من طرف اسرة التحرير الإثنين مايو 04, 2020 2:14 pm
بّسم اللّه الرّحمن الرّحيم
مكتبة الفقه الإسلامي
الكافي في فقه أهل المدينة
الفقه المالكي . المجلد الثانى
● [ كتاب الشهادات ] ●
[ باب من تجوز شهادته ]
كل من كان حرا مسلما بالغا مؤديا الفرائض عالما بما يفسدها عليه لم تظهر منه كبيرة ولا جور بين ولا اشتهر بالكذب وعرف بالصدق في غالب حديثه فهو عدل جائز الشهادة إذا لم يدفع بشهادته عن نفسه ولا جر إليها ولا شفى غيظه وقال بعض أصحابنا شرط العدالة أن يكون الرجل مرضيا مأمونا معتدل الأحوال معروفا بالطهارة والنزاهة عن الدنايا وتوقي مخالطة من لا خير فيه مع التحري في المعاملة وإذا اتهم العدل لم تقبل شهادته لما جاء في الأثر لا تقبل شهادة خصم ولا ظنين ومن ظهرت عليه محبة قبول شهادته والحرص البين في نفوذها فهو عند مالك ظنين لما كان العدل يتهم بالجر إلى نفسه والدفع عنها لقول الله عز وجل في الإنسان {وَإِنَّهُ لِحُبِّ الْخَيْرِ لَشَدِيدٌ} (العاديات:8)
وكان يسره في أبيه وابنه ما يسره في نفسه لم تقبل شهادته لهما ومن هذا لم تجز شهادة الأب لابنه وإن علا ولا شهادة الابن وإن سفل لأبيه وإن كانوا عدولا على غيرهم وتجوز شهاده عليهم فإن شهد الابن لأحد أبويه على الآخر لم تجز أيضا إلا أن يكون منقطعا في العدالة عند مالك وقد قيل لا تجوز شهادته لأبيه على أمه بحال وتجوز شهادته لأمه على أبيه في الشيء اليسير إذا كان عدلا مبرزاوقد قال لا تجوز شهادة العدل لأحد أبويه على الآخر لأنه شاهد لأحدهما وكل ذلك عن مالك فإن شهد اثنان على أبيهما بطلاق مهما فإن كانت الأم مدعية بالطلاق لم تجز شهادتهما وإن كانت منكرة جازت شهادتهما لأنها شهادة على الأبوين جميعا وكل من لم تجز شهادته عليه فشهادته له جائزة إلا أنه اختلف قول مالك في شهادة الوصي على من يليه فمرة منع منها ومرة أجازها وإجازته لها هو الصواب وقال أن كان رضي وكان وصيا على صغار بني رجل فشهد على الكبار والصغار منهم جازت شهادته ولم يختلف قول مالك أن شهادة الوصي لمن يليه غير جائزة ولا تجوز شهادة المرأة لزوجها ولا شهادته لها لما يجر إلى كل واحد منهما من النفع لصاحبه وتجوز شهادة كل واحد منهما على صاحبه وأما شهادة الأخ العدل لأخيه فجائزة معمول بها إلا أن يتهم ايضا والموضع الذي يتهمه فيه مالك أن يشهد لأخيه في النسب أو أن يكون منقطعا إليه يناله نفعه أو في دفع حد الفرية عنه مثل أن يشهد أن الذي قذفه أخوه عبد وشهادة الصديث الملاطف لصديقه إذا ناله رفقه غير جائزة وقد قال ابن وهب عن مالك لا تجوز شهادة الولد لمن يؤده إذا كان منقطعا إليه يتصل به نفعه قال وكذلك الأخ مع أخيه قال ولا تجوز شهادة عدو على عدوه مصارما كان له أو غير مصارم قال ولا تجوز شهادة عبد في مال ولا في حد ولا في شيء من الأشياء ومن شهد بشهادة لنفسه ولغيره لم تقبل شهادته له ولا لغيره لأنه إذا بطل بعض الشهادة بطلت كلها هذا أصح ما قيل عندهم في ذلك والله أعلم ولمالك ثلاثة أقوال في الرجل يشهد بوصية قد أوصي له فيها بشيء أحدها أن شهادته فيها باطلة كلها شهد معه غيره أم لا والآخر أنها جائزة في الوصية كلها إذا كان ما أوصي له به فيها يسيرا والثالث أنها جائزة لغيره باطلة في حظه لنفسه وهذا القول له حظ صحيح من النظر والله أعلم وشهادة الوصي على الميت جائزة إذا لم يكن فيها شيء يجره إلى نفسه والعدل إذا لم يكن ولد رشدة وذلك بأن كان ولد زنى وولد الرشدة إن عرف أبوه جازت شهادته في غير الزنى ولم تجز في الزنى عند مالك لأنه موضع تهمة عنده ومن حفظ شهادته في حال كفر أو عبودية ثم أداها في حال الإسلام والحرية جازت إلا أن يشهد بها فترد ثم يعود لها فإنها لا تجوز عند مالك وأهل المدينة وروي ذلك عن عثمان بن عفان ولا مخالف له من الصحابة ولم يختلفوا أن من ردت شهادته لفسقه ثم صلحت حاله أنها لا تقبل تلك الشهادة وجائزة شهادة الرجل فيما حفظ صغيرا بعد بلوغه وأما قوله لا تجوز شهادة خصم فمثال ذلك رجلان شهدا على رجل أنهما زوجاه بتوكيله إياهما امرأة وهو ينكر فلا تجوز شهادتهما عليه لأنهها خصماه ومن أدمن اللعب بالشطرنج أو النرد واشتهر به لم تجز شهادته وقد قيل أن اللعب بالنرد إذا عرف به وإن لم يدمن لا تجوز له شهادة للحديث الوارد فيه نصا ومن ثبت عليه أن اللعب بالشطرنج ألهاه عن وقت الصلاة الواحدة حتى خرج وقتها كصلاتي النهار بغروب الشمس أو كصلاتي الليل بطلوع الفجر أو الصبح بطلوع الشمس لم تقبل شهادته حتى يتوب وهذا معنى ما رواه ابن نافع عنم مالك ومن ترك الجمعة ثلاث مرات متواليات من غير عذر سقطت شهادته وقد قيل مرة واحدة عامدا من غير عذر تسقط الشهادة والأول أولى إن شاء الله ومن شر المسكر غير متأول ولم يبلغ مبلغ السكر منه أو أكرى حانوته من بائع النبيذ المسكر لم تجز شهادته وأما من سكر من النبيذ أو غيره من الأشربة ففاسق مردود الشهادة عند الجميع وكلهم يرى عليه الحد في ذلك ومن ادعى علم القضاء بالنجوم واشتهر بذلك وأكل المال به سقطت شهادته ومن اتشرى أمة مثلها يوطأ ممن كان يطأه اووطئها قبل أن يستبرئها لم تجز شهادته إذا أيقن أن البائع لم يستبرئها من وطئه ولو وطئها بتأويل على مذهب بعض الفقهاء مثل أن يشتريها من امرأة ويعتقد أنها مستبرأة أو عذراء أو نحو ذلك مما اختلف فيه الفقهاء لم تسقط شهادته لتأويله ولأنه لم يأت حراما عنده والشاعر القاذف بشعره أو الكثير الأذى بشعره لا تجوز شهادته وأما نمن مدح من الشعراء ولم يهج ولم يشتهر في التشبيب بامرأة بعينها وكان عدلا لم ترد شهادته والشعر كلام منظوم حسنه حسن وقبيحه قبيح ومنه حكمة كما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إن من الشعر لحكمة" ومن حلف أباه في مقطع الحق بطلت شهادته عند مالك لأنه عقوق وإن كان في دعواه محقا وروى معمر بن عيسى عن مالك قال لا تجوز شهادة الخوارج ولا رافضي يسب السلف ولا قدري يدعو إلى القدر ومن اتهم بشيء من الكبائر كالقتل أو الزنى أو السرقة أو القذف ثم كشف عنه فألفي من ذلك بريئا لم تسقط شهادته ومن كان معروفا بالكذب وبان منه وكانت عادته لم تقبل شهادته فأما الرجل يتحدث عن سفره أو معاشه بأمر يزينه به ولا يكون ذلك غالبا من أمره فلا بأس بشهادته إذا كان معروفا بالصلاح وشهادة القاذف إذا كان عدلا جائزة قبل أن يحد لأنه لا يدري إلى ما يؤل أمره في ذلك وقال عبدالملك لا تقبل شهادته بعد القذف وأن لم يحد وقول مالك أولى لأن الله لم يسقط شهادته إلا بعد الجلد ما لم يتب وهذا قول ابن القاسم وابن وهب وأشهب وشهادة المحدود في القذف والزنى والسرقة وغير ذلك إذا ظهرت توبته وصلحت حاله جائزة في كل شيء وقال به طائفة من أصحابه وقد قيل إنها جائزة فيما عدى ما حد فيه وبه قال عبدالملك ومطرف وهو اختيار سحنون والواقر ولا يراعي مالك إكذاب القاذف لنفسه في توبته وإنما مراعاته في ذلك الزيادة في خيره وحسن حاله ذكره ابن عبدالحكم وغيره عن مالك وأما إسماعيل فقال لا تكون توبة القاذف حتى يكذب نفسه بكلام يتكلم به ذهب إلى حديث عمر في أبي بكرة وقال ابن القاسم تجوز شهادة ابن الملاعنة في الزنى ولا تجوز في ذلك شهادة ولد الزنى ولا تجوز شهادة بدوي على حضري إلا أن يكون معه في البادية وتجوز شهادته في الجراح في الحضر ولا تجوز شهادة من يكثر سماع الغناء ومن يغشى المغنيين ويغشونه ولا بأس باستماع الحداء ونشيد الأعراب ورفع العقيرة بالإنشاد والترنم بالشعر وما أشبه ذلك ومن جلس مجلسا واحدا مع أهل الخمر في مجالسهم طائعا غير مضطر سقطت شهاادته وإن لم يشربها ومن دخل الحمام بغير مئزر وأبدى عورته سقطت شهادته وبانت جرحته إلا أن يكون وحده أو مع حليلته وشاهد الزور لا تقبل شهادته أبدا إذا كان ظاهر الصلاح والعدالة وصح عليه الزور في تلك الحال وقد قيل إنها تقبل إذا علمت توبته وصحت إنابته ورجعته وازداد خيرا في حاله وضهادة الأعمى على ما يسمع ويستيقن جائزة وشهادة المستتر إذا عرف الصوت مثل ذلك ولا ينبغي لأحد دعي إلى الاستتار للشهادة أن يجيب إليه إلا أن يضطر فإن ابتلي بذلك فلا يشهد حتى يستوفي آخر الكلام من المقر وأوله ويشهد للذي دعاه وعليه فإن كان المقر ضعيفا أو مختدعا أو مروعا لم تقبل شهادتهم عليه وعليه اليمين أنه ما كان إقراره إلا ببعض ما ذكرنا وإن لم يكن كذلك ثبت عليه الحق لأن من الناس من يقر في الخلاء ولا يقر في الملأ ومن عرف ذلك منه جاز أن يستتر له ليفهم إقراره وإذا فهمت شهادة الأخرس جازت وإذا شهد القسام فيما تولوا قسمته جازت شهادتهم عند مالك إذا كان القاضي أرهم بذلك وقال ابن القاسم لا تجوز شهادة القاسم ولا الحاكم فيما حكم وشهادة كاتب القاضي جائزة فيما كتبه بعد عزله وقبله
● [ باب من يجوز تعديله ] ●
لا يقبل في تعديل الشاهد ولا تجريحه أقل من شهادة رجلين عدلين وليس للنساء تعديل ولا تجريح ولا يعدلهن إلا الرجال ومن عدله رجلان فلم يعرفهما الحاكم للم يجز أن يعدل عنده المعدلان إلا أن يكون المعدل الأول غريبا من أهل تلك الحاضرة فإن كان منها لم يحكم له بالعدالة حتى يزكي هو في نفسه وقد قيل إنهما إن كانا غريبين جاز أن يعدلا وجائز تعديل الرجلين للنفر الكثير في حق واحد أو حقوق مختلفة وليس التعديل عند مالك بأن يقول الرجل لا أعلم إلا خيرا ولا أن يقول هو عدل لي وعلي ولكن يقول هو عدل رضى ولا يقتصر على وصفه بالعدالة دون الرضى ولا بالرضى دن العدالة حتى يقول بالصفتين هذا تحصيل مذهبه عند جمهور أصحابه وقد رووي في ذلك عن مالك أن إحدى الصفتين تعديل وهو الصواب إذا عرف الرجل بالصلاح والعلم واشتهر بذلك ولم يظهر منه خربة استغنى الحاكم عن تزكيته ولم يسأل عنه وقبله وإذا عدل الرجلان رجلا وجرحه رجلان آخران حكم بأعدالهما فإن تكافئا في العدالة وكانت الجرحة مما تخفى فالشهادة بها أولى ويحتاج الحاكم أن يكشفهما عن الجرحة ما هي وقال مالك ويقول لهما القاضي بم تجرحانه لينظر في ذلك فلعلها لا تكون عنده جرحة ويلزمه أن يوقفهما على تاريخ علمهما بذلك لعله أن يكون قديما وقد صلحت حاله بعد
ولا يجوز أن يجرح الرجل إلا من أظهر منه عدالة وأرفع حالا في الفضل وأما أن يكون مثله أو دونه فلا إلا بأن يشهد بأنه عدو لمن شهد عليه فيقبل حينئذ جرح من هو مثله أو دونه ومن كان مشهورا بالعدالة والفضل لم يمكن الحااكم أحدا من تجريحه إلا بعيب العداوة إلا أن يظهر منه مالا يجوز قبول شهادته مع مثله وأن سأل الحاكم رجلا يرضاه عن أحد فعدله جاز قبول قوله وحده والعمل به غلا أن يكون على وجه الشهادة فلا يقبل إلا عدلين ولا بأس أن يكون للقاضي رجع واحد مزكى يخبره بأحوال الشهود فيقبل في ذلك قوله وحده وإن علم القاضي عدالة عدل اشتغنى ببعلمه عن المسألة عنه وكذلك لو علم من جرحه الشاهد عنده مالا يجوز له به قبول شهادته لم يجز أن يقبل تعديل من عدله وليكف عن الحكم في ذلك في ستر وحسن مرافعة وقد ذكر الن المواز أنه يقبل تعديل المعدلين لمن يعرف منه خلاف ما شهدوا به لأنه إذا رد شهادتهم في التعديل بعلمه فقد قضى بعلمه ولا يقضي القاضي بعلمه وهذا ليس بشيء لإجماعهم على أن من علم القاضي أنه غير عدل ولا رضي لم يجز له قبول شهادته فكذلك تعديله ولا يجوز أن يزكي أحد أحدا بمعرفة يسيرة حتى يعرف عدالته وأمانته بطول مدة في اختباه في الجوار في الحضر وفي المعاملة والسفر وكذلك روي عن عمر رضي الله عنه
● [ باب الشهادة على الشهادة ] ●
الشهادة على الشهادة عند مالك جائزة في الحدود والقصاص والجراح والعتق والنكاح والطلاق والأموال وجميع الحقوق كلها ولا يشهد عند الحاكم على شهادة حاضر في المصر ولا على شهادة من يقرب أمره ولا على شهادة صحيح وإنما يشهد على شهادة ميت أو غائب أو مريض وحكم الشهادة على الشهادة أن يشهد شاهدان على شهادة شاهدين يشهدان جميعا على شهادة كل واحد من الشاهدين الأولين ولا يصح أن يشهد الواحد منهما على شههادة واحد من الشاهدين الولين والآخر على الثاني لأنه لا تقبل شهادة واحد على واحد ولا على أكثر إذا لم ينضم إليه غيره وشهادة رجلين على شهادة رجل فكذلك لا تجوز شهادة امرأتين على شهادة امرأة ولا امرأتين لأنهما بمنزلة رجل واحد ولا ينقلن شهادة إلا مع رجل سواء نقلن عن رجل أو عن امرأة وهن كنا قل واحد وإن كثرن فلا يحلف مع شهادتهن ولا تجوز شهادتهم مع رجل على شهادة رجل في شيء لا تجوز فيه اليمين مع الشاهد وما لا تجوز فيه شهادة النساء فلا يجوز أن يشهدهن فيه على شهادة غيرهن ولا أن يشهدهن في ذلك على شهادتهن كان معهن رجل أم لا فإن كان معهن رجل جازت شهادتهم على رجل وعلى امرأتين وكل ما لا يجوز فيه شهادة رجل وامرأتين هذا كله تحصيل مذهب مالك عند أصحابه وذكر ابن عبدالحكم وغيره عن مالك أن شهادىة النساء على لنساء جائزة فيما تجوز فيه شهادة النساء مع الرجال وأما فيما ينفردن فيه للضرورة دون الرجال من عيوب النساء والاتسهلال ونحو ذلك فلا يجوز أن ينقل شهادتهن إلا الرجال لأن الضرورة قد ارتفعت ولا يحكم بشهادة النساء منفردات إلا فيما خصصن به من الضرورات وشهادة رجل على شهادة رجلين نصف شهادة وكذلك شهادة رجلين على شهادة رجل شهادة وشهادة رجلين على شهادة امرأة كشهادة امرأة وذكر ابن أبي ييى الوقار عن مالك جواز شهادة النساء على شهادة النساء في كل ما يجوز فيه شهادة النساء مع الرجال ومنفردات كشهادة الرجال على شهادة الرجال سواءء وقال شهادة امرأة على شهادة امرأة ربع شهادة وشنادة امرأتين على شهادة امرأة نصف شهادة وشهادة امرأتين كشاهد واحد يحكم بهما مع يمين الطالب المال هذا كله حكاية قول الوقار وإليه ذهب سحنون ولا يجب لرجل أن يشهد على شهادة من لا يعرفه بالعدالة ومن شهد على شهداة من عرفه بالعدالة وأعلم الحالكم بحاله جاز تعديله له ولا يضر ذلك شهادته إن كان مثله ممن يحسن التعديل ويصلح له وإذا شهد شاهدان على شهادة الشاهدين ثم أنكر الشاهدان الأولان الشهادة أو نسيا أو رجعا عنها سقطت شهادة الشاهدين الأخيرين وإذا عدل رجلان رجلين أو أكثر وشهدوا على شهادتهم لم يحتاجوا في تعديلهم أن ينصوا على كل واحد منهم إذا عدلوا جميعهم وإن لم يعدلا من شهدا على شهادته سأل عنه الحاكم كأنه شهد عنده ويأتي ذكلا حكم الشهادة على الشهادة في الزنى في كتاب الحدود إن شاء الله
● [ باب شهادة السماع ] ●
الشهادة على السماع عند مالك وأصحابه جائزة في النسب المشهور وفي الولاء المشهور وفي الأحباس والصدقات التي تقادم أمرها وطال زمانها التي تقادم أمرها وطال زمانها إذا قال الشهود لم نزل نسمع أن هذه الدار حبس على كذا تحاز حوز الأحباس وإن فلانا ابن فلان أو مولى فلان ابن فلان مولى عتاقة من عتق جده فلان ونحو هذا ويثبت بذلك النسب والولاء وقال ابن القاسم لا يثبت بذلك نسب وإنما يستحق به المال إلا أن يكون أمرا مشتهرا مثل نافع مولى ابن عمر أو عبدالرحمن بن القاسم بن محمد وجائز شهادة الرجل بموت من قد اشتهر موته عنده أ أخبره به من يثق به إذا استيقن ذلك وصح عنده بالنياحة أو شهود جنازته ويشهد بموته من لم يدركه إذا اشتهر علم ذلك عنده وجائز أن يشهد على فلان أنه زوج فلانة وعلى امرأة أنها امرأة فلان وإن لم يشهد النكاح ولم يشهد عليه إذا علم ذلك بكونهما زوجين والوقوف على التعريش والدخول وبما يشاء الله ممما يقع به العلم وجائز أن يشهد أن فلانا كان قاضي كورة كذا في وقت كذا وإن لم يشهده السلطان على ولاتيه كما يشهد على خلافة الخليفة لصحة ذلك عنده بالاستفاضة وجائز أن يشهد أنه لم يزل يسمع أن فلانا كان في ولاية فلان وأنه كان يتولى النظر له والإنفاق عليه بإيصار أبيه به إليه أو تقديم قاض عليه وإن لم يشهده أبوه عليه بالإيصاء ولا القاضي بالتقديم ولكنه علم ذلك بالاستفاضة من أهل العدل والرضى وغيرهم ويصح بذلك سفهه إذا شهد معه غيره بمثل شهادته وفيها عن أصبحابنا اختلاف وفي التي قبلها والاحتياط في هذا أولى بمن ابتلي فيه والاجتهاد وفي هذا الباب قال مالك إن الله قد وسع على هذه الأمة بالاجتهاد وفي سماع ابن وهب والشهادة على السماع عاملة في دعوى المرأة أن زوجها يضربها إذا سمع بذلك الرجال والنساء سماعا فاشيا فإن لم يسمع بذلك الرجال مع النساء فليس بفاش وفي أن بني فلان لم يكن لهم مدخل في حبس فلان وفي قديم الملك مثال ذلك رجل في يده دار تعرف به وبآبائه قبله فيأتي رجل بمن يشهد له أنها ملكه قديما فيأتي الذي هي في يده بمن يشهد له على السماع الفاشي أنا لم نزل نسمع بانتقال ملكها إلى الذي هي في يده من قبل القائم أو من آبائه بالشراء أو بالصدقة أو نحوها فهذه شهادة توجب عند مالك وأصحابه الدار للتي هي في يده دون الذي يشهد له أنها ملكه قديما فهذا ومثله مما يجوز فيه شهادة السماع للذي هي في يده حائظ لها مع تقادم العهد ومضي الزمان ويشهدون أنهم لم يزالوا يسمعون أنها انتقلت من قبل الطالب وآبائه وأجداده إلى أبي الحائز أو جده أو أبي جده بوجه من وجوه انتقال الأملاك إلى المالكين قال مالك لا تجوز شهادة السماع في ملك الدار في خمس سنين قال ابن القاسم إنما تجوز فيما أتت عليه أربعون أو خمسون سنة ولو سمع رجلان رجلين يخبران أن رجلا بعينه أقر عندهما بحق لغيره عليه وأشهدهما على نفسه بذلك لم يجز لهما أن يشهدا على شهادة المخبرين إلا أن يكونا أشهداهما على شهادتهما واختلف عن مالك في شهادة الرجل يسمع رجلا يقر لآخر بحق ولا يشهده بذلك على نفسه فمرة قال يؤدي ما سمع منه إذا سأله المقر له أو رآه طالبا لذلك فيقول له لك عندي شهادة سمعتها ممن يجحدكها ومرة قال لا يشهد بذلك لأني أخشى أن يكون قد أقر بحق كان عليه إلا أن يسمعه يقول هو علي باق إلى وقتي هذا وأمثال ذلك مما يستيقن بقاء الحق عليه في حين إقراره وإذا كان ذلك جازت الشهادة به وهي شهادة عاملة
● [ باب شهادة النساء ] ●
لا تجوز شهادة النساء في شيء من الحدود ولا في النكاح ولا في الطلاق ولا في الرجعة ولا في العتاق ولا في الولاء والأنساب ولا فيما عدى الأموال كالمداينات والمواريث والإجارات والهبات والصدقات وإنما تجوز شهاة النساء في الأموال مع الرجال إذا كان مع كل رجل امرأتان وكذلك تجوز شهادتهن مع الرجال في الوكالة وفي أرش جراح الخطأ وفي الوصية غذا لم يكن فيها عنق وقد قيل إنهن لا تجوز شهادتهن في الوكالة للوكيل ولا في الصوية للوصي وإنما تجوز في الوصية للموصى له دون الموصى إليه إذا لم في الوصة عتق ولا إيضاع نسب وتجوز شهادتهن دون الرجال فيما لا يطلع عليه الرجال من عيوب النساء والحيض والولادة ولا يجوز منهن في ذلك أقل من امرأتين فصاعدا فإن كانت امرأتان إحداهما القابلة وكانت ثقة جازت الشهادة في الولاةدة وتجوز شهادتهن في استهلال المولود دون الرجال ومن أهل المدينة من لا يجيز إلا شهادة الرجال في الاستهلال والعمل عندنا أن الولادة والاستهلال تجوز فيهما شهادة النساء دون الرجال والنساء والرجال ولا يجوز في ذلك شهادة امرأة ولا رجل واحد وتجوز شهادة امرأتين مع يمين الطالب في الأموال عند مالك وأصحابه كما تجوز شهادة الرجل العدل مع يمين الطالب عند جمهور أهل الحجاز وتجوز شهادة امرأتين في الرضاع وإن أدى ذلك إلى فسخ النكاح كما تجوز في الولادة فتنقضي بها العدة وتصير به الأمة أم ولد وهو ضرب من العتق وتجوز شهادتهن مع الرجال في أداء نجوم الكتابة ولو أدى ذلك إلى العتق وقال عبدالملك لو حلف رجل ليقصين رجلا حقه لوقت سماه ثم جاء رجل وامرأتان فشهدوا له على أداء حقه له بالأداء لم يخرج من الحنث لأنهن لا يشهدن في الحنث وقال غيره يخرج من الحنث إذا قضى أنه قد قضاه وقال مالك لو أعتق رجل عبده فجاء غريمه بشاهد وامرأتين أو شاهد ويمين رد عتق العبد وخالفه محمد بن مسلمة وإسماعيل بن إسحاق على جهة التفسير لقوله بما لم أر لذ كره ههنا وجها ولا تجوز شهادة النساء في تعديل الرجال ولا النساء ولا تجريحهما وقال بعض أصحاب مالك ورواه عن مالك وتجوز شهادة النساء العدول بعضهن على بعض في المواضع التي لا يحضرها الرجال مثل المأتم والأعراس والحمامات واعتبرها بشهادة الصبيان في الجراح بعضهم على بعض وتحصيل مذهب مالك أنها لا تجوز في شيء من ذلك
● [ باب شهادة الصبيان ] ●
تجوز شهادة الصبيان فيما بينهم من الجراح خاصة إذا كانوا أحرارا ذكورا وقد قيل إنها تقبل في القتل كما تقبل في الجراح وإن النفس وما دونها في ذلك سواء فيما بينهم والأول تحصيل مذهب مالك ولا تجوز شهادة الإناث ولا العبيد منهم وقد قيل إن شهادة الصبيتين إذا كان معهن صبي تجوز في جراح الخطأ وقتل الخطأ والأول أصل المذهب ولا تجوز شهادة الأحرار الذكور منهم إلا حيث لا يحضرها البالغون لأنه لا ضرورة إليهم إذا حضرها الرجال وإنما تجوز شهادتهم في الجراح والشجاج مالم يفترقوا أو يخببوا أو تختلف أقوالهم مثل أن يشهد منهم صبيان على صبي أنه شج صبيا ويشهد آخران أن غيره من الصبيان شجه تلك الشجة بعينها وإن افترقوا لم تقبل لهم شهادة إلا أن يشهد الرجال العدول على شهادتهم قبل أن يفترقوا ولا تقبل شهادتهم على رجل أنه شج صبيا ولا على صبي أنه شج رجلا ولو اجتمع ستة صبيان فغرقوا صبيا منهم في الماء فمات فشهد منهم اثنان على ثلاثة أنهم غرقوه وشهد الثلاثة على الاثنين أنهما غرقاه كانت الدية على عواقلهم أخماسا خمس الدية على عالقة كل صبي منهم لأنه يدرأ عن نفسه ولا تقبل شهادة بعضهم على بعض ولا خلاف علمته بين العلماء في أنه لا يحلف مع شهادة الصبي الواحد في شيء من جراح الخطأ ولا قتل الخطأ والله أعلم
● [ باب اليمين مع الشاهد ] ●
قال مالك وأصحابه يقضي باليمين مع الشاهد في كل البلاد ويحمل الناس عليه ولا يجوز خلاف ما قالوه من ذلك لتواتر الآثار به عن النبي ص وعن السلف والخلف من أهل المدينة والعمل المستفيض عندهم بذلك وقد ذكرنا الآثار في كتاب التمهيد ولم يلجأ شيوخنا فيه إلى أصل من أصول أهل المدينة وسكلوا فيه سبيل أهل العراق واستتروا فيه بالليث بن سعد وهم يخالفونه كثيرا إلى رأيهم بغير بينة ولا يرونه حجة والله المستعان
● [ مسائل في اليمين مع الشاهد ] ●
كل ما جازت فيه شهادة المرأتين مع الرجال جازت فيه اليمين مع الشاهد الواحد العدل وذلك فيما عدى الأبدان من سائر الأموال وكذلك يحلف الرجل مع شهاةة المرأتين أيضا عند ممالك كما يحلف مع الشاهد العدل وتحلف المرأة والعبد والذمي مع الشاهد العدل ويستحقون حقوقهم ومن أبى أن يحلف مع شاهده وحلف المشهود عليه برئ فإن نكل لزمه الحق بالشاهد الواحد عند نكوله ويحلف الموصى له مع شاهده وإن كان غائبا وكذلك الموهوب له والموضوع له الحق وإن كان غائبا وكذلك المقر له بالحق يحلف كل واحد منهم وإن كان غائبا مع شاهده قال مالك وكذلك الرجل يرث أباه فيجد كتابا لا علم له به ويجد عليه شاهدا واحدا يحلف ويأخذ حقه إن أحب قال وعلى ذلك العمل والأمر الماضي واليمين في هذا كله عند مالك مع البت ويحلف الورثة مع شاهد أبيهم ويستحقون فإن أبوا وعلى أبيهم دين حلف الغرماء واستحقوا عند مالك وأصبحاه أيضا ولا يحل لأحد عندي أن يحلف إلا بما علم ولا يحلف الوصي مع شاهدين في نظره ولكن يحلف المشهود عليه ويبرأ فإن بلغوا واختاروا الحلف حلفوا واستحقوا والكبار يحلفون ويستحقون ولا ينتظرون بلوغ الأصاغر ولا يضر الأصاغر موت الشاهد الذي حلفوا على شهادته ولا موت المطلوب فإذا حلفوا استحقوا في ماله حقوقهم وإن مات المطلوب وأبى الطالب أن يحلف مع شاهده حلف ورثة المطلوب أنهم لا يعلمون الحق على أبيهم وبرئوا وليس لسيد العبد المأذون له أن يحلف إن أبى العبد إلا أن يكون العبد غائبا غيبة بعيدة أو ميتا فيحلف سيده ومن وكل حرا أو عبدا أو امرأة أو ذميا على قضاء حق عليه فقضهوه عنه بشهادة شاهد واحد وأنكر من له الحق أن يكون قبض شيئا حلف كل واحد منهم مع شاهده وبرئ بذلك هو والمطلوب جميعا ويحكم بالشاهد والنكول فيما يحكم فيه بالشاهد واليمين ويحلف المشجوجج خطأ مع شاهجه ويستحق دية جرحه وكذلك سيد العبد في جرح عبده وقد قيل إنه يحلف مع شاهده في جراح العمد ويقتص وهو قول ضعيف لأن أصل اليمين مع الشاهد إنما ورد في الأموال خاصة والله أعلم ومن شهد له شاهد واحد أن فلانا قذفه أحلف له فإن حلف برئ وإن لم يكن له شاهد واحد لم تجب عليه يمين بمجرد الدعوى عند مالك قال مالك وكذلك السنة في دعوى المرأة الطلاق ودعوى العبد العتق
● [ باب الاختلاف في الشهادة وتعارضها ] ●
إذا شهد قوم على شيء أنه كان وشهد آخرون أنه لم يكن فالشهادة شهادة من أثبت لا شهادة من نفى مثال ذلك شهند شهدوا أنه قضاه دينه وشهد آخرون أنه لم يقضه أو شهدوا أنه لم يقذفه أو لم يقر له وشهد آخرون أنه قذفه أو أقر له أو شهدوا أنه لم يطلق وشهدد آخرون أنهم سمعوه طلق فالشهادة في هذا كله وما كان مثله شهادة من أثبت وليس من نفى بشاهد ولا يعرج على قوله فإن شهد عدلان على رجل أنه قتل رجلا في تاريخ أرخوه وشهد عدلان أن المشهود عليه بالقتل كان يوم القتل بأرض بعيدة عن ذلك الموضع فشهادة المثبتين للقتل أولى هذا مذهب مالك وأصحابه وقال إسماعيل بن إسحاق بل ذلك مانع من قبول شهادتهم وقول إسماعيل عندي صحيح لأنه شبهة يدرأ بها الحد ولا ينبغي أن يقدم على الدم إلا باليقين دون الشك وقد احتج إسماعيل على عبدالملك بقوله في رجل قال دمي عند فلان فشهد قوم عدول إن القتل كان بأرض بعيدة يومئذ قال عبدالملك بطلبت القسامة وقال إسماعيل وهذا من قوله يوجب التوقف عن الشهادة الأولى وقال الك إذا اختلف الشهود على الزنى في المواطن أو في الأوقات حدوا حد القذف ولم يحد المشهود عليه ولو اختلفوا كذلك في الشهادة على السرقة لم يقطع ولم يجب عليه غرم وإذا جاء الشهود في الزنى في أوقات مختلفة وكانت شهادتهم واحدة حكم بها إلا أن يحد أحدهم قبل تمامها وقد قيل يحكم بها إذا تمت وقد قيل يحدون إذا جاؤا مفترقين وأنه لا يسقط الحاد عنهم إلا أن يجيئوا مجيئا واحدا وإذا اختلف الشهود على القاذف أو المطلق أو المقر في الأوقات جازت شهادتهم ولو شهد أاحد الشهود على الفعل والثاني على الإقرار جازت الشهادة مثال ذلك رجلان شهد أحدهما على رجل أنه أقر بشرب الخمر وشهد صاحبه أنه رآه يشربها أو شهد أحدهما أنه شجه موضحة وشهد الآخر أنه أقر عنده أنه شجه أو شهد أحدهما أنه سمعه طلق وشهد الآخر أنه أقر أنه طلق ومن أهل العلم بالمدينة جماعة لا يرون هذه شهادة ويبطلونها لاختلافها وقد قال ابن القاسم لو اختلفا فشهد أحدهما أنه قتله ذبحا وشهد الآخر أنه أحارقه بالنار أو أحدهما بالسيف والآخر بالحجر رضخا لم تنفذ شهادتهما وإذا كان الشهود الذين قد تعارضت شهادتهم سواء في العدد والعدالة بطلت الشهادة وإذا كانت البينة الواحدة أظهر ثقة وعدالة قضي بها ولم يلتفت إلى كثرة العدد وإنما ينظر إلى ظاهر العدالة واشتهار الثقة والأمانة وروى ابن وهب عن مالك أنه يستحلف أصحابها مع شهادتهم وإن كانوا أقل عددا إذا كانوا أظهر ثقة وإن تكافأوا وتهاتروا لم تكن شهادة وكان الشيء على أصله
● [ باب جامع الشهادات ] ●
تقبل شهادة القوم إذا لقيهم اللصوص وسلبوهم عليهم إذا كانوا عدولا وإنما يقبل شهغادة الرجلين منهم ملغيرهما ممن سلب معهما ولا تقبل لأنفسهما وتقبل شهادة عدلين غيرهما منهم لهما وكذلك عندهم شهغادة الذين يعطبون في البحر بعضهم لبعض وتجوز شهادة هؤلاء ومن كان مثلهم من المسافرين بالتوسم والهيئات لأنها ضرورات ومن كانت عنده شهادة لرجل لا يعلم بها صاحبها فليخبره بها ويؤدها إلى الحاكم ومن أدخله ردلان بينهما للصلح فأصلح بينهما ثم جاءه أحدهما يطلب منه الشهادة على ما أقر به صاحبه دونه فلا يشهد وله أن يشهد بالصلح وأن قال رجلان اسمع منا ولا تشهد علينا فلا يسمع فإن فعل واحتيج إلى شهادته فليؤدها ومن كتب اسمه في وصية مطبوع عليها ثم أثبت واستيقن أنها هي جازت شهادته بها وينفذ ما فيها من عتق وغيره إذا كانا شاهدين فصاعدا وإن كان واحدا جازت في الوصايا مع يمين الطالب ومن عرف شهادته بخطه فلم يذكرها فلا يشهد إن استراب شيئا من الكتاب وأن لم يكن فيه شيء يستريبه فليشهد وينبغي للحاكم أن يقضي بشهادته في ذلك إذا شهد عنده أنه خط يده وأن لم يشهد عنده على عدة المال وشبهه وليست الشهادة في الوراثة شهادة إذا قال لا أعلم له وارثا بهذا المصر أو بهذا ا لبلد حتى يقول لا أعلم له وارثا غير من ذكرت بشيء من البلدان ولا يقول ليس له وارث بشيء من البلدان على البتات فإنه يخاف عليه في مثل هذا القول الزور وقد كان بعض أصحاب الك منهم محمد بن مسلمة وعبدالملك يرويان أن تبت الشهادة في ذلك والذي أقول به في هذا أن البتات متصرف إلى العلم أي لا وارث له في الأرض وفي الدنيا غيرهم في علمي ومن شهد له شاهد واحد أنه لا وارث للمميت غيره فإن لم يأت أحد حلف مع شاهده وأعطي المال ولا يجوز بذلك نسب ولا ولاء وإذا شهد قوم إن هذه الأرض للمدعي فلان ولم يقفوا على حدودها وشهد آخرون أن حدود هذه الأرض كذا وكذا ولم يشهدوا بالملك قضي بالشهادتين عند مالك للمدعي بالأرض ولا تجوز الشهادة على الخط إلا في رجل كتب بخط يده أن لفلان عنده كذا ثم جحده فإن هذا الموضوع فيه الشهادة على خطه فإذا شهد فيه عدلان أنه خطه لا يشكان يه قضي به عليه من غير يمين الطالب ولو اجتهد الحكم في هذا الموضع فحلف الطالب لقد شهد شهودده بحق كان حسنا وكان ذلك قد روي عن مالك وقد روي عن مالك إجازة الشهادة على الخط في كل شيء مطلقا وروي عنه أنه لا يحكم بالشهادة على الخط في شيء من الأشياء ومذهب أصابه الشهادة على خط الشاهد في الأحباس المتقادمة اجتهادا وقد قيل إنه من شهد له شاهدان على خط غريمه بما ادعاه عليه وهو جاحد أنه لا يحكم له بمجرد الشهادة على خطة حتى يحلف معها فإذا حلف أنه لق وما اقتضيت منه شيئا أعطي حقه فإن كان طالب الحق ميتا حلف ورثته على البت أيضا أنه لحق وما علمناه اقتضى منه شيئا هذا كله رواه ابن وهب عن مالك أيضا ولو كان المشهود على خطه ميتا لزم القضاء في ماله ولا يستحلف أحاد مع بينة غير من ذكرنا إلا من ادعى على ميت دينا وأقام بينة لم يقض له حتى يحلف أنه ما قبض منه شيئا ولا أبرأ ولا وهب هذا احتياط للميت واختلف قول مالك فيمن شهد له شاهد واحد على الخط فمرة قال يحكم له بشهادة شاهده مع يمينه ومرة قال لا يحكم بذلك ومن أثبت شهادته في كتاب فطولب بها فزعم المشهود عليه أنه قد أدى ذلك الحق فلا يشهد الشاهد حتى يؤتى بالكتاب الذي فيه شهادته بخطه لأن الذي عليه أكثر الناس أخذ الوثائق إذا أدوا الديون وقد اختلفوا في الذي عليه الدين يأتي بالوثيقة فيها ذكر الدين عليه ويزعم أنها لم تصر عنده إلا بدفع رب الدين إياها إليه بعد أداء الدين وزعم رب الدين أنها سقطت له فوجدها أو سرقها فقيل يشهد له لإمكان ما ذكره وقيل لا يشهد لأن رب الدين لم يأت بما يشبه في الأغلب لأن الأغلب دفع الوثيقة إلى من هي عليه إذا أدى الدين وأما الحاكم فيجتهد في ذلك أن شهد عنده ومن حلف على دعوى ثم وجدت عليه بينة فإن كان للمدعي عذر في تأخيرها حكم له بها وإن لم يكن فه عذر في ذلك لعن مالك فيها روايتان إحداهما أنه يحكم له ببينته على كل حال لأن البينة العادلة أولى أن يقضى بها من اليمين الفاجرة والأخرى أنه لا يجحكم بها لأنه كأنه أسقطها إذ علم بها ورضي بيمينه وروى أهل المدينة عن مالك فيمن سمع رجلا يقر بحق لرجل أنه لا يشهد له حتى يستشهد لجوا أن يكون خبرا عما تقدم إلا أن يقول المقر ذلك علي إلى وقتي هذا ونحو ذلك من اليقين ومن أقر في الخلاء لغريمه وجحده فيالملأ فجائز أن يجعل له خلف حائط أو ستر من يسمع إقراره وأما الضعيف المخدوع والخائف فلا يجوز لأحد أن يستتر عنه ليسمع في تلك الحال منه ولا تجوز الشهادة في مثال ذلك ويؤدب شاهد الزور ويطاف به ويشهر أمره ولا تقبل شهادته بعده وقد قرن الله الله عز وجل شهادة الزور بالكفر فقال : {فَاجْتَنِبُوا الرِّجْسَ مِنَ الأَوْثَانِ وَاجْتَنِبُوا قَوْلَ الزُّورِ} (الحج: من الآية30) وقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : "شهادة الزور من الكبائر" وروي عنه عليه السلام أنه قال: "لا تزول قدما شاهد الزور من مقامه حتى يتبوأ مقعده من جهنم"
ولو تراضى رجلان بشهادة رجل وأشهدا على ذلك فلما شهد الرجل رجع المشهود عليه كان ذلك له ولم تكن الشهادة عاملة ولا تقبل شهادة غير المسلمين العدول لا على من كان على مثل دينهم ولا غير دينهم وإذا لم تقبل شهادة الفساق من المسلمين فأحرى أن لا تجوز شهادة الكفار على أحد وبالله التوفيق
● [ باب الرجوع عن الشهادة ] ●
من رجع عن الشهادة قبل أن يحكم بها لم يحكم بها ومن عرض في حاله بعد أداء شهادته ما يوجب ردها ردت مالم يحكم بها مثل أن يقذف قبل أن ينفد الحكم بشهادته أو يأتي بذنب من الكبائر أو تظهر منه خونة ترد معها شهادته فإن كان ذلك أو شيء منه لم يقض بشهادته وإن مات لم يضرها موته وحكم بها وإذا شهد شاهدان وحكم بشهادتهما ثم رجعا عن شهادتهما وذكرا أنهما غلطا لم ينقض الحكم المنعقد بشهادتهما وغرما ما أتلفاه على المشهود عليه بشهادتهما وكذلك لو تعمدا الكذب غرما وقد قيل إن غلطا فلا شيء عليهما والأول أولى لأن الموال تضمن بالخطأ ولو رجع أحدهما عن شهغادته غرم نصف ما شهد به وإذا شهد شاهدان على رجل أنه أعتق عبده فأعتقه الحاكم عليه ثم رجعا عن شهادتهما لم يرد العبد في الرق ويضمنان قيمة العبد لصاحبه سواء تعمدا أو أشبه عليهما وقد قيل إنهما إن شبه عليهما لم يضمنا والأول أقيس لأن سبيل الأموال إن تضمن بالخطأ كما تضمن بالعمد وعلى كل حال ولاء لعبد لمعتقه ولو شهدا على رجل ببيع عبده من رجل ثم أقرا أنهما شهدا بزور قوم العبد فإن كانت قيمته أكثر من الثمن غرما فضل القيمة لربه وإن كان المبتاع هو المشهود عليه للبائع لزمهما دفع الثمن وأخذا العبد لأنفسهما إن شاء المبتاع ذلك ولو شهدا على رجل أنه تزوج امرأة وطلقها قبل الدخول ثم اعترفا بالكذب غرما للمشهود عليه النصف من الصداق الذي ألزماه بشهادتهما ولو شهدا عليه في زوجة له أنه دخل بها وطلقها بعد الدخول وهو مقر بالنكاح والطلاق منكر للدخول ثم رجعا عن شهادتهما غرما له نصف الصداق الذي لزمه بشهادتهما ولو كانت زوجة مدخولا بها فشهدا بطلاقها ثم اعترفا بالكذب فلا غرم عليهما لأنهما أتلفا متعة لا مالا وقد قيل إنهما يضمنان ههنا صداق مثلها والأول قول مالك وإن أراد أحدهما نكاحها لم يكن ذلك له ولو شهدا أنه أعتق مكاتبته قرما قيمة كتابتها إن رجعا عن شهادتهما ولو شهدا عليه أنه أعتق أم ولده ثم رجعا لم يلزمهما شيء ولو شهدا بجرح أو قتل أو ما يوجب رجما فقتل بشهادتهما ثم اعترفا بالزور اقتص منهما وإن قالا شبه علينا غرما الدية في أموالهما وقد قيل إنها دية في أموالهما على كل حال ولا قصاص والأول أصح وبه يقول أشهب فإن رجع أحد الشهود الأربعة في الزنى قبل أن يقضي القاضي بشهادتهم حدوا كلهم حد القذف ولم يقم حد الزنى وقد قيل يحد الارجع خاصة فإن رجع أحدهم بعد الرجم غرم ربع الدية وإن رجع الثاني غرم نصف الدية وهكذا على الحساب أبدا ويحدون حد الفرية ولا يحد قاذفهم ولو كان الشهود على الزنى أكثر من أربعة فرجع بعضهم وبقي من تتم به الشهادة فلا غرم على من رجع وكل من أتلف بشهادته شيئا من الأموال ثم رجل عن شهادته ضمن ما أتلف وإن كان شاهدا واحدا مع يمين ضمن نصف المتلف ومن شهد شهادة في عتق عبد فلم يقبل حده بم ابتاعه عتق عليه لإقراره بحريته
الكافي في فقه أهل المدينة
الفقه المالكي
تأليف: أبو عمر يوسف بن عبد الله القرطبي
منتدى ميراث الرسول - البوابة