بّسم الله الرّحمن الرّحيم
مختارات من فتح البارى
شرح صحيح البخارى
كتاب الإيمان
بَاب إِطْعَامُ الطَّعَامِ مِنْ الْإِسْلَامِ
بَاب إِطْعَامُ الطَّعَامِ مِنْ الْإِسْلَامِ ، حَدَّثَنَا عَمْرُو بْنُ خَالِدٍ قَالَ: حَدَّثَنَا اللَّيْثُ عَنْ يَزِيدَ عَنْ أَبِى الْخَيْرِ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو رَضِى اللَّهُ عَنْهُمَا ( أَنَّ رَجُلًا سَأَلَ النَّبِى صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَى الْإِسْلَامِ خَيْرٌ؟ قَالَ : تُطْعِمُ الطَّعَامَ، وَتَقْرَأُ السَّلَامَ عَلَى مَنْ عَرَفْتَ وَمَنْ لَمْ تَعْرِفْ ).
الشرح
قوله : (باب) هو منون، وفيه ما فى الذى قبله. قوله: (من الإسلام) للأصيلى"من الإيمان"، أى: من خصال الإيمان. ولما استدل المصنف على زيادة الإيمان ونقصانه بحديث الشعب، تتبع ما ورد فى القرآن والسنن الصحيحة من بيانها، فأورده فى هذه الأبواب تصريحا وتلويحا، وترجم هنا بقوله : " إطعام الطعام " ولم يقل أى الإسلام خير كما فى الذى قبله إشعارا باختلاف المقامين وتعدد السؤالين كما سنقرره.
(1/56) قوله : (حدثنا عمرو بن خالد) هو الحرانى، وهو بفتح العين، وصحف من ضمها.
قوله : (الليث) هو ابن سعد فقيه أهل مصر، عن يزيد هو ابن أبى حبيب الفقيه أيضا.
قوله : (أن رجلا) لم أعرف اسمه، وقيل أنه أبو ذر، وفى ابن حبان أنه هانئ بن يزيد والد شريح. سأل عن معنى ذلك فأجيب بنحو ذلك.
قوله: (أى الإسلام خير؟) فيه ما فى الذى قبله من السؤال، والتقدير: أى خصال الإسلام؟ وإنما لم أختر تقدير خصال فى الأول فرارا من كثرة الحذف، وأيضا فتنويع التقدير يتضمن جواب من سأل فقال: السؤالان بمعنى واحد والجواب مختلف. فيقال له : إذا لاحظت هذين التقديرين بان الفرق. ويمكن التوفيق بأنهما متلازمان، إذ الإطعام مستلزم لسلامة اليد والسلام لسلامة اللسان، قاله الكرمانى. وكأنه أراد فى الغالب ويحتمل أن يكون الجواب اختلف لاختلاف السؤال عن الأفضلية، إن لوحظ بين لفظ أفضل ولفظ خير فرق. وقال الكرمانى: الفضل بمعنى كثرة الثواب فى مقابلة القلة، والخير بمعنى النفع فى مقابلة الشر، فالأول من الكمية والثانى من الكيفية فافترقا. واعترض بأن الفرق لا يتم إلا إذا اختص كل منهما بتلك المقولة، أما إذا كان كل منهما يعقل تأتيه فى الأخرى فلا. وكأنه بنى على أن لفظ خير اسم لا أفعل تفضيل، وعلى تقدير اتحاد السؤالين جواب مشهور وهو الحمل على اختلاف حال السائلين أو السامعين، فيمكن أن يراد فى الجواب الأول تحذير من خشى منه الإيذاء بيد أو لسان، فأرشد إلى الكف، وفى الثانى ترغيب من رجى فيه النفع العام بالفعل والقول فأرشد إلى ذلك، وخص هاتين الخصلتين بالذكر لمسيس الحاجة إليهما فى ذلك الوقت، لما كانوا فيه من الجهد، ولمصلحة التأليف. ويدل على ذلك أنه عليه الصلاة والسلام حث عليهما أول ما دخل المدينة، كما رواه الترمذى وغيره مصححا من حديث عبد الله بن سلام.
قوله : (تطعم) هو فى تقدير المصدر، أى: أن تطعم، ومثله تسمع بالمعيدى. وذكر الإطعام ليدخل فيه الضيافة وغيرها.
قوله : (وتقرأ) بلفظ مضارع القراءة بمعنى تقول، قال أبو حاتم السجستانى: تقول : اقرأ عليه السلام، ولا تقول أقرئه السلام، فإذا كان مكتوبا قلت أقرئه السلام أى اجعله يقرأه.
قوله : (ومن لم تعرف) أى: لا تخص به أحدا تكبرا أو تصنعا، بل تعظيما لشعار الإسلام ومراعاة لأخوة المسلم. فإن قيل: اللفظ عام فيدخل الكافر والمنافق والفاسق. أجيب: بأنه خص بأدلة أخرى أو أن النهى متأخر وكان هذا عاما لمصلحة التأليف، وأما من شك فيه فالأصل البقاء على العموم حتى يثبت الخصوص.
(تنبيهان):
الأول - أخرج مسلم من طريق عمرو بن الحارث عن يزيد بن أبى حبيب بهذا الإسناد نظير هذا السؤال، لكن جعل الجواب كالذى فى حديث أبى موسى، فادعى ابن منده فيه الاضطراب. وأجيب: بأنهما حديثان اتحد إسنادهما، وافق أحدهما حديث أبى موسى ولثانيهما شاهد من حديث عبد الله بن سلام كما تقدم.
الثانى - هذا الإسناد كله بصريون، والذى قبله كما ذكرنا كوفيون، والذى بعده من طريقيه بصريون، فوقع له التسلسل فى الأبواب الثلاثة على الولاء. وهو من اللطائف.
فتح البارى . للإمام ابن حجر العسقلانى
بَاب إِطْعَامُ الطَّعَامِ مِنْ الْإِسْلَامِ ، حَدَّثَنَا عَمْرُو بْنُ خَالِدٍ قَالَ: حَدَّثَنَا اللَّيْثُ عَنْ يَزِيدَ عَنْ أَبِى الْخَيْرِ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو رَضِى اللَّهُ عَنْهُمَا ( أَنَّ رَجُلًا سَأَلَ النَّبِى صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَى الْإِسْلَامِ خَيْرٌ؟ قَالَ : تُطْعِمُ الطَّعَامَ، وَتَقْرَأُ السَّلَامَ عَلَى مَنْ عَرَفْتَ وَمَنْ لَمْ تَعْرِفْ ).
الشرح
قوله : (باب) هو منون، وفيه ما فى الذى قبله. قوله: (من الإسلام) للأصيلى"من الإيمان"، أى: من خصال الإيمان. ولما استدل المصنف على زيادة الإيمان ونقصانه بحديث الشعب، تتبع ما ورد فى القرآن والسنن الصحيحة من بيانها، فأورده فى هذه الأبواب تصريحا وتلويحا، وترجم هنا بقوله : " إطعام الطعام " ولم يقل أى الإسلام خير كما فى الذى قبله إشعارا باختلاف المقامين وتعدد السؤالين كما سنقرره.
(1/56) قوله : (حدثنا عمرو بن خالد) هو الحرانى، وهو بفتح العين، وصحف من ضمها.
قوله : (الليث) هو ابن سعد فقيه أهل مصر، عن يزيد هو ابن أبى حبيب الفقيه أيضا.
قوله : (أن رجلا) لم أعرف اسمه، وقيل أنه أبو ذر، وفى ابن حبان أنه هانئ بن يزيد والد شريح. سأل عن معنى ذلك فأجيب بنحو ذلك.
قوله: (أى الإسلام خير؟) فيه ما فى الذى قبله من السؤال، والتقدير: أى خصال الإسلام؟ وإنما لم أختر تقدير خصال فى الأول فرارا من كثرة الحذف، وأيضا فتنويع التقدير يتضمن جواب من سأل فقال: السؤالان بمعنى واحد والجواب مختلف. فيقال له : إذا لاحظت هذين التقديرين بان الفرق. ويمكن التوفيق بأنهما متلازمان، إذ الإطعام مستلزم لسلامة اليد والسلام لسلامة اللسان، قاله الكرمانى. وكأنه أراد فى الغالب ويحتمل أن يكون الجواب اختلف لاختلاف السؤال عن الأفضلية، إن لوحظ بين لفظ أفضل ولفظ خير فرق. وقال الكرمانى: الفضل بمعنى كثرة الثواب فى مقابلة القلة، والخير بمعنى النفع فى مقابلة الشر، فالأول من الكمية والثانى من الكيفية فافترقا. واعترض بأن الفرق لا يتم إلا إذا اختص كل منهما بتلك المقولة، أما إذا كان كل منهما يعقل تأتيه فى الأخرى فلا. وكأنه بنى على أن لفظ خير اسم لا أفعل تفضيل، وعلى تقدير اتحاد السؤالين جواب مشهور وهو الحمل على اختلاف حال السائلين أو السامعين، فيمكن أن يراد فى الجواب الأول تحذير من خشى منه الإيذاء بيد أو لسان، فأرشد إلى الكف، وفى الثانى ترغيب من رجى فيه النفع العام بالفعل والقول فأرشد إلى ذلك، وخص هاتين الخصلتين بالذكر لمسيس الحاجة إليهما فى ذلك الوقت، لما كانوا فيه من الجهد، ولمصلحة التأليف. ويدل على ذلك أنه عليه الصلاة والسلام حث عليهما أول ما دخل المدينة، كما رواه الترمذى وغيره مصححا من حديث عبد الله بن سلام.
قوله : (تطعم) هو فى تقدير المصدر، أى: أن تطعم، ومثله تسمع بالمعيدى. وذكر الإطعام ليدخل فيه الضيافة وغيرها.
قوله : (وتقرأ) بلفظ مضارع القراءة بمعنى تقول، قال أبو حاتم السجستانى: تقول : اقرأ عليه السلام، ولا تقول أقرئه السلام، فإذا كان مكتوبا قلت أقرئه السلام أى اجعله يقرأه.
قوله : (ومن لم تعرف) أى: لا تخص به أحدا تكبرا أو تصنعا، بل تعظيما لشعار الإسلام ومراعاة لأخوة المسلم. فإن قيل: اللفظ عام فيدخل الكافر والمنافق والفاسق. أجيب: بأنه خص بأدلة أخرى أو أن النهى متأخر وكان هذا عاما لمصلحة التأليف، وأما من شك فيه فالأصل البقاء على العموم حتى يثبت الخصوص.
(تنبيهان):
الأول - أخرج مسلم من طريق عمرو بن الحارث عن يزيد بن أبى حبيب بهذا الإسناد نظير هذا السؤال، لكن جعل الجواب كالذى فى حديث أبى موسى، فادعى ابن منده فيه الاضطراب. وأجيب: بأنهما حديثان اتحد إسنادهما، وافق أحدهما حديث أبى موسى ولثانيهما شاهد من حديث عبد الله بن سلام كما تقدم.
الثانى - هذا الإسناد كله بصريون، والذى قبله كما ذكرنا كوفيون، والذى بعده من طريقيه بصريون، فوقع له التسلسل فى الأبواب الثلاثة على الولاء. وهو من اللطائف.
فتح البارى . للإمام ابن حجر العسقلانى