أخبرنا الشيخ الإمام علم الدين أبو الحسن علي بن أبي الفتح محمود بن أحمد المحمودي الصابوني قراءة عليه وأنا اسمع قال : أخبرنا أبو المطهر القاسم بن الفضل بن عبد الواحد الصيدلاني إجازة قال : أخبرنا أبو بكر أحمد بن علي بن عبد الله بن عمر بن خلف الشيرازي ثم النيسابوري قال : أخبرنا الحاكم أبو عبد الله محمد بن عبد الله بن محمد بن حمدوية بن نعيم الحافظ النيسابوري قال :
الحمد لله ذي المن والإحسان والقدرة والسلطان الذي أنشأ الخلق بربوبيته وجنسهم بمشيئته واصطفى منهم طائفة أصفياء وجعلهم بررة أتقياء فهم خواص عباده وأوتاد بلاده ويصرف عنهم البلايا ويخصهم بالخيرات والعطايا فهم القائمون بإظهار دينه والمتمسكون بسنن نبيه فله الحمد على ما قدر وقضى وأشهد أن لا إله إلا الله الذي زجر عن اتخاذ الأولياء دون كتابه واتباع الخلق دون نبيه صلى الله عليه و سلم وأشهد أن محمد عبده المصطفى ورسوله المجتبى بلغ عنه رسالته فصلى الله عليه آمرا وناهيا ومبيحا وزاجرا وعلى آله الطيبين
قال الحاكم رحمه الله :
أما بعد فإني لما رأيت البدع في زماننا كثرت ومعرفة الناس بأصول السنن قلت مع إمعانهم في كتابة الأخبار وكثرة طلبها على الإهمال والإغفال دعاني ذلك إلى تصنيف كتاب خفيف يشتمل على ذكر أنواع علم الحديث مما يحتاج إليه طلبة الأخبار والمواظبون على كتابة الآثار وأعتمد في ذلك سلوك الإختصار دون الإطناب في الإكثار والله الموفق لما قصدته والمان في بيان ما أردته إنه جواد كريم رءوف رحيم
حدثنا أبو العباس محمد بن يعقوب ثنا إبراهيم بن مرزوق البصري بمصر ثنا وهب بن جرير ثنا شعبة عن معاوية بن قرة قال : سمعت أبي يحدث عن النبي صلى الله عليه و سلم قال : [ لا يزال ناس من أمتي منصورين لا يضرهم من خذلهم حتى تقوم الساعة ]
سمعت أبا عبد الله محمد بن علي بن عبد الحميد الآدمي بمكة يقول : سمعت موسى ابن هارون يقول : سمعت أحمد بن حنبل يقول : وسئل عن معنى هذا الحديث فقال : إن لم تكن هذه الطائفة المنصور أصحاب الحديث فلا أدري من هم
قال أبو عبد الله : وفي مثل هذا قيل من أمر السنة على نفسه قولا وفعلا نطق بالحق فلقد أحسن أحمد بن حنبل في تفسير هذا الخبر أن الطائفة المنصورة التي يرفع الخذلان عنهم إلى قيام الساعة هم أصحاب الحديث ومن أحق بهذا التأويل من قوم سلكو محجة الصالحين واتبعوا آثار السلف من الماضين ودمغوا أهل البدع والمخالفين بسنن رسول الله صلى الله عليه و سلم وعلى آله أجمعين من قوم آثرو قطع المفاوز والقفار على التنعم في الدمن والأوطار وتنعموا بالبؤس في الأسفار مع مساكنة العلم والأخبار وقنعوا عند جمع الأحاديث والآثار بوجود الكسر والأطمار قد رفضوا الإلحاد الذي تتوق إليه النفوس الشهوانية وتوابع ذلك من البدع والأهواء والمقاييس والآراء والزيع جعلوا المساجد بيوتهم وأساطينها تكاهم وبواريها فرشهم حدثنا أبو الحسن علي بن محمد بن عقبة الشيباني بالكوفة ثنا محمد بن الحسين بن أبي الحنين ثنا عمر بن حفص بن غياث قال : سمعت أبي وقيل له : ألا تنظر إلى أصحاب الحديث وما هم فيه ؟ قال : هم خير أهل الدنيا
وحدثني أبو بكر محمد بن جعفر المزكي ثنا أبو بكر محمد بن إسحاق قال : سمعت علي بن خشوم يقول سمعت أبا بكر بن عياش يقول : إني لأرجو أن يكون أصحاب الحديث خير الناس يقيم أحدهم ببابي وقد كتب عني فلو شاء أن يرجع ويقول حدثني أبو بكر جميع حديثه فعل إلا أنهم لا يكذبون
قال أبو عبد الله : ولقد صدقا جميعا أن أصحاب الحديث خير الناس وكيف لا يكونون كذلك وقد نبذوا الدنيا بأسرها ورائهم وجعلوا غذائهم الكتابة وسمرهم المعارضة واسترواحهم المذاكرة وخلوقهم المداد ونومهم السهاد ونومهم السهاد وأصطلاءهم الضياء وتوسدهم الحصى فالشدائد مع وجود الأسانيد العالية عندهم رخاء ووجود الرخاء مع فقد ما طلبوه عندهم بؤس فعقولهم بلذاذة السنة غامرة تعلم السنن سرورهم ومجالس العلم حبورهم وأهل السنة قاطبة إخوانهم و أهل الإلحاد والبدع بأسرها أعداؤهم
سمعت أبا الحسين محمد بن أحمد الحنظلي ببغداد يقول سمعت أبا إسماعيل محمد بن إسماعيل الترمذي يقول : كنت أنا و أحمد بن الحسن الترمذي عند أبي عبد الله أحمد بن محمد بن حنبل فقال له أحمد بن الحسن : يا أبا عبد الله ذكروا لإبن أبي فتيلة بمكة أصحاب الحديث فقال : أصحاب الحديث قوم سوء فقام أبو عبد الله وهو ينفض ثوبه فقال : زنديق ! زنديق ! زنديق ! ودخل البيت
سمعت أبا علي الحسين بن علي الحافظ يقول سمعت جعفر بن محمد بن سنان الواسطي يقول سمعت أحمد بن سنان القطان يقول : ليس في الدنيا متبدع إلا وهو يبغض أهل الحديث وإذا ابتدع الرجل نزع حلاوة الحديث من قلبه
سمعت أبا نصر أحمد بن سهل الفقيه ببخارا يقول سمعت أبا نصر أحمد بن سلام الفقيه يقول ليس شي أثقل على أهل الإلحاد ولا أبغض إليه من سماع الحديث وروايته بإسناد
قال أبو عبد الله : وعلى هذا عهدنا في أسفارنا وأوطاننا كل من ينسب إلى نوع الإلحاد والبدع لا ينظر إلى الطائفة المنصورة إلا بعين الحقارة ويسميها الحشوية سمعت الشيخ أبا بكر أحمد بن إسحاق الفقيه وهو يناظر رجلا فقال الشيخ : حدثنا فلان فقال له الرجل دعنا من حدثنا إلى متى حدثنا فقال له الشيخ قم يا كافر ولا يحل لك أن تدخل داري بعد هذا ثم التفت إلينا فقال : ما قلت قط لأحد لا تدخل داري إلا لهذا
● [ النوع الأول ] ●
معرفة على الإسنادقال أبو عبد الله : النوع الأول من هذه العلوم معرفة عالي الإسناد وفي طلب الإسناد العالي سنة صحيحة
حدثنا أبو العباس محمد بن يعقوب ثنا محمد بن إسحاق الصغاني ثنا أبو النضر ثنا سليمان بن المغيرة عن ثابت عن أنس قال : [ كنا نهينا أن نسأل رسول الله صلى الله عليه و سلم عن شيء فكان يعجبنا أن يأتيه الرجل من أهل البادية فيسأله ونحن نسمع فأتاه رجل منهم فقال : ( يا محمد أتانا رسولك فزعم أنك تزعم أن الله أرسلك قال : صدق قال : فمن خلق السماء ؟ قال : الله قال : فمن جعل فيها هذه المنافع ؟ قال : الله قال : فبالذي خلق السماء والأرض ونصب الجبال وجعل فيها هذه المنافع آلله أرسلك ؟ قال : نعم قال : وزعم رسولك أن علينا خمس صلوات في يومنا وليلتنا قال : صدق قال : فبالذي أرسلك آلله أمرك بهذا ؟ قال : نعم قال : وزعم رسولك أن علينا صدقة في أموالنا ؟ قال : صدق قال فبالذي أرسلك : آلله أمرك بهذا ؟ قال : نعم قال : وزعم رسولك أن علينا صوم شهر في سنتنا قال : صدق قال : فبالذي أرسلك آلله أمرك بهذا ؟ قال : نعم قال : وزعم رسولك أن علينا حج البيت من استطاع إليه سبيلا قال : صدق قال : فالبذي أرسلك آلله أمرك بهذا ؟ قال : نعم قال : والذي بعثك بالحق لا أزيد عليهن ولا أنقص منهن فلما مضى قال : ( لئن صدق ليدخلن الجنة ]
وقال أبو عبد الله : وهذا حديث مخرج في المسند الصحيح لمسلم وفيه دليل على إجازة طلب المرء العلو في الإسناد وترك الإقتصار على النزول فيه وإن كان سماعه عن الثقة إذ البدوي لما جاءه رسول الله صلى الله عليه و سلم فأخبره ما فرض الله عليهم لم يقنعه ذلك حتى رحل بنفسه إلى رسول الله صلى الله عليه و سلم وسمع منه ما بلغه الرسول عنه ولو كان طلب العلو في الإسناد غير مستحب لأنكر عليه المصطفى صلى الله عليه و سلم إياه عما أخبره رسوله عنه ولأمره بالإقتصار على ما أخبره الرسول عنه
وقد حدثنا أبو العباس القاسم بن القاسم السياري بمرو حدثنا أبو الموجه محمد بن عمرو ثنا عبدان قال : سمعت عبد الله بن المبارك يقول : الإسناد من الدين ولولا الإسناد قال من شاء ما شاء
قال أبو عبد الله : فلولا الإسناد وطلب هذه الطائفة له وكثرة مواظبتهم على حفظه لدرس منار الإسلام ولتمكن أهل الإلحاد والبدع فيه بوضع الأحاديث وقل الأسانيد فإن الأخبار إذا تعرت عن وجود الأسانيد فيها كانت بترا كما حدثنا أبو العباس محمد بن يعقوب ثنا العباس بن محمد الدوري ثنا أبو بكر بن أبي الأسود ثنا إبراهيم أبو إسحاق الطالقاني ثنا بقية ثنا عتبة بن أبي حكيم أنه كان عند إسحاق بن أبي فروة وعند الزهري قال فجعل ابن أبي فروة يقول : قال رسول الله صلى الله عليه و سلم قال رسول الله صلى الله عليه و سلم فقال له الزهري : قاتلك الله يا ابن أبي فروة ما أجرأك على الله لا تسند حديثك ؟ تحدثنا بأحاديث ليس لها خطم ولا أزمة !
قال أبو عبد الله : فأما طلب العالي من الأسانيد فإنها مسنونة كما ذكرناه وقد رحل في طلب الإسناد العالي غير واحد من الصحابة فمن ذلك ما أخبرنا أبو الحسن محمد بن عبد الله بن موسى السني بمرو أخبرنا أبو الموجه ثنا عبدان أنا أبو حمزة و ابن عيينة و ابن المبارك قالوا ثنا صالح بن صالح قال سأل رجل من أهل خراسان عامرا فقال : يا أبا عمرو كيف تقول في رجل كانت له وليدة فأعتقها فتزوجها ؟ فإنا نقول عندنا هو كالراكب بدنة فقال حدثنا أبو بردة بن أبي موسى الأشعري عن أبيه قال : [ قال رسول الله صلى الله عليه و سلم من كانت له وليدة فأدبها فأحسن تأديبها وعلمها فأحسن تعليمها ثم أعتقها فتزوجها فله أجران وأيما عبد مملوك أدى حق الله وحق مواليه فله أجران أعطيتكها بغير أجر ] فقد كان الراكب يركب فيما هو أدنى من هذا إلى المدينة
قال أبو عبد الله : فهذا الراكب إنما كان يركب في طلب عالي الإسناد ولو اقتصر على النازل لوجد بحضرته من يحدثه به
ومنه ما حدثنا
علي بن حمشاذ العدل ثنا بشر بن موسى ثنا الحميدي ثنا سفيان حدثنا ابن جريج قال : سمعت أبا سعيد الأعمى يحدث عن عطاء بن أبي رباح قال خرج أبو أيوب إلى عقبة بن عامر يسأله عن حديث سمعه من رسول الله صلى الله عليه و سلم ولم يبق أحد سمعه من رسول الله صلى الله عليه و سلم غيره وغير عقبة فلما قدم إلى منزل مسلمة بن مخلد الأنصاري ـ وهو أمير مصر ـ فأخبره فعجل عليه فخرج إليه فعانقه ثم قال له : ما جاء بك يا أبا أيوب ؟ فقال حديث سمعته من رسول الله صلى الله عليه و سلم لم يبق أحد سمعه من رسول الله صلى الله عليه و سلم غيري وغير عقبة فابعث من يدلني على منزله قال فبعث معه من يدله على منزل عقبة فأخبر عقبة فعجل فخرج إليه فعانقه فقال : ما جاء بك يا أبا أيوب ؟ فقال : حديث سمعته من رسول الله صلى الله عليه و سلم لم يبق أحد سمعه من رسول الله صلى الله عليه و سلم غيري وغيرك في ستر المؤمن قال عقبة : نعم سمعت رسول الله صلى الله عليه و سلم [ يقول من ستر مؤمنا في الدنيا على خزيه ستره الله يوم القيامة ] فقال له أبو أيوب : صدقت ثم انصرف أبو أيوب إلى راحلته فركبها راجعا إلى المدينة فما أدركته جائزة مسلمة بن مخلد إلا بعريش مصر
قال أبو عبد الله : فهذا أبو أيوب الأنصاري على تقدم صحبته وكثرة سماعه من رسول الله صلى الله عليه و سلم رحل إلى صحابي من أقرانه في حديث واحد لو اقتصر على سماعه من بعض أصحاب لأمكنه
ومنه ما حدثنا أبو بكر أحمد بن إسحاق الفقيه ثنا الحسن بن علي بن زياد ثنا إسحاق بن محمد الفروري ثنا مالك عن يحيى بن سعيد عن سعيد بن المسيب قال : إني كنت لأسافر مسيرة الأيام والليالي في الحديث الواحد
ومنه ما أخبرني أبو جعفر محمد بن أحمد التميمي من كتابه ثنا عبد الله من محمد الاسفرائني ثنا نصر بن مرزوق قال : سمعت عمرو بن أبي سلمة يقول قلت للأوزاعي : يا أبا عمرو أنا ألزمك منذ أربعة أيام ولم أسمع منك إلا ثلاثين حديثا قال : وتستقل ثلاثين حديثا في أربعة أيام ! لقد سار جابر بن عبد الله إلى مصر واشترى راحلة فركبها حتى سأل عقبة بن عامر عن حديث واحد وانصرف إلى المدينة وأنت مستقل ثلاثين حديثا في أربعة أيام
قال أبو عبد الله : و جابر بن عبد الله على كثرة حديثة وملازمته رسول الله صلى الله عليه و سلم رحل إلى من هو مثله أو دونه مسافة بعيدة في طلب حديث واحد
أخبرني أبو عمر عبد الواحد بن أحمد بن محمد بن عمر القرشي ثنا أبي ثنا جعفر الطيالسي قال : سمعت يحيى بن معين يقول أربعة لا تؤنس منهم رشدا : حارس الدرب ومنادي القاضي وابن المحدث ورجل يكتب في بلده ولا يرحل في طلب الحديث
سمعت أبا عبد الله محمد بن محمد بن عبيد الله الواعظ يقول سمعت علي بن محمد الجرجاني يقول ثنا إبراهيم بن مهدي ثنا عبد الله بن يوسف ثنا شعبة قال سمعت بشر بن حرب يقول سمعت ابن عمر يقول : قلت لطالب العلم يتخذ نعلين من حديد قال أبو عبد الله : فأما معرفة العالية من الأسانيد فليس على ما يتوهمه عوام الناس يعدون الأسانيد فما وجدوا منها أقرب عددا إلى رسول الله صلى الله عليه و سلم يتوهمونه أعلى ومثال ذلك ما حدثنا أبو الحسن علي بن محمد بن عقبة الشيباني بالكوفة ثنا الخضر بن أبان الهاشمي حدثنا أبو هدبة إبراهيم بن هدبة ثنا أنس بن مالك وهذه نسخة عندنا بهذا الإسناد
وأخبرنا أحمد بن كامل القاضي ببغداد ثنا أحمد بن محمد بن غالب حدثنا عبد الله بن دينار ثنا أنس بن مالك وهذه أيضا نسخة كبيرة
وأخبرنا أبو عبد الله محمد بن عبد الله الصفار حدثنا أبو جعفر محمد بن مسلمة الواسطي ثنا موسى بن عبد الله الطويل عن أنس بن مالك وهذه نسخة
وأعجب من ذلك ما حدثنا جماع من شيوخنا عن أبي الدنيا واسمه عثمان بن الخطاب بن عبد الله المغربي عن علي بن أبي طالب رضي الله عنه وقالوا إن أبا الدنيا خدم أمير المؤمنين ورفسته بغلته وأنه كان يستسقي به بالمغرب ولقد حضرت مجلس أبي جعفر محمد بن عبيد الله العلوي بالكوفة فدخل شيخ أبيض الرأس واللحية فقال لنا أتدرون من هذا ؟ قلنا : لا قال : هذا ينسب إلى أبي الدنيا المغربي مولى أمير المؤمنين بأربعة آباء
قال أبو عبد الله : وفي الجملة أن هذه الأسانيد وأشباهها كخراش بن عبد الله وكثير بن سليم ويغنم بن سالم بن قنبر مما لا يفرح بها ولا يحتج بشيء منها وقل ما يوجد في مسانيد أئمة الحديث حديث واحد عنهم
وأقرب ما يصح لأقراننا من الأسانيد بعدد الرجال ما حدثونا عن أحمد بن شيبان الرملي قال ثنا سفيان بن عيينة عن عمرو بن دينار عن ابن عمر وعن الزهري عن أنس وعن عبد الله بن أبي يزيد عن ابن عباس وعن عبد الله بن دينار عن عمرو عن زياد بن علاقة عن جرير فهذه الأسانيد لابن عيينة صحيحة ومن رسول الله صلى الله عليه و سلم قريبة وكذلك حدثونا عن جماعة من شيوخنا عن يزيد بن هارون عن سليمان التيمي عن أنس وعن حميد الطويل عن أنس
والعالي من الأسانيد الني تعرف بالفهم لا بعد الرجال غير هذا فرب إسناد يزيد عدده على السبعة والثمانية إلى العشرة وهو أعلى من ذلك ومثال ذلك ما حدثنا أبو العباس محمد بن يعقوب حدثنا الحسن بن علي بن عفان العامري ثنا عبد الله بن نمير عن الأعمش عن عبد الله بن مرة عن مسروق عن عبد الله بن عمرو قال : قال رسول الله صلى الله عليه و سلم : [ أربع من كن فيه كان منافقا خالصا ومن كانت فيه خصلة منهن كان فيه خصلة من النفاق حتى يدعها إذا حدث كذب وإذا عاهد غدر وإذا وعد أخلف وإذا خاصم فجر ]
قال الحاكم : هذا إسناد صحيح مخرج في كتاب مسلم عن محمد بن عبد الله بن نمير عن أبيه وقد بلغ عدد رواته سبعة وهو أعلى من الأربع الذي قدمنا ذكره فإن الغرض فيه القرب من سليمان بن مهران الأعمش فإن الحديث له وهو إمام من أئمة الحديث وكذلك كل إسناد يقرب من الإمام المذكور فيه فإذا صحت الرواية إلى ذلك الإمام بالعدد اليسير فإنه عال
أخبرنا أبو الطيب محمد بن أحمد المذكر ثنا إبراهيم بن محمد المروزي ثنا علي بن خشرم قال : قال لنا وكيع : أي الإسنادين أحب إليكم الأعمش عن أبي وائل عن عبد الله أو سفيان عن منصور عن إبراهيم عن علقمة عن عبد الله ؟ فقلنا الأعمش عن أبي وائل فقال : يا سبحان الله ! الأعمش شيخ و أبو وائل شيخ وسفيان فقيه و إبراهيم فقيه و علقمة فقيه وحديث يتداوله الفقهاء خير من أن يتداوله الشيوخ
حدثنا علي بن الفضل السامري ثنا الحسن بن عرف العبدي ثنا هشيم عن يونس بن عبيد عن نافع عن ابن عمر قال : قال رسول الله صلى الله عليه و سلم [ مطل الغني ظلم ]
قال الحاكم : وهذا أعلى ما يقع لأقراننا من الأسانيد وفي إسناده سبعة إلى رسول الله صلى الله عليه و سلم وإنما صار عاليا لقربه من هشيم بن بشير وهو أحد الأئمة وكذلك كل إسناد يقرب من عبد الملك بن جريح و عبد الرحمن بن عمرو الأوزاعي و مالك بن أنس و سفيان الثوري و شعبة بن الحجاج و زهير بن معاوية و حماد بن زيد وغيرهم من أئمة الحديث فإنه عال وإن زاد في عدده بعد ذكر الإمام الذي جعلناه مثالا فهذه علامة الإسناد العالي ولو أتينا لكل حرف منها بشاهد لطال به الكلام
● [ النوع الثاني ] ●
معرفة النازل من الإسنادالنوع الثاني من معرفة علوم الحديث العلم بالنازل من الإسناد ولعل قائلا يقول النزول ضد العلو فقد عرف ضده وليس كذلك فإن للنزول مراتب لا يعرفها إلا أهل الصنعة فمنها ما تؤدي الضرورة إلى سماعه نازلا ومنها ما يحتاج طالب العلم إلى معرفة وتبحر فيه فلا يكتب النازل وهو موجود بإسناد أعلى منه
مثال ذلك ما حدثنا أبو جعفر محمد بن صالح بن هانئ القرشي ثنا محمد بن أحمد بن أنس القرشي ثنا عبد الله بن يزيد المقرئ ثنا سعيد بن أبي أيوب حدثني أبو هانئ عن أبي عثمان مسلم بن يسار عن أبي هريرة رحمه الله أن رسول الله صلى الله عليه و سلم قال [ سيكون في آخر أمتي أناس يحدثونكم بما لم تسمعوا أنتم ولا آباؤكم فإياكم وإياهم ! ]
قال الحاكم : هذا حديث ذكره مسلم عن أبي نمير عن المقرئ فإنه لقلة معرفته بالنزول وأشباه هذا كثيرة
والأحاديث النازلة على أوجه كثيرة فمنها ما يستوي العدد في روايتين إحداها أعلى من الأخرى ومثال ذلك لأمثالنا أنا إذا نزلنا في حديث الأعمش فرويناه عن شيوخنا عن عبد الله بن أحمد بن حنبل عن أبيه عن وكيع عن الأعمش أو رويناه عن شيوخنا عن أحمد بن سلمة عن إسحاق بن راهويه عن عيسى بن يونس عن الأعمش فإنه أعلى من أن نرويه عن شيوخنا عن أبي العباس السراج عن هناد بن السري عن أبي معاوية عن الأعمش أو نرويه عن شيوخنا عن محمد بن إسحاق عن أبي كريب عن أبي أسامة عن الأعمش
وهذا مثل الألوف من الحديث لمن فهمه وتدبره فقاس عليه أحاديث الثوري و مالك و شعبة وغيرهم من الأئمة والأصل في ذلك أن النزول عن شيخ تقدم موته واشتهر فضل أحلى وأعلى منه عن شيخ تأخر موته وعرف بالصدق
ومما يحتاج طالب الحديث إلى معرفته من النزول أن ينظر في إسناد الشيخ الذي يكتب عنه فما قرب من سنه طلب أعلى منه ومثال ذلك أني نشأت وطلبت الحديث بعد وفاة محمد بن إسحاق بن خزيمة بعشر سنين فإذا وقع الحديث من حديث أبي كريب و بندار و أبي موسى و عبد الجبار بن العلاء وغيرهم عندي من حديث أبي بكر الجارودي و إبراهيم بن أبي طالب و أقرانهما عن هؤلاء الشيوخ فإنه لي أعلى من أن يكون عن من يقرب وفاته من ولادتي ونشوئي وهذا أصل كبير في معرفة النزول وكذلك إذا وقع الحديث لطلابه في عصرنا عن محمد بن إسحاق عن محمد بن يحيى أو أحمد بن يوسف السلمي أو مسلم بن الحجاج وأقرانهم فإنه أعلى من أن يقع لهم الشرقي ومكي وأقرانهما
● [ النوع الثالث ] ●
معرفة صدق المحدث وإتقانهالنوع الثالث من هذا العلم معرفة صدق المحدث وإتقانه وثبته وصحة أصوله وما يحتمله سنة ورحلته من الأسانيد وغير ذلك من غفلته وتهاونه بنفسه وعلمه وأصوله حدثنا أبو عبد الله محمد بن يعقوب الحافظ حدثنا إبراهيم بن عبد الله السعدي حدثنا معاوية بن هشام ثنا سفيان عن أبي إسحاق عن البراء بن عازب قال : ما كل الحديث سمعناه من رسول الله صلى الله عليه و سلم كان يحدثنا أصحابنا وكنا مشتغلين في رعاية الإبل وأصحاب رسول الله صلى الله عليه و سلم كانوا يطلبون ما يفوتهم سماعه من رسول الله صلى الله عليه و سلم فيسمعونه من أقرانهم وممن هو أحفظ منهم وكانوا يشدون على ما يسمعون منه كما حدثنا أبو العباس محمد بن يعقوب ثنا العباس بن الوليد بن مزيد البيروتي قال أخبرني أبي قال أخبرني الأوزاعي قال أخبرنا بن شهاب عن قبيصة بن ذؤيب قال : [ جاءت الجدة في عهد أبي بكر رضي الله عنه تلتمس أن تورث فقال أبو بكر : ما أجد لك في كتاب الله شيئا وما علمت أن رسول الله صلى الله عليه و سلم ذكر لك شيئا حتى أسأل الناس العشية فلما صلى الظهر قام في الناس يسألهم فقال المغيرة بن شعبة : سمعت رسول الله صلى الله عليه و سلم يعطيها السدس قال أبو بكر رضي الله عنه : سمع ذلك معك أحد ؟ فقام محمد بن مسلمة فقال : سمعت رسول الله صلى الله عليه و سلم يعطيها السدس فأنفذ ذلك لها أبو بكر رضي الله عنه ]
وأما أمير المؤمنون علي رضي الله عنه فكان إذا فاته عن رسول الله صلى الله عليه و سلم حديث ثم سمعه من غير يحلف المحدث الذي يحدث به والحديث في ذلك عنه مستفيض مشهور فأغنى اشتهاره عن ذكره في هذا الموضع وكذلك جماعة من الصحابة والتابعين وأتباع التابعي ثم عن أئمة المسلمين كانوا يبحثون وينقرون عن الحديث إلى أن يصح لهم
سمعت العباس محمد بن يعقوب يقول : سمعت حنبل بن إسحاق بن حنبل يقول سمعت علي بن عبد الله يقول سمعت يحيى بن سعيد يقول : ينبغي أن يكون في صاحب الحديث غير خصلة ينبغي لصاحب الحديث أن يكون ثبت الأخذ ويفهم ما يقال له ويبصر الرجال ثم يتعهد ذلك
قال الحاكم : ومما يحتاج إليه طالب الحديث في زماننا هذا أن يبحث عن أحوال المحدث أولا : هل يعتقد الشريعة في التوحيد وهل يلزم نفسه طاعة الأنبياء والرسل صلى الله عليهم فيما أوحي إليهم ووضعوا من الشرع ثم يتأمل حاله : هل هو صاحب هوى يدعو الناس إلى هواه فإن الداعي إلى البدعة لا يكتب عنه ولا كرامة لإجماع جماعة من أئمة المسلمين على تركه ثم يتعرف سنه : هل يحتمل سماعه من شيوخه الذين يحدث عنهم فقد رأينا من المشايخ جماعة أخبرونا بسن يقصر عن لقاء شيوخ حدثوا عنهم ثم يتأمل أصوله : أعتيقة هي أم جديدة فقد نبغ في عصرنا هذا جماعة يشترون الكتب فيحدثون بها وجماعة يكتبون سماعاتهم بخطوطهم في كتب عتيقة في الوقت فيحدثون بها فمن يسمع منهم من غير أهل الصنعة فمعذور بجهله فأما أهل الصنعة إذا سمعوا من أمثال هؤلاء بعد الخبرة ففيه جرحهم وإسقاطهم إلى أن تظهر توبتهم على أن الجاهل بالصنعة لا يعذر فإنه يلزمه السؤال عما لا يعرفه وعلى ذلك كان السلف رضي الله عنهم أجمعين
حدثنا أبو العباس محمد بن يعقوب حدثنا الحسن بن علي بن عفان العامري ثنا أبو أسامة عن الأعمش قال : كان إبراهيم صيرفي الحديث فكنت إذا سمعت الحديث من بعض أصحابنا أتيته فعرضته عليه
أخبرنا عبد الله بن محمد الكعبي ثنا إسماعيل بن قتيبة ثنا عثمان بن أبي شيبة ثنا إسحاق بن منصور عن هريم بن سفيان عن مطرف عن سوادة بن أبي الجعد عن أبي جعفر الباقر قال : من تفقه الرجل بصره بالحديث وإذا عرف طالب الحديث إسلام المحدث وصحة سماعه كتب عنه فقل من يجد ما يرجع إلى الفهم والمعرفة والحفظ وكل محدث تهاون بالسماع واستخف بالحديث فلا يخفى حاله ويظهر أمره
سمعت أبا العباس محمد بن يعقوب يقول سمعت العباس بن محمد الدوري يقول سمعت خلف بن سالم يقول : سماع الحديث هين والخروج منه صعب
حدثنا أبو سهل محمد بن محمد بن الحسن الترمذي ثنا محمد بن صالح بن سهل الترمذي حدثنا إسماعيل بن سيف حدثني محمد بن عبد الواحد بن أخي حزم قال سمعت يونس بن عبيد يقول : إن للحديث خفقة فاتقو خفقة الحديث
سمعت محمد بن صالح بن هانئ يقول سمعت محمد بن إسماعيل بن مهران يقول سمعت بشر بن آدم يقول سمعت أبا عاصم يقول : من استخف بالحديث استخف به الحديث
● [ النوع الرابع ] ●
معرفة المسانيد من الأحاديثالنوع الرابع من هذا العلم معرفة المسانيد من الأحاديث وهذا علم كبير من هذا الأنواع لاختلاف أئمة المسلمين في الإحتجاج بغير المسند والمسند من الحديث أن يرويه المحدث عن شيخ يظهر سماعه منه لسن يحتمله وكذلك سماع شيخه من شيخه إلى أن يصل الإسناد إلى صحابي مشهور إلى رسول الله صلى الله عليه و سلم
ومثال ذلك ما حدثنا أبو عمرو و عثمان بن أحمد السماك ببغداد ثنا الحسن بن مكرم ثنا عثمان بن عمر أخبرنا يونس عن الزهري عن عبد الله بن كعب بن مالك عن أبيه أنه [ تقاضى ابن أبي حدرد دينا كان عليه في المسجد فارتفعت أصواتهما حتى سمعه رسول الله صلى الله عليه و سلم فخرج حتى كشف ستر حجرته فقال : ( يا كعب ضع من دينك هذا ) وأشار إليه أي الشطر فقال : نعم فقضاه ]
وبيان مثال ما ذكرت أن سماعي عن ابن السماك ظاهر وسماعه من الحسن بن مكرم ظاهر وكذلك سماع الحسن من عثمان بن عمرو وسماع عثمان بن عمر من يونس بن يزيد وهو عال ل عثمان و يونس معروف بالزهري وكذلك الزهري ببني كعب بن مالك وبنو كعب بن مال بأبيهم وكعب برسول الله صلى الله عليه و سلم وصحبته وهذا مثل ضربته لألوف من الحديث يستدل بهذا الحديث الواحد على جملتها من رزق فهم هذا العلم
وضد هذا ما حدثنا أبو عبد الله محمد بن علي الصنعاني بمكة ثنا الحسن بن عبد الأعلى الصنعاني ثنا عبد الرزاق عن معمر عن معمر عن محمد بن واسع عن أبي صالح عن أبي هريرة قال : قال رسول الله صلى الله عليه و سلم : [ من أقال نادما أقاله الله نفسه يوم القيامة ومن كشف عن مسلم كربة كشف الله عنه كربة من كربة يوم القيامة والله في عون العبد ما كان العبد في عون أخيه ]
قال الحاكم : هذا إسناد من نظر فيه من غير أهل الصنعة لم يشك في صحته وسنده وليس كذلك فإن معمر بن راشد الصنعاني ثقة مأمون ولم يسمع من محمد بن واسع و محمد بن واسع و محمد بن واسع ثقة مأمون ولم يسمع من أبي صالح ولهذا الحديث علة يطول شرحها وهو مثل لألوف مثله من الأحاديث التي لا يعرفها إلا أهل هذا العلم
ثم للمسند شرائط غير ما ذكرناه منها أن لا يكون موقوفا ولا مرسلا ولا معضلا ولا في روايته مدلس فهذه الأنواع يجئ شرحها بعد هذا فإن معرفة كل نوع منها علم على الإنفراد
ومن شرائط المسند أن لا يكون في إسناده ( أخبرت عن فلانة ) ولا ( حدثت عن فلان ) ولا ( بلغني عن فلان ) ولا ( رفعه فلان ) ولا ( أظنه مرفوعا ) وغير ذلك ما ينفسد به ونحن مع هذه الشرائط لا نحكم لهذا الحديث بالصحة فإن الصحيح من الحديث له شرط نذكره في موضعه إن شاء الله
● [ النوع الخامس ] ●
معرفة الموقوفات من الرواياتالنوع الخامس منه معرفة الموقوفات من الروايات ومثال ذلك ما حدثنا الزبير بن عبد الواحد الحافظ بأسداباذ ثنا محمد بن أحمد الزيبقي ثنا زكريا بن يحيى المنقري ثنا الأصمعي حدثنا كيسان مولى هشام بن حسان عن محمد بن حسان عن محمد بن سيرين عن المغيرة بن شعبة قال : كان أصحاب رسول الله صلى الله عليه و سلم يقرعون بابه بالأظافير
قال الحاكم : هذا حديث يتوهمه من ليس من أهل الصنعة مسندا لذكر رسول الله صلى الله عليه و سلم وليس بمسند فإنه موقوف على صحابي حكي عن أقرانه من الصحابة فعلا وليس يسنده واحد منهم وإنما ذكرت هذا الموقوف ليستدل به على جملة من الأحاديث التي تشبهه
فأما الموقوف على الصحابة فإنه قل ما يخفى على أهل العلم وشرحه أن يروى الحديث إلى الصحابي من غير إرسال ولا إعضال فإذا بلغ الصحابي قال إنه كان يقول كذا وكذا وكان يفعل كذا وكان يأمر بكذا وكذا
ومن الموقوف الذي يستدل به على أحاديث كثيرة ما حدثنا أحمد بن كامل القاضي ثنا يزيد بن الهيثم ثنا محمد بن جعفر الفيدي ثنا ابن فضيل عن أبي سنان عن عبد الله بن أبي الهذيل عن أبي هريرة رضي الله عنه في قول الله عز و جل : { لواحة للبشر } قال تلقاهم جهنم يوم القيامة فتلفحهم لفحة فلا تترك لحما على عظم إلا وضعت على العراقيب قال : وأشباه هذا من الموقوفات تعد في تفسير الصحابة
فأما ما نقول في تفسير الصحابي مسند فإنما نقوله في غير هذا النوع فإنه كما أخبرناه أبو عبد الله محمد بن عبد الله الصفار حدثنا إسماعيل بن إسحاق القاضي ثنا إسحاق بن أبي أويس حدثني مالك بن أنس عن محمد بن المنكدر عن جابر قال : كانت اليهود تقول : من أتى امرأته من دبرها في قبلها جاء الولد أحول فأنزل الله عز و جل : { نساؤكم حرث لكم فاتوا حرثكم أنى شئتم }
قال الحاكم : هذا الحديث وأشباهه مسندة عن آخرها وليست بموقوفة فإن الصحابي الذي شهد الوحي والتنزيل فأخبر عن آية من القرآن أنها نزلت في كذا وكذا فإنه حديث مسند
ومما يلزم طالب الحديث معرفته نوع من الموقوفات : وهي مرسلة قبل الوصول إلى الصحابة ومثال ذلك ما حدثنا أبو العباس محمد بن يعقوب ثنا بحر بن نصر حدثنا عبد الله بن وهب أخبرني محمد بن عمرو عن ابن جريح عن سليمان بن موسى قال : قال جابر بن عبد الله : إذا صمت فليصم سمعك وبصرك من المحارم ولسانك من الكذب ودع أذى الخادم وليكن عليك وقار وسكينة ولا تجعل يوم صومك ويوم فطرك سواء
قال الحاكم : هذا حديث يتوهمه من ليس للحديث من صناعة أنه موقوف على جابر وهو موقوف ومرسل قبل التوقيف فإن سليمان بن موسى الأشدق لم يسمع من جابر ولم يره بينهما عطاء بن أبي رباح في أحاديث كثيرة وربما اشتبه أيضا على غير المتبحر في الصنعة فيقول فلم يلحق ابن وهب محمد بن عمرو بن علقمة ولا روى محمد بن عمرو بن علقمة عن جريج و محمد بن عمرو هذا هو اليافعي شيخ من أهل مصر وليس ب علقمة المدني
ومما يلزم طالب الحديث معرفته نوع آخر من الموقوفات : وهي مسندة في الأصل يقصر به بعض الرواة فلا يسنده مثال ذلك ما حدثنا أبو زكرياء يحيى بن محمد العنبري ثنا أبو عبد الله محمد بن إبراهيم العبدي ثنا أمية بن بسطام ثنا يزيد بن زريع ثنا روح بن القاسم ثنا منصور عن ربعي بن حراش عن أبي مسعود قال : إنما حفظ الناس من آخر النبوة ( إذا لم تستحي فاصنع ما شئت )
قال الحاكم : هذا حديث أسنده الثوري و شعبة وغيرهما عن منصور وقد قصر به روح بن القاسم فوقفه ومثال هذا في الحديث كثير ولا يعلم سندها إلا الفرسان من نقاد الحديث ولا تعد في الموقوفات
● [ النوع السادس ] ●
معرفة الأسانيد التي لا يذكر سندها من رسول الله صلى الله عليه وسلمالنوع السادس من هذا العلم معرفة الأسانيد التي لا يذكر سندها من رسول الله صلى الله عليه و سلم مثال ذلك ما حدثناه أبو نصر محمد بن محمد بن حامد الترمذي ثنا محمد بن جبال الصنعاني حدثنا عمرو بن عبد الغفار الصنعاني ثنا بشر بن السري حدثنا زائدة عن عمار بن أبي معاوية عن سعيد بن جبير عن ابن عباس قال : كنا نتمضمض من اللبن ولا نتوضأ منه
أخبرنا أبو نصر أحمد بن سهل الفقيه ببخارا ثنا صالح بن محمد بن عمرو بن جبلة حدثنا حرمي بن عمارة حدثني هارون بن موسى قال : سمعت الحسن يحدث عن أنس بن مالك قال : كان يقال في أيام العشر بكل يوم ألف يوم ويوم عرفة عشرة آلاف يوم قال يعني في الفضل
أخبرنا أبو جعفر محمد بن علي بن دحيم الشيباني بالكوفة ثنا أحمد بن حازم بن أبي غرزة ثنا علي بن قادم أخبرنا علي بن صالح عن أبي إسحاق عن هبيرة بن يريم عن عبد الله قال : من أتى ساحرا أو عرافا فقد كفر بما أنزل الله على محمد صلى الله عليه و سلم
قال الحاكم : هذا باب كبير يطول ذكره بالأسانيد فمن ذلك ما ذكرنا ومنه قول الصحابي المعروف بالصحبة ( أمرنا أن نفعل كذا ) و ( نهينا عن كذا وكذا ) و ( كنا نؤمر بكذا ) و ( كنا ننهى عن كذا ) و ( وكنا نفعل كذا ) و ( كنا نقول ورسول الله صلى الله عليه و سلم فينا ) و ( كنا لا نرى بأسا بكذا ) و ( كان يقال كذا وكذا ) وقول الصحابي ( من السنة كذا ) وأشباه ما ذكرناه إذا قاله الصحابي المعروف بالصحبة فهو حديث مسند وكل ذلك مخرج في المسانيد
● [ النوع السابع ] ●
معرفة مراتب الصحابةالنوع السابع من هذا العلم معرفة الصحابة على مراتبهم
فأولهم قول أسلموا بمكة مثل أبي بكر وعمر وعثمان وعلي وغيرهم رضي الله عنهم ولا أعلم خلافا بين أصحاب التواريخ أن علي بن أبي طالب رضي الله عنه أولهم إسلاما وإنما اختلفوا في بلوغه والصحيح عند الجماعة أن أبا بكر الصديق رضي الله عنه أول من أسلم من الرجال البالغين بحديث [ عمرو بن عبسة أنه قال : يا رسول الله من تبعك على هذا الأمر ؟ قال : ( حر وعبد ) ] وإذا معه أبو بكر وبلال رضي الله عنهما
والطبقة الثانية من الصحابة أصحاب دار الندوة وذلك أن عمر بن الخطاب رضي الله عنه لما أسلم وأظهر إسلامه حمل رسول الله صلى الله عليه و سلم إلى دار الندوة فبايعه جماعة من أهل مكة
والطبقة الثالثة من الصحابة المهاجرة إلى الحبشة
والطبقة الرابعة من الصحابة الذين بايعوا النبي صلى الله عليه و سلم عند العقبة يقال فلان عقبى وفلان عقبى
والطبقة الخامسة من الصحابة : أصحاب العقبة الثانية وأكثرهم من الأنصار
والطبقة السادسة : أول المهاجرين الذين وصلوا إلى رسول الله صلى الله عليه و سلم وهو بقباء قبل أن يدخلوا المدينة ويبنى المسجد
والطبقة السابعة : أهل بدر الذين [ قال رسول الله صلى الله عليه و سلم فيهم لعل الله قد اطلع على أهل بدر فقال اعملوا ما شئتم فقد غفرت لكم ]
الطبقة الثامنة : المهاجرة الذين هاجروا بين بدر والحديبية
والطبقة التاسعة : أهل بيعة الرضوان الذين أنزل الله تعالى فيهم { لقد رضي الله عن المؤمنين إذ يبايعونك تحت الشجرة } وكانت بيعة الرضوان بالحديبية لما صد رسول الله صلى الله عليه و سلم عن العمرة وصالح كفار قريش على أن يعتمر من العام المقبل والحديبية بئر وكانت الشجرة بالقرب من البئر ثم إن الشجرة فقدت بعد ذلك فلم توجد وقالوا إن السيول ذهب بها فقال سعيد بن المسيب سمعت أبي وكان من أصحاب الشجرة يقول : قد طلبناها غير مرة فلم نجدها فأما ما يذكر عوام الحجيج أنها شجرة بن منى ومكة فإنه خطأ فاحش
والطبقة العاشرة من الصحابة : المهاجرة بين الحديبية والفتح منهم خالد بن الوليد وعمرو بن العاص وأبو هريرة وغيرهم وفيهم كثرة فإن رسول الله صلى الله عليه و سلم لما غنم خيبر قصدوه من كل ناحية مهاجرين فكان يعطيهم
والطبقة الحادي عشرة : فهم الذين أسلموا يوم الفتح وهم جماعة من قريش منهم من أسلم طائعا ومنهم من اتقى السيف ثم تغير والله أعلم بما أضمروا اعتقدوا
ثم الطبقة الثانية عشرة : صبيان وأطفال رأوا رسول الله صلى الله عليه و سلم يوم الفتح وفي حجة الوداع وغيرها وعدادهم في الصحابة منهم السائب بين يزيد وعبد الله بن ثعلبة بن أبي صعير فإنهما قدما إلى رسول الله صلى الله عليه و سلم ودعا لهما ولجماعة يطول الكتاب بذكرهم ومنهم الطفيل عامر بن واثلة وأبو جحيفة وهب بن عبد الله فإنهما رأيا النبي صلى الله عليه و سلم في الطواف وعند زمزم ـ وقد صحت الراوية عن رسول الله صلى الله عليه و سلم أنه قال [ لا هجرة بعد الفتح وإنما هو جهاد ونية ]
قال الحاكم : هذا باب لو استقصيت فيه بأسانيد وروايات لصار كتابا على حدة فإن أصحاب رسول الله صلى الله عليه و سلم ورضى عنهم تفرقوا وسكنوا بلادا شاسعة فماتوا في أماكن شتى وهذا الباب يجمع أنواعا من العلوم غير أني دللت على كل نوع منه على ما حضرني في الوقت ومن تبحر في معرفة الصحابة فهو حافظ كامل الحفظ فقد رأيت جماعة من مشايخنا يروون الحديث المرسل عن تابعي عن رسول الله صلى الله عليه و سلم يتوهمونه صحابيا وربما رووا المسند عن صحابي فيتوهمونه تابعيا
● [ النوع الثامن ] ●
معرفة المراسيلالنوع الثامن من هذا العلم معرفة المراسيل المختلفة في الإحتجاج بها وهذا نوع من علم الحديث صعب قل ما يهتدي إليه إلا المتبحر في هذا العلم فإن مشايخ الحديث لم يختلفوا في أن الحديث المرسل هو : الذي يرويه المحدث بأسانيد متصلة إلى التابعي فيقول التابعي : قال رسول الله صلى الله عليه و سلم
وأكثر ما تروى المراسل من أهل المدينة عن سعيد بن المسيب ومن أهل مكة عطاء بن أبي رباح ومن أهل مصر عن سعيد بن أبي هلال ومن أهل الشام عن مكحول الدمشقي ومن أهل البصرة عن الحسن بن أبي الحسن ومن أهل الكوفة عن إبراهيم بن يزيد النخعي
وقد يروى الحديث بعد الحديث عن غيرهم من التابعين إلا أن الغلبة لرواياتهم وأصحها مراسيل سعيد بن المسيب والدليل عليه أن سعيدا من أولاد الصحابة فإن أباه المسيب بن حزن من أصحاب الشجرة وبيعة الرضوان وقد أدرك سعيد عمر وعثمان وعليا وطلحة والزبير إلى آخر العشرة وليس في جماعة التابعين من أدركهم وسمع منهم غير سعيد و قيس بن أبي حازم ثم مع هذا فإنه فقيه أهل الحجاز ومفتيهم وأول فقهاء السبعة الذين يعد مالك بن أنس إجماعهم إجماع كافة الناس
سمعت العباس محمد بن يعقوب يقول سمعت العباس الدوري يقول سمعت يحيى بن معين يقول : أصح المراسيل مراسيل سعيد بن المسيب وأيضا فقد تأمل الأئمة المتقدمون مراسيله فوجدوها بأسانيد صحيحة وهذا الشرائط لم توجد في مراسيل غيره فهذه صفة المراسيل عند أهل الحديث
حدثنا أبو العباس بن يعقوب حدثنا عبد الله بن أحمد بن حنبل قال : وجدت بخط أبي ثنا الحسن بن عيسى مولى ابن المبارك قال : حدثت ابن المبارك بحديث لأبي بكر بن عياش عن عاصم عن النبي صلى الله عليه و سلم قال حسن فقلت لـ ابن المبارك أنه ليس عنه إسناد فقال إن عاصما يحتمل له أن يقول : قال رسول الله صلى الله عيه وسلم قال : فغدوت إلى أبي بكر رضي الله عنه فإذا ابن المبارك قد سبقني إليه وهو إلى جنبه فظنته قد سأله عنه
قال الحاكم : فأما مشايخ أهل الكوفة فكل من أرسل الحديث عن التابعين وأتباع التابعين ومن بعدهم من العلماء فإنه عندهم مرسل محتج به وليس كذلك عندنا فإن المرسل أتباع التابعين عندنا معضل وسيأتي ذكره وشرحه بعد هذا إن شاء الله عز و جل
سمعت أبا عبد الله محمد بن محمد بن عبيد الله الواعظ يقول سمعت عبد الله بن عدي بن عبد الله يقول سمعت أحمد بن محمد بن الحسن يقول سمعت محمد بن يزيد الواسطي يقول سمعت يزيد بن هارون يقول قلت لـ حماد بن زيد : يا أبا إسماعيل هل ذكر الله أصحاب الحديث في القرآن ؟ فقال : بلى ألم تسمع إلى قول الله تعالى : { ليتفقهوا في الدين ولينذروا قومهم إذا رجعوا إليهم لعلهم يحذرون } فهذا فيمن رحل في طلب العلم ثم رجع به إلى من وراءه ليعلمهم إياه
قال الحاكم : ففي هذا النص دليل على أن العلم المحتج به هو المسموع غير المرسل
هذا من الكتاب وأما من السنة فحدثنا أبو جعفر محمد بن علي بن دحيم الشيباني بالكوفة ثنا أحمد بن حازم بن أبي غرزة حدثنا ضرار بن صرد ثنا أبو بكر بن عياش عن الأعمش عن عبد الله بن عبد الله الأسدي عن سعيد بن جبير عن ابن عباس قال : قال رسول الله صلى الله عليه و سلم : [ تسمعون ويسمع منكم ويسمع ممن يسمع منكم ] والحديث المشهور المستفيض بذلك قوله صلى الله الله عليه وسلم : [ نضر الله امرأ سمع مقالتي فوعاها حتى يوديها إلى من لم يسمعها ] الحديث
● [ النوع التاسع ] ●
معرفة المنقطع من الحديثالنوع التاسع من هذا العلم معرفة المنقطع من الحديث وهو غير المرسل وقل ما يوجد في الحفاظ من يميز بينهما والمنقطع على أنواع ثلاثة :
فمثال نوع منها ما حدثنا أبو عمرو عثمان بن أحمد بن السما ببغداد ثنا أيوب بن سليمان السعدي ثنا عبد العزيز بن موسى اللاحوني أبو روح ثنا هلال بن حق عن الجريري عن أبي العلاء وهو ابن الشخير عن رجلين من بني حنظلة عن شداد بن أوس قال : [ كان رسول الله صلى الله عليه و سلم يعلم أحدنا أن يقول في صلاته : ( اللهم إني أسألك التثبيت في الأمور وعزيمة الرشد وأسألك قلبا سليما ولسانا صادقا وأسألك التثبيت في الأمور وعزيمة الرشد وأسألك قلبا سليما ولسانا صادقا وأسألك شكر نعمتك وحسن عبادتك وأستغفرك لما تعلم وأعوذ بك من شر ما تعلم وأسألك من خير ما تعلم ]
قال الحاكم : هذا الإسناد مثل لنوع من المنقطع لجهالة الرجلين بين أبي العلاء الشخير و شداد بن أوس وشواهده في الحديث كثيرة
وقد يروى الحديث وفي إسناده رجل غير مسمى وليس بمنقطع ومثال ذلك ما أخبرنا أبو العباس محمد بن أحمد بن محبوب التاجر بمرو ثنا أحمد بن سيار ثنا محمد بن كثير ثنا سفيان الثوري ثنا داؤد بن أبي هند ثنا شيخ عن أبي هريرة قال : قال رسول الله صلى الله عليه و سلم : [ يأتي على الناس زمان يخير الرجل بين العجز والفجور فمن أدرك ذلك الزمان فليختر العجز على الفجور ]
وهكذا رواه عتاب بن بشير و الهياج بن بسطام عن داؤد بن أبي هند وإذا الرجل لم يقفوا على إسمه أبو عمر الجدلي ثنا أبو العباس محمد بن يعقوب حدثني يحيى بن أبي طالب ثنا علي بن عاصم عن داؤد بن أبي هند قال : نزلت جزيرة قيس فسمعت شيخا أعمى يقال له أبو عمر يقول سمعت أبا هريرة رضي الله عنه يقول : قال رسول الله صلى الله عليه و سلم : [ ليأتين على الناس زمان يخير بن العجز والفجور فمن أدرك ذلك الزمان فليتخير العجز على الفجور ]
قال الحاكم فهذا النوع من المنقطع الذي لا يقف عليه إلا الحافظ الفهم المتبحر في الصنعة وله شواهد كثيرة جعلت هذا الواحد شاهدا لها
والنوع الثالث من المنقطع أن يكون في الإسناد رواية راو لم يسمع من الذي يروي عنه الحديث قبل الوصول إلى التابعي الذي هو موضع الإرسال ولا يقال لهذا النوع من الحديث مرسل إنما يقال له منقطع
مثال ما حدثنا أبو النضر محمد بن محمد بن يوسف الفقيه ثنا محمد بن سليمان الحضرمي حدثنا محمد بن سهل ثنا عبد الرزاق قال : ذكر الثوري عن أبي إسحاق عن زيد بن يثيع عن حذيفة قال : قال رسول الله صلى الله عليه و سلم : [ إن وليتموها أبا بكر فقوي أمين لا تأخذه في الله لومة لائم وإن وليتموها عليا فهاد مهدي يقيمكم على طريق مستقيم ]
قال الحاكم : هذا إسناد لا يتأمله متأمل إلا علم إتصاله وسنده فإن الحضرمي ومحمد بن سهل بن عسكر ثقتان وسماع عبد الرزاق من سفيان الثوري واشتهاره به معروف وكذلك سماع الثوري من أبي إسحاق واشتهاره به معروف وفيه انقطاع في موضعين فإن عبد الرزاق لم يسمعه من الثوري و الثوري لم يسمعه من أبي إسحاق أخبرنا أبو عمرو بن السماك ثنا أبو الأحوص محمد بن الهيثم القاضي حدثنا محمد بن أبي السري ثنا عبد الرزاق أخبرني النعمان بن أبي شيبة الجندي عن سفيان الثوري عن إسحاق فذكر نحو ز حدثنا أبو بكر بن أبي دارم الحافظ بالكوفة ثنا الحسن بن علويه القطان حدثني عبد السلام بن صالح ثنا عبد الله بن نمير ثنا سفيان الثوري ثنا شريك عن أبي إسحاق عن زيد بن يثيع عن حذيفة قال ذكروا الإمارة والخلافة عن النبي صلى الله عليه و سلم فذكر الحديث بنحوه
وقال : وكل من تأمل ما ذكرناه من المنقطع علم وتيقن أن هذا العلم من الدقيق الذي لا يستدركه إلا الموفق والطالب المتعلم
معرفة على الإسناد
معرفة النازل من الإسناد
معرفة صدق المحدث وإتقانه
معرفة المسانيد من الأحاديث
معرفة الموقوفات من الروايات
معرفة الأسانيد التي لا يذكر سندها من رسول الله صلى الله عليه وسلم
معرفة مراتب الصحابة
معرفة المراسيل
معرفة المنقطع من الحديث