بّسم الله الرّحمن الرّحيم
مكتبة العلوم الشرعية
مختصر زاد المعاد
هديه صلى الله عليه وسلم في الرقية
والعلاج واقضيته وأحكامه
فصل في حجة أبي بكر رضي الله عنه
سنة تسع بعد مقدمه من تبوك خرج بثلثمائة رجل من المسلمين وبعث معه رسول الله صلى الله عليه وسلم بعشرين بدنة قلدها واشعرها بيده عليها ناجية بن جندب الأسلمي وساق أبو بكر خمس بدنات قال ابن إسحاق فنزلت (براءة) في نقض ماكان بين رسول الله صلى الله عليه وسلم وبين المشركين من العهد الذي كانوا عليه فخرج علي على ناقة رسول الله صلى الله عليه وسلم فلحق أبا بكر فلما رآه قال أمير أو مأمور قال بل مأمور بعثني رسول الله صلى الله عليه وسلم أقرأ براءة على الناس وأنبذ إلى كل ذي عهد عهده فأقام أبو بكر للناس حجهم حتى إذا كان يوم النحر قام علي ابن أبي طالب فأذن في الناس عند الجمرة بالذي أمره رسول الله. أخرج الحميدي في مسنده من طريق زيد بن نفيع قال سألنا عليا بأي شيء بعثت في الحجة قال بعثت بأربع لايدخل الجنة إلا نفس مؤمنة ولا يطوف بالبيت عريان ولا يجتمع مسلم وكافر في البيت الحرام بعد عامه هذا ومن كان بينه وبين النبي صلى الله عليه وسلم عهد فعهده الى مدته.
● ● قال ابن إسحاق ولما فتح رسول الله صلى الله عليه وسلم مكة وفرغ من تبوك وأسلمت ثقيف فبايعته ضربت إليه وفود العرب آباط الإبل من كل وجه فذكر وفد بني تميم ووفد طيء ووفد بني عامر ووفد عبد القيس ووفد بني حنيفة ووفد كندة ووفد الأشعريين ووفد الأزد ووفد أهل نجران ووفد همدان ووفد نصارى نجران وغيرهم.
ثم ذكر هديه في العلاج بالأدوية الروحانية المفردة والمركب منها ومن الأدوية الطبيعية فقال روى مسلم عن ابن عباس مرفوعا العين حق ولو كان شيء سابق القدر لسبقته العين وفي صحيحه أيضا عن أنس أن رسول الله صلى الله عليه وسلم رخص في الرقية من العين والحمة والنملة وروى مالك عن ابن شهاب عن أبي أمامة بن سهل بن حنيف قال رأى عامر بن ربيعة سهلا يغتسل فقال والله ما رأيت كاليوم ولا جلد مخبأة فلبط سهل فأتى رسول الله صلى الله عليه وسلم عامرا فتغيظ عليه وقال علام يقتل أحدكم أخاه ألا بركت اغتسل له فغسل عامر وجهه ويديه ومرفقيه وركبتيه وأطراف رجليه وداخله إزاره في قدح ثم صب عليه فراح سهل مع الناس وذكر عبد الرزاق عن معمر عن ابن طاوس عن أبيه مرفوعا العين حق وإذا استغسل أحدكم فليغتسل ووصله صحيح قال الترمذي يؤمر الرجل العائن بقدح فيدخل كفه فيه فيتمضمض ثم يمجه في القدح ويغسل وجهه في القدح ثم يغسل يده اليسرى فيصب على ركبته اليمنى في القدح ثم يدخل يده اليمنى فيصب على ركبته اليسرى ثم يغسل داخله إزاره ولا يوضع القدح في الأرض ثم يصب على رأس المصاب من خلفه صبة واحدة والعين عينان عين إنسية وعين جنية فقد صح عن أم سلمة أنه صلى الله عليه وسلم رأى في بيتها جارية في وجهها سعفة فقال استرقوا لها فإن بها النظرة قال البغوي سعفة أي نظرة من الجن يقول بها عين أصابتها من نظر الجن أنفذ من أسنة الرماح وكان صلى الله عليه وسلم يتعوذ من الجان ومن عين الإنسان فأبطلت طائفة ممن قل نصيبهم من السمع والعقل امر العين وعقلاء الأمم على اختلاف مللهم لا تدفع أمر العين ولا تنكره وإن اختلفوا في سببه وجهة تأثير العين ولا ريب أن الله سبحانه خلق في الأجسام والأرواح قوى وطبائع مختلفة وجعل في كثير منها خواص وكيفيات مؤثرة ولا يمكن لعاقل إنكار تأثر الأرواح في الأجسام فإنه أمر مشاهد محسوس وليست العين هي الفاعلة وإنما التأثير للروح والأرواح مختلفة في طبائعها وقواها وكيفياتها وخواصها ولشدة ارتباطها بالعين نسب الفعل إليها وروح الحاسد مؤذية للمحسود أذى بينا ولهذا أمر الله رسوله أن يستعيذ به من شره وتاثير الحاسد في أذى المحسود أمر لا ينكره إلا من هو خارج عن حقيقته الانسانية وأشبه ا لأشياء بهذا الأفعى فإن السم كامن بالقوة فيها فإذا قابلت عدوها انبعث منها قوة غضبية وتكيفت نفسها بكيفية خبيثة مؤذية فمنها ما تشتد كيفيتها وتقوى حتى تؤثر في إسقاط الجنين ومنها ما يؤثر في طمس البصر كما قال صلى الله عليه وسلم في الأبتر وذي الطفيتين من الحيات إنهما يلتمسان البصر ويسقطان الحبل والتأثير غير موقوف على الاتصالات الجسمية كما يظنه من قل علمه ومعرفته بالطبيعة والشريعة بل التأثير يكون تارة بالاتصال وتارة بالمقابلة وتارة بالرؤية وتارة بتوجه الروح نحو من يؤثر فيه وتارة بالأدعية والرقى والتعويذات وتارة بالوهم والتخيل ونفس العائن لا يتوقف تأثيرها على الرؤية بل قد يكون أعمى فيوصف له الشيء فيؤثر فيه وإن لم يره وكثير منهم يؤثر في المعين بالوصف من غير رؤية فكل عائن حاسد وليس كل حاسد عائنا فلما كان الحاسد أعم كانت الاستعاذة منه استعاذة من العائن وهي سهام تخرج من نفس الحاسد والعائن نحو المحسود والمعين تصيبه تارة وتخطئه تارة فإن صادفته مكشوفا لا وقاية عليه أثرت فيه وإن صادفته حذرا شاكى السلاح لم تؤثر فيه وربما ردت السهام على صاحبها وهذا بمثابة الرمي الحسي سواء وقد يعين الرجل نفسه وقد يعين بغير إرادته بل بطبعه وهذا أرادأ ما يكون ولأبي داود في سننه عن سهل بن حنيف قال مررنا بسيل فدخلت فاغتسلت فيه فخرجت محموما فنمي ذلك إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال مروا أبا ثابت يتعوذ فقلت ياسيدي والرقى صالحة فقال لارقية إلا في نفس أو حمة أو لدغة والنفس العين واللدغة ضربة العقرب ونحوها فمن التعوذات والرقى الإكثار من قراءة المعوذتين والفاتحة وأية الكرسي والتعوذات النبوية نحو أعوذ بكلمات الله التامات من كل شيطان وهامة ومن كل عين لامة ونحو أعوذ بكلمات الله التامات التي لايجاوزهن بر ولا فاجر من شر ماخلق ونحو أعوذ بكلمات الله التامات من شر ماخلق وذرأ وبرأ ومن شر ماينزل من السماء ومن شر مايعرج فيها ومن شر ما ذرأ في الأرض ومن شر ما يخرج منها ومن شر فتن الليل والنهار ومن شر طوارق الليل والنهار إلا طارقا يطرق بخير يارحمن ومنها أعوذ بكلمات الله التامات من غضبه وعقابه وشر عباده ومن همزات الشياطين وأن يحضرون ومنها اللهم إني أعوذ بوجهك الكريم وكلماتك التامة من شر ماأنت آخذ بناصيته اللهم أنت تكشف المأثم والمغرم اللهم لايهزم جندك ولايخلف وعدك سبحانك وبحمدك ومنها أعوذ بوجه الله العظيم الذي لاشيء أعظم منه وبكلماته التامات الي لا يجاوز من بر ولا فاجر وأسماء الله الحسنى وبأسمائه ماعلمت منها وما لم أعلم من شر ماخلق وذرأ وبرأ ومن شر كل ذي شر لا أطيق شره ومن شر كل ذي شر أنت آخذ بناصيته إن ربي على صراط مستقيم وإن شاء قال تحصنت بالله الذي لا إله إلا هو إلهي وإله كل شيء واعتصمت بربي ورب كل شيء وتوكلت على الحي الذي لايموت واستدفعت الشر بلا حول ولا قوة إلا بالله حسبي الله ونعم الوكيل حسبي الرب من العباد حسبي الخالق من المخلوق حسبي الرازق من المرزوق حسبي الذي هو حسبي حسبي الذي بيده ملكوت كل شيء وهو يجير ولا يجار عليه حسبي الله وكفى وسمع الله لمن دعا ليس وراء الله مرمى حسبي الله لا إله إلا هو عليه توكلت وهو رب العرش العظيم ومن جرب هذه الدعوات والتعوذات عرف منفعتها وشدة الحاجة إليها وهي تمنع وصول أثر العائن وترفعها بعد وصوله بحسب قوة إيمان قائلها وقوة نفسه واستعداده وقوة توكله فإنها سلاح والسلاح بضاربه وإذا خشي العائن ضرر عينه وإصابتها للمعين فليقل اللهم بارك عليه كما أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم عامرا لما عان سهل بن حنيف أن يقول ألا بركت أي قلت اللهم بارك عليه ومما يدفعها قول ماشاء الله لاقوة إلا بالله كان عروة إذا رأى شيئا يعجبه أو دخل حائطا من حيطانه قالها ومنها رقية جبريل للنبي صلى الله عليه وسلم التي في صحيح مسلم بسم الله أرقيك من كل شيء يؤذيك من شر كل نفس أو عين حاسد الله يشفيك بسم الله أرقيك ثم ذكر هديه في العلاج لكل شكوى بالرقية الإلهية فذكر فيه حديث أبي داود عن أبي الدرداء رفعه من اشتكى منكم شيئا فليقل ربنا الله الذي في السماء تقدس اسمك أمرك في السماء والأرض كما رحمتك في السماء فاجعل رحمتك في الأرض اغفر لنا حوبنا وخطايانا أنت رب الطيبين أنزل رحمة من رحمتك وشفاء من شفائك على هذا الوجع فيبرأ ثم ذكر رقية جبريل المتقدمة ثم ذكر هديه في رقية القرحة والجراح وذكر مافي الصحيحين أنه صلى الله عليه وسلم قال إذا اشتكى الانسان أو كانت به قرحة أو جرح قال بإصبعه هكذا ووضع سفيان سبابته بالأرض ثم رفعها وقال بسم الله تربة أرضنا بريقة بعضنا يشفى سقيمنا بإذن ربنا وهل المراد تربة الأرض كلها أو أرض المدينة فيه قولان.
فصل في هديه صلى الله عليه وسلم في علاج حر المصيبة
قال الله تعالى (وبشر الصابرين الذي إذا أصابتهم مصيبة قالوا إنا لله وإنا إليه راجعون أولئك عليهم صلوات من ربهم ورحمة وأولئك هم المهتدون) وفي الصحيح عن أم سلمة مرفوعا مامن أحد تصيبه مصيبة فيقول إنا لله وإنا إليه راجعون اللهم أجرني في مصيبتي واخلف لي خيرا منها إلا آجره الله في مصيبته وأخلف له خيرا منها وهذه الكلمة من أبلغ علاج المصاب وأنفعها له في عاجلته وآجلته فإنها تضمنت أصلين إذا تحقق بهماتسلى عن مصيبته أحدهما أن العبد وماله ملك لله جعله عنده عارية والثاني أن المرجع الى الله ولا بد أن يخلق الدنيا فإذا كانت هذه البداية والنهاية ففكره فيهما من أعظم علاج هذا الداء ومن علاجه أن يعلم علم اليقين أن ما أصابه لم يكن ليخطئه وما أخطأه لم يكن ليصيبه ومنه أن ينظر الى ما أصيب به فيجد ربه أبقى له مثله أو أفضل وادخر له إن صبر ما هو أعظم من فوات تلك المصيبة بأضعاف مضاعفة وأنه لو شاء لجعلها أعظم مما هي ومنه إطفاؤها ببرد التأسي بأهل المصائب فلينظر عن يمينه وعن يساره فهل يرى إلا محنة أو حسرة وان سرور الدنيا أحلام نوم إن أضحكت قليلا أبكت كثيرا ومنه العلم أن الجزع لايرد بل يضاعف ومنه أن يعلم أن فوات ماضمن الله على الصبر والاسترجاع أعظم منها ومنه أن يعلم أن الجزع يشمت عدوه ويسوء صديقه ويغضب ربه ومنه أن يعلم أن مايعقب الصبر والاحتساب من اللذة أضعاف مايحصل له من نفع الفائت لو بقي له ومنه أن يروح قلبه بروح رجاء الخلف من الله فإنه من كل شيء عوض إلا الله ومنه أن يعلم أن حظه منها ماتحدثه له فمن رضي فله الرضى ومن سخط فله السخط ومنه ان يعلم أن آخر الجزع إلى الصبر الاضطراري وهو غير محمود ولا مثاب عليه ومنه أن يعلم أن من أنفع الأدوية موافقة ربه فيما أحبه ورضيه له وأن خاصية المحبة وسرها موافقة المحبوب ومنه أن يوازن بين أعظم اللذتين والتمتعتين وأدومهما لذة تمتعه بما أصيب به ولذة تمتعه بثواب الله ومنه العلم بأن المبتلي أحكم الحاكمين وأرحم الراحمين وإنه لم يبتله ليهلكه بل ليمتحن إيمانه وليستمع تضرعه وليراه طريحا ببابه ومنه أن يعلم أن المصائب سبب لمنع الأدواء المهلكة كالكبر والعجب والقسوة ومنه أن يعلم أن مرارة الدنيا هي بعينها حلاوة الآخرة وبالعكس فإن خفي عليك هذا فانظر قول الصادق المصدوق حفت الجنة بالمكاره وحفت النار بالشهوات وفي هذا المقام تفاوتت عقول الخلائق وظهرت حقائق الرجال.
فصل في هديه صلى الله عليه وسلم في علاج الكرب والهم والحزن
في الصحيحين عن ابن عباس كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول عند الكرب لا إله إلا الله العظيم الحليم لا إله إلا الله رب العرش العظيم لا إله إلا الله رب السموات ورب الأرض رب العرش الكريم وللترمذي عن أنس كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول ياحي ياقيوم برحمتك أستغيث وله عن أبي هريرة كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا أهمه الأمر رفع طرفه الى السماء وقال سبحان الله العظيم، وإذا اجتهد في الدعاء قال ياحي ياقيوم ولأبي داود عن أبي بكر الصديق مرفوعا دعوات المكروب اللهم رحمتك أرجو فلا تكلني إلى نفسي طرفة عين وأصلح لي شأني كله لا إله إلا أنت وله عن أسماء بنت عميس قالت قال لي رسول الله صلى الله عليه وسلم ألا أعلمك كلمات تقولينهن عند الكرب الله الله ربي لا أشرك به شيئا وفي رواية سبع مرات ولأحمدعن ابن مسعود مرفوعا قال ما أصاب عبدا هم ولا حزن فقال اللهم إني عبدك وابن عبدك وابن أمتك ناصيتي بيدك ماض في حكمك عدل في قضاؤك أسألك لكل اسم هو لك سميت به نفسك أو أنزلته في كتابك أو علمته أحدا من خلقك أو استأثرت به في علم الغيب عندك أن تجعل القرآن العظيم ربيع قلبي ونور بصري وجلاء حزني وذهاب همي إلا أذهب الله همه وحزنه وأبدله مكانه فرحا وللترمذي عن سعد مرفوعا دعوة ذي النون إذ دعا ربه وهو في بطن الحوت لا إله إلا أنت سبحانك إني كنت من الظالمين لم يدع بها رجل مسلم في شيء قط إلا استجيب له وفي رواية إني لأعلم كلمة لايقولهامكروب إلا فرج الله عنه كلمة أخي يونس ولأبي داود أنه صلى الله عليه وسلم قال لأبي أمامة ألا أعلمك كلاما إذا أنت قلته أذهب الله عز وجل همك وقضى دينك قال قلت بلى قال قل إذا أصبحت وإذا أمسيت اللهم إني أعوذ بك من الهم والحزن وأعوذ بك من العجز والكسل وأعوذ بك من الجبن والبخل وأعوذ بك من غلبة الدين وقهر الرجال ففعلت فأذهب الله عز وجل همي وقضى عني ديني. ولأبي داود عن ابن عباس مرفوعا من لزم الاستغفار جعل الله له من كل هم فرجا ومن كل ضيق مخرجا ورزقه من حيث لا يحتسب وفي السنن عليكم بالجهاد فإنه باب من أبواب الجنة يدفع الله به عن النفوس الهم والغم وفي المسند أنه صلى الله عليه وسلم كان إذا حزبه أمر فزع الى الصلاة ويذكرعن ابن عباس مرفوعا من كثرت همومه وغمومه فليكثر من قول لاحول ولا قوة إلا بالله وفي الصحيحين أنها كنز من كنوز الجنة وهذه الأدوية تتضمن خمسة عشر نوعا من الدواء فإن لم تقو على ذهاب الهم والغم والحزن فهو داء قد استحكم وتمكنت أسبابه ويحتاج إلى استفراغ كلي،
الأول توحيد الربوبية، الثاني توحيد الألوهية،
الثالث التوحيد العلمي، الرابع تنزيه الرب تعالى عن أن يظلم عبده أو يأخذه بلا سبب من العبد يوجب ذلك،
الخامس اعتراف العبد انه هو الظالم، السادس التوسل بأحب الأشياء الى الله وهو أسماؤه وصفاته ومن أجمعها لمعاني الأسماء والصفات الحي القيوم،
السابع الاستعانة به وحده، الثامن إقرار العبد له بالرجاء،
التاسع تحقيق التوكل عليه والتفويض إليه والاعتراف له بأن ناصيته في يده يصرفه كيف يشاء وأنه ماض في حكمه عدل فيه قضاؤه،
العاشر أن يرتع قلبه في رياض القرآن ويجعله لقلبه كالربيع للحيوان وأن يستضيء به في ظلمات الشبهات والشهوات وان يتسلى به عن كل فائت ويتعزى به عن كل مصيبة ويستشفي به من أدواء صدره فيكون جلاء حزنه وشفاء همه وغمه،
الحادي عشر الاستغفار، الثاني عشر التوبة،
الثالث عشر الجهاد، الرابع عشر الصلاة،
الخامس عشر البراءة من الحول والقوة وتفويضها الى الله.
فصل في هديه صلى الله عليه وسلم في علاج الفزع والأرق
روى الترمذي عن بريدة قال اشتكى خالد فقال يارسول الله ما أنام الليل من الأرق فقال إذا أويت الى فراشك فقل اللهم رب السماوات السبع وما أظللن ورب الأرضين السبع وما اقللن ورب الشياطين وما أضللن كن لي جارا من شر خلقك كلهم جميعا أن يفرط علي أحد منهم أو يبغي علي أحد عز جارك وجل ثناؤك ولا إله غيرك وفيه من حديث عمرو بن شعيب كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يعلمهم من الفزع أعوذ بكلمات الله التامات من غضبه وشر عباده ومن همزات الشياطين وأعوذ بك رب أن يحضرون وكان عبد الله بن عمرو يعلمهن منعقل من بنيه ومن لم يعقل كتبه فعلقه عليه ويذكر من حديث عمرو بن شعيب مرفوعا إذا رأيتم الحريق فكبروا فإن التكبير يطفئه لما كان الحريق سببه النار وهي مادة الشيطان التي خلق منهاوكان فيه من الفساد العام مايناسب الشيطان بمادته وفعله كان للشيطان إعانة عليه وتنفيذ له وكانت النار تطلب بطبعها العلو والفساد وهذان الامران وهما العلو في الأرض والفساد هما هدى الشيطان وإليهما يدعوان وبهما يهلك بني آدم فالنار والشيطان لك منهما يريد العلو في الأرض والفساد وكبرياء الرب عز وجل تقمع الشيطان فإذا كبر المسلم ربه طفئ الحريق وقد جربنا نحن وغيرنا هذا فوجدناه كذلك.
فصل في هديه صلى الله عليه وسلم في حفظ الصحة
قال الله تعالى (وكلوا واشربوا ولا تسرفوا) فأرشدهم الى إدخال مايقيم البدن من الطعام والشراب عوض ما تحلل منه وأن يكون بقدر ماينتفع به البدن في الكمية والكيفية فمتى جاوز ذلك كان إسرافا وكلاهما مانع من الصحة جالب للمرض أعني عدم الأكل والشرب أو الاسراف فيهما فحفظ الصحة كله في هاتين الكلمتين الإلهيتين ولما كانت الصحة والعافية من أجل نعم الله على عبده وأجزل عطاياه وأوفر منحه بل العافية المطلقة من أجل النعم على الإطلاق فحقيق بمن رزق حظا من التوفيق مراعاتها وحفظها وحمايتها عما يضادها ولهذا قال صلى الله عليه وسلم نعمتان مغبون فيهما كثير من الناس الصحة والفراغ وفي الترمذي وغيره مرفوعا من أصبح معافى في جسده آمنا في سربه عنده قوت يوم فكأنما حيزت له الدنيا وفيه أيضا مرفوعا أول مايسأل عنه العبد يوم القيامة من النعيم أن يقال ألم نصح لك جسمك ونرويك من الماء البارد ومن هنا قال من قال من السلف في قوله (ثم لتسألن يومئذ عن النعيم) قال عن الصحة ولأحمد مرفوعا سلوا الله اليقين والمعافاة فما أوتي أحد بعد اليقين خيرا من العافية فجمع بين عافيتي الدنيا والدين ولا يتم صلاح العبد في الدارين إلا باليقين والعافية فاليقين يدفع عنه عقاب الآخرة والعافية تدفع عنه أمراض الدنيا في قلبه وبدنه وفي سنن النسائي مرفوعا سلوا الله العفو والعافية والمعافاة فما أوتي أحد بعد اليقين خيرا من المعافاة وهذه الثلاثة تتضمن إزالة الشرور الماضية بالعفو والحاضرة بالعافية والمستقبلة بالمعافاة ولم يكن من عادته صلى الله عليه وسلم حبس النفس على نوع واحد من الأغذية فإنه مضر ولو أنه أفضل الأغذية بل يأكل ما جرت عادة أهل بلده بأكله من اللحم والفاكهة والخبز والتمر ونحو ذلك قال أنس ما عاب رسول الله صلى الله عليه وسلم طعاما قط إن اشتهاه أكله وإلا تركه ومتى أكل الانسان ما لايشتهيه كان تضرره به أكثر من نفعه وكان يحب اللحم وأحبه اليه الذراع ومقدم الشاة وهو أخف على المعدة وأسرع انهضاما وكان يحب الحلواء والعسل وهذه الثلاثة أعني اللحم والحلوى والعسل من أنفع الأغذية للبدن والكبد والأعضاء وكان يأكل من فاكهة بلده عند مجيئها ولايحتمي عنهاوهو من أسباب حفظ الصحة فإن الله سبحانه بحكمته جعل في كل بلد من الفاكهة ما ينتفع به أهلها فيكون تناوله من أسباب صحة أهلها وقل من احتمى عن فاكهة بلده خشية السقم إلا وهو من أسقم الناس جسما وصح عنه أنه قال لا آكل متكئا وقال إنما أجلس كما يجلس العبد وآكل كما يأكل العبد وفسر بالتربع وبالاتكاء على الشيء وبالاتكاء على الجنب والأنواع الثلاثة من الاتكاء مضر وكان يأكل بأصابعه الثلاث وهذا أنفع مايكون من الأكلات وكان يشرب العسل الممزوج بالماء البارد وصح عنه انه نهى عن الشرب قائما وصح عنه أنه أمر من فعله أن يتقيأه وصح عنه أنه شرب قائما للحاجة وكان يتنفس في الشرب ثلاثا ويقول إنه أروى وأمرأ وأبرأ أي أشد ريا وأبرأ أفعل من البرء وهو الشفاء أي يبرئ من العطش وأمرأ هو أفعل من مري الطعام والشراب في بدنه إذا دخله وخالطه بسهولة ولذة ونفع ومنه فكلوه هنيئا مريئا هنيئا في عاقبته مريئا في مذاقته وللترمذي عنه صلى الله عليه وسلم لاتشربوا نفسا واحدا كشرب البعير ولكن اشربوا مثنى وسموا الله إذا شربتم واحمدوا الله إذا أنتم فرغتم وفي الصحيح عنه غطوا الإناء وأوكوا السقاء فإن في السنة ليلة ينزل فيها وباء لايمر بإناء ليس فيه غطاء ولا سقاء ليس عليه وكاء إلا وقع فيه من ذلك الوباء قال الليث بن سعد أحد رواة الحديث الأعاجم عندنا يتقون تلك الليلة في كانون الأول وصح عنه أنه أمر بتخمير الإناء ولو أن يعرض عليه عود وصح عنه أنه أمر عند الإيكاء والتغطية بذكر الله ونهى عن الشرب من فم السقاء وعن النفس في الاناء والنفخ فيه وعن الشرب من ثلمة القدح وكان يحب الطيب ولا يرده وقال من عرض عليه ريحان فلا يرده فإنه طيب الريح خفيف المحمل ولفظ أبي داود والنسائي من عرض عليه طيب وفي مسند البزار عنه صلى الله عليه وسلم إن الله طيب يحب الطيب نظيف يحب النظافة كريم يحب الكرم جواد يحب الجود فنظفوا أفناءكم وساحاتكم ولاتشبهوا باليهود يجمعون القمامة في دورهم وفي الطيب من الخاصية أن الملائكة تحبه والشياطين تنفر منه فالأرواح الطيبة تحب الرائحة الطيبة والأرواح الخبيثة تحب الرائحة الخبيثة وكل روح تميل الى ما يناسبها فالخبيثات للخبيثين والخبيثون للخبيثات والطيبات للطيبين والطيبون للطيبات وهذا وإن كان في الرجال والنساء فإنه يتناول الأعمال والأقوال والمطاعم والمشارب والملابس والروائح إما بعموم لفظه وإما بعموم معناه.
فصل في هديه صلى الله عليه وسلم في اقضيته وأحكامه
وليس الغرض من ذلك ذكر التشريع العام وإن كانت أقضيته الخاصة عامة وإنما الغرض ذكر هديه في الأحكام الجزئية التي فصل بها بين الخصوم ونذكر معها قضايا من أحكامه الكلية فثبت عنه انه حبس في تهمة ففي حديث عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده أن رجلا قتل عبده متعمدا فجلده النبي صلى الله عليه وسلم مائة جلدة ونفاه سنة وأمره أن يعتق رقبة ولم يقده به ولأحمد عن أنس عن سمرة مرفوعا من قتل عبده قتلناه فإن كان محفوظا كان قتله تعزيرا الى الامام بحسب مايراه من المصلحة وأمر رجلا بملازمة غريمه كما ذكره أبو داود وروى أبو عبيد أنه صلى الله عليه وسلم أمر بقتل القاتل وصبر الصابر قال أبو عبيد أي يحبسه حتى يموت وذكر عبد الرزاق في مصنفه عن علي يحبس الممسك في السجن حتى يموت وحكم في العرنيين بقطع أيديهم وأرجلهم وسمل أعينهم كما سملوا أعين الرعاة وتركهم حتى ماتوا جوعا وعطشا كما فعلوا بالراعي وفي صحيح مسلم أن رجلا ادعى على آخر أنه قتل أخاه فاعترف فقال دونك صاحبك فلما ولى قال إن قتله فهو مثله فرجع فقال إنما أخذته بأمرك فقال صلى الله عليه وسلم أما تريد أن تبوء بإثمك وإثم صاحبك فقال بلى فخلى سبيله وفي قوله فهو مثله قولان أحدهما أن القاتل إذا قيد منه سقط ماعليه فصار هو المستقيد بمنزلة واحدة وهو لم يقل إنه بمنزلته قبل القتل وإنما قال إن قتله فهو مثله وهذا يقتضي المماثلة بعد قتله فلا إشكال في الحديث وإنما فيه التعريض لصاحب الحق بترك القود والعفو وقيل إن كان لم يرد قتله فقتله به فهو متعمد مثله إذ كان القاتل متعديا بالجناية والمقتص متعد بقتل من لم يتعمد القتل ويدل على هذا التأويل ماروى أحمد عن أبي هريرة مرفوعا وفيه والله يارسول الله ما اردت قتله فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم للولي أما إنه إن كان صادقا ثم قتلته دخلت النار فخلى سبيله وحكم في يهودي رض رأس جارية بين حجرين أن يرض رأسه بين حجرين وفيه دليل على قتل الرجل بالمرأة وأن الجاني يفعل به كما فعل وأن القتل غيلة لا يشترط فيه إذن الولي فإن رسول الله صلى الله عليه وسلم لم يدفعه إلى أوليائها ولم يقل إن شئتم فاقتلوه وإن شئتم فاعفوا عنه بل قتله حتما وهذا مذهب مالك واختيار شيخ الاسلام ابن تيمية ومن قال إنه فعله لنقض العهد لم يصح فإن ناقض العهد لاترضخ رأسه بالحجارة بل يقتل بالسيف وقضى في امرأة رمت أخرى بحجر فقتلتها وما في بطنها بغرة عبد أو وليدة في الجنين وجعل دية المقتولة على عصبة القاتلة وهو في الصحيحين وفي البخاري أنه قضى في جنين امرأة بغرة عبد أو وليدة ثم إن التي قضى عليها بالغرة توفيت فقضى أن ميراثهالبنيها وزوجها وأن العقل علىعصبتها وفي هذا الحكم أن شبه العمد ل اقود فيه وأن العاقلة تحمل الغرة تبعا للدية وأن العاقلة هم العصبة وأن زوج القاتلة لايدخل معهم وأن أولادها أيضا ليسوا من العاقلة وحكم فيمن تزوج امرأة أبيه بقتله وأخذ ماله وهو مذهب احمد وهو الصحيح وقال الثلاثة حده حد الزاني وحكم رسول الله صلى الله عليه وسلم أولى وأحق وحكم فيمن اطلع في بيته رجل بغير إذنه فحذفه بحصاة أو عود ففقأ عينه أن لاشيء عليه. وثبت عنه أنه قضى بإهدار دم ولد الأعمى لما قتلها مولاها على سبه صلى الله عليه وسلم وقتل جماعة من اليهود على سبه وأذاه قال أبو بكر لأبي برزة لما أراد قتل من سبه ليست لأحد بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم وفي ذلك بضعة عشر حديثا بين صحاح وحسان ومشاهير قال مجاهد عن ابن عباس أيما مسلم سب الله أو سب أحدا من الأنبياء فقد كذب رسول الله صلى الله عليه وسلم وهي ردة يستتاب صاحبها فإن رجع وإلا قتل وفي الصحيحين أنه عفى عمن سمه صلى الله عليه وسلم وصح عنه أنه لم يقتل من سحره من اليهود وصح عن عمر وحفصة وجندب قتل الساحر وصح عنه في الأسرى أنه قتل بعضا وفادى بعضا ومن على بعض واسترق بعضا لكن لم يعرف أنه استرق بالغا وهذه أحكام لم تنسخ بل مخير فيها الامام بحسب المصلحة وحكم في اليهود بعدة قضايا فعاهدهم أول مقدمه المدينة ثم حاربته قينقاع فظفر بهم ومن عليهم ثم النضير فظفروا بهم فأجلاهم ثم قريظة فقتلهم ثم حارب أهل خيبر فظفر بهم.
فصل في حكمه بالغنائم
حكم صلى الله عليه وسلم أن للفارس ثلاثة أسهم وللراجل سهم وحكم أن السلب للقاتل وكان طلحة وسعيد بن زيد لم يشهدا بدارا فقسم لهما فقال وأجورنا فقال وأجوركم ولم يختلف أحد أن عثمان تخلف على امرأته رقية بنت رسول الله صلى الله عليه وسلم فأسهم له فقال وأجري يارسول الله فقال وأجرك قال ابن حبيب هذا خاص للنبي صلى الله عليه وسلم وأجمعوا أنه لايقسم لغائب قلت قد قال أحمد ومالك وجماعة من السلف والخلف إن الامام إذا بعث أحدا في مصالح الجيش فله سهم ولم يخمس السلب وجعله من أصل الغنيمة وحكم به بشهادة واحد وكان الملوك تهدي إليه فيقبل هداياهم ويقسمها بين أصحابه وأهدى له أبو سفيان هدية فقبل وذكر أبو عبيد عنه أنه رد هدية أبي عامر وقال إنا لانقبل هدية مشرك وقال إنما قبل هدية أبي سفيان لأنها كانت في مدة الهدنة بينه وبين مكة وكذلك المقوقس لأنه أكرم حاطبا واقر بنبوته ولم يؤيسه من إسلامه ولم يقبل هدية مشرك محارب له قط قال سحنون إذا أهدى أمير الروم إلى الإمام فلا بأس وهي له خاصة وقال الأوزاعي تكون للمسلمين ويكافئه من بيت المال وقال أحمد حكمها حكم الغنيمة.
فصل في حكمه صلى الله عليه وسلم في قسمة الأموال
وهي ثلاثة الزكاة والغنيمة والفيء فأما الزكاة والغنائم فقد تقدم حكمها وبينا أنه لم يكن يستوعب الأصناف الثمانية وأنه ربما وضعها في واحد وأما الفيء فقسمه يوم حنين في المؤلفة قلوبهم من الفيء ولم يعط الأنصار شيئا فعتبوا عليه فقال لهم ألا ترضون أن يذهب الناس بالشاء والبعير وتنطلقون برسول الله صلى الله عليه وسلم تقودونه الى رحالكم فو الله لما تنقلبون به خير مما ينقلبون به وبعث إليه علي من اليمن بذهيبة فقسمها بين أربعة نفر وفي السنن أنه وضع سهم ذي القربى في بني هاشم وبني المطلب وترك بني نوفل وعبد شمس وقال إنا وبنو المطلب لم نفترق في جاهلية ولا إسلام وإنما نحن وهم شيء واحد وشبك بين أصابعه ولم يقسمه بينهم على السواء بين أغنيائهم وفقرائهم ولا كان يقسمه قسمة الميراث للذكر مثل حظ الأنثيين بل يصرفه فيهم بحسب المصلحة والحاجة فيزوج منه عزبهم ويقضي منه عن غارمهم ويعطي منه فقيرهم كفايته والذي يدل عليه هديه أنه كان يجعل مصارف الخمس كمصارف الزكاة ولا يخرج بها عن الأصناف المذكورة لا أنه يقسمه بينهم كالميراث ومن تأمل سيرته لم يشك في ذلك واختلف الفقهاء في الفيء هل كان ملكا لرسول الله صلى الله عليه وسلم يتصرف فيه كيف يشاء أو لم يكن ملكا له على قولين في مذهب أحمد وغيره والذي تدل عليه سنته وهديه أنه كان يتصرف فيه بالأمر فيضعه حيث أمره الله ويقسمه على من أمر بقسمته عليهم لاتصرف المالك بإرادته ومشيئته فإن الله سبحانه خيره بين أن يكون عبدا رسولا وبين أن يكون ملكا رسولا فاختار العبودية والفرق أن العبد الرسول لايتصرف إلا بأمر سيده ومرسله والملك الرسول له أن يعطي من يشاء ويمنع من يشاء كما قال تعالى للملك الرسول سليمان (هذا عطاؤنا فامنن أو أومسك بغير حساب) أي أعط من شئت وامنع من شئت لانحاسبك وهذه المرتبة هي التي عرضت على نبينا فرغب عنها الى ماهو أعلى منها وهي مرتبة العبودية المحضة وقال والله إني لا أعطي أحدا ولا أمنع أحدا إنما أنا قاسم أضع حيث أمرت ولهذا كان ينفق منه على نفسه وأهله نفقة سنتهم ويجعل الباقي في الكراع والسلاح عدة في سبيل الله عز وجل وهذا النوع من الأموال هو السهم الذي وقع بعده فيه من النزاع ما وقع الى اليوم وأما الزكاة والغنائم وقسمة المواريث فإنها معينة لأهلها لايشركهم غيرهم فيها فلم يشكل على ولاة الأمر بعده من أمرها ما أشكل عليهم من الفيء ولم يقع فيها من النزاع ما وقع فيه ولولا إشكال أمره لما طلبت فاطمة بنت رسول الله صلى الله عليه وسلم ميراثها من تركته وقد قال تعالى (ما أفاء الله على رسوله من اهل القرى فلله وللرسول ولذي القربى واليتامى والمساكين وابن السبيل كي لايكون دولة بين الأغنياء منكم) إلى قوله (فأولئك هم المفلحون) فأخبر سبحانه أن ما أفاء على رسوله بجملته لمن ذكر في هذه الآيات ولم يخص منه خمسه بالمذكورين بل عم وأطلق واستوعب ويصرف على المصارف الخاصة وهم أهل الخمس ثم على المصارف العامة وهم المهاجرون والأنصار وأتباعهم الى يوم القيامة فالذي عمل به هو وخلفاؤه هو المراد من هذه الآيات ولهذا قال عمر بن الخطاب فيما رواه أحمد وغيره عنه ما أحد بأحق بهذا المال من أحد وما أنا بأحق به من أحد والله ما من أحد من المسلمين إلا وله فيه نصيب إلا عبد مملوك ولكناعلى منازلنا من كتاب الله وقسمنا من رسول الله صلى الله عليه وسلم فالرجل وبلاؤه في الاسلام والرجل وقدمه في الاسلام والرجل وغناؤه في الإسلام والرجل وحاجته والله لئن بقيت لهم ليأتين الراعي بجبل صنعاء حظه من هذا المال وهو يرعى مكانه فهؤلاء المسمون في آية الفيء هم المسمون في آية الخمس ولم يدخل المهاجرون والأنصار وأتباعهم في آية الخمس لأنهم المستحقون بجملة الفيء وأهل الخمس لهم استحقاقان خاص من الخمس وعام من الفيء فإنهم داخلون في النصيبين وكما أن قسمته من جملة الفيء بين من جعل له ليس قسمة الأملاك التي يشترك فيها المالكون كقسمة المواريث والوصايا والأملاك المطلقة بل بحسب الحاجة والنفع والغناء في الإسلام والبلاء فيه فكذلك الخمس في أهله فإن مخرجهما واحد في كتاب الله الخمس بين أهله والتنصيص على الأصناف الخمسة يفيد تحقيق إدخالهم وأنهم لايخرجون من أهل الفيء بحال وأن الخمس لا يعدوهم إلا غيرهم كما أن الفيء العام في آية الحشر للمذكورين فيها لايتعداهم الى غيرهم فإن الله سبحانه جعل أهل الخمس هم أهل الفيء وعينهم اهتماما بشأنهم وتقديما لهم ولما كانت الغنائم خاصة بأهلها لايشركهم فيها سواهم نص على خمسها لأهل الخمس ولما كان الفيء لا يختص بأحد دون أحدا جعله لهم وللمهاجرين والأنصار وتابعيهم فسوى بين الخمس والفيء في المصرف وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يصرف سهم الله وسهمه في مصالح الإسلام وأربعة أخماس الخمس في أهلها مقدما للأهم فالأهم والأحوج فالأحوج.
فصل في حكمه في الوفاء بالعهد لعدوه
حكم رسول الله صلى الله عليه وسلم بالوفاء بالعهد لعدوه وفي رسلهم أن لايقتلوا ولايحبسوا وفي النبذ الى من عاهده على سواء إذا خاف منه النقض.
ثبت أنه قال لرسولي مسيلمة لما قالا نقول إنه رسول الله لولا أن الرسل لاتقتل لقتلتكما وثبت عنه أنه قال لأبي رافع وقد أرسلته قريش إليه واراد أن لايرجع فقال إني لا أخيس بالعهد ولا أحبس البرد ولكن ارجع الى قومك ولم يرد النساء فإن كان في نفسك الذي فيها الآن فارجع وثبت أنه رد إليهم ابا جندل وجاءت سبيعة الأسلمية فخرج زوجها في طلبها فأنزا الله تعالى (يا أيها الذين آمنوا إذا جاءكم المؤمنات مهاجرات فامتحنوهن الله أعلم بإيمانهن فإن علمتموهن مؤمنات فلا ترجعوهن الى الكفار) فاستحلفها رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه لم يخرجها إلا الرغبة في الإسلام وأنها لم تخرج بحدث أحدثته في قومها ولا بغضا لزوجها فحلفت فأعطى زوجها مهرها ولم يردها عليه وقال تعالى (وإما تخافن من قوم خيانة فانبذ إليهم على سواء إن الله لايحب الخائنين) وقال صلى الله عليه وسلم من كان بينه وبين قوم عهد فلا يحلن عقدا ولا يشدنه حتى يمضي أمده أو ينبذه إليهم على سواء صححه الترمذي وثبت عنه أنه قال المسلمون تتكافؤ دماؤهم ويسعى بذمتهم أدناهم وثبت عنه أنه أجار رجلين أجارتهما أم هانئ ابنة عمه وثبت عنه انه أجار أبا العاص لما أجارته ابنته زينب ثم قال يجير على المسلمين أدناهم وفي حديث آخر يجير على المسلمين أدناهم ويرد عليهم أقصاهم فهذه أربع قضايا ذكر منها أن المسلمين يد على من سواهم وهذا يمنع تولية الكفار شيئا من الولايات وقوله يرد عليهم أقصاهم، يوجب أن السرية إذا غنمت بقوة جيش الاسلام كانت الغنيمة لهم وللقاصي من الجيش إذ بقوته غنموها وأن ماصار في بيت المال من الفيء لقاصيهم ودانيهم وإن كان سبب أخذه دانيهم وأخذ الجزية من نصارى نجران وأيلة من العرب ومن أهل دومة وأكثرهم عرب وأخذها من أهل الكتاب باليمن وهم يهود وأخذها من المجوس ولم يأخذها من مشركي العرب قال أحمد والشافعي لاتؤخذ إلا من أهل الكتاب والمجوس وقالت طائفة تؤخذ من الأمم كلهم أهل الكتاب بالقرآن والمجوس بالسنة وما عداهم يلحق بهم لأن المجوس أهل شرك لا كتاب لهم فأخذها منهم دليل على أخذها من جميع المشركين وإنما لم يأخذها من مشركي العرب لأنهم أسلموا قبل نزولها ولا نسلم أن كفر عبدة الأوثان أغلظ من كفر المجوس بل كفر المجوس أغلظ فإن عبدة الأوثان مقرين بتوحيد الربوبية وأنه لا خالق إلا الله وانهم إنما يعبدون آلهتهم لتقربهم الى الله ولم يكونوا يقرون بصانعين للعالم ولا يستحلون نكاح الأمهات والبنات والأخوات وكانوا على بقايا من دين إبراهيم وكان له صحف وشريعة والمجوس لايعرف عنهم التمسك بشيء من شرائع الأنبياء وكتب صلى الله عليه وسلم الى أهل هجر والملوك يدعوهم الى الإسلام أو الجزية ولم يفرق بين العرب وغيرهم وأمر معاذ أن يأخذ من كل حالم دينارا أو قيمته معافر وهي ثياب باليمن ثم زاد فيها عمر فجعلها أربعة دنانير على أهل الذهب وأربعين درهما على أهل الورق في كل سنة فرسول الله صلى الله عليه وسلم علم ضعف أهل اليمن وعمر علم غنى أهل الشام وثبت عنه أنه استباح غزو قريش من غير نبذ عهد إليهم لما عدت حلفاءهم على حلفائه فغدروا بهم فرضيت قريش وألحق ردأهم في ذلك بمباشرهم.
فصل في أحكامه في النكاح وتوابعه
ثبت عنه أنه رد نكاح ثيب زوجها أبوها وهي كارهة، وفي السنن عنه أنه خير بكرا زوجها أبوها وهي كارهة وثبت عنه لا تنكح البكر حتى تستأذن وأذنها أن تسكت وقضى بأن اليتيمة تستأمر ولايتم بعد احتلام فدل على جواز نكاح اليتيمة وعليه بديل القرآن وفي السنن عنه لا نكاح إلا بولي وفيها أيضا لاتزوج المرأة نفسها فإن الزانية هي التي تزوج نفسها وحكم أن المرأة إذا زوجها وليان فهي للأول وثبت عنه أنه قضى في رجل تزوج ولم يفرض لها صداقا ولم يدخل بها حتى مات أن لها مهر نسائها لا وكس ولا شطط ولها الميراث وعليها العدة أربعة أشهر وعشرا، وفي الترمذي أنه قال لرجل إذا أزوجك فلانة قال نعم وقال للمرأة أترضين أن أزوجك فلانا قالت نعم فزوج أحدهما صاحبه فدخل بها ولم يفرض لها صداقا ولم يعطها شيئا فلما كان عند موته عوضها سهما له بخيبر فتضمنت هذه الأحكام جواز النكاح من غير تسمية الصداق وجواز الدخول قبل التسمية واستقرار مهر المثل بالموت وإن لم يدخل بها ووجوب عدة الوفاة وإن لم يدخل وبه أخذ ابن مسعود وأهل العراق وتضمنت جواز تولي طرفي العقد ويكفي أن يقول زوجت فلانا بفلانه مقتصرا على ذلك وأمر من أسلم وتحته أكثر من اربع أن يختار منهن أربعا وأمر من أسلم وتحته اختان أن يختار إحداهما فتضمن صحة نكاح الكفاروأنه يختار من يشاء من السوابق واللواحق وهو قول الجمهور وذكر الترمذي وحسنه عنه ان العبد إذا تزوج بغير إذن مواليه فهو عاهر.
انتهى والله أعلم وأحكم والحمد لله رب العالمين.
تم مختصر زاد المعاد لمحمد بن عبد الوهاب
والحمد لله رب العالمين
وصلّى الله على سيدنا محمد وآله
مدير منتدى ميراث الرسول
فتحى السبد عبد الحميد الوكيل
سنة تسع بعد مقدمه من تبوك خرج بثلثمائة رجل من المسلمين وبعث معه رسول الله صلى الله عليه وسلم بعشرين بدنة قلدها واشعرها بيده عليها ناجية بن جندب الأسلمي وساق أبو بكر خمس بدنات قال ابن إسحاق فنزلت (براءة) في نقض ماكان بين رسول الله صلى الله عليه وسلم وبين المشركين من العهد الذي كانوا عليه فخرج علي على ناقة رسول الله صلى الله عليه وسلم فلحق أبا بكر فلما رآه قال أمير أو مأمور قال بل مأمور بعثني رسول الله صلى الله عليه وسلم أقرأ براءة على الناس وأنبذ إلى كل ذي عهد عهده فأقام أبو بكر للناس حجهم حتى إذا كان يوم النحر قام علي ابن أبي طالب فأذن في الناس عند الجمرة بالذي أمره رسول الله. أخرج الحميدي في مسنده من طريق زيد بن نفيع قال سألنا عليا بأي شيء بعثت في الحجة قال بعثت بأربع لايدخل الجنة إلا نفس مؤمنة ولا يطوف بالبيت عريان ولا يجتمع مسلم وكافر في البيت الحرام بعد عامه هذا ومن كان بينه وبين النبي صلى الله عليه وسلم عهد فعهده الى مدته.
● ● قال ابن إسحاق ولما فتح رسول الله صلى الله عليه وسلم مكة وفرغ من تبوك وأسلمت ثقيف فبايعته ضربت إليه وفود العرب آباط الإبل من كل وجه فذكر وفد بني تميم ووفد طيء ووفد بني عامر ووفد عبد القيس ووفد بني حنيفة ووفد كندة ووفد الأشعريين ووفد الأزد ووفد أهل نجران ووفد همدان ووفد نصارى نجران وغيرهم.
ثم ذكر هديه في العلاج بالأدوية الروحانية المفردة والمركب منها ومن الأدوية الطبيعية فقال روى مسلم عن ابن عباس مرفوعا العين حق ولو كان شيء سابق القدر لسبقته العين وفي صحيحه أيضا عن أنس أن رسول الله صلى الله عليه وسلم رخص في الرقية من العين والحمة والنملة وروى مالك عن ابن شهاب عن أبي أمامة بن سهل بن حنيف قال رأى عامر بن ربيعة سهلا يغتسل فقال والله ما رأيت كاليوم ولا جلد مخبأة فلبط سهل فأتى رسول الله صلى الله عليه وسلم عامرا فتغيظ عليه وقال علام يقتل أحدكم أخاه ألا بركت اغتسل له فغسل عامر وجهه ويديه ومرفقيه وركبتيه وأطراف رجليه وداخله إزاره في قدح ثم صب عليه فراح سهل مع الناس وذكر عبد الرزاق عن معمر عن ابن طاوس عن أبيه مرفوعا العين حق وإذا استغسل أحدكم فليغتسل ووصله صحيح قال الترمذي يؤمر الرجل العائن بقدح فيدخل كفه فيه فيتمضمض ثم يمجه في القدح ويغسل وجهه في القدح ثم يغسل يده اليسرى فيصب على ركبته اليمنى في القدح ثم يدخل يده اليمنى فيصب على ركبته اليسرى ثم يغسل داخله إزاره ولا يوضع القدح في الأرض ثم يصب على رأس المصاب من خلفه صبة واحدة والعين عينان عين إنسية وعين جنية فقد صح عن أم سلمة أنه صلى الله عليه وسلم رأى في بيتها جارية في وجهها سعفة فقال استرقوا لها فإن بها النظرة قال البغوي سعفة أي نظرة من الجن يقول بها عين أصابتها من نظر الجن أنفذ من أسنة الرماح وكان صلى الله عليه وسلم يتعوذ من الجان ومن عين الإنسان فأبطلت طائفة ممن قل نصيبهم من السمع والعقل امر العين وعقلاء الأمم على اختلاف مللهم لا تدفع أمر العين ولا تنكره وإن اختلفوا في سببه وجهة تأثير العين ولا ريب أن الله سبحانه خلق في الأجسام والأرواح قوى وطبائع مختلفة وجعل في كثير منها خواص وكيفيات مؤثرة ولا يمكن لعاقل إنكار تأثر الأرواح في الأجسام فإنه أمر مشاهد محسوس وليست العين هي الفاعلة وإنما التأثير للروح والأرواح مختلفة في طبائعها وقواها وكيفياتها وخواصها ولشدة ارتباطها بالعين نسب الفعل إليها وروح الحاسد مؤذية للمحسود أذى بينا ولهذا أمر الله رسوله أن يستعيذ به من شره وتاثير الحاسد في أذى المحسود أمر لا ينكره إلا من هو خارج عن حقيقته الانسانية وأشبه ا لأشياء بهذا الأفعى فإن السم كامن بالقوة فيها فإذا قابلت عدوها انبعث منها قوة غضبية وتكيفت نفسها بكيفية خبيثة مؤذية فمنها ما تشتد كيفيتها وتقوى حتى تؤثر في إسقاط الجنين ومنها ما يؤثر في طمس البصر كما قال صلى الله عليه وسلم في الأبتر وذي الطفيتين من الحيات إنهما يلتمسان البصر ويسقطان الحبل والتأثير غير موقوف على الاتصالات الجسمية كما يظنه من قل علمه ومعرفته بالطبيعة والشريعة بل التأثير يكون تارة بالاتصال وتارة بالمقابلة وتارة بالرؤية وتارة بتوجه الروح نحو من يؤثر فيه وتارة بالأدعية والرقى والتعويذات وتارة بالوهم والتخيل ونفس العائن لا يتوقف تأثيرها على الرؤية بل قد يكون أعمى فيوصف له الشيء فيؤثر فيه وإن لم يره وكثير منهم يؤثر في المعين بالوصف من غير رؤية فكل عائن حاسد وليس كل حاسد عائنا فلما كان الحاسد أعم كانت الاستعاذة منه استعاذة من العائن وهي سهام تخرج من نفس الحاسد والعائن نحو المحسود والمعين تصيبه تارة وتخطئه تارة فإن صادفته مكشوفا لا وقاية عليه أثرت فيه وإن صادفته حذرا شاكى السلاح لم تؤثر فيه وربما ردت السهام على صاحبها وهذا بمثابة الرمي الحسي سواء وقد يعين الرجل نفسه وقد يعين بغير إرادته بل بطبعه وهذا أرادأ ما يكون ولأبي داود في سننه عن سهل بن حنيف قال مررنا بسيل فدخلت فاغتسلت فيه فخرجت محموما فنمي ذلك إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال مروا أبا ثابت يتعوذ فقلت ياسيدي والرقى صالحة فقال لارقية إلا في نفس أو حمة أو لدغة والنفس العين واللدغة ضربة العقرب ونحوها فمن التعوذات والرقى الإكثار من قراءة المعوذتين والفاتحة وأية الكرسي والتعوذات النبوية نحو أعوذ بكلمات الله التامات من كل شيطان وهامة ومن كل عين لامة ونحو أعوذ بكلمات الله التامات التي لايجاوزهن بر ولا فاجر من شر ماخلق ونحو أعوذ بكلمات الله التامات من شر ماخلق وذرأ وبرأ ومن شر ماينزل من السماء ومن شر مايعرج فيها ومن شر ما ذرأ في الأرض ومن شر ما يخرج منها ومن شر فتن الليل والنهار ومن شر طوارق الليل والنهار إلا طارقا يطرق بخير يارحمن ومنها أعوذ بكلمات الله التامات من غضبه وعقابه وشر عباده ومن همزات الشياطين وأن يحضرون ومنها اللهم إني أعوذ بوجهك الكريم وكلماتك التامة من شر ماأنت آخذ بناصيته اللهم أنت تكشف المأثم والمغرم اللهم لايهزم جندك ولايخلف وعدك سبحانك وبحمدك ومنها أعوذ بوجه الله العظيم الذي لاشيء أعظم منه وبكلماته التامات الي لا يجاوز من بر ولا فاجر وأسماء الله الحسنى وبأسمائه ماعلمت منها وما لم أعلم من شر ماخلق وذرأ وبرأ ومن شر كل ذي شر لا أطيق شره ومن شر كل ذي شر أنت آخذ بناصيته إن ربي على صراط مستقيم وإن شاء قال تحصنت بالله الذي لا إله إلا هو إلهي وإله كل شيء واعتصمت بربي ورب كل شيء وتوكلت على الحي الذي لايموت واستدفعت الشر بلا حول ولا قوة إلا بالله حسبي الله ونعم الوكيل حسبي الرب من العباد حسبي الخالق من المخلوق حسبي الرازق من المرزوق حسبي الذي هو حسبي حسبي الذي بيده ملكوت كل شيء وهو يجير ولا يجار عليه حسبي الله وكفى وسمع الله لمن دعا ليس وراء الله مرمى حسبي الله لا إله إلا هو عليه توكلت وهو رب العرش العظيم ومن جرب هذه الدعوات والتعوذات عرف منفعتها وشدة الحاجة إليها وهي تمنع وصول أثر العائن وترفعها بعد وصوله بحسب قوة إيمان قائلها وقوة نفسه واستعداده وقوة توكله فإنها سلاح والسلاح بضاربه وإذا خشي العائن ضرر عينه وإصابتها للمعين فليقل اللهم بارك عليه كما أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم عامرا لما عان سهل بن حنيف أن يقول ألا بركت أي قلت اللهم بارك عليه ومما يدفعها قول ماشاء الله لاقوة إلا بالله كان عروة إذا رأى شيئا يعجبه أو دخل حائطا من حيطانه قالها ومنها رقية جبريل للنبي صلى الله عليه وسلم التي في صحيح مسلم بسم الله أرقيك من كل شيء يؤذيك من شر كل نفس أو عين حاسد الله يشفيك بسم الله أرقيك ثم ذكر هديه في العلاج لكل شكوى بالرقية الإلهية فذكر فيه حديث أبي داود عن أبي الدرداء رفعه من اشتكى منكم شيئا فليقل ربنا الله الذي في السماء تقدس اسمك أمرك في السماء والأرض كما رحمتك في السماء فاجعل رحمتك في الأرض اغفر لنا حوبنا وخطايانا أنت رب الطيبين أنزل رحمة من رحمتك وشفاء من شفائك على هذا الوجع فيبرأ ثم ذكر رقية جبريل المتقدمة ثم ذكر هديه في رقية القرحة والجراح وذكر مافي الصحيحين أنه صلى الله عليه وسلم قال إذا اشتكى الانسان أو كانت به قرحة أو جرح قال بإصبعه هكذا ووضع سفيان سبابته بالأرض ثم رفعها وقال بسم الله تربة أرضنا بريقة بعضنا يشفى سقيمنا بإذن ربنا وهل المراد تربة الأرض كلها أو أرض المدينة فيه قولان.
فصل في هديه صلى الله عليه وسلم في علاج حر المصيبة
قال الله تعالى (وبشر الصابرين الذي إذا أصابتهم مصيبة قالوا إنا لله وإنا إليه راجعون أولئك عليهم صلوات من ربهم ورحمة وأولئك هم المهتدون) وفي الصحيح عن أم سلمة مرفوعا مامن أحد تصيبه مصيبة فيقول إنا لله وإنا إليه راجعون اللهم أجرني في مصيبتي واخلف لي خيرا منها إلا آجره الله في مصيبته وأخلف له خيرا منها وهذه الكلمة من أبلغ علاج المصاب وأنفعها له في عاجلته وآجلته فإنها تضمنت أصلين إذا تحقق بهماتسلى عن مصيبته أحدهما أن العبد وماله ملك لله جعله عنده عارية والثاني أن المرجع الى الله ولا بد أن يخلق الدنيا فإذا كانت هذه البداية والنهاية ففكره فيهما من أعظم علاج هذا الداء ومن علاجه أن يعلم علم اليقين أن ما أصابه لم يكن ليخطئه وما أخطأه لم يكن ليصيبه ومنه أن ينظر الى ما أصيب به فيجد ربه أبقى له مثله أو أفضل وادخر له إن صبر ما هو أعظم من فوات تلك المصيبة بأضعاف مضاعفة وأنه لو شاء لجعلها أعظم مما هي ومنه إطفاؤها ببرد التأسي بأهل المصائب فلينظر عن يمينه وعن يساره فهل يرى إلا محنة أو حسرة وان سرور الدنيا أحلام نوم إن أضحكت قليلا أبكت كثيرا ومنه العلم أن الجزع لايرد بل يضاعف ومنه أن يعلم أن فوات ماضمن الله على الصبر والاسترجاع أعظم منها ومنه أن يعلم أن الجزع يشمت عدوه ويسوء صديقه ويغضب ربه ومنه أن يعلم أن مايعقب الصبر والاحتساب من اللذة أضعاف مايحصل له من نفع الفائت لو بقي له ومنه أن يروح قلبه بروح رجاء الخلف من الله فإنه من كل شيء عوض إلا الله ومنه أن يعلم أن حظه منها ماتحدثه له فمن رضي فله الرضى ومن سخط فله السخط ومنه ان يعلم أن آخر الجزع إلى الصبر الاضطراري وهو غير محمود ولا مثاب عليه ومنه أن يعلم أن من أنفع الأدوية موافقة ربه فيما أحبه ورضيه له وأن خاصية المحبة وسرها موافقة المحبوب ومنه أن يوازن بين أعظم اللذتين والتمتعتين وأدومهما لذة تمتعه بما أصيب به ولذة تمتعه بثواب الله ومنه العلم بأن المبتلي أحكم الحاكمين وأرحم الراحمين وإنه لم يبتله ليهلكه بل ليمتحن إيمانه وليستمع تضرعه وليراه طريحا ببابه ومنه أن يعلم أن المصائب سبب لمنع الأدواء المهلكة كالكبر والعجب والقسوة ومنه أن يعلم أن مرارة الدنيا هي بعينها حلاوة الآخرة وبالعكس فإن خفي عليك هذا فانظر قول الصادق المصدوق حفت الجنة بالمكاره وحفت النار بالشهوات وفي هذا المقام تفاوتت عقول الخلائق وظهرت حقائق الرجال.
فصل في هديه صلى الله عليه وسلم في علاج الكرب والهم والحزن
في الصحيحين عن ابن عباس كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول عند الكرب لا إله إلا الله العظيم الحليم لا إله إلا الله رب العرش العظيم لا إله إلا الله رب السموات ورب الأرض رب العرش الكريم وللترمذي عن أنس كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول ياحي ياقيوم برحمتك أستغيث وله عن أبي هريرة كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا أهمه الأمر رفع طرفه الى السماء وقال سبحان الله العظيم، وإذا اجتهد في الدعاء قال ياحي ياقيوم ولأبي داود عن أبي بكر الصديق مرفوعا دعوات المكروب اللهم رحمتك أرجو فلا تكلني إلى نفسي طرفة عين وأصلح لي شأني كله لا إله إلا أنت وله عن أسماء بنت عميس قالت قال لي رسول الله صلى الله عليه وسلم ألا أعلمك كلمات تقولينهن عند الكرب الله الله ربي لا أشرك به شيئا وفي رواية سبع مرات ولأحمدعن ابن مسعود مرفوعا قال ما أصاب عبدا هم ولا حزن فقال اللهم إني عبدك وابن عبدك وابن أمتك ناصيتي بيدك ماض في حكمك عدل في قضاؤك أسألك لكل اسم هو لك سميت به نفسك أو أنزلته في كتابك أو علمته أحدا من خلقك أو استأثرت به في علم الغيب عندك أن تجعل القرآن العظيم ربيع قلبي ونور بصري وجلاء حزني وذهاب همي إلا أذهب الله همه وحزنه وأبدله مكانه فرحا وللترمذي عن سعد مرفوعا دعوة ذي النون إذ دعا ربه وهو في بطن الحوت لا إله إلا أنت سبحانك إني كنت من الظالمين لم يدع بها رجل مسلم في شيء قط إلا استجيب له وفي رواية إني لأعلم كلمة لايقولهامكروب إلا فرج الله عنه كلمة أخي يونس ولأبي داود أنه صلى الله عليه وسلم قال لأبي أمامة ألا أعلمك كلاما إذا أنت قلته أذهب الله عز وجل همك وقضى دينك قال قلت بلى قال قل إذا أصبحت وإذا أمسيت اللهم إني أعوذ بك من الهم والحزن وأعوذ بك من العجز والكسل وأعوذ بك من الجبن والبخل وأعوذ بك من غلبة الدين وقهر الرجال ففعلت فأذهب الله عز وجل همي وقضى عني ديني. ولأبي داود عن ابن عباس مرفوعا من لزم الاستغفار جعل الله له من كل هم فرجا ومن كل ضيق مخرجا ورزقه من حيث لا يحتسب وفي السنن عليكم بالجهاد فإنه باب من أبواب الجنة يدفع الله به عن النفوس الهم والغم وفي المسند أنه صلى الله عليه وسلم كان إذا حزبه أمر فزع الى الصلاة ويذكرعن ابن عباس مرفوعا من كثرت همومه وغمومه فليكثر من قول لاحول ولا قوة إلا بالله وفي الصحيحين أنها كنز من كنوز الجنة وهذه الأدوية تتضمن خمسة عشر نوعا من الدواء فإن لم تقو على ذهاب الهم والغم والحزن فهو داء قد استحكم وتمكنت أسبابه ويحتاج إلى استفراغ كلي،
الأول توحيد الربوبية، الثاني توحيد الألوهية،
الثالث التوحيد العلمي، الرابع تنزيه الرب تعالى عن أن يظلم عبده أو يأخذه بلا سبب من العبد يوجب ذلك،
الخامس اعتراف العبد انه هو الظالم، السادس التوسل بأحب الأشياء الى الله وهو أسماؤه وصفاته ومن أجمعها لمعاني الأسماء والصفات الحي القيوم،
السابع الاستعانة به وحده، الثامن إقرار العبد له بالرجاء،
التاسع تحقيق التوكل عليه والتفويض إليه والاعتراف له بأن ناصيته في يده يصرفه كيف يشاء وأنه ماض في حكمه عدل فيه قضاؤه،
العاشر أن يرتع قلبه في رياض القرآن ويجعله لقلبه كالربيع للحيوان وأن يستضيء به في ظلمات الشبهات والشهوات وان يتسلى به عن كل فائت ويتعزى به عن كل مصيبة ويستشفي به من أدواء صدره فيكون جلاء حزنه وشفاء همه وغمه،
الحادي عشر الاستغفار، الثاني عشر التوبة،
الثالث عشر الجهاد، الرابع عشر الصلاة،
الخامس عشر البراءة من الحول والقوة وتفويضها الى الله.
فصل في هديه صلى الله عليه وسلم في علاج الفزع والأرق
روى الترمذي عن بريدة قال اشتكى خالد فقال يارسول الله ما أنام الليل من الأرق فقال إذا أويت الى فراشك فقل اللهم رب السماوات السبع وما أظللن ورب الأرضين السبع وما اقللن ورب الشياطين وما أضللن كن لي جارا من شر خلقك كلهم جميعا أن يفرط علي أحد منهم أو يبغي علي أحد عز جارك وجل ثناؤك ولا إله غيرك وفيه من حديث عمرو بن شعيب كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يعلمهم من الفزع أعوذ بكلمات الله التامات من غضبه وشر عباده ومن همزات الشياطين وأعوذ بك رب أن يحضرون وكان عبد الله بن عمرو يعلمهن منعقل من بنيه ومن لم يعقل كتبه فعلقه عليه ويذكر من حديث عمرو بن شعيب مرفوعا إذا رأيتم الحريق فكبروا فإن التكبير يطفئه لما كان الحريق سببه النار وهي مادة الشيطان التي خلق منهاوكان فيه من الفساد العام مايناسب الشيطان بمادته وفعله كان للشيطان إعانة عليه وتنفيذ له وكانت النار تطلب بطبعها العلو والفساد وهذان الامران وهما العلو في الأرض والفساد هما هدى الشيطان وإليهما يدعوان وبهما يهلك بني آدم فالنار والشيطان لك منهما يريد العلو في الأرض والفساد وكبرياء الرب عز وجل تقمع الشيطان فإذا كبر المسلم ربه طفئ الحريق وقد جربنا نحن وغيرنا هذا فوجدناه كذلك.
فصل في هديه صلى الله عليه وسلم في حفظ الصحة
قال الله تعالى (وكلوا واشربوا ولا تسرفوا) فأرشدهم الى إدخال مايقيم البدن من الطعام والشراب عوض ما تحلل منه وأن يكون بقدر ماينتفع به البدن في الكمية والكيفية فمتى جاوز ذلك كان إسرافا وكلاهما مانع من الصحة جالب للمرض أعني عدم الأكل والشرب أو الاسراف فيهما فحفظ الصحة كله في هاتين الكلمتين الإلهيتين ولما كانت الصحة والعافية من أجل نعم الله على عبده وأجزل عطاياه وأوفر منحه بل العافية المطلقة من أجل النعم على الإطلاق فحقيق بمن رزق حظا من التوفيق مراعاتها وحفظها وحمايتها عما يضادها ولهذا قال صلى الله عليه وسلم نعمتان مغبون فيهما كثير من الناس الصحة والفراغ وفي الترمذي وغيره مرفوعا من أصبح معافى في جسده آمنا في سربه عنده قوت يوم فكأنما حيزت له الدنيا وفيه أيضا مرفوعا أول مايسأل عنه العبد يوم القيامة من النعيم أن يقال ألم نصح لك جسمك ونرويك من الماء البارد ومن هنا قال من قال من السلف في قوله (ثم لتسألن يومئذ عن النعيم) قال عن الصحة ولأحمد مرفوعا سلوا الله اليقين والمعافاة فما أوتي أحد بعد اليقين خيرا من العافية فجمع بين عافيتي الدنيا والدين ولا يتم صلاح العبد في الدارين إلا باليقين والعافية فاليقين يدفع عنه عقاب الآخرة والعافية تدفع عنه أمراض الدنيا في قلبه وبدنه وفي سنن النسائي مرفوعا سلوا الله العفو والعافية والمعافاة فما أوتي أحد بعد اليقين خيرا من المعافاة وهذه الثلاثة تتضمن إزالة الشرور الماضية بالعفو والحاضرة بالعافية والمستقبلة بالمعافاة ولم يكن من عادته صلى الله عليه وسلم حبس النفس على نوع واحد من الأغذية فإنه مضر ولو أنه أفضل الأغذية بل يأكل ما جرت عادة أهل بلده بأكله من اللحم والفاكهة والخبز والتمر ونحو ذلك قال أنس ما عاب رسول الله صلى الله عليه وسلم طعاما قط إن اشتهاه أكله وإلا تركه ومتى أكل الانسان ما لايشتهيه كان تضرره به أكثر من نفعه وكان يحب اللحم وأحبه اليه الذراع ومقدم الشاة وهو أخف على المعدة وأسرع انهضاما وكان يحب الحلواء والعسل وهذه الثلاثة أعني اللحم والحلوى والعسل من أنفع الأغذية للبدن والكبد والأعضاء وكان يأكل من فاكهة بلده عند مجيئها ولايحتمي عنهاوهو من أسباب حفظ الصحة فإن الله سبحانه بحكمته جعل في كل بلد من الفاكهة ما ينتفع به أهلها فيكون تناوله من أسباب صحة أهلها وقل من احتمى عن فاكهة بلده خشية السقم إلا وهو من أسقم الناس جسما وصح عنه أنه قال لا آكل متكئا وقال إنما أجلس كما يجلس العبد وآكل كما يأكل العبد وفسر بالتربع وبالاتكاء على الشيء وبالاتكاء على الجنب والأنواع الثلاثة من الاتكاء مضر وكان يأكل بأصابعه الثلاث وهذا أنفع مايكون من الأكلات وكان يشرب العسل الممزوج بالماء البارد وصح عنه انه نهى عن الشرب قائما وصح عنه أنه أمر من فعله أن يتقيأه وصح عنه أنه شرب قائما للحاجة وكان يتنفس في الشرب ثلاثا ويقول إنه أروى وأمرأ وأبرأ أي أشد ريا وأبرأ أفعل من البرء وهو الشفاء أي يبرئ من العطش وأمرأ هو أفعل من مري الطعام والشراب في بدنه إذا دخله وخالطه بسهولة ولذة ونفع ومنه فكلوه هنيئا مريئا هنيئا في عاقبته مريئا في مذاقته وللترمذي عنه صلى الله عليه وسلم لاتشربوا نفسا واحدا كشرب البعير ولكن اشربوا مثنى وسموا الله إذا شربتم واحمدوا الله إذا أنتم فرغتم وفي الصحيح عنه غطوا الإناء وأوكوا السقاء فإن في السنة ليلة ينزل فيها وباء لايمر بإناء ليس فيه غطاء ولا سقاء ليس عليه وكاء إلا وقع فيه من ذلك الوباء قال الليث بن سعد أحد رواة الحديث الأعاجم عندنا يتقون تلك الليلة في كانون الأول وصح عنه أنه أمر بتخمير الإناء ولو أن يعرض عليه عود وصح عنه أنه أمر عند الإيكاء والتغطية بذكر الله ونهى عن الشرب من فم السقاء وعن النفس في الاناء والنفخ فيه وعن الشرب من ثلمة القدح وكان يحب الطيب ولا يرده وقال من عرض عليه ريحان فلا يرده فإنه طيب الريح خفيف المحمل ولفظ أبي داود والنسائي من عرض عليه طيب وفي مسند البزار عنه صلى الله عليه وسلم إن الله طيب يحب الطيب نظيف يحب النظافة كريم يحب الكرم جواد يحب الجود فنظفوا أفناءكم وساحاتكم ولاتشبهوا باليهود يجمعون القمامة في دورهم وفي الطيب من الخاصية أن الملائكة تحبه والشياطين تنفر منه فالأرواح الطيبة تحب الرائحة الطيبة والأرواح الخبيثة تحب الرائحة الخبيثة وكل روح تميل الى ما يناسبها فالخبيثات للخبيثين والخبيثون للخبيثات والطيبات للطيبين والطيبون للطيبات وهذا وإن كان في الرجال والنساء فإنه يتناول الأعمال والأقوال والمطاعم والمشارب والملابس والروائح إما بعموم لفظه وإما بعموم معناه.
فصل في هديه صلى الله عليه وسلم في اقضيته وأحكامه
وليس الغرض من ذلك ذكر التشريع العام وإن كانت أقضيته الخاصة عامة وإنما الغرض ذكر هديه في الأحكام الجزئية التي فصل بها بين الخصوم ونذكر معها قضايا من أحكامه الكلية فثبت عنه انه حبس في تهمة ففي حديث عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده أن رجلا قتل عبده متعمدا فجلده النبي صلى الله عليه وسلم مائة جلدة ونفاه سنة وأمره أن يعتق رقبة ولم يقده به ولأحمد عن أنس عن سمرة مرفوعا من قتل عبده قتلناه فإن كان محفوظا كان قتله تعزيرا الى الامام بحسب مايراه من المصلحة وأمر رجلا بملازمة غريمه كما ذكره أبو داود وروى أبو عبيد أنه صلى الله عليه وسلم أمر بقتل القاتل وصبر الصابر قال أبو عبيد أي يحبسه حتى يموت وذكر عبد الرزاق في مصنفه عن علي يحبس الممسك في السجن حتى يموت وحكم في العرنيين بقطع أيديهم وأرجلهم وسمل أعينهم كما سملوا أعين الرعاة وتركهم حتى ماتوا جوعا وعطشا كما فعلوا بالراعي وفي صحيح مسلم أن رجلا ادعى على آخر أنه قتل أخاه فاعترف فقال دونك صاحبك فلما ولى قال إن قتله فهو مثله فرجع فقال إنما أخذته بأمرك فقال صلى الله عليه وسلم أما تريد أن تبوء بإثمك وإثم صاحبك فقال بلى فخلى سبيله وفي قوله فهو مثله قولان أحدهما أن القاتل إذا قيد منه سقط ماعليه فصار هو المستقيد بمنزلة واحدة وهو لم يقل إنه بمنزلته قبل القتل وإنما قال إن قتله فهو مثله وهذا يقتضي المماثلة بعد قتله فلا إشكال في الحديث وإنما فيه التعريض لصاحب الحق بترك القود والعفو وقيل إن كان لم يرد قتله فقتله به فهو متعمد مثله إذ كان القاتل متعديا بالجناية والمقتص متعد بقتل من لم يتعمد القتل ويدل على هذا التأويل ماروى أحمد عن أبي هريرة مرفوعا وفيه والله يارسول الله ما اردت قتله فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم للولي أما إنه إن كان صادقا ثم قتلته دخلت النار فخلى سبيله وحكم في يهودي رض رأس جارية بين حجرين أن يرض رأسه بين حجرين وفيه دليل على قتل الرجل بالمرأة وأن الجاني يفعل به كما فعل وأن القتل غيلة لا يشترط فيه إذن الولي فإن رسول الله صلى الله عليه وسلم لم يدفعه إلى أوليائها ولم يقل إن شئتم فاقتلوه وإن شئتم فاعفوا عنه بل قتله حتما وهذا مذهب مالك واختيار شيخ الاسلام ابن تيمية ومن قال إنه فعله لنقض العهد لم يصح فإن ناقض العهد لاترضخ رأسه بالحجارة بل يقتل بالسيف وقضى في امرأة رمت أخرى بحجر فقتلتها وما في بطنها بغرة عبد أو وليدة في الجنين وجعل دية المقتولة على عصبة القاتلة وهو في الصحيحين وفي البخاري أنه قضى في جنين امرأة بغرة عبد أو وليدة ثم إن التي قضى عليها بالغرة توفيت فقضى أن ميراثهالبنيها وزوجها وأن العقل علىعصبتها وفي هذا الحكم أن شبه العمد ل اقود فيه وأن العاقلة تحمل الغرة تبعا للدية وأن العاقلة هم العصبة وأن زوج القاتلة لايدخل معهم وأن أولادها أيضا ليسوا من العاقلة وحكم فيمن تزوج امرأة أبيه بقتله وأخذ ماله وهو مذهب احمد وهو الصحيح وقال الثلاثة حده حد الزاني وحكم رسول الله صلى الله عليه وسلم أولى وأحق وحكم فيمن اطلع في بيته رجل بغير إذنه فحذفه بحصاة أو عود ففقأ عينه أن لاشيء عليه. وثبت عنه أنه قضى بإهدار دم ولد الأعمى لما قتلها مولاها على سبه صلى الله عليه وسلم وقتل جماعة من اليهود على سبه وأذاه قال أبو بكر لأبي برزة لما أراد قتل من سبه ليست لأحد بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم وفي ذلك بضعة عشر حديثا بين صحاح وحسان ومشاهير قال مجاهد عن ابن عباس أيما مسلم سب الله أو سب أحدا من الأنبياء فقد كذب رسول الله صلى الله عليه وسلم وهي ردة يستتاب صاحبها فإن رجع وإلا قتل وفي الصحيحين أنه عفى عمن سمه صلى الله عليه وسلم وصح عنه أنه لم يقتل من سحره من اليهود وصح عن عمر وحفصة وجندب قتل الساحر وصح عنه في الأسرى أنه قتل بعضا وفادى بعضا ومن على بعض واسترق بعضا لكن لم يعرف أنه استرق بالغا وهذه أحكام لم تنسخ بل مخير فيها الامام بحسب المصلحة وحكم في اليهود بعدة قضايا فعاهدهم أول مقدمه المدينة ثم حاربته قينقاع فظفر بهم ومن عليهم ثم النضير فظفروا بهم فأجلاهم ثم قريظة فقتلهم ثم حارب أهل خيبر فظفر بهم.
فصل في حكمه بالغنائم
حكم صلى الله عليه وسلم أن للفارس ثلاثة أسهم وللراجل سهم وحكم أن السلب للقاتل وكان طلحة وسعيد بن زيد لم يشهدا بدارا فقسم لهما فقال وأجورنا فقال وأجوركم ولم يختلف أحد أن عثمان تخلف على امرأته رقية بنت رسول الله صلى الله عليه وسلم فأسهم له فقال وأجري يارسول الله فقال وأجرك قال ابن حبيب هذا خاص للنبي صلى الله عليه وسلم وأجمعوا أنه لايقسم لغائب قلت قد قال أحمد ومالك وجماعة من السلف والخلف إن الامام إذا بعث أحدا في مصالح الجيش فله سهم ولم يخمس السلب وجعله من أصل الغنيمة وحكم به بشهادة واحد وكان الملوك تهدي إليه فيقبل هداياهم ويقسمها بين أصحابه وأهدى له أبو سفيان هدية فقبل وذكر أبو عبيد عنه أنه رد هدية أبي عامر وقال إنا لانقبل هدية مشرك وقال إنما قبل هدية أبي سفيان لأنها كانت في مدة الهدنة بينه وبين مكة وكذلك المقوقس لأنه أكرم حاطبا واقر بنبوته ولم يؤيسه من إسلامه ولم يقبل هدية مشرك محارب له قط قال سحنون إذا أهدى أمير الروم إلى الإمام فلا بأس وهي له خاصة وقال الأوزاعي تكون للمسلمين ويكافئه من بيت المال وقال أحمد حكمها حكم الغنيمة.
فصل في حكمه صلى الله عليه وسلم في قسمة الأموال
وهي ثلاثة الزكاة والغنيمة والفيء فأما الزكاة والغنائم فقد تقدم حكمها وبينا أنه لم يكن يستوعب الأصناف الثمانية وأنه ربما وضعها في واحد وأما الفيء فقسمه يوم حنين في المؤلفة قلوبهم من الفيء ولم يعط الأنصار شيئا فعتبوا عليه فقال لهم ألا ترضون أن يذهب الناس بالشاء والبعير وتنطلقون برسول الله صلى الله عليه وسلم تقودونه الى رحالكم فو الله لما تنقلبون به خير مما ينقلبون به وبعث إليه علي من اليمن بذهيبة فقسمها بين أربعة نفر وفي السنن أنه وضع سهم ذي القربى في بني هاشم وبني المطلب وترك بني نوفل وعبد شمس وقال إنا وبنو المطلب لم نفترق في جاهلية ولا إسلام وإنما نحن وهم شيء واحد وشبك بين أصابعه ولم يقسمه بينهم على السواء بين أغنيائهم وفقرائهم ولا كان يقسمه قسمة الميراث للذكر مثل حظ الأنثيين بل يصرفه فيهم بحسب المصلحة والحاجة فيزوج منه عزبهم ويقضي منه عن غارمهم ويعطي منه فقيرهم كفايته والذي يدل عليه هديه أنه كان يجعل مصارف الخمس كمصارف الزكاة ولا يخرج بها عن الأصناف المذكورة لا أنه يقسمه بينهم كالميراث ومن تأمل سيرته لم يشك في ذلك واختلف الفقهاء في الفيء هل كان ملكا لرسول الله صلى الله عليه وسلم يتصرف فيه كيف يشاء أو لم يكن ملكا له على قولين في مذهب أحمد وغيره والذي تدل عليه سنته وهديه أنه كان يتصرف فيه بالأمر فيضعه حيث أمره الله ويقسمه على من أمر بقسمته عليهم لاتصرف المالك بإرادته ومشيئته فإن الله سبحانه خيره بين أن يكون عبدا رسولا وبين أن يكون ملكا رسولا فاختار العبودية والفرق أن العبد الرسول لايتصرف إلا بأمر سيده ومرسله والملك الرسول له أن يعطي من يشاء ويمنع من يشاء كما قال تعالى للملك الرسول سليمان (هذا عطاؤنا فامنن أو أومسك بغير حساب) أي أعط من شئت وامنع من شئت لانحاسبك وهذه المرتبة هي التي عرضت على نبينا فرغب عنها الى ماهو أعلى منها وهي مرتبة العبودية المحضة وقال والله إني لا أعطي أحدا ولا أمنع أحدا إنما أنا قاسم أضع حيث أمرت ولهذا كان ينفق منه على نفسه وأهله نفقة سنتهم ويجعل الباقي في الكراع والسلاح عدة في سبيل الله عز وجل وهذا النوع من الأموال هو السهم الذي وقع بعده فيه من النزاع ما وقع الى اليوم وأما الزكاة والغنائم وقسمة المواريث فإنها معينة لأهلها لايشركهم غيرهم فيها فلم يشكل على ولاة الأمر بعده من أمرها ما أشكل عليهم من الفيء ولم يقع فيها من النزاع ما وقع فيه ولولا إشكال أمره لما طلبت فاطمة بنت رسول الله صلى الله عليه وسلم ميراثها من تركته وقد قال تعالى (ما أفاء الله على رسوله من اهل القرى فلله وللرسول ولذي القربى واليتامى والمساكين وابن السبيل كي لايكون دولة بين الأغنياء منكم) إلى قوله (فأولئك هم المفلحون) فأخبر سبحانه أن ما أفاء على رسوله بجملته لمن ذكر في هذه الآيات ولم يخص منه خمسه بالمذكورين بل عم وأطلق واستوعب ويصرف على المصارف الخاصة وهم أهل الخمس ثم على المصارف العامة وهم المهاجرون والأنصار وأتباعهم الى يوم القيامة فالذي عمل به هو وخلفاؤه هو المراد من هذه الآيات ولهذا قال عمر بن الخطاب فيما رواه أحمد وغيره عنه ما أحد بأحق بهذا المال من أحد وما أنا بأحق به من أحد والله ما من أحد من المسلمين إلا وله فيه نصيب إلا عبد مملوك ولكناعلى منازلنا من كتاب الله وقسمنا من رسول الله صلى الله عليه وسلم فالرجل وبلاؤه في الاسلام والرجل وقدمه في الاسلام والرجل وغناؤه في الإسلام والرجل وحاجته والله لئن بقيت لهم ليأتين الراعي بجبل صنعاء حظه من هذا المال وهو يرعى مكانه فهؤلاء المسمون في آية الفيء هم المسمون في آية الخمس ولم يدخل المهاجرون والأنصار وأتباعهم في آية الخمس لأنهم المستحقون بجملة الفيء وأهل الخمس لهم استحقاقان خاص من الخمس وعام من الفيء فإنهم داخلون في النصيبين وكما أن قسمته من جملة الفيء بين من جعل له ليس قسمة الأملاك التي يشترك فيها المالكون كقسمة المواريث والوصايا والأملاك المطلقة بل بحسب الحاجة والنفع والغناء في الإسلام والبلاء فيه فكذلك الخمس في أهله فإن مخرجهما واحد في كتاب الله الخمس بين أهله والتنصيص على الأصناف الخمسة يفيد تحقيق إدخالهم وأنهم لايخرجون من أهل الفيء بحال وأن الخمس لا يعدوهم إلا غيرهم كما أن الفيء العام في آية الحشر للمذكورين فيها لايتعداهم الى غيرهم فإن الله سبحانه جعل أهل الخمس هم أهل الفيء وعينهم اهتماما بشأنهم وتقديما لهم ولما كانت الغنائم خاصة بأهلها لايشركهم فيها سواهم نص على خمسها لأهل الخمس ولما كان الفيء لا يختص بأحد دون أحدا جعله لهم وللمهاجرين والأنصار وتابعيهم فسوى بين الخمس والفيء في المصرف وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يصرف سهم الله وسهمه في مصالح الإسلام وأربعة أخماس الخمس في أهلها مقدما للأهم فالأهم والأحوج فالأحوج.
فصل في حكمه في الوفاء بالعهد لعدوه
حكم رسول الله صلى الله عليه وسلم بالوفاء بالعهد لعدوه وفي رسلهم أن لايقتلوا ولايحبسوا وفي النبذ الى من عاهده على سواء إذا خاف منه النقض.
ثبت أنه قال لرسولي مسيلمة لما قالا نقول إنه رسول الله لولا أن الرسل لاتقتل لقتلتكما وثبت عنه أنه قال لأبي رافع وقد أرسلته قريش إليه واراد أن لايرجع فقال إني لا أخيس بالعهد ولا أحبس البرد ولكن ارجع الى قومك ولم يرد النساء فإن كان في نفسك الذي فيها الآن فارجع وثبت أنه رد إليهم ابا جندل وجاءت سبيعة الأسلمية فخرج زوجها في طلبها فأنزا الله تعالى (يا أيها الذين آمنوا إذا جاءكم المؤمنات مهاجرات فامتحنوهن الله أعلم بإيمانهن فإن علمتموهن مؤمنات فلا ترجعوهن الى الكفار) فاستحلفها رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه لم يخرجها إلا الرغبة في الإسلام وأنها لم تخرج بحدث أحدثته في قومها ولا بغضا لزوجها فحلفت فأعطى زوجها مهرها ولم يردها عليه وقال تعالى (وإما تخافن من قوم خيانة فانبذ إليهم على سواء إن الله لايحب الخائنين) وقال صلى الله عليه وسلم من كان بينه وبين قوم عهد فلا يحلن عقدا ولا يشدنه حتى يمضي أمده أو ينبذه إليهم على سواء صححه الترمذي وثبت عنه أنه قال المسلمون تتكافؤ دماؤهم ويسعى بذمتهم أدناهم وثبت عنه أنه أجار رجلين أجارتهما أم هانئ ابنة عمه وثبت عنه انه أجار أبا العاص لما أجارته ابنته زينب ثم قال يجير على المسلمين أدناهم وفي حديث آخر يجير على المسلمين أدناهم ويرد عليهم أقصاهم فهذه أربع قضايا ذكر منها أن المسلمين يد على من سواهم وهذا يمنع تولية الكفار شيئا من الولايات وقوله يرد عليهم أقصاهم، يوجب أن السرية إذا غنمت بقوة جيش الاسلام كانت الغنيمة لهم وللقاصي من الجيش إذ بقوته غنموها وأن ماصار في بيت المال من الفيء لقاصيهم ودانيهم وإن كان سبب أخذه دانيهم وأخذ الجزية من نصارى نجران وأيلة من العرب ومن أهل دومة وأكثرهم عرب وأخذها من أهل الكتاب باليمن وهم يهود وأخذها من المجوس ولم يأخذها من مشركي العرب قال أحمد والشافعي لاتؤخذ إلا من أهل الكتاب والمجوس وقالت طائفة تؤخذ من الأمم كلهم أهل الكتاب بالقرآن والمجوس بالسنة وما عداهم يلحق بهم لأن المجوس أهل شرك لا كتاب لهم فأخذها منهم دليل على أخذها من جميع المشركين وإنما لم يأخذها من مشركي العرب لأنهم أسلموا قبل نزولها ولا نسلم أن كفر عبدة الأوثان أغلظ من كفر المجوس بل كفر المجوس أغلظ فإن عبدة الأوثان مقرين بتوحيد الربوبية وأنه لا خالق إلا الله وانهم إنما يعبدون آلهتهم لتقربهم الى الله ولم يكونوا يقرون بصانعين للعالم ولا يستحلون نكاح الأمهات والبنات والأخوات وكانوا على بقايا من دين إبراهيم وكان له صحف وشريعة والمجوس لايعرف عنهم التمسك بشيء من شرائع الأنبياء وكتب صلى الله عليه وسلم الى أهل هجر والملوك يدعوهم الى الإسلام أو الجزية ولم يفرق بين العرب وغيرهم وأمر معاذ أن يأخذ من كل حالم دينارا أو قيمته معافر وهي ثياب باليمن ثم زاد فيها عمر فجعلها أربعة دنانير على أهل الذهب وأربعين درهما على أهل الورق في كل سنة فرسول الله صلى الله عليه وسلم علم ضعف أهل اليمن وعمر علم غنى أهل الشام وثبت عنه أنه استباح غزو قريش من غير نبذ عهد إليهم لما عدت حلفاءهم على حلفائه فغدروا بهم فرضيت قريش وألحق ردأهم في ذلك بمباشرهم.
فصل في أحكامه في النكاح وتوابعه
ثبت عنه أنه رد نكاح ثيب زوجها أبوها وهي كارهة، وفي السنن عنه أنه خير بكرا زوجها أبوها وهي كارهة وثبت عنه لا تنكح البكر حتى تستأذن وأذنها أن تسكت وقضى بأن اليتيمة تستأمر ولايتم بعد احتلام فدل على جواز نكاح اليتيمة وعليه بديل القرآن وفي السنن عنه لا نكاح إلا بولي وفيها أيضا لاتزوج المرأة نفسها فإن الزانية هي التي تزوج نفسها وحكم أن المرأة إذا زوجها وليان فهي للأول وثبت عنه أنه قضى في رجل تزوج ولم يفرض لها صداقا ولم يدخل بها حتى مات أن لها مهر نسائها لا وكس ولا شطط ولها الميراث وعليها العدة أربعة أشهر وعشرا، وفي الترمذي أنه قال لرجل إذا أزوجك فلانة قال نعم وقال للمرأة أترضين أن أزوجك فلانا قالت نعم فزوج أحدهما صاحبه فدخل بها ولم يفرض لها صداقا ولم يعطها شيئا فلما كان عند موته عوضها سهما له بخيبر فتضمنت هذه الأحكام جواز النكاح من غير تسمية الصداق وجواز الدخول قبل التسمية واستقرار مهر المثل بالموت وإن لم يدخل بها ووجوب عدة الوفاة وإن لم يدخل وبه أخذ ابن مسعود وأهل العراق وتضمنت جواز تولي طرفي العقد ويكفي أن يقول زوجت فلانا بفلانه مقتصرا على ذلك وأمر من أسلم وتحته أكثر من اربع أن يختار منهن أربعا وأمر من أسلم وتحته اختان أن يختار إحداهما فتضمن صحة نكاح الكفاروأنه يختار من يشاء من السوابق واللواحق وهو قول الجمهور وذكر الترمذي وحسنه عنه ان العبد إذا تزوج بغير إذن مواليه فهو عاهر.
انتهى والله أعلم وأحكم والحمد لله رب العالمين.
تم مختصر زاد المعاد لمحمد بن عبد الوهاب
والحمد لله رب العالمين
وصلّى الله على سيدنا محمد وآله
مدير منتدى ميراث الرسول
فتحى السبد عبد الحميد الوكيل