من طرف اسرة التحرير الجمعة ديسمبر 14, 2018 3:24 pm
بّسم الله الرّحمن الرّحيم مكتبة الثقافة الأدبية كشف الأسرار في حكم الطيور والأزهار إشارات الأطيار ● [ إشارة الطاووس ] ●
ثم التفت، فرأيت طاووسا، قد شرب من خمرة العجب كؤوسا، قد رخرف بملابس التلبيس، وهو الذي عاد عليه شؤم إبليس، قد زين ريشه ألوان، وفنن عيشه أفنان، لا يأوى إلا إلى الجنان، والله يعلم بما في الجنان، فقلت له: ويحك، كم بينك وبين البوم من الحظ المقسوم، فأنت أيها العانى نظرت إلى الصور، وهو نظر إلى المعاني، فأنت تفرح بالفاني، وتغتر بالامانى، فقال لي: يا عانى، يا من بالشماتة نعانى، لا تظهر لي الشماته، ولا تذكر الحزين ما فاته، فقد قيل في الخبر: (ارحموا عزيز قوم ذل، وغنى قوم افتقر)، أين كنت يا مسكين، وأنا في الجنان أطوف بين الظلال والقطوف، أدور دورها، وأزور حورها، وأسكن قصورها، شرابي التسبيح، وطعامي التقديس، حتى ساق لي القدر إبليس، فألبسني ملابس التلبيس، حتى عوضنى بالخسيس عن النفيس، ولقد كنت لمراده كاره، لكن القضاء والقدر يوقع في المكاره، وينفر الطير عن أوكاره، ولقد كان إبليس يرفل في حلل حبه، وخلع قربه، فما تركه شؤم رأيه، حتى تاه على آدم بعجبه، فأوقعنى في الخطية، وما أطلعنى على ماله في الطوية، غير أني كنت له دلاله، وكانت الحية في دخوله الجنة محتاله، فأخرجت معهم من دار العز إلى دار الهوان والإذلال، وقيل: هذا أجره الدلال، وهذا جرآء من عاشر الأنذال، ثم أبقيت على زينة ريشي، أتذكر به ما كان من صفو عيشى، فيزيدنى ذلك تحرقا وتشوقا، ثم جعلت على علامة السخط في ساقي، أنظرها بإحداقى، وينادى على بنقض ميثاقى، ثم إنى ألفت من البقاع بقعة، تشاكل ما خرجت منه، وطردت بما فعلت عنه، فأتذكر بالبساتين مرابع ربوعى، وأجرى عليه سواكب دموعي، وألوم نفسي التي كانت سببا لوقوعي، وأقول كلما ذكرت تفريق جموعي: يَا دَارُ هَلْ يُقْضَى لنا بِرُجُوعِ . وَيَعُودُ لِى يَا عَيْنُ طِيبَ هُجوعِى يا سَادَة كادَ المَشُوق بِذِكْرِهِ . يَقْضِى أَساً في سَاعَةِ التَّوْدِيعِ قَلْبِى لِيَومِ فِرَاقِكُمْ مُتَوجّعٌ . وَارَحْمَتَاهُ لِقَلُبي المَوْجُوعِ فٌرَّقْتُم مَا بَيْتَ عَيْنِى وَالكَرَى . وَوَصَلْتُمُ بَيْنَ الأسى وَضُلُوعِى جِسْمِى مَعِى وَالقَلْبُ بَيْنَ خِيَامِكُمْ . ما ضرُّكُمْ لو كانَ ثَمَّ جَمِيعِى وَإِذَا ذَكَرْتُ ليالياً سَلَفَتْ لَنَا . في وَصْلِ أَحْبَابِى بَيْنَ ظِلِّ رُبُوعِى فَأَكَادُ مِنْ حُرَقى أَدُوبُ صَبَابَةً . لَوْلاَ يَجُودُ علىّ فَيْض دُمُوعِى وَوَعَدتُّمُونِى في الحَيَاة بِزَوْرَةٍ . فَتَضَاعَفَتْ حُرَقي وَزَادَ وُلُوعِى إنْ كَانَ ذَنْبِى صَدَّنِى عَنْ وَصْلِكُمْ . فإليكُمُ فٌقْرِى أَعَزُّ شَفِيعِى مَاضِى القَطِيعَة لا يُعادُ وَمَا جَرَى . كافٍ وَحُبِّى ذلّتى وَخُضُوعِى فقال: تالله، لقد رثيت لمصابه، وبكيت لأوصابه، لأنه لا شىء أبكى من الاغتراب، بعد الاقتراب، ولا أنكى من الحجاب، بعد مشاهدة الأحباب.
كشف الأسرار في حكم الطيور والأزهار تأليف : عز الدين المقدسي منتدى همســــــات . البوابة