطير التي تأكل الجيف على أنه يرى أكل الطير كله والتنزه عن رجيع كل حيوان أحب إلى للخروج من الاختلاف في ذلك كله والاحتياط للصلاة وما يبس من النجاسات ولم يلصق بثوب ولا أرض ولا بدن فلا حكم له، وأما الحيوان كله في عينه فليس في حي [منه] نجاسة إلا الخنزير وحده وقد قيل أن الخنزير ليس بنجس حيا والأول أصح [فإن احتبس] من لعابه أو شعره أو شيء منه في بدن أو ثوب نجسه إلا في مماسته الماء فإن الماء [ليس كسائر] الأشياء وهو على ما قدمت لك من مراعاة تغيره وسئور كل حيوان غير الخنزير طاهر عند مالك في الماء وغيره] إلا أن الأصل في الماء مراعاة تغيره بالنجاسة فلا يضره ولوغ [ الخنزير فيه ان لم يغيره على اختلاف من أصحابنا في سئور الخنزير: والصحيح ما ذكرت لك ومن أهل المدينة جماعة تذهب إلى أن الكلب نجس كله في سئوره وعينه كالخنزير ومذهب مالك في الكلب أنه طاهر ] على ما قدمت لك في باب الماء وما اصاب الثوب أو البدن من النجاسات غسل حتى تزول عينه وإن أمكن إزالة لونه أزيل وإلا فلا يضر لون الدم إذا ذهب عينه وبقي أثره ويسير الدم معفو عنه إذا كان كدم البراغيث ونحوه.
    واختلف قول مالك في دم الحيض فمره جعله كالبول والمذي والغائط ومرة جعله كسائر الدماء.
    وليس على الحائض غسل ثوبها إلا أن ترى فيه دما فإن كان مصبوغا وشكت فيه غسلته استحبابا وان أيقنت بالنجاسة فيه غسلته واجبا وإن كان أبيض فلا شيء عليها إلا أن تكون النجاسة من لونه ولم تظهر فيه ومن أيقن بنجاسة في جهة من ثوبه غسل تلك الجهة وإن أيقن بها في ثوبه وجهل موضعها غسله كله.
    وإن كانت النجاسة ذات رائحة سعى في إزالة رائحتها وتطهيرها وإذا كانت النجاسة مائعة فصب عليها الماء حتى يغلبها ويزيلها طهر موضعها من الأرض والثوب والبدن.
    ومن أحرق نجاسة كان الرماد نجسا ولا تزيل النجاسة النار ولا شيء غير الماء إلا ما ذكرنا من الاستنجاء وما قدمنا ذكره من اختلاف قوله في مسح الخف من [روث] الدواب فمرة أجازه ومرة أمر بغسله وان أصاب الخف بول أو عذرة رطبة فلا بد من غسل ذلك ولا يغسل صاحب السلس ما أصاب ثوبه من ذلك إلا أن يكثر ذلك ويفحش ولو كلف غسل ما لا يرقأ ولا ينقطع كان ذلك حرجا ولم يجعل الله في الدين من حرج وعليه أن يتوقى ذلك بالخرق واللفائف
    ● [ باب في الآنية ] ●

    كل إناء طاهر فجائز الوضوء منه إلا من إناء الذهب والفضة لنهي رسول الله صلى الله عليه وسلم عن اتخاذها وذلك والله أعلم للتشبه بالأعاجم والجبابرة على ما بينته في كتاب التمهيد لا لنجاسة فيها ومن توضأ فيها أجزأه وضوؤه وكان عاصيا باستعمالها وقد قيل: لا يجزئه الوضوء فيهما ولا في احدهما والأول [ أشهر ].
    وكل جلد زكي فجائز استعماله للوضوء وغيره.
    وكان مالك يكره الوضوء في إناء جلد الميتة بعد الدباغ على اختلاف من قوله ومرة قال: إنه لم يكرهه إلا في خاصة نفسه ويكره الصلاة عليه وبيعه. وتابعه على ذلك جماعة من أصحابه، وأما أكثر المدنيين فعلى إباحة ذلك وإجازته وقد قال صلى الله عليه وسلم: "أيما إهاب دبغ فقد طهر" وهو اختيار ابن وهب، وجلد الخنزير لا يطهر بدباغ ولا غيره لأنه محرم الزكاة
    ● [ باب النية وتفريق الوضوء ] ●

    [لا تجزأ طهارة وضوء ولا تيمم ولا غسل من جنابة أو حيض إلا بنية من ذلك ومن توضأ تبردا أو اغتسل تبردا أو علمه غيره وهو لا نية له في ذلك فلا يجزئه وضوؤه] وإذا قصد بنية الوضوء إلى [صلاة] بعينها جاز أن يصلي بها غيرها وليس التيمم كذلك. وسيأتي حكمه في باب إن شاء الله.
    والوضوء للفريضة والنافلة والصلاة على الجنائز ومس المصحف سواء لأنه رفع [حدث] ليستباح به ما منع منه غيره المتوضئ فإذا قصد بالنية إلى ذلك صلى به المكتوبه والأصل في ذلك عند مالك وجمهور أصحابه ان كل ما لا يجوز استباحته وعمله إلا بوضوء فالوضوء له يصلى به كل صلاة لأنه رفع للحدث بذلك وكل ما جاز عمله واستباحته بغير وضوء فلا يجوز أن يصلي بالوضوء له صلاة نافلة ولا مكتوبة ولا على جنازة إلا أن ينوي المتوضئ لذلك رفع الحدث فهذه جملة مذهب مالك.
    وقد روي عنه غير ذلك فيمن توضأ للنوم أو للدخول على الأمير والصحيح ما ذكرناه ولا يجزأ غسل الجمعة عن غسل الجنابة في تحصيل مذهب مالك ومن أصحابه جماعة أجازوا ذلك. ومن اغتسل للجنابة ذاكرا للجمعة وقاصدا بالغسل إليها أيضا مع الجنابة أجزأه منهما ولو لم يذكر الجمعة في غسله للجنابة لم يكن مغتسلا للجمعة ولا يضر ذلك بجمعته ، وقال بعض المتأخرين من المالكيين: إن نوى بغسله الجنابة والجمعة جميعا لم يجزه عن واحد منهما لأنه خلط الفرض بالسنة وهذا خلاف مالك وخلاف جمهور السلف وليس بشيء ، وقد روي عن ابن عمر أنه كان يغتسل للجنابة والجمعة [غسلا واحدا] وذكر سنيد قال: حدثنا الفرج بن فضالة قال: سألت العلاء بن الحارث عن الرجل يغتسل يوم الجمعة للجنابة والجمعة هل يجزئ [ذلك عنه] ؟ فقال: [قال] مكحول إذا فعل ذلك فعل ذلك فله أجران [ولا يجوز] تفريق الوضوء ولا الغسل من غير عذر ولا عذر في ذلك إلا النسيان ونقصان الماء فمن أعجزه الماء بنى مالم يطل ذلك فإن طال ذلك استأنف وضوءه.
    ومن نسي شيئا من وضوئه [ أو غسله ]قضاه وحده طال أو لم يطل ولم يعد مفرقا ومن تعمد تفريق وضوئه أو غسله أو تيممه تفريقا بينا لم يجزه عند مالك وكان عليه استئنافه ويجزأ إزالة النجاسة بغير نية
    ● [ باب الوضوء على كماله ] ●

    يبدأ المتوضئ فيغسل يديه مرتين أو ثلاثا قبل أن يدخلهما في الإناء ويقدم التسمية قبل ذلك أو مع ذلك يقول: بسم الله الرحمن الرحيم ثم يدخل يده في الإناء فيغرف غرفة لفيه وأنفه [فيتمضمض] منهما ويستنشق ويستنثر وإن تمضمض من غرفة واستنشق من أخرى فلا بأس ويبالغ في الاستنشاق [مالم يكن صائما] يدخل الماء خياشيمه يفعل ذلك ثلاثا ويتمضمض ثلاثا وإن دلك أسنانه فحسن ثم يغسل وجهه ثلاثا والوجه ما بين منابت شعر الرأس والذقن.
    واختلف[ في البياض الذي بين العارض والأذن ] والذي أحب له أن يغسله ويغسل ظاهر لحيته وليس [عليه تخليلها ويكفي السدلة ما مر عليها من الماء مع إمراره يده عليها: ويغسل يديه ثلاثا ثلاثا وليس عليه تحريك خاتمه إذا كان سلسا ويدخل المرفقين في الغسل ثم يمسح رأسه كله] يضم يديه عليه ولا يرفعهما عن فوديه يبدأ بمقدم رأسه إلى قفاه ثم يرد يديه إلى حيث بدأ حتى يعمه ولا فضيلة عند مالك في مسحه ثلاثا كما أنه لا يمسح عنده في التيمم الوجه واليدين إلا مرة واحدة وكذلك على الخفين ولا فضل عنده في تكرار المسح في ذلك.
    وأما سائر الأعضاء فلا يجب الاقتصار على اثنين لفضل الثلاث في ذلك وأفضل الوضوء ثلاثا ثلاثا وما زاد عليها وهي سابغة فتعد اساءة وبدعة ، والوضوء مرتين مرتين أفضل منه مرة واحدة ومرة سابغة تجزأ ويغسل رجليه ثلاثا ثلاثا أيضا أو حتى ينقيهما ويعمهما بالغسل ويدخل الكعبين في الغسل والكعبان هما العظمان الناتئان عند مجمع الساق والقدم، وإن بقى للأقطع شيء من الكعب غسله، وكذلك المرافق لمن بان فيه قطع غسل ما بقي منه وإن لم [يبق منهما] شيء سقط فرضهما عنه وإن خلل أصابع رجليه ويديه فهو أفضل وإن غمرهما تيقن أن الماء قد دخل فيما بينهما وعم ذلك أجزاءه إذا عرك بعضهما ببعض.
    وترتيب الوضوء مسنون، وقيل: مستحب وتحصيل مذهب مالك فيه أنه مسنون لأنه إذا نكس المرء وضوءه وذكر ذلك قبل صلاته لزمه عنده أن يأتي به على الرتبة وكذلك [إن ذكره] بعد صلاته رتبه لما يستقبل ولم يعد صلاته وهذا حكم السنن وقد كان مالك يوجب الترتيب ثم رجع عنه وقال به أبو مصعب الزهري صاحبه
    ● [ باب أقل ما يجزأ من عمل الوضوء ] ●

    اقل ما يجزأ من عمل الوضوء ما نطق به القرآن قال الله عز وجل: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلاةِ فَاغْسِلُوا وُجُوهَكُمْ وَأَيْدِيَكُمْ إِلَى الْمَرَافِقِ وَامْسَحُوا بِرُؤُوسِكُمْ وَأَرْجُلَكُمْ إِلَى الْكَعْبَيْنِ}.
    والغرض في تطهير [هذه] الأعضاء مرة مرة سابغة مع النية على ما تقدم ذكره ويكون ماؤه طاهرا مطهرا يغسل وجهه مرة واحدة، ويغسل عارضيه إلى وصول أذنيه ويتفقد باطن مارنه وشاربه وما على الذقن من الشعر وإن لم يغسل ما استرسل من شعر اللحية أجزأه ما مر [عليها] من الماء ويغسل ذراعيه حتى يغسل المرفقين. واختلف أصحاب مالك وسائر أهل المدينة في عموم مسح الرأس فمنهم من قال: لا يجزئ مسح بعض الرأس وهو قول مالك المشهور ومنهم من اجاز مسح بعضه وذكر أبو الفرج عن محمد بن مسلمة أنه قال: لا يجزئ ان يمسح دون ثلثه وإليه ذهب أبو الفرج [والذي حكاه عن محمد بن مسلمة وهم والله أعلم ، والمعروف لمحمد بن مسلمة ومنهم من يرويه عن مالك أنه إن أسقط من مسح رأسه ثلثه فما دون أنه يجزيه ولا يجزيه إن كان المتروك من الرأس أكثر من ثلثه في المسح] هذا قول محمد بن مسلمة فيما ذكر إسماعيل في المبسوط فلهذا قلنا: إن ماذكره أبو الفرج وهم وما ذكره إسماعيل عنه يشبه أصول مالك في استدارة الثلث في مواضع كثيرة من كتبه وأصول مذاهبه وما زاد على الثلث عنده فكثيرا يراعى ذلك ويعتبره ولا يلغيه في شيء من مذاهبه فكأنه والله أعلم أنه لا يكاد أحد يسلم من أن يفوته الشئ اليسير من شعر رأسه عند مسحه بعد اجتهاد فجعل الثلث فما دونه في حكم ذلك واجزأه عنده إذا أتى على مسح الثلثين فأكثر هذا وجه ما ذهب إليه محمد بن مسلمة وعزاه إلى مالك والله أعلم وقد يخرج قول أبي الفرج على أصل مالك والله أعلم في استدارة الثلث وقد اوضحت ذلك في كتاب التمهيد والمسح عندي ليس شأنه الاستيعاب.
    ويغسل رجليه مع الكعبين وقد ادى فرض طهارته ومن ترك شيئا من ذلك ناسيا حتى صلى غسل ما نسي وأعاد صلاته وكذلك لو يصل لا يغسل إلا ما نسي ومن تعمد ترك ذلك استأنف الوضوء وأعاد صلاته ومتى لم يأت بالماء على كل عضو مغسول فلا يجزئه لأنه يكون ماسحا لما قد أمر بغسله والإسباغ فرض وهو الاتيان بالماء على العضو المغسول حتى يعمه بالغسل وإمرار اليد عليه والمرأة والرجل في ذلك سواء
    ● [ باب سنن الوضوء وآدابه ] ●

    المضمضة والاستنشاق والاستنثار ومسح الأذنين سنة كل ذلك ومن نسي شيئا منها حتى صلى فلا إعادة عليه وينبغي له أن يستأنف ما نسي منها لما يستقبل ومن نسي من المفروض شيئا حتى صلى أتى به وأعاد الصلاة وفرض الوضوء ما ذكرنا في الباب قبل هذا وأعاد الصلاة وفرض الوضوء ما ذكرنا في الباب قبل هذا ويأخذ المتوضئ لأذنيه ماء جديدا فيمسحهما باطنهما وظاهرهما وإن ترك مسح داخل اذنيه فلا شيء عليه وكل عضو ممسوح فليس شأنه الاستيعاب [ومعنى قولنا الأذنان من الرأس أي إنهما ممسوحتان لا مغسولتان ويستحب لكل من أراد الوضوء من محدث أو راغب فضل أن لا يبدأ بشيء قبل غسل يديه ولا يدخلهما في إنائه وذلك لمن استيقظ من نومه أوكد في الاستحباب] والندب لأن النص ورد فيه ولو احدث في أضعاف وضوئه أو غسله استحب له مالك أن يعيد غسل يديه فإن لم يفعل فلا حرج [عليه] وكل من كانت يده سالمة من النجاسة لم يضره أن يدخلها في إناء وضوئه فإن كانت فيها نجاسة فقد مضى في باب الماء حكم ذلك واليد محمولة على الطهارة حتى تصح نجاستها وكذلك سائر الاشياء الطاهرة [وكل شيء على أصله حتى يتبين فيه] غير ذلك.
    ويستحب السواك لكل صلاة ومع تغير الفم وقد [قيل: السواك وكان سواكهم الأراك والبشام وكل من يجلو الأسنان ويطيب نكهه الفم فمثل ذلك ويكره للرجال التزين بزينة النساء] ولا يستقبل القبلة ولا يستدبرها لغائط ولا بول في الصحارى والسطوح وأما البيوت فقد رخص في أن يكون المقعد إلى القبلة وقد قيل عن مالك: إن السطوح بمنزله البيوت ويستحب ذكر اسم الله على كل وضوء وذكراسم الله حسن وحمد الله عند الخروح منه وعلى كل حال حسن ومستحب ومرغوب فيه ومندوب إليه.
    روينا عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه كان يقول إذا دخل الخلاء: " اللهم إني أعوذ بك من الخبث والخبائث " وأنه كان يقول أيضا [في ذلك]: " اللهم إني أعوذ بك من الرجس النجس المخبث الشيطان الرجيم" وكان يقول إذا خرج من الخلاء "الحمد لله الذي أخرج عني الأذى وعافاني".
    وروي عنه أنه صلى الله عليه وسلم كان يقول إذا خرج من الخلاء: "غفرانك اللهم غفرانك" ولا يقرأ الجنب ولا الحائض شيئا من القرآن على اختلاف عن مالك وأصحابه في قراءة الحائض.
    وأما الجنب يمكنه الطهر بالماء أو بالصعيد فلا يقرأ حتى يرفع [حدث] الجنابة بأحدهما ، وأكثر العلماء على أن الحائض والجنب لا يقرءان شيئا من القرآن ولو قرأت الحائض لصلت، وأما المصحف فلا يمسه أحد قاصدا إليه مباشرا له أو غير مباشر إلا وهو على طهارةورخص لمعلم الصبيان فيما اضطر إليه من ذلك لما يلحقه من المشقة في الوضوء له وفضل الجنب والحائض طاهر مطهر إذا لم يلحقه نجاسة وهما طاهران في أنفسهما وإنما غسلهما عبادة والنفساء بمنزلة الحائض وعرق كل واحد منهما ومن الجنب لا بأس به وإذا لم يكن بأس بفضل الحائض فغير الحائض أحرى أن يتوضأ [بفضلها] ووضوء الجنب عند النوم حسن وليس بواجب وأكله وشربه قبل الغسل جائز إذا غسل يديه ويتنظف من الأذى
    ● [ لكتاب الطهارة بقية ] ●

    المقدمة وكتاب الطهارة Fasel10

    الكافي في فقه أهل المدينة
    الفقه المالكي
    تأليف: أبو عمر يوسف بن عبد الله القرطبي
    منتدى ميراث الرسول - البوابة
    المقدمة وكتاب الطهارة E110


      الوقت/التاريخ الآن هو الأحد نوفمبر 24, 2024 11:17 pm