من طرف اسرة التحرير الثلاثاء نوفمبر 04, 2014 5:28 am
بّسم الله الرّحمن الرّحيم مكتبة علوم القرآن أسباب نزول القرآن سور الكهف ومريم وطه والأنبياء والحج والمؤمنون
● [ سورة الكهف ] ●
بسم اللهِ الرحمن الرحيم. قوله تعالى (وَاِصبِر نَفسَكَ) الآية. حدثنا القاضي أبو بكر أحمد بن الحسين الحيري إملاء في دار السنة يوم الجمعة بعد الصلاة في شهور سنة عشر وأربعمائة قال: أخبرنا أبو الحسن بن عيسى بن عبد ربه الحيري قال: حدثنا محمد بن إبراهيم البوشنجي قال: حدثنا الوليد بن عبد الملك بن مسرح الحراني قال: حدثنا سليمان بن عطاء الحراني، عن مسلمة بن عبد الله الجهني عن عمه ابن مشجعة بن ربعي الجهني، عن سلمان الفارسي قال: جاءت المؤلفة القلوب إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم عيينة بن حصن والأقرع بن حابس، وذووهم، فقالوا: يا رسول الله إنك لو جلست في صدر المجلس ونحيت عنا هؤلاء وأرواح جبابهم يعنون سلمان وأبا ذر وفقراء المسلمين، وكانت عليهم جباب الصوف لم يكن عليهم غيرها جلسنا إليك وحادثناك وأخذنا عنك، فأنزل الله تعالى (وَاِتلُ ما أَوحِيَ إِلَيكَ مِن كِتابِ رَبِّكَ لامُبَدِّلَ لِكَلِماتِهِ وَلَن تَجِدَ مِن دُونِهِ مُلتَحَداً. وَاِصبِر نَفسَكَ مَعَ الَّذينَ يَدعُونَ رَبَّهُم بِالغَداةِ وَالعَشِيِّ يُريدونَ وَجهَهُ) حَتّى بلغ (إِنّا أَعتَدنا لِلظّالِمينَ ناراً) يتهددهم بالنار، فقام النبي صلى الله عليه وسلم يلتمسهم حتى إذا أصابهم في مؤخر المسجد يذكرون الله تعالى قال: الحمد الله الذي لم يمتني حتى أمرني أن أصبر نفسي مع رجال من أمتي، معكم المحيا ومعكم الممات. ● قوله تعالى (وَلا تُطِع مَن أَغفَلنا قَلبَهُ عَن ذِكرِنا) الآية. أخبرنا أبو بكر الحارثي قال: أخبرنا أبو الشيخ الحافظ قال: حدثنا أبو يحيى الرازي قال: حدثنا سهل بن عثمان قال: حدثنا أبو مالك، عن جوهر، عن الضحاك، عن ابن عباس في قوله تعالى (وَلا تُطِع مَن أَغفَلنا قَلبَهُ عَن ذِكرِنا) قال: نزلت في أمية بن خلف الجمحي، وذلك أنه دعا النبي صلى الله عليه وسلم إلى أمر كرهه من تحرد الفقراء عنه وتقريب صناديد أهل مكة، فأنزل الله تعالى (وَلا تُطِع مَن أَغفَلنا قَلبَهُ عَن ذِكرِنا) يعني من ختمنا على قلبه عن التوحيد (وَاِتَبَعَ هَواهُ) يعني الشرك. ● قوله تعالى (وَيَسئَلُونَكَ عَن ذي القَرنَينِ) الآية. قال قتادة: إن اليهود سألوا نبي الله صلى الله عليه وسلم عن ذي القرنين، فأنزل الله تعالى هذه الآية. ● قوله تعالى (قُل لَّو كانَ البَحرُ مِداداً لِّكَلِماتِ رَبّي) الآية. قال ابن عباس: قالت اليهود لما قال لهم النبي صلى الله عليه وسلم: وما أوتيتم من العلم إلا قليلاً، كيف وقد أوتينا التوراة، ومن أوتي التوراة فقد أوتي خيراً كثيراً فنزلت (قُل لَّو كانَ البَحرُ مِداداً لِّكَلِماتِ رَبّي) الآية. ● قوله تعالى (فَمَن كانَ يَرجو لِقاءَ رَبِّهِ) الآية. قال ابن عباس: نزلت في جندب بن زهير الغامدي، وذلك أنه قال: إني أعمل العمل لله، فإذا اطلع عليه سرني، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: إن الله تعالى طيب لا يقبل إلا طيباً، ولا يقبل ما روئي فيه، فأنزل الله تعالى هذه الآية. وقال طاوس: قال رجل: يا نبي الله إني أحب الجهاد في سبيل الله وأحب أن يرى مكاني، فأنزل الله تعالى هذه الآية. وقال مجاهد: جاء رجل إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال: إني أتصدق وأصل الرحم ولا أصنع ذلك إلا لله سبحانه وتعالى فيذكر ذلك مني وأحمد عليه، فيسرني ذلك، وأعجب به، فسكت رسول الله صلى الله عليه وسلم ولم يقل شيئاً صالحاً فأنزل الله تعالى (فَمَن كانَ يَرجو لِقاءَ رَبِّهِ فَليَعمَل عَمَلاً صالِحاً وَلا يُشرِك بِعِبادَةِ رَبِّهِ أَحَداً)
● [ سورة مريم ] ●
بسم اللهِ الرحمن الرحيم. قوله عز وجل (وَما نَتَنَزَّلُ إِلّا بِأَمرِ رَبِّكَ) الآية. أخبرنا إسماعيل بن إبراهيم بن محمد بن حمويه قال: أخبرنا أبو بكر محمد بن معمر الشامي قال: أخبرنا إسحاق بن محمد بن إسحاق الرسغي قال: حدثني جدي قال: حدثنا المغيرة قال: حدثنا عمر بن ذر عن أبيه، عن سعيد بن جبير، عن ابن عباس قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: يا جبريل ما يمنعك أن تزورنا أكثر مما تزورنا، قال: فنزلت (وَما نَتَنَزَّلُ إِلّا بِأَمرِ رَبِّكَ) الآية كلها. قال: كان هذا الجواب لمحمد رسول الله صلى الله عليه وسلم. رواه البخاري عن أبي نعيم، عن ذر. وقال مجاهد: أبطأ الملك على رسول الله صلى الله عليه وسلم ثم أتاه فقال لعلي: أبطأت، قال: قد فعلت، قال: ولم لا أفعل وأنتم لا تتسوكون ولا تقصون أظفاركم ولا تنقون براجمكم، قال: وما نتنزل إلا بأمر ربك، قال مجاهد: فنزلت هذه الآية. وقال عكرمة، والضحاك، وقتادة، ومقاتل، والكلبي: احتبس جبريل عليه السلام حين سأله قومه عن قصة أصحاب الكهف، وذي القرنين، والروح فلم يدر ما يجيبهم ورجا أن يأتيه جبريل عليه السلام بجواب فسألوه فأبطأ عليه فشق على رسول الله صلى الله عليه وسلم مشقة شديدة فلما نزل جبريل عليه السلام، قال له أبطأت علي حتى ساء ظني واشتقت إليك، فقال جبريل عليه السلام: إني كنت إليك أشوق ولكني عبد مأمور إذا بعثت نزلت وإذا حبست احتبست فأنزل الله تعالى، (وَما نَتَنَزَّلُ إِلّا بِأَمرِ رَبِّكَ). ● قوله تعالى (وَيَقولُ الِإنسانُ أَئِذا ما مِتُّ لَسَوفَ أُخرَجُ حَيّاً) الآية. قال الكلبي: نزلت في أبي بن خلف حين أخذ عظاماً بالية يفتها بيده ويقول: زعم لكم محمد أنا نبعث بعد ما نموت. ● قوله تعالى (أَفَرَأَيتَ الَّذي كَفَرَ بِآَياتِنا) الآية. أخبرنا أبو إسحاق الثعالبي قال: أخبرنا عبد الله بن حامد، قال: أخبرنا مكي بن عبدان? قال: حدثنا عبد الله بن هاشم، قال: حدثنا أبو معاوية عن الأعمش، عن أبي الضحى، عن مسروق، عن خباب بن الأرت قال: كان لي دين على العاص بن وائل فأتيته أتقاضاه فقال: لا والله حتى تكفر بمحمد، قلت: لا والله لا أكفر بمحمد حتى تموت ثم تبعث، قال: إني إذا مت ثم بعثت جئتني، وسيكون لي ثم مال وولد فأعطيك فأنزل الله تعالى هذه الآية. أخبرنا أبو نصر أحمد بن إبراهيم، قال: أخبرنا عبيد الله بن محمد الزاهد، قال: أخبرنا البغوي قال: حدثنا أبو خيثمة، وعلي بن مسلم قالا: حدثنا وكيع قال: حدثنا الأعمش، عن أبي الضحى عن مسروق عن خباب قال: كنت رجلاً قيناً وكان لي على العاص بن وائل دين، فأتيته أتقاضاه فقال: لا أقضيك حتى تكفر بمحمد عليه الصلاة والسلام، فقلت: لا أكفر حتى تموت وتبعث، فقال: وإني لمبعوث بعد الموت? فسوف أقضيك إذا رجعت إلى مالي قال: فنزلت فيه (أَفَرَأَيتَ الَّذي كَفَرَ بِآياتِنا وَقالَ لأُوتَيَنَّ مالاً وَوَلَداً) رواه البخاري عن الحميدي، عن سفيان، ورواه مسلم، عن الأشج، عن وكيع كلاهما، عن الأعمش. وقال الكلبي ومقاتل: كان خباب بن الأرث قيناً، وكان يعمل للعاص بن وائل السهمي، وكان العاص يؤخر حقه فأتاه يتقاضاه، فقال العاص: ما عندي اليوم ما أقضيك، فقال: لست بمفارقك حتى تقضيني، فقال العاص: يا خباب مالك ما كنت هكذا وإن كنت لتحسن الطلب، فقال خباب: ذاك أني كنت على دينك، فأما اليوم فأنا على الإسلام مفارق لدينك، قال: أولستم تزعمون أن في الجنة ذهباً وفضة وحريراً? قال خباب: بلى، قال: فأخرني حتى أقضيك في الجنة، استهزاء، فوالله لئن كان ما تقول حقاً إني لأفضل فيها نصيباً منك، فأنزل الله تعالى (أَفَرَأَيتَ الَّذي كَفَرَ بِآياتِنا) يعني العاص الآيات.
● [ سورة طه ] ●
بسم اللهِ الرحمن الرحيم. قوله عز وجل (طَهَ ما أَنزَلنا عَلَيكَ القُرآَنَ لِتَشقى) قال مقاتل: قال: أبو جهل، والنضر بن الحرث للنبي صلى الله عليه وسلم: إنك لتشقى بترك ديننا، وذلك لما رأياه من طول عبادته واجتهاده، فأنزل الله تعالى هذه الآية. أخبرنا أبو بكر الحارثي قال: أخبرنا أبو الشيخ الحافظ قال: أخبرنا أبو يحيى قال: حدثنا العسكري قال: حدثنا أبو مالك، عن جرير، عن الضحاك قال: لما نزل القرآن على النبي صلى الله عليه وسلم قام هو وأصحابه فصلوا، فقال كفار قريش: ما أنزل الله تعالى هذا القرآن على محمد عليه الصلاة والسلام إلا ليشقى به، فأنزل الله تعالى (طَهَ) يقول: يا رجل (ما أَنزَلنا عَلَيكَ القُرآنَ لِتَشقى). ● قوله تعالى (وَلا تَمُدَّنَّ عَينَيكَ) الآية. أخبرنا أحمد بن محمد بن إبراهيم الثعلبي قال: أخبرنا شعيب بن محمد البيهقي قال: أخبرنا مكي بن عبدان قال: حدثنا أبو الأزهر قال: حدثنا روح، عن موسى بن عبيدة الزبدي قال: أخبرني يزيد بن عبد الله بن فضيل، عن أبي رافع مولى رسول الله صلى الله عليه وسلم أن ضيفاً نزل برسول الله صلى الله عليه وسلم، فدعاني فأرسلني إلى رجل من اليهود يبيع طعاماً يقول لك محمد رسول الله صلى الله عليه وسلم: نزل بنا ضيف ولم يلق عندنا بعض الذي نصلحه، فبعني كذا وكذا من الدقيق أو سلفني إلى هلال رجب، فقال اليهودي: لا أبيعه ولا أسلفه إلا برهن، قال: فرجعت إليه فأخبرته، قال: والله إني لأمين في السماء أمين في الأرض، ولو أسلفني أو باعني لأديت إليه اذهب بدرعي، ونزلت هذه الآية تعزية له عن الدنيا (وَلا تَمُدَّنَّ عَينَيكَ إِلى ما مَتَعنا بِهِ أَزواجاً مِنهُم) الآية.
● [ سورة الأنبياء ] ●
بسم اللهِ الرحمن الرحيم قوله تعالى (إِنَّ الَّذينَ سَبَقَت لَهُم مِّنّا الحُسنى) أخبرنا عمر بن أحمد بن عمر الأوردي قال: أخبرنا عبد الله بن محمد نصير الرازي قال: أخبرنا محمد بن أيوب قال: أخبرنا علي بن المديني قال: أخبرنا يحيى بن نوح قال: أخبرنا أبو بكر بن عياش عن عاصم قال: أخبرني أبو زرين، عن يحيى، عن ابن عباس قال: آية لا يسألني الناس عنها، لا أدري أعرفوها فلم يسألوا عنها، أو جهلوها فلا يسألون عنها، قال: وما هي، قال: لما نزلت (إِنَكُم وَما تَعبُدونَ مِن دونِ اللهِ حَصَبُ جَهَنَّمَ أَنتُم لَها وَارِدونَ) شق على قريش، فقالوا: أيشتم آلهتنا، فجاء ابن الزبعري فقال: ما لكم، قالوا يشتم آلهتنا، قال فما قال، قالوا قال: (إِنَكُم وَما تَعبُدونَ مِن دونِ اللهِ حَصَبُ جَهَنَّمَ أَنتُم لَها وارِدونَ) قال: ادعوه لي فلما دعي النبي صلى الله عليه وسلم قال: يا محمد هذا شيء لآلهتنا خاصة أو لكل من عبد من دون الله، قال: بل لكل من عبد من دون الله، فقال ابن الزبعري: خصمت ورب هذه البنية، يعني الكعبة، ألست تزعم أن الملائكة عباد صالحون وأن عيسى عبد صالح، وهذه بنو مليح يعبدون الملائكة، وهذه النصارى يعبدون عيسى عليه السلام، وهذه اليهود يعبدون عزيراً، قال: فصاح أهل مكة، فأنزل الله تعالى (إِنَّ الَّذينَ سَبَقَت لَهُم مِّنّا الحُسنى) الملائكة وعيسى وعزير عليهم السلام (أُولَئِكَ عَنها مُّبعَدونَ).
● [ سورة الحج ] ●
بسم اللهِ الرحمن الرحيم. قوله تعالى (وَمِنَ الناسِ مَن يَعبُدُ اللهَ عَلى حَرفٍ) الآية. قال المفسرون: نزلت في أعراب كانوا يقدمون على رسول الله صلى الله عليه وسلم المدينة مهاجرين من باديتهم، وكان أحدهم إذا قدم المدينة، فإن صح بها ونتجت فرسه مهراً حسناً وولدت امرأته غلاماً وكثر ماله وماشيته أمن به واطمأن وقال: ما أصبت منذ دخلت في ديني هذا إلا خيراً، وإن أصابه وجع المدينة وولدت امرأته جارية وأجهضت رماكه وذهب ماله وتأخرت عنه الصدقة أتاه الشيطان فقال: والله ما أصبت منذ كنت على دينك هذا إلا شراً، فينقلب عن دينه، فأنزل الله تعالى (وَمِنَ الناسِ مَن يَعبُدُ اللهَ عَلى حَرفٍ) الآية. وروى عطية عن أبي سعيد الخدري قال: أسلم رجل من اليهود فذهب بصره وماله وولده وتشاءم بالإسلام، فأتى النبي صلى الله عليه وسلم فقال: أقلني، فقال: إن الإسلام لا يقال، فقال: إني لم أصب في ديني هذا خيراً، أذهب بصري ومالي وولدي، فقال: يا يهودي إن الإسلام يسبك الرجال كما تسبك النار خبث الحديد والفضة والذهب، قال: ونزلت (وَمِنَ الناسِ مَن يَعبُدُ اللهَ عَلى حَرفٍ). ● قوله تعالى (هَذانِ خَصمَانِ اِختَصَموا في رَبِّهِم) الآية. أخبرنا أبو عبد الله محمد بن إبراهيم المزكي قال: أخبرنا عبد الملك بن الحسن بن يوسف قال: أخبرنا يوسف بن يعقوب القاضي قال: أخبرنا عمر بن مرزوق قال: أخبرنا شعبة عن أبي هاشم، عن أبي مجلز، عن قيس بن عبادة قال: سمعت أبا ذر يقول: أقسم بالله لنزلت (هَذانِ خَصمَانِ اِختَصَموا في رَبِّهِم) في هؤلاء الستة حمزة وعبيد وعلي بن أبي طالب وعتبة وشيبة والوليد بن ربيعة، رواه البخاري عن حجاج بن منهال، عن هشيم بن هاشم. أخبرنا أبو بكر الحرث قال: أخبرنا أبو الشيخ الحافظ قال: أخبرنا محمد بن سليمان قال: أخبرنا هلال بن بشر قال: أخبرنا يوسف بن يعقوب قال: أخبرنا سليم التيمي عن أبي مجلز، عن قيس بن عباد، عن علي قال: فينا نزلت هذه الآية وفي مبارزتنا يوم بدر (هَذانِ خَصمانِ اِختَصَموا) إلى قوله (الحَريقِِ). قال ابن عباس: هم أهل الكتاب قالوا للمؤمنين: نحن أولى بالله منكم وأقدم منكم كتاباً ونبينا قبل نبيكم. وقال المؤمنون، نحن أحق بالله آمنا بمحمد عليه الصلاة والسلام وآمنا بنبيكم وبما أنزل من كتاب، فأنتم تعرفون نبينا ثم تركتموه وكفرتم به حسداً، وكانت هذه خصومتهم، فأنزل الله تعالى فيهم هذه الآية، وهذا قول قتادة. ● قوله تعالى (أُذِنَ لِلَّذينَ يُقاتَلونَ بِأَنَّهُم ظُلِموا) الآية. قال المفسرون كان مشركوا أهل مكة يؤذون أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم فلا يزالون يجيئون من مضروب ومشجوج، فشكوهم إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، فيقول لهم: اصبروا فإني لم أومر بالقتال حتى هاجر رسول الله صلى الله عليه وسلم، فأنزل الله تعالى هذه الآية. وقال ابن عباس لما أخرج رسول الله صلى الله عليه وسلم من مكة قال أبو بكر رضي الله: إنا لله لنهلكن، فأنزل الله تعالى (أُذِنَ لِلَّذينَ يُقاتَلونَ) الآية. قال أبو بكر: فعرفت أنه سيكون قتال. ● قوله تعالى (وَما أَرسَلنا مِن قَبلِكَ مِن رَّسولٍ وَلا نَبِيٍّ) الآية. قال المفسرون: لما رأى رسول الله صلى الله عليه وسلم تولي قومه عنه وشق عليه ما رأى من مباعدتهم عما جاءهم به، تمنى في نفسه أن يأتيه من الله تعالى ما يقارب به بينه وبين قومه، وذلك لحرصه على إيمانهم، فجلس ذات يوم في ناد من أندية قريش كثير أهله، وأحب يومئذ أن يأتيه من الله تعالى شيء ينفر عنه، وتمنى ذلك، فأنزل الله تعالى (وَاالنَجمِ إِذا هَوى) فقرأها رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى بلغ (أَفَرَأَيتُمُ اللّاتَ وَالعُزّى وَمَناتَ الثالِثَةَ الأُخرى) ألقى الشيطان على لسانه لما كان يحدث به نفسه وتمناه: تلك الغرانيق العلى وإن شفاعتهن لترتجى، فلما سمعت قريش ذلك فرحوا، ومضى رسول الله صلى الله عليه وسلم في قراءته فقرأ السورة كلها، وسجد في آخر السورة فسجد المسلمون بسجوده وسجد جميع من في المسجد من المشركين، فلم يبق في المسجد مؤمن ولا كافر إلا سجد إلا الوليد بن المغيرة وأبا أحيحة سعيد بن العاص، فإنهما أخذا حفنة من البطحاء ورفعاها إلى جبهتهما وسجدا عليها، لأنهما كانا شيخين كبيرين فلم يستطيعا السجود، وتفرقت قريش وقد سرهم ما سمعوا وقالوا: قد ذكر محمد آلهتنا بأحسن الذكر، وقالوا: قد عرفنا أن الله يحيي ويميت ويخلق ويرزق لكن آلهتنا هذه تشفع لنا عنده، فإن جعل لها محمداً نصيباً فنحن معه، فلما أمسى رسول الله صلى الله عليه وسلم أتاه جبريل عليه السلام فقال: ماذا صنعت، تلوت على الناس ما لم آتك به عن الله سبحانه وتعالى، وقلت ما لم أقل لك، فحزن رسول الله صلى الله عليه وسلم حزناً شديداً وخاف من الله خوفاً كبيراً، فأنزل الله تعالى هذه الآية، فقالت قريش: ندم محمد عليه الصلاة والسلام على ما ذكر من منزلة آلهتنا عند الله فازدادوا شراً إلى ما كانوا عليه. أخبرنا أبو بكر الحارثي قال: أخبرنا أبو بكر بن حيان قال: أخبرنا أبو يحيى الرازي قال: أخبرنا سهل العسكري قال: أخبرنا يحيى عن عثمان بن الأسود، عن سعيد بن جبير قال: قرأ رسول الله صلى الله عليه وسلم (أَفَرَأَيتُمُ اللّاتَ وَالعُزَّى وَمَناتَ الثالِثَةَ الأُخرى) فألقى الشيطان على لسانه تلك الغرانيق العلى وشفاعتهن ترتجى، ففرح بذلك المشركون وقالوا: قد ذكر آلهتنا، فجاء جبريل عليه السلام إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وقال: اعرض علي كلام الله، فلما عرض عليه فقال: أما هذا فلم آتك به هذا من الشيطان، فأنزل الله تعالى (وَما أَرسَلنا مِن قَبلِكَ مِن رَّسولٍ وَلا نَبِيٍّ إِلّا إِذا تَمَنّى أَلقى الشَيطانُ في أُمنِيَّتِهِ).
● [ سورة قد أفلح ] ●
بسم اللهِ الرحمن الرحيم. قوله عز وجل (قَد أَفلَحَ المُؤمِنونَ) الآية. أخبرنا القاضي أبو بكر أحمد بن الحسين الحيري إملاء قال: أخبرنا حاجب بن أحمد الطوسي قال: أخبرنا محمد بن حماد الأبيوردي قال: أخبرنا عبد الرزاق قال: أخبرنا يونس بن سليمان قال: أملى يونس الإيلي عن ابن شهاب، عن عروة بن الزبير، عن عبد الرحمن بن عبد القاري قال: سمعت عمر بن الخطاب رضي الله عنه يقول: كان إذا أنزل الوحي على رسول الله صلى الله عليه وسلم يسمع عند وجهه دوي كدوي النحل، فمكثنا ساعة، فاستقبل القبلة ورفع يديه فقال: اللهم زدنا ولا تنقصنا، وأكرمنا ولا تهنا، وأعطنا ولا تحرمنا، وآثرنا ولا تؤثر علينا، وارض عنا، ثم قال: لقد أنزلت علينا عشر آيات من أقامهن دخل الجنة، ثم قرأ (قَد أَفلَحَ المُؤمِنونَ) إلى عشر آيات، رواه الحاكم أبو عبد الله في صحيحه عن أبي بكر القطيعي، عن عبد الله بن أحمد بن حنبل، عن أبيه، عن عبد الرزاق. ● قوله تعالى (الَّذينَ هُم في صَلاتِهِم خاشِعونَ) الآية. أخبرنا عبد الرحمن بن أحمد العطار قال: أخبرنا محمد بن عبد الله بن نعيم قال: حدثني أحمد بن يعقوب الثقفي قال: أخبرنا أبو شعيب الحراني قال: أخبرنا إسماعيل بن علية، عن أيوب، عن محمد بن سيرين، عن أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان إذا صلى رفع بصره إلى السماء، فنزل (الَّذينَ هُم في صَلاتِهِم خاشِعونَ). ● قوله تعالى (فَتَبارَكَ اللهُ أَحسَنُ الخالِقينَ) الآية. أخبرنا أحمد بن محمد بن عبد الله الحافظ قال: أخبرنا عبد الله بن محمد بن حيان قال: أخبرنا محمد بن سليمان قال: أخبرنا أحمد بن عبد الله بن سويد بن منجوف قال: أخبرنا أبو داود، عن حماد بن سلمة، عن علي بن زيد بن جدعان، عن أنس بن مالك قال: قال عمر بن الخطاب رضي الله عنه: وافقت ربي في أربع، قلت: يا رسول الله لو صلينا خلف المقام، فأنزل الله تعالى (وَاِتَّخِذوا مِن مَّقامِ إِبراهيمَ مُصَلّى) وقلت: يا رسول الله لو اتخذت على نسائك حجاباً فإنه يدخل عليك البر والفاجر، فأنزل الله تعالى (وَإِذا سَأَلتُموهُنَّ مَتاعاً فاسأَلُوهُنَّ مِن وَراءِ حِجابٍ) وقلت لأزواج النبي صلى الله عليه وسلم لتنتهن أو ليبدلنه الله سبحانه أزواجاً خيراً منكن، فأنزل الله (عَسى رَبُّهُ إِن طَلَّقَكُنَّ أَن يُبدِلَهُ أَزواجاً خَيراً مِّنكُنَّ) الآية، ونزلت (وَلَقَد خَلَقنا الإِنسانَ مِّن سُلالَةٍ مِّن طينٍ) إلى قوله تعالى (ثُمَّ أَنشَأناهُ خَلقاً آَخَرَ) فقلت: (فَتَبارَكَ اللهُ أَحسَنُ الخالِقينَ). ● قوله تعالى (وَلَقَد أَخَذناهُم بِالعَذابِ فَما اِستَكانوا لِرَبِّهِم) الآية. أخبرنا أبو القاسم بن عبدان قال: أخبرنا محمد بن عبيد الله بن محمد الضني قال: أخبرنا أبو العباس السياري قال: أخبرنا محمد بن موسى بن حاتم قال: أخبرنا علي بن الحسن بن شقيق قال: أخبرنا الحسين بن واقد قال: حدثني يزيد النحوي أن عكرمة حدثه، عن ابن عباس قال: جاء أبو سفيان إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: يا محمد ننشدك الله والرحم لقد أكلنا العلهز، يعني الوبر بالدم فأنزل الله تعالى (وَلَقَد أَخَذناهُم بِالعَذابِ فَما اِستَكانوا لِرَبِّهِم وَما يَتَضَرَعونَ) قال ابن عباس: لما أتى ثمامة بن أثال الحنفي إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فأسلم وهو أسير، فخلي سبيله، فلحق باليمامة فحال بين أهل مكة وبين الميرة من يمامة وأخذ الله تعالى قريشاً بسني الجدب حتى أكلوا العلهز، فجاء أبو سفيان إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال: أنشدك الله والرحم إنك تزعم أنك بعثت رحمة للعالمين قال: بلى، فقال: قد قتلت الآباء بالسيف والأبناء بالجوع، فأنزل الله تعالى هذه الآية.
أسباب نزول القرآن . تأليف : الواحدي منتديات الرسالة الخاتمة