منتدى ميراث الرسول

هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.

    داود وسليمان عليهما السلام وأمر بني إسرائيل بعدهما

    avatar
    اسرة التحرير
    Admin


    عدد المساهمات : 3695
    تاريخ التسجيل : 23/01/2014

    داود وسليمان عليهما السلام وأمر بني إسرائيل بعدهما Empty داود وسليمان عليهما السلام وأمر بني إسرائيل بعدهما

    مُساهمة من طرف اسرة التحرير الأحد سبتمبر 28, 2014 2:38 pm

    داود وسليمان عليهما السلام وأمر بني إسرائيل بعدهما Alathe10

    بّسم الله الرّحمن الرّحيم
    أحوال البلاد وأخبار العباد
    داود وسليمان عليهما السلام
    وأمر بني إسرائيل بعدهما
    داود وسليمان عليهما السلام وأمر بني إسرائيل بعدهما 1410
    مُلك داود عليه السلام
    داود عليه السلام : هو داود بن إيشي بن عويد بن باعز بن سلمون بن نحشون بن عمّي نوذب بن رام بن حصرون بن فارض بن يهوذا بن يعقوب بن اسحاق، وكان قصيراً أزرق قليل الشعر، فلما قتل طالوت أتى بنو إسرائيل داود فأعطوه خزائن طالوت وملّكوه عليهم، وقيل: إن داود ملك قبل أن يُقتل جالوت؛ وسبب ملكه حينئذٍ أن الله أوصى الى اشمويل ليأمر طالوت بغزو مدين وقتل من بها، فسار إليها وقتل من بها إلا ملكهم، فإنه أخذه أسيراً، فأوحى الله إلى اشمويل: قل لطالوت آمرك بأمر فإن تركته لأنزعن الملك منك ومن بنيك ثمّ لا يعود فيكم إلى يوم القيامة، وأمر اشمويل بتمليك داود، فملّكه وسار إلى جالوت فقتله، والله أعلم.
    فلما ملك بني اسرائيل جعله الله نبيّاً وملكاً وأنزل عليه الزبور وعلمه صنعة الدروع، وهو أول من عملها، وألان له الحديد، وأمر الجبال والطير يسبحون معه إذا سبح، ولم يعط الله أحداً مثل صوته، كان إذا قرأ الزبور تدنو الوحوش حتى يأخذ بأعناقها وإنها لمطيعة تسمع صوته.
    وكان شديد الاجتهاد كثير العبادة والبكاء، وكان يقوم الليل ويصوم نصف الدهر، وكان يحرسه كل يوم وليلة أربعة آلاف، وكان يأكل من كسب يده.
    وفي ملكه مسخ أهل أيلة قردة؛ وسبب ذلك أنهم كانوا تأتيهم يوم السبت حيتان البحر كثيراً، فإذا كان غير يوم السبت لا يجيء إليهم منها شيء، فعملوا على جانب البحر حياضاً كبيرة وأجروا إليها الماء، فإذا كان آخر نهار يوم الجمعة فتحوا الماء إلى الحياض فتدخلها الحيتان ولا تقدر على الخروج عنها، فيأخذونها يوم الأحد، فنهاهم بعض أهلها فلم ينتهوا، فمسخهم الله قردة وبقوا ثلاثة أيام وهلكوا.
    وكان داود قد قسم زمانه ثلاثة أيام، يوماً يقضي فيه بين الناس، ويوماً يخلوا فيه للعبادة، ويوماً يخلو فيه مع نسائه،
    بناء بيت المقدس ووفاة داود عليه السلام
    قيل: أصاب النّاس في زمان داود طاعون جارف، فخرج بهم الى موضع بيت المقدس، وكان يرى الملائكة تعرج منه إلى السماء، فلهذا قصده ليدعو فيه، فلمّا وقف موضع الصخرة دعا الله تعالى في كشف الطاعون عنهم، فاستجاب له ورفع الطاعون، فاتخذوا ذلك الموضع مسجداً، وكان الشروع في بنائه لإحدى عشرة سنة مضت من ملكه، وتوفي قبل أن يستتمّ بناءه، وأوصى إلى سليمان بإتمامه وقتل القائد الذي قتل أخاه إيشي بن داود.
    فلّما توفي داود ودفنه سليمان تقدّم بإنفاذ أمره فقتل القائد واستتم بناء المسجد، بناه بالرخام وزخرفه بالذهب ورصعه بالجواهر، وقوي على ذلك جميعه بالجنّ والشياطين، فلمّا فرغ اتخذ ذلك اليوم عيداً عظيماً وقرّب قرباناً، فتقبّله الله منه، وكان ابتداؤه أوّلاً ببناء المدينة، فلمّا فرغ منها ابتدأ بعمارة المسجد، وقد أكثر الناس في صفة البناء مما يستبعد ولا حاجة إلى ذكره.
    وقيل: إنّ سليمان هو الذي ابتدأ بعمارة المسجد، وكان داود أراد أن يبنيه فأوحى الله إليه: إن هذا بيت مقدّس يبنيه ابنك سليمان ، فلمّا ملك سليمان بناه.
    ثمّ إنّ داود توفي وكان له جارية تغلق الأبواب كل ليلة وتأتيه بالمفاتيح فيقوم إلى عبادته، فأغلقتها ليلة فرأت في الدار رجلاً فقالت: من أدخلك الدار ، فقال: أنا الذي أدخل على الملوك بغير إذن، فسمع داود قوله فقال: أنت ملك الموت ، قال: نعم، قال: فهلاّ أرسلت إليّ لأستعدّ للموت ، قال: قد أرسلتُ إليك كثيراً، قال: من كان رسولك ، قال: أين أبوك وأخوك وجارك ومعارفك ، قال: ماتوا، قال: فهم كانوا رسلي إليك لأنك تموت كما ماتوا ثمّ قبضه، فلمّا مات ورث سليمان ملكه وعلمه ونبوّته.
    وكان له تسعة عشر ولداً، فورثه سليمان دونهم، وكان عمر داود لما توفي مائة سنة، صحّ ذلك عن النبي، صلى الله عليه وسلم، وكانت مدّة ملكه أربعين سنة.
    ● [ مُلك سليمان عليه السلام ] ●
    لما توفي داود ملك بعده ابنه سليمان على بني إسرائيل، وكان ابن ثلاث عشرة سنة، وآتاه الله مع الملك النبوّة، وسأل الله أن يؤتيه ملكاً لا ينبغي لأحد من بعده، فاستجاب له وسخّر له الإنس والجنّ والشياطين والطير والريح، فكان إذا خرج من بيته إلى مجلسه عكفت عليه الطير وقام له الإنس والجنّ حتى يجلس.
    وقيل: إنه سخّر له الريح والجنّ والشياطين والطير وغير ذلك بعد أن زال ملكه وأعاده الله سبحانه إليه على ما نذكره.
    وكان أبيض جسيماً كثير الشعر يلبس البياض، وكان أبوه يستشيره في حياته ويرجع إلى قوله، فمن ذلك ما قصّه الله في كتابه في قوله: (وداود وسليمان إذ يحكمان في الحرث) الأنبياء : 78؛ الآية، وكان خبره: أنّ غنماً دخلت كرماً فأكلت عناقيده وأفسدته، فقضى داود بالغنم لصاحب الكرم، فقال سليمان: أو غير ذلك، أن تسلّم الكرم إلى صاحب الغنم فيقوم عليه حتى يعود كما كان وتدفع الغنم إلى صاحب الكرم فيصيب منها إلى أن يعود كرمه إلى حاله ثمّ يأخذ كرمه ويدفع الغنم إلى صاحبها، فأمضى داود قوله، وقال الله تعالى: (ففهّمناها سليمان وكلاًّ آتينا حكماً وعلما) الأنبياء:79.
    قال بعض العلماء: في هذا دليل على أنّ كلّ مجتهد في الأحكام الفرعيّة مصيب، فإن داود أخطأ الحكم الصحيح عند الله تعالى وأصابه سليمان، فقال الله تعالى: (وكلاًّ آتينا حكماً وعلماً).
    وكان سليمان يأكل من كسب يده، وكان كثير الغزو، وكان إذا أراد الغزو أمر بعمل بساط من خشب يسع عسكره ويركبون عليه هم ودوابهم وما يحتاجون إليه، ثمّ زمر الريح فحملته فسارت في غدوته مسيرة شهر وفي روحته كذلك، وكان له ثلاثمائة زوجة وسبعمائة سرّيّة، وأعطاه الله أجراً أنّه لا يتكلّم أحد بشيء إلاّ حملته الريح إليه فيعلم ما يقول.
    ما جرى له مع بلقيس
    نذكر أولاً ما قيل في نسبها وملكها، ثمّ ما جرى له معها،
    فنقول: قد اختلف العلماء في اسم آبائها، فقيل: إنها هي بلقمة ابنة ليشرح بن الحارث بن قيس بن صيفي بن سبأ بن يشجب بن يعرب بن قحطان، وقيل: هي بلقمة ابنة هادد واسمه ليشرح بن تبّع ذي الأذعار بن تبّع ذي المنار بن تبّع الرايش، وقيل في نسبها غير ذلك لا حاجة إلى ذكره.
    وقد اختلف النّاس في التبابعة وتقديم بعضهم على بعض وزيادة في عددهم ونقصان، اختلافاً لا يحصل الناظر فيه على طائل، وكذا أيضاً اختلفوا في نسبها اختلافاً كثيراً،
    وقال كثير من الرواة: إنّ أمّها جنّيّة ابنة ملك الجنّ واسمها رواحة بنت السكر، وقيل: اسم أمّها يلقمة بنت عمرو بن عمير الجنّيّ، وإنّما نكح أبوها إلى الجنّ لأنّه قال: ليس في الإنس لي كفوة، فخطب إلى الجنّ فزوّجوه.وقيل في سبب نكاحه إليهم حديث خرافة لا أصل له ولا حقيقة.
    وأمّا ملكها اليمن فقيل: إنّ أباها فوّض إليها الملك فملكت بعده، وقيل: بل مات عن غير وصيّة بالملك لأحد، فأقام النّاس ابن أخ له، وكان فاحشاً خبيثاً فاسقاً لا يبلغه عن بنت قيل ولا ملك ذات جمال إلاّ أحضرها وفضحها، حتى انتهى إلى بلقيس بنت عمّه، فأراد ذلك منها فوعدته أن يحضر عندها الى قصرها وأعدّت له رجلين من أقاربها وأمرتهما بقتله إذا دخل إليها وانفرد بها، فلما دخل إليها وثبا عليه فقتلاه، فلما قتل أحضرت وزراءه فقرّعتهم فقالت: أما كان فيكم من يأنف لكريمته وكرائم عشيرته ثمّ أرتهم إيّاه قتيلاً وقالت: اختاروا رجلاً تملّكونه، فقالوا: لا نرضى بغيرك؛ فملكوها.
    وقيل: إنّ أباها لم يكن ملكاً وإنما كان وزير الملك، وكان الملك خبيثاً، قبيح السيرة يأخذ بنات الأقيال والأعيان والأشراف، وإنها قتلته، فملّكها الناس عليهم.
    وكذلك أيضاً عظموا ملكها وكثرة جندها فقيل: كان تحت يدها أربعمائة ملك، كلّ ملك منهم على كورة، مع كلّ ملك منهم أربعة آلاف مقاتل، وكان لها ثلاثمائة وزير يدبّرون ملكها، وكان لا اثنا عشر قائداً يقود كلّ قائد منهم اثني عشر ألف مقاتل. وبالغ آخرون مبالغة تدلّ على سخف عقولهم وجهلهم،
    وأما سبب مجيئها الى سليمان وإسلامها فإنه طلب الهدهد فلم يره، وإنما طلبه لأنّ الهدهد يرى الماء من تحت الأرض فيعلم هل في تلك الأرض ماء أم لا، وهل هو قريب أم بعيد، فبينما سليمان في بعض مغازيه احتاج إلى الماء فلم يعلم أحد ممن معه بعده، فطلب الهدهد ليسأله عن ذلك فلم يره، وقيل: بل نزلت الشمس إلى سليمان، فنظر ليرى من أين نزلت لأنّ الطير كانت تظلّه، فرأى موضع الهدهد فارغاً، فقال: (لأعذبنه عذاباً شديداً أو لأذبحنه أو ليأتيني بسلطان مبين) النمل: 21.
    وكان الهدهد قد مرّ على قصر بلقيس فرأى بستاناً لها خلف قصرها، فمال إلى الخضرة، فرأى فيه هدهداً فقال له: أين أنت عن سليمان وما تصنع ها هنا ، فقال له: ومن سليمان ، فذكر له حاله وما سخّر له من الطير وغيره، فعجب من ذلك، فقال له هدهد سليمان: وأعجب من ذلك أنّ كثرة هؤلاء القوم تملكهم امرأة (وأوتيت من كلّ شيء ولها عرش عظيم) النمل: 23، وجعلوا الشكر لله أن سجدوا للشمس من دونه، وكان عرشها سريراً من ذهب مكلّل بالجواهر النفيسة من اليواقيت والزبرجد واللؤلؤ.
    ثمّ إنّ الهدهد عاد الى سليمان فأخبره بعذره في تأخيره، فقال له: اذهب بكتابي هذا فألقه إليها، فوافاها وهي في قصرها فألقاه في حجرها، فأخذته وقرأته وأحضرت قومها وقالت: (إني ألقي إليّ كتاب كريم، إنه من سليمان، وإنه بسم الله الرحمن الرحيم ألا تعلو عليّ وأتوني مسلمين يا أيها الملأ ما كنت قاطعةً أمراً حتى تشهدون) النمل: 29 - 32. (قالوا نحن أولو قوة وأولو بأس شديد، والأمر إليك فانظري ماذا تأمرين) النمل: 33، قالت: (إني مرسلة إليهم بهدية) النمل: 35 فإن قبلها فهو من ملوك الدنيا فنحن أعزّ منه وأقوى، وإن لم يقبلها فهو نبيّ من الله.
    فلما جاءت الهدية إلى سليمان قال للرسل: (أتمدونني بمال فما آتاني الله خير مما آتاكم) إلى قوله: (وهم صاغرون) النمل: 36 - 37، فلما رجع الرسل إليها سارت إليه وأخذت معها الأقيال من قومها، وهم القوّاد، وقدمت عليه، فلمّا قاربته وصارت منه على نحو فرسخ قال لأصحابه: (أيكم يأتين بعرشها قبل أن يأتوني مسلمين قال عفريت من الجنّ أنا آتيك به قبل أن تقوم من مقامك) النمل: 38 - 39، يعني قبل أن تقوم في الوقت الذي تقصد فيه بيتك للغداء، قال سليمان: أريد أسرع من ذلك، (قال الذي عنده علم من الكتاب) وهو آصف بن برخيّا، وكان يعرف اسم الله الأعظم: (أنا آتيك به قبل أن يرتد إليك طرفك) النمل: 40، وقال له: انظر إلى السماء ، وسجد ودعا، فرأى سليمان العرش قد نبع من تحت سيريره، فقال: (هذا من فضل ربي ليبلوني أأشكر) إذ أتاني به قبل أن يرتدّ إليّ طرفي (أم أكفر) إذ جعل تحت يدي من هو أقدر مني على إحضاره. فلما جاءت قيل: (أهكذا عرشك ، قالت كأنه هو) النمل: 42 ولقد تركته في حصون وعنده جنود تحفظه فكيف جاء الى ها هنا.
    فقال سليمان للشياطين: ابنوا لي صرحاً تدخل عليّ فيه بلقيس، فقال بعضهم: إنّ سليمان قد سخّر له من سخّر وبلقيس ملكة سبأ ينكحها فتلد غلاماً فلا ننفك من العبودية أبداً، وكانت امرأة شعراء الساقين، فقال الشياطين: ابنوا له بنياناً يرى ذلك منها فلا يتزوجها، فبنوا له صرحاً من قوارير خضر وجعلوا له طوابيق من قوارير بيض، فبقي كأنّه الماء، وجعلوا تحت الوطابيق صور دوابّ البحر من السمك وغيره، وقعد سليمان على كرسيّ ثمّ أمر فأدخلت بلقيس عليه، فلمّا أرادت أن تدخله ورأت صور السمك ودواب الماء حسبته لجة ماء فكشفت عن ساقيها لتدخل، فلمّا رآها سليمان صرف نظره عنها (قال إنه صرح ممرد من قوارير، قالت رب إني ظلمت نفسي وأسلمت مع سليمان لله رب العالمين) النمل: 44.
    فاستشار سليمان في شيء يزيل الشعر ولا يضرّ الجسد، فعمل له الشياطين النّورة، فهي أول ما عملت النّورة، ونكحها سليمان وأحبها حبّاً شديداً وردّها إلى ملكها باليمن، فكان يزورها كل شهر مرة يقيم عندها ثلاثة أيام.
    وقيل: إنّه أمرها أن تنكح رجلاً من قومها فامتنعت وأنفت من ذلك، فقال: لا يكون في الإسلام إلاّ ذلك، فقالت: إن كان لا بدّ من ذلك فزوجني ذا تبّع ملك همدان، فزوجه إياها ثم ردها إلى اليمن، وسلط زوجها ذا تبّع على الملك، وأمر الجن من أهل اليمن بطاعته، فاستعملهم ذو تبّع، فعملوا له عدّة حصون باليمن، منها سلحين ومراوح وفليون وهنيدة وغيرها، فلما مات سليمان لم يطيعوا ذا تبّع وانقضى ملك ذي تبّع وملك بلقيس مع ملك سليمان.
    وقيل: إن بلقيس ماتت قبل سليمان بالشام وإنّه دفنها بتدمر وأخفى قبرها.
    وفاة سليمان
    لما ردّ الله إلى سليمان الملك لبث فيه مطاعاً والجنّ تعمل له (ما يشاء من محاريب وتماثيل وجفان كالجواب وقدور راسيات) سبأ: 13 وغير ذلك ويعذّب من الشياطين من شاء ويطلب من شاء، حتى إذا دنا أجله وكان عادته إذا صلى كل يوم رأى شجرة نابتة بين يديه، فيقول: ما اسمك، فتقول: كذا، فيقول: لأيّ شيء أنت، فإن كانت لغرس غرست وإن كانت لدواء كتبت، فبينما هو يصلّي ذات يوم إذ رأى شجرة بين يديه فقال لها: ما اسمك ، فقالت: الخرنوبة، فقال لها: لأيّ شيء أنتِ ، قالت: لخراب هذا البيت، يعني بيت المقدس، فقال سليمان: ما كان الله ليخرّبه وأنا حيّ، أنت التي على وجهك هلاكي وخراب البيت وقلعها، ثم قال: اللهم عم على الجنّ موتي حتى يعلم النّاس أن الجنّ لا يعلمون الغيب.
    وكان سليمان يتجرّد للعبادة في بيت المقدس السنة والسنتين والشهروالشهرين وأقلّ وأكثر، يدخل معه طعامه وشرابه، فأدخله في المرّة التي توفي فيها، فبينما هو قائم يصلي متوكئاً على عصاه أدركه أجله فمات ولا تعلم به الشياطين ولا الجن، وهم في ذلك يعملون خوفاً منه، فأكلت الأرضة عصاه فانكسرت فسقط، فعلموا أنه قد مات، وعلم الناس أنّ الجن لا يعلمون الغيب ولو علموا (الغيب ما لبثوا في العذاب المهين) سبأ: 14 ومقاساة الأعمال الشاقة. ولما سقط أراد بنو اسرائيل أن يعلموا منذ كم مات، فوضعوا الأرضة على العصا يوماً وليلة فأكلت منها، فحسبوا بنسبته فكان أكل تلك العصا في سنة،
    قيل: إن الجن والشياطين شكوا ما يحلقهم من التعب والنصب إلى بعض أولي التجربة منهم، وقيل: كان إبليس، فقال لهم: ألستم تنصرفون بأحمال وتعودون بغير أحمال ، قالوا: بلى، قال: فلكم في كلّ ذلك راحة، فحملت الريح الكلام فألقته في أذن سليمان، فأمر الموكّلين بهم أنهم إذا جاءوا بالأحمال والآلات التي يبنى بها إلى موضع البناء والعمل يحملهم من هناك في عودهم ما يلقونه من المواضع التي فيها الأعمال ليكون أشقّ عليهم وأسرع في العمل، فاجتازوا بذلك الذي شكوا إليه حالهم فأعلموه حالهم، فقال لهم: انتظروا الفرج فإنّ الأمور إذا تناهت تغيّرت، فلم تطل مدّة سليمان بعد ذلك حتى مات؛ وكان مدّة عمره ثلاثاً وخسمين سنة، وملكه أربعين سنة.
    ● [ ذكر من ملك من الفرس بعد كيقباذ ] ●
    لما توفي كيقباذ ملك بعده ابنه كيكاووس بن كينية بن كيقباذ، فلما ملك حمى بلاده وقتل جماعة من عظماء البلاد المجاورة له، وكان يسكن بنواحي بلخ، وولد له ولد سماه سياروخش وضمّه إلى رستم الشديد بن داستان بن نريمان بن جوذنك بن كرشاسب، وكان أصبهبذ سجستان وما يليها، وجعله عنده ليربّيه، فأحسن تربيته وعلّمه العلوم ولفروسيّة والآداب وما يحتاج الملوك إليه، فلمّا كمل ما أراد حمله إلى أبيه، فلمّا رآه سرّ به صورةً ومعنى.
    وكان أبوه كيكاووس قد تزوج ابنة أفراسياب ملك الترك، وقيل: إنها ابنة ملك اليمن، فهويت سياوخش ودعته الى نفسها، فامتنع، فسعت به الى أبيه حتى أفسدته عليه، فسأل سياوخش رستم الشديد ليتوصل مع أبيه لينفذه الى محاربة أفراسياب بسبب منعه بعض ما كان قد استقرّ بينهما، وأراد البعد عن أبيه ليأمن كيد امرأته، ففعل ذلك رستم، فسيّره أبوه وضمّ إليه جيشاً كثيفاً، فسار الى بلاده الترك للقاء أفراسياب، فلمّا سار الى تلك الناحية جرى بينهما صلح، فكتب سياوخش الى أبيه يعرفه ما جري بينه وبين أفراسياب، فلمّا سار الى تلك الناحية جرى بينهما صلح، فكتب سياوخش الى أبيه يعرفه ما جرى بينه وبين أفرسياب من الصلح، فكتب إليه والده يأمره بمناهضة أفراسياب ومحاربته وفسخ الصلح، فاستقبح سياوخش الغدر وأنف منه، فلم ينفذ ما أمره به، ورأى أن ذلك من فعل زوجة والده ليقبّح فعله، فراسل أفراسياب في الأمان لنفسه لينتقل إليه، فأجابه أفراسياب إلى ذلك، وكان السفير في ذلك قيران بن ويسعان، ودخل سياوخش الى بلاد الترك، فأكرمه أفراسياب إلى ذلك، وكان السفير في ذلك قيران بن ويسعان، ودخل سياوخش الى بلاد الترك، فأكرمه أفراسياب وأنزله وأجرى عليه وزوّجه بنتاً له يقال لها وسفافريد، وهي أمّ كيخسرو، فظهر له من أدب سياوخش ومعرفته بالملك وشجاعته ما خاف على ملكه منه، وزاد الفساد بينهما بسعي ابني أفراسياب وأخيه كيدر حسداً منهم لسياوخش، فأمرهم أفراسياب بقتله، فقتلوه ومثلوا به، وكانت زوجته ابنة أفراسياب حاملة منه بابنه كيخسرو، فطلبوا الحيلة في إسقاط ما في بطنها، فلم يسقط، فأنكر قيران الذي كان أمان سياوخش إليه لتضع ما في بطنها ويقتله، فلمّا وضعت رقّ قيران لها وللمولود ولم يقتله وستر أمره حتى بلغ، فسيّر كيكاووس إلى بلاد الترك من كشف أمره وأخذه إليه. وحين بلغ خبر قتله الى فارس لبس شادوس بن جودرز السواد حزناً، وهو أوّل من لبسه، ودخل على كيكاووس فقال له: ما هذا، فقال: إنّ هذا اليوم يوم ظلام وسواد. ثم إنّ كيكاووس لما علم بقتل ابنه سيّر الجيوش مع رستم الشديد وطو أصبهبذ أصبهان لمحاربة أفراسياب، فدخلا بلاد الترك فقتلا وأسرا وأثخنا فيها، وجرى لهما مع أفراسياب حروب شديدة قُتل فيها ابنا أفراسياب وأخوه الذين أشاروا بقتل سياوخش.
    وزعمت الفرس أن الشياطين كانت مسخرّة له، وأنها بنت له مدينة طولها في زعمهم ثلاثمائة فرسخ وبنوا عليها سوراً من صرف وسوراً من شبه وسوراً من فضة، وكانت الشياطين تنقلها بين السماء والأرض وما بينهما، وأن كيكاووس لا يأكل ولا يشرب ولا يحدث، ثمّ إنّ الله أرسل إلى المدينة من يخرّبها فعجزت الشياطين عن المنع عنها، فقتل كيكاووس جماعة من رؤوسائهم.
    وقال بعض العلماء بأخبار المتقدّمين: إنّما سخّر له فعل الشياطين بأمر سليمان بن داود، وكان مظفّراً لا يناوئه أحدٌ من الملوك إلا ظهر عليه، فلم يزل كذلك حتى حدّثته نفسه بالصعود الى السماء، فسار من خراسان الى بابل، وأعطاه الله تعالى قوّة ارتفع بها هو ومن معه حتى بلغوا السحاب، ثم سلبهم الله تلك القوة، فسقطوا وهلكوا وأفلت بنفسه وأحدث يومئذ. وهذا جميعه من أكاذيب الفرس الباردة.
    ثمّ إنّ كيكاووس بعد هذه الحادثة تمزّق ملكه وكثرت الخوارج عليه وصاروا يغزونه، فيظفر مرّة ويظفرون أخرى، ثمّ غزا بلاد اليمن وملكها يومئذ ذو الأذعار بن أبرهة ذي المنار بن الرايش، فلما ورد اليمن خرج إليه ذو الأذعار، وكان قد أصابه الفالج، فلم يكن يغزو، فلمّا وطئ كيكاووس بلاده خرج إليه بنفسه وعساكره وظفر بكيكاووس فأسره واستباح عسكره وحبسه في بئر وأطبق عليه، فسار رستم من سجستان الى اليمن وأخرج كيكاووس وأخذه، وأراد ذو الأذعار منعه فجمع العساكر وأراد القتال ثمّ خاف البوار فاصطلحا علي أخذ كيكاووس والعود الى بلاد الفرس، فأخذ وزعاده الى ملكه، فأقطعه كيكاووس سجستان وزابلستان، وهي من أعمال غزنة، وأزال عنه اسم العبودية، ثم توفي كيكاووس، وكان ملكه مائة وخمسين سنة.
    ذكر ملك كيخسرو بن سياوخش بن كيكاووس
    لما مات كيكاووس ملك بعده ابن ابنه كيخسرو بن سياوخش بن كيكاوس، وأمه وسفافريد ابنة أفراسياب ملك الترك، فلما ملك كتب الى الأصبهذين جميعهم أن يزتوا بعساكرهم جميعها، فلما اجتمعوا جهّز ثلاثين ألفاً مع طوس وأمره بدخول بلاد الترك، وأن لا يمرّ بقرية ولا مدينة لهم إلا قتل كل من فيها إلا مدينة من مدنهم كان بها أخ له اسمه فيروزد بن سياوخش، كان أبوه قد تزوج أمه في بعض مدائن الترك، فاجتاز طوس بها فجرى بينه وبين فيروزد حرب قتل فيها فيروزد، فبلغ خبره كيخسرو فعظم عليه وكتب إلى عمّ له كان مع طوس يأمره بالقبض على طوس وإرساله مقيّداً والقيام بأمر الجيش، ففعل ذلك وسار بالعسكر نحو أفراسياب، فسيّر أفراسياب العساكر إليه فاقتتلوا قتالاً شديداً كثرت فيه القتلى وانحازت الفرس الى رؤوس الجبال وعادوا الى كيخسرو، فوبّخ عمّه ولامه واهتمّ بغزو الترك، فأمر بجمع العساكر جميعها وأن لا يتخلّف أحدٌ، فلما اجتمعوا أعلمهم أنه يريد قصد بلاد الترك من أربعة وجوه، فسير جودرز في أعظم العساكر وزمره بالخدول الى بلاد الترك مما يلي بلخ وأعطاه درفش كابيان، وهو العلم الزكبر الذي لهم، وكانوا لا يرسلونه إلا مع بعض أولاد الملوك لزمر عظيم، وسيّر عسكراً آخر من ناحية الصين، وسيّر عسكراً آخر مما يلي الخزر، وعسكراً آخر بين هذين العسكرين، فدخلت العساكر بلاد الترك من كل جهاتها وأخربتها، لا سيما جودرز، فإنّه قتل وأخرب وسبى، وتبعه كيخسرو بنفسه في طريقه، فوصل إليه وقد قتل جماعة كثيرة من زهل أفراسياب وأثخن فيهم، ورآه قد قتل خمسمائة ألف ونيّفاً وستين ألفاً وأسر ثلاثين ألفاً وغنم ما لا يعدّ ولا يحصى، وعرض عليه من قتل من أهل أفراسياب طراحنته، فعظم جودرز عنده وشكره وأقطعه أصبهان وجرجان، ووردت عليه الكتب من عساكره الداخلة من تلك الوجوه الى الترك بما قتلوا وغنموا وأخربوا وأنهم هزموا لأفراسياب عسكراً بعد عسكر، فكتب إليهم أن يجدّوا في محاربتهم ويوافوه بموضع سمّاه لهم.
    فلما بلغ أفراسياب قتل من قتل من طراخنته وأهله وعساكره عظم ذلك عليه فسقط في يديه ولم يكن بقي عنده من أولاده غير ولده شيده، فوجّهه في جيش نحو كيخسرو، فسار إليه واقتتلوا قتالاً شديداً أربعة أيام، ثم انهزمت الترك وتبعهم الفرس يقتلونهم ويأسرون، وأدركوا ابن أفراسياب فقتلوه، وسمع أفراسياب بالحادثة وقتل ابنه فأقبل فيمن عنده من العساكر فلقي كيخسرو فاقتتلوا قتالاً شديداً لم يسمع بمثله، واشتدّ الأمر، فانهزم أفراسياب وكثر القتل في الترك فقتل منهم مائة ألف، وجدّ كيخسرو في طلب أفراسياب، ولم يزل يهرب من بلد الى بلد حتى بلغ أذربيجان فاستتر، وظفر به وأتى به إلى كيخسرو، فلما حضر عنده سأله عن غدره بأبيه، فلم يكن له حجّة ولا عذر، فأمر بقتله، فذبح كما ذبح سياوخش، ثم انصرف من أذربيجان مظفّراً منصوراً فرحاً. فلما قتل أفراسياب ملك الترك بعده أخوه كي سواسف، فلما توفي ملك بعده ابنه جرازسف، وكان جبّاراً عاتياً. فلما فرغ كيخسرو من الأخذ بثأر أبيه واستقرّ في ملكه زهد في الدنيا وترك الملك وتنسّك، واجتهد أهله وأصحابه به ليلازم الملك فلم يفعل، فقالوا له: فاعهد إلى من يقوم بالملك بعدك، فعهد إلى لهراسب، وفارقهم كيخسرو وغاب عنهم، فلا يدري ما كان منه ولا أين مات، وبعض يقول غير ذلك. وكان ملكه ستين سنة، وملك بعده لهراسب.
    ● [ أمر بني إسرائيل بعد سليمان عليه السلام ] ●
    قيل: ثم ملك بعد سليمان على بني اسرائيل ابنه رحبعم بن سليمان، وكان ملكه سبع عشرة سنة، ثمّ افترقت ممالك بني اسرائيل بعد رحبعم، فملك أبيا بن رحبعم سبط يهوذا وبنيامين دون سائر الأسباط، وذلك أنّ سائر الأسباط ملّكوا عليهم يوربعم بن بايعا عبد سليمان بسبب القربان الذي كانت جرادة زوجة سليمان فيما زعموا قرّبته في دره للصنم، فتوعّده الله تعالي أن ينزع بعض الملك عن ولده، فكان ملك أبيا بن رحبعم ثلاث سنين، ثمّ ملك أسا بن أبيا أمر السبطين اللذين كان أبوه يملكهما إحدى وأربعين سنة؛ وكان رجلاً صالحاً، وكان أعرج.
    ذكر محاربة آسا بن أفيا ورزح الهندي
    قيل: كان أسا بن أبيا رجلاً صالحاً، وكان أبوه قد عبد الأصنام ودعا الناس الى عبادتها، فلما ملك ابنه أسا أمر منادياً فنادى: ألا إنّ الكفر قد مات وأهله وعاش الإيمان وأهله، فليس كافر في بني اسرائيل يطلع رأسه بكفر إلا قتلته، فإن الطوفان لم يغرق الدنيا وأهلها ولم يخسف بالقرى ولم تطمر الحجارة والنار من السماء إلى الأرض إلا بترك طاعة الله والعمل بمعصيته وشدد في ذلك. فأتى بعضهم ممن كان يعبد الأصنام ويعمل بالمعاصي إلى أم أسا الملك، وكانت تعبد الأصنام، فشكوا إليها، فجاءت إليه ونهته عما كان يفعله وبالغت في زجره، فلم يصغ الى قولها بل تهددها على عبادة الأصنام وأظهر البراءة منها، فحينئذٍ أيس الناس منه وانتزح من كان يخافه وساروا إلى الهند. وكان بالهند ملك يقال له رزح، وكان جبّاراً عاتياً عظيم السلطان قد أطاعه أكثر البلاد، وكان يدعو الناس الى عبادته، فوصل اليه أولذك النفر من بني اسرائيل وشكوا إليه ملكهم ووصفوا له البلاد وكثرتها وقلّة عسكرها وضعف ملكها وأطمعوه فيها. فأرسل الجواسيس فأتوه بأخبارها، فلما تيقن الخبر جمع العساكر وسار الى الشام في البحر، وقال له بنو اسرائيل: إن لأسا صديقاً ينصره ويعينه، قال: فأين أسا وصديقه من كثرة عساكري وجنودي وبلغ خبرُه إلى أسا، فتضرّع الى الله تعالي وأظهر الضعف والعجز عن الهنديّ وسأل الله النصرة عليه، فاستجاب الله له وأراه في المنام: إنّي سأظهر من قدرتي في رزح الهنديّ وعساكره ما أكفيك شرهم وأغنمكم أموالهم حتى يعلم أعداؤك أن صديقك لا يُطاق وليّه ولا ينهزم جنده. ثمّ سار رزح حتى أرسى بالساحل، وسار الى بيت المقدس، فلما صار على مرحلتين منه فرق عساكره، فامتلأت منهم تلك الأرض وملئت قلوب بني إسرائيل رعباً، وبعث أسا العيون فعادوا وأخبروه من كثرتهم بما لم يُسمع بمثله، وسمع الخبر بنو اسرائيل فصاحوا وبكوا وودّع بعضهم بعضاً وعزموا على أن يخرجوا الى رزح ويستسلموا إليه وينقادوا له، فقال لهم ملكهم: إنّ ربي قد وعدني بالظفر ولا خلف لوعده، فعاودوا الدعاء والتضرّع، ففعلوا ودعوا جميعهم وتضرّعوا، فزعموا أن الله أوحى إليه: يا أسا إنّ الحبيب لا يُسلم حبيبه، وأنا الذي أكفيك عدوّك فإنّه لا يهون من توكل عليّ، ولا يضعف من تقوى بي، وقد كنت تذكرني في الرخاء فلا أسلمك في الشدّة، وسأرسل بعض الزبانية يقتلون أعدائي، فاستبشر وأخبر بني اسرائيل، فأما المؤمنون فاستبشروا وأما المنافقون فكذبوه. وزمره الله بالخروج إلى رزح في عساكره، فخرج في نفر يسير، فوقفوا على رابية من الأرض ينظرون الى عساكره، فلمّا رآهم رزح احتقرهم واستصغرهم وقال: إنما خرجت من بلادي وجمعت عساكري وأنفقت أموالي لهذه الطائفة ودعا النفر من بني اسرائيل الذين قصدوه والجواسيس الذين أرسلهم ليختبروا له وقال: كذبتموني وأخبرتموني بكثرة بني اسرائيل حتى جمعت العساكر وفرقت أموالي ثم أمر بهم فقتلوا، وأرسل إلى أسا يقول له: أين صديقك الذي ينصرك ويخلّصك من سطوتي ، فأجابه أسا: يا شقيّ إنّك لا تعلم ما تقول أتريد أن تغالب الله بقوتك أم تكاثره بقلتك ، وهو معي في موقفي هذا، ولن يغلب أحد كان الله معه، وستعلم ما يحل بك فغضب رزح من قوله وصفّ عساكره وخرج الى قتال أسا وأمر الرّماة فرموهم بالسهام، وبعث الله من الملائكة مدداً لبني اسرائيل، فأخذوا السهام ورموا بها الهنود، فقتلت كل إنسان منهم نشّابته، فقتل جميع الرماة، فضج بنو اسرائيل بالتسبيح والدّعاء، وتراءت الملائكة للهنود، فلمّا رآهم رزح ألقي الله الرعب في قلبه وسقط في يده ونادى في عساكره يأمرهم بالحملة عليهم، ففعلوا، فقتلتهم الملائكة ولم يبق منهم غير رزح وعبيده ونسائه، فلما رأى ذلك ولّى هارباً وهو يقول: قتلني صديق أسا. فلما رآه أسا مدبراً قال: اللهم إنك إن لم تهلكه استنفر علينا نائبه، وبلغ رزح ومن معه الى البحر فركبوا السفن، فلما سارت بهم أرسل الله عليهم الرياح فأغرقتهم أجمعين. ثم ملك بعد أسا ابنه سافاط الى أن هلك خمساً وعشرين سنة، ثم ملكت عزليا بنت عمرم أخت أخزيا، وكانت قتلت أولاد ملوك بني اسرائيل ولم يبق منهم إلا يواش بن أخزيا، وهو ابن ابنها، فإنه ستر عنها، ثم قتلها بواش وأصحابه، وكان ملكها سبع سنين؛ ثم ملك يواش أربعين سنة، ثم قتله أصحابه، وهو الذي قتل جدّته؛ ثم ملك عوزيا بن امصيا بن يواش، ويقال له غوزيا، الى أن توفي اثنتين وخمسين سنة؛ ثم ملك يوثام بن عوزيا الى أن توفّي ستّ عشرة سنة؛ ثم ملك حزقيا بن أحاز الى أن توفي، فيقال: إنه صاحب شعيا الذي أعلمه شعيا انقضاء عمره، فتضرّع الى ربّه فزاده، وأمر شعيا بإعلامه ذلك، وقيل: إن صاحب شعيا في هذه القصة اسمه صدقيا، على ما يرد ذكره.
    شعيا والملك الذي معه من بني إسرائيل
    ومسير سنحاريب إلى بني إسرائيل
    قيل: كان الله تعالى قد أوحى الى موسى ما ذكر في القرآن: (وقضينا الى بني اسرائيل في الكتاب لتفسدن في الأرض مرتين ولتعلن علواً كبيراً، فإذا جاء وعد أولادهما بعثنا عليكم عباداً لنا أولي بأس شديد فجاسوا خلال الديار وكان وعداً مفعولاً، ثم رددنا لكم الكرة عليهم وأمددناكم بأموال وبنين وجلعناكم أكثر نفيراً، إن أحسنتم أحسنتم أحسنتم لأنفسكم وإن أسأتم فلها، فإذا جاء وعد الآخرة ليسؤوا وجوهكم وليدخلوا المسجد كما دخلوه أول مرة وليتبّروا ما علوا تتبيراً عسى ربّكم أن يرحمكم وإن عدتم عدنا وجعلنا جهنم للكافرين حصيراً).
    فكثر في بني اسرائيل الأحداث والذنوب، وكان الله يتجاوز عنهم متعطفاً عليهم، وكان من أول ما أنزل الله عليهم عقوبة لذنوبهم أنّ ملكاً منهم يقال له صدقية، وكانت عادتهم إذا ملك عليهم رجل بعث الله إليه نبياً يرشده ويوحي إليه ما يريد، ولم يكن لهم غير شريعة التوراة، فلما ملك صدقية بعث الله تعالى إليه شعيا، وهو الذي بشر بعيسى وبمحمد، عليهما السلام، فلما قارب أن ينقضي ملكه عظمت الأحداث في بني اسرائيل، فأرسل الله عليهم سنحاريب ملك بابل في عساكر يغصّ بها الفضاء، فسار حتى نزل بيت المقدس وأحاط به وملك بني اسرائيل مريض في ساقه قرحة، فأتاه النبيّ شعيا وقال له: إنّ الله يأمرك أن توصي وتعهد فإنك ميت، فأقبل الملك على الدعاء والتضرّع، فاستجاب الله له، فأوحى الله إلى شعيا أنه قد زاد في عمر الملك صدقية خمس عشرة سنة وأنجاه من عدّوه سنحاريب، فلما قال له ذلك زال عنه الألم وجاءته الصحة.
    ثم إن الله أرسل على عساكر سنحاريب ملكاً صاح بهم فماتوا غير ستة نفر منهم: سنحاريب وخمسة من كتّابه، أحدهم بخت نصّر في قول بعضهم، فخرج صدقية وبنو اسرائيل الى معسكرهم فغنموا ما فيه والتمسوا سنحاريب فلم يجدوه، فأرسل الطلب في أثره فوجدوه ومعه أصحابه، فأخذوهم وقيدوهم وحملوهم إليه فقال لسنحاريب: كيف رأيت صنع ربّنا بك ، فقال: قد أتاني خبر ربّكم ونصره إياكم فلم أسمع ذلك، فطاف بهم حول بيت المقدس ثم سجنهم.
    فأوحى الله إلى شعيا يأمر الملك بإطلاق سنحاريب ومن معه، فأطلقهم، فعادوا الى بابل وأخبروا قومهم بما فعل الله بهم وبعساكرهم، وبقي بعد ذلك سبع سنين ثم مات.
    وقد زعم بعض أهل الكتاب أن بني اسرائيل سار إليهم قبل سنحاريب ملك من ملوك بابل يقال له كفرو، وكان بخت نصّر ابن عمّه وكاتبه، وأنّ الله أرسل عليهم ريحاً فأهلكت جيشه وأفلت هو وكاتبه، وأن هذا البابليّ قتله ابن له، وأن بخت نصر غضب لصاحبه فقتل ابنه الذي قتله، وأن سنحاريب سار بعد ذلك وكان ملكه بنينوي وغزا مع ملك أذربيجان يومئذٍ بني اسرائيل فأوقع بهم، ثم اختلف سنحاريب وملك أذربيجان وتحاربا حتى تفانى عسكراهما، فخرج بنو اسرائيل وغنموا ما معهم.
    وقيل: كان ملك سنحاريب الى أن توفّي تسعاً وعشرين سنة، وكان ملك بني اسرائيل الذي حصره سنحاريب حزقياً، فلمّا توفّي حزقيا ملك بعده ابنه منشى خسماً وخمسين سنة، ثم ملك بعده آمون الى أن قتله أصحابه ثنتي عشرة سنة، ثم ملك ابنه يوشيا الي أن قتله فرعون مصر الأجدع إحدى وثلاثين سنة؛ ثم ملك بعده ابنه ياهو أحاز بن يوشيا، فعزله فرعون الأجدع واستعمل بعده يوياقيم بن ياهو أحاز ووظف عليه خراجاً يحمله إليه، وكان ملكه اثنتي عشرة سنة، ثم ملك بعده ابنه يوياحين، فغزاه بخت نصّر وأشخصه الى بابل بعد ثلاثة أشهر من ملكه، وملك بعده يقونيا ابن عمه، وسماه صدقية، وخالفه فغزاه وظفر به وحمله الى بابل وذبح ولده بين يديه وسمل عينيه وخرّب بيت المقدس والهيكل وسبى بني اسرائيل وحملهم الى بابل، فمكثوا الى أن عادوا إليه، على ما نذكره إن شاء الله؛ وكان جميع ملك صدقية إحدى عشرة سنة.
    وقيل: إن شعيا أوحى الله إليه ليقوم في بني اسرائيل يذكرهم بما يوحي الله على لسانه لما كثرت فيهم الأحداث، ففعل، فعدوا عليه ليقتلوه، فهرب منهم، فلقيته شجرة فانفلقت له، فدخلها، وأخذ الشيطان بهدب ثوبه وأراه بني اسرائيل، فوضعوا المنشار على الشجرة فنشروها حتي قطعوه في وسطها.
    وقيل في أسماء ملوكهم غير ذلك، تركناه كراهة التطويل ولعدم الثقة بصحة النقل به.

    داود وسليمان عليهما السلام وأمر بني إسرائيل بعدهما Fasel10

    مختصر الكامل في التاريخ لابن الأثير
    منتدى نافذة ثقافية - البوابة
    داود وسليمان عليهما السلام وأمر بني إسرائيل بعدهما E110


      الوقت/التاريخ الآن هو الإثنين نوفمبر 25, 2024 11:03 pm