من طرف اسرة التحرير الجمعة ديسمبر 14, 2018 3:17 pm
بّسم الله الرّحمن الرّحيم مكتبة الثقافة الأدبية كشف الأسرار في حكم الطيور والأزهار إشارات الأطيار ● [ إشارة الخطاف ] ●
فبينا نحن نتذاكر أوصاف الأشراف، وأشراف الأوصاف، إذ نظرت إلى خطاف، وهو بالبيت قد طاف، فقلت له: مالي أراك للبيوت ملازم، وعلى مؤانسة الإنس عازم، فلو كنت في أمرك حازم، لما فارقت أبناء جنسك، ورضيت في البيوت بحبسك، ثم إنك لا تنزل إلا في البيوت العامرة، والمنازل التي هي بأهلها عامرة، فقل لي: يا كثيف الطبع، يا ثقيل السمع، اسمع الآن قصة حالي، وكيف عن الطيور ارتحالي، أنا ما فارقت أمثالي، وعاشرت غير أشكالي، واستوطنت السقوف، دون الشعاب، والكهوف، إلا لفضيلة الغربة، ولزوما لأدب الصحبة، صحبت من ليس مني لاكون غريبا، وجاورت من هو خير مني لأضرب لي بينهم نصيبا، فأعيش عيش الغرباء، وأفوز بصحبة الأدباء، فالغريب مرحوم في غربته، ملطوف به في صحبته، فقصدت المنازل، غير مضر بالنازل، أبتنى بيتي من حافات الأنهار، وأكتسب قوتى من مباحات القفار، فلست للجار كمن جار، ولا لأهل الدار كالغدار، بل أحسن جواري مع جاري، أكثر سوادهم، ولا أستطعم زادهم، فزهدى فيما في أيديهم، هو الذي حببنى إليهم، ولو شاركتهم في قوتهم، ما بقيت معهم في بيوتهم، فأنا شريكهم في أبنيتهم، لا في أغذيتهم، مزاحمهم في أوقاتهم، لافي أقواتهم، مكتسب من أخلاقهم، لا من أرزاقهم، منتهب من جمالهم، لا من مالهم، مقتبس من برهم، راغب في حبهم لافي حبهم، فزهدي بما في أيديهم هو الذي حببنى فيهم، مقتديا في ذلك بإشارة صاحب البشارة صلى الله عليه وسلم (ازهد في الدنيا يحبك الله، وازهد فيما في أيدي الناس يحبك الناس)، وفي ذلك أقول: كُنْ زَاهِداً فِيمَا حَوَتْهُ يَدُ الوَرَى . تُضْحَى إلى كُلِّ الأَنامِ حَبِيباً أَوَ مَا تَرَى الخُطَّافَ حَرَّمَ زَادَهُمْ . فَغَدا رَبِيباً في الحُجُورِ قَرِيباً قلت: لله درك لقد عشت عيشا سعيدا، وسرت سيرا حميدا، ووفقت أمرا رشيدا، وقلت قولا سديدا، ولا أطلب على موعظتك مزيدا، فالعاقل يفهم، والجاهل يندم.
كشف الأسرار في حكم الطيور والأزهار تأليف : عز الدين المقدسي منتدى همســــــات . البوابة