من طرف اسرة التحرير الجمعة يناير 11, 2019 3:40 pm
بّسم الله الرّحمن الرّحيم
مكتبة الحديث الشريف
جامع العلوم والحكم
● [ الحديث التاسع والعشرون ] ●
عَنْ مُعاذٍ - رضي الله عنه - قال : قُلتُ : يا رَسولَ الله أَخبِرني بِعَمَلٍ يُدخِلُني الجَنَّةَ ويُباعِدُني مِنَ النَّارِ ، قال : ( لقَدْ سَأَلْتَ عَنْ عَظيمٍ وإنَّهُ لَيَسيرٌ عَلَى مَنْ يَسَّرَهُ الله عليه : تَعْبُدُ الله لا تُشْرِكُ بهِ شيئاً ، وتُقيمُ الصَّلاةَ ، وتُؤتِي الزَّكاةَ ، وتَصُومُ رَمضَانَ ، وتَحُجُّ البَيتَ ) . ثمَّ قالَ : ( ألا أَدُلُّكَ على أبوابِ الخير ؟ الصَّومُ جُنَّةٌ ، والصَّدقَةُ تُطْفِئُ الخَطيئَةَ كَما يُطفئُ الماءُ النارَ ، وصَلاةُ الرَّجُلِ مِنْ جَوفِ اللَّيلِ ، ثمَّ تلا : { تَتَجَافَى جُنُوبُهُمْ عَنِ الْمَضَاجِعِ } حتَّى بَلَغَ : { يَعْمَلُوْنَ } (1) ، ثُمَّ قالَ : ( أَلا أُخْبِرُكُ برَأْسِ الأمْرِ وعَمودِه وذِرْوَة سنامِهِ ؟ ) قُلتُ : بَلَى يا رَسولَ الله ، قال : ( رَأسُ الأمْرِ الإسلامُ ، وعَمُودُه الصَّلاةُ ، وذِرْوَةُ سَنامِهِ الجهادُ ) ، ثم قال : ( ألا أُخبِرُكَ بمَلاكِ ذلك كُلِّهِ ؟ ) ، قلتُ : بلى يا رسول الله ، فأخذ بلسانه ، قال : ( كُفَّ عَلَيكَ هذا ) ، قلتُ : يا نَبيَّ الله ، وإنَّا لمُؤَاخَذُونَ بِما نَتَكَلَّمُ بهِ ؟ فقالَ : ( ثَكِلتْكَ أُمُّكَ ، وهَلْ يَكُبُّ النَّاسَ في النَّارِ على وُجوهِهِمْ ، أو على مَنَاخِرِهم إلاَّ حَصائِدُ أَلسِنَتِهِم ).
رواهُ الترمذيُّ ، وقال : حَديثٌ حَسنٌ صَحيحٌ .
الشرح
هذا الحديث خرَّجه الإمام أحمد (2) ، والترمذي (3) ، والنَّسائي (4) ، وابن ماجه (5)
__________
(1) السجدة : 16 – 17 .
(2) في " مسنده " 5/231 .
(3) في " جامعه " ( 2616 ) .
(4) في " الكبرى " ( 11394 ) وفي " التفسير " ، له ( 414 ) .
(5) في " سننه " ( 3973 ) .
وأخرجه : معمر في " جامعه " ( 20303 ) ، وعبد بن حميد ( 112 ) ، والمروزي في " تعظيم قدر الصلاة " ( 196 ) ، والطبراني في " الكبير " 20/( 266 ) ، والقضاعي في " مسند الشهاب " ( 104 ) ، والبيهقي في " الشعب " ( 3350 ) ، والبغوي ( 11 ) .
● [ الصفحة التالية ] ●
من رواية معمر ، عن عاصم بن أبي النجود ، عن أبي وائل ، عن معاذ بن جبل ، وقال الترمذي : حسن صحيح .
وفيما قاله - رحمه الله - نظر من وجهين :
أحدهما : أنَّه لم يثبت سماعُ أبي وائل من معاذ ، وإنْ كان قد أدركه بالسِّنِّ ، وكان معاذٌ بالشَّام ، وأبو وائل بالكوفة ، وما زال الأئمةُ - كأحمد وغيره - يستدلُّون على انتفاء السَّماع بمثل هذا ، وقد قال أبو حاتم الرازي في سماع أبي وائل من أبي الدرداء : قد أدركه ، وكان بالكُوفة ، وأبو الدَّرداء بالشام ، يعني : أنَّه لم يصحَّ له سماع منه (1) . وقد حكى أبو زرعة الدِّمشقي عن قوم أنَّهم توقَّفُوا في سماعِ أبي وائل من عمر ، أو نفوه ، فسماعه من معاذ أبعد .
والثاني : أنَّه قد رواه حمَّادُ بنُ سلمة ، عن عاصم بن أبي النَّجود ، عن شهر بن حوشبٍ ، عن معاذ ، خرَّجه الإمام أحمد مختصراً (2) ، قال الدارقطني (3) : وهو أشبهُ بالصَّواب ؛ لأنَّ الحديثَ معروفٌ من رواية شهرٍ على اختلافٍ عليه فيه .
قلت : ورواية شهر عن معاذ مرسلةٌ يقيناً (4) ، وشهرٌ مختلفٌ في توثيقه وتضعيفه (5) ، وقد خرَّجه الإمامُ أحمد من رواية شهر ، عن عبدِ الرحمان بن غَنْمٍ ، عن معاذ (6)
__________
(1) انظر : المراسيل لابن أبي حاتم ( 319 ) .
(2) في " مسنده " 5/248 .
وأخرجه : الطبري في " تفسيره " ( 21515 ) ، والطبراني في " الكبير " 20/( 200 ) .
(3) في " العلل " 6/79 س ( 988 ) .
(4) انظر : الكنى للبخاري ( 201 ) .
(5) انظر : الجرح والتعديل 4/347 ( 1668 ) ، وتهذيب الكمال 3/411 ( 2767 ) .
(6) في " مسنده " 5/235 و236 و245 .
وأخرجه : ابن المبارك في " الجهاد " ( 31 ) ، والبزار ( 2669 ) و( 2670 ) ، والطبراني في " الكبير " 5/( 115 ) و( 116 ) و( 140 ) وفي " مسند الشاميين " ، له ( 222 ) .
● [ الصفحة التالية ] ●
، وخرَّجه الإمام أحمد أيضاً من رواية عُروة بن النزَّال ، أو النزال ابن عروة ، وميمون بن أبي شبيب (1) ، كلاهما عن معاذ ، ولم يسمع عروةُ ولا ميمونُ من معاذ ، وله طرقٌ أخرى عن معاذ كلُّها ضعيفة (2) .
وقوله : ( أخبرني بعملٍ يُدخلني الجنَّةَ ، ويُباعدني من النَّار ) قد تقدَّم في شرح الحديث الثاني والعشرين من وجوه ثابتة من حديث أبي هريرة وأبي أيوب وغيرهما : أنَّ النَّبيَّ - صلى الله عليه وسلم - سُئِلَ عن مثل هذه المسألة ، وأجاب بنحو ما أجاب به في حديث معاذ .
__________
(1) في " مسنده " 5/237 .
وأخرجه : ابن أبي شيبة ( 30314 ) ، وابن أبي عاصم في " الجهاد " ( 16 ) وفي " الزهد " ، له ( 7 ) ، والنسائي 4/166 ، والطبري في " تفسيره " ( 21515 ) ، والطبراني في " الكبير " 20/( 304 ) و( 305 ) ، والحاكم 2/76 و412 .
(2) أخرجه : أحمد 5/234 ، والبزار ( 2651 ) ، والطبراني في " مسند الشاميين " ( 1492 ) ، وأبو نعيم في " حلية الأولياء " 5/154 عن عطية بن قيس بلفظ : ( الجهاد عمود الإسلام ، وذروة سنامه ) .
وفيه بكير بن عبد الله بن أبي مريم ( أبو بكر ) ، سئل عنه أحمد بن حنبل فقال : ( ضعيف كان عيسى لا يرضاه ) ، وسئل عنه يحيى بن معين فضعفه ، وقال أبو زرعة الرازي : ( ضعيف ، منكر الحديث ) . انظر : الجرح والتعديل 2/327 – 328 ، وتهذيب الكمال 2/252 ( 7836 ) .
● [ الصفحة التالية ] ●
وفي رواية الإمام أحمد في حديث معاذ أنَّه قال : يا رسول الله ، إنِّي أريدُ أنْ أسألَكَ عن كلمةٍ(1) قد أمرضَتنِي وأسقمتني وأحزنتني ، قال : ( سل عمَّا شئتَ ) ، قال : أخبرني بعملٍ يدخلُنِي الجنَّة لا أسألكَ غيرَه ، وهذا يدلُّ على شدَّةِ اهتمامِ معاذٍ - رضي الله عنه - بالأعمال الصَّالحة ، وفيه دليلٌ على أنَّ الأعمالَ سببٌ لدخول الجنَّة ، كما قال تعالى : { وَتِلْكَ الْجَنَّةُ الَّتِي أُورِثْتُمُوهَا بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ } (2) .
وأما قولُه - صلى الله عليه وسلم - : ( لَنْ يدخُلَ أحدٌ منكُمُ الجنَّة بِعمَلِه ) (3) فالمراد - والله أعلم - أنَّ العملَ بنفسه لا يستحقُّ به أحدٌ الجنَّة لولا أنَّ الله جعله - بفضله ورحمته - سبباً لذلك ، والعملُ نفسُه من رحمة الله وفضله على عبده ، فالجنَّةُ وأسبابُها كلٌّ من فضل الله ورحمته .
__________
(1) في ( ص ) : ( مسألة ) .
(2) الزخرف : 72 .
(3) أخرجه : عبد الله بن المبارك في " الزهد " ( 1445 ) ، والطيالسي ( 2322 ) ، وابن الجعد ( 2772 ) ، وأحمد 2/235 و326 و390 و451 و473 و509 و514 و524 ، والبخاري 8/128 ( 6463 ) وفي " الأدب المفرد " ، له ( 461 ) ، ومسلم 8/138 ( 2816 ) ( 71 ) ، وابن ماجه ( 4201 ) ، وأبو يعلى ( 1243 ) ، وابن حبان ( 348 ) و( 660 ) ، والطبراني في " الأوسط " ( 8004 ) ، والقضاعي في " مسند الشهاب " ( 626 ) ، والبيهقي 3/18 وفي " الشعب " ، له ( 766 ) و( 10149 ) من طرق عن أبي هريرة ، به .
● [ الصفحة التالية ] ●
وقوله : ( لقد سألتَ عن عظيم ) قد سبق في شرح الحديث المشار إليه أنَّ النَّبيَّ - صلى الله عليه وسلم - قال لِرجل سأله عن مثل هذا : ( لئن كُنتَ أوجزت المسألة ، لقد أعظمتَ وأطولتَ ) (1) ، وذلك لأنَّ دخولَ الجنَّة والنَّجاةَ من النار أمرٌ عظيم جداً ، ولأجله أنزل الله الكتب ، وأرسلَ الرُّسلَ ، وقال النَّبيُّ - صلى الله عليه وسلم - لرجلٍ : ( كيف تقولُ إذا صلَّيتَ ؟ ) قال : أسألُ الله الجنَّة ، وأعوذُ به من النار ، ولا أُحسِنُ دندنَتَك (2) ولا دندَنَة مُعاذ ، يشير إلى كثرة دعائهما واجتهادهما في المسألة ، فقال النَّبيُّ - صلى الله عليه وسلم - : ( حَوْلَها نُدَندِن ) . وفي روايةٍ : ( هل تصير دندنتي ودندنةُ مُعاذٍ إلا أنْ نسأل الله الجنَّةَ ، ونعوذ به من النار ) (3) .
__________
(1) أخرجه : الطبراني في " الكبير " ( 7284 ) ، وقد تقدم .
(2) الدندنة الكلام الذي لا يفهم . انظر : مختصر المختصر لابن خزيمة عقيب حديث ( 725 ) .
(3) أخرجه : أحمد 5/74 ، وابن ماجه ( 910 ) و( 3847 ) ، وابن خزيمة ( 725 ) ، وابن حبان ( 868 )، والبيهقي في "الصغرى" ( 467 ) عن أبي هريرة ، به ، وهو حديث صحيح .
وقد أبهم اسم الصحابي في " مسند الإمام أحمد " فقال : ( عن بعض أصحاب النبي - صلى الله عليه وسلم - ) .
● [ الصفحة التالية ] ●
وقوله : ( وإنَّه ليسيرٌ على من يسَّره الله عليه ) إشارةٌ إلى أنَّ التَّوفيقَ كُلَّه بيد الله - عز وجل - ، فمن يسَّرَ الله عليه الهدى اهتدى ، ومن لم يُيسره عليه، لم يتيسَّر له ذلك ، قالَ الله تعالى : { فَأَمَّا مَنْ أَعْطَى وَاتَّقَى وَصَدَّقَ بِالْحُسْنَى فَسَنُيَسِّرُهُ لِلْيُسْرَى وَأَمَّا مَنْ بَخِلَ وَاسْتَغْنَى وَكَذَّبَ بِالْحُسْنَى فَسَنُيَسِّرُهُ لِلْعُسْرَى } (1) ، وقال - صلى الله عليه وسلم - : ( اعملوا فكلٌّ ميسَّرٌ لما خُلِقَ لهُ ، أمَّا أهل السَّعادة ، فيُيسَّرون لعمل أهل السَّعادة ، وأمَّا أهل الشَّقاوة ، فيُيَسَّرون لعمل أهل الشقاوة ) ، ثم تلا - صلى الله عليه وسلم - هذه الآية (2) . وكان النَّبيُّ - صلى الله عليه وسلم - يقولُ في دعائه: ( واهدني ويسِّر الهُدى لي ) (3) ، وأخبر الله عن نبيه موسى - عليه السلام - أنَّه قال في دعائه: { رَبِّ اشْرَحْ لِي صَدْرِي وَيَسِّرْ لِي أَمْرِي } (4)، وكان ابنُ عمر يدعو : اللهمَّ يسرني لليُسرى
__________
(1) الليل : 5 – 10 .
(2) أخرجه : معمر في " جامعه " ( 20074 ) ، والطيالسي ( 151 ) ، وأحمد 1/129 ، وعبد ابن حميد ( 84 ) ، والبخاري 2/120 ( 1362 ) و6/212 ( 4947 ) و( 4948 )
و( 4949 ) وفي " الأدب المفرد " ، له ( 903 ) ، ومسلم 8/45 ( 2647 ) ( 6 ) ، وأبو داود ( 4694 ) ، وأبو يعلى ( 582 ) ، والبغوي ( 72 ) عن علي بن أبي طالب ، به .
(3) أخرجه : ابن أبي شيبة ( 29390 ) ، وأحمد 1/227 ، وعبد بن حميد ( 717 ) ، والبخاري في " الأدب المفرد " ( 665 ) ، وأبو داود ( 1510 ) و( 1511 ) ، والترمذي
( 3551 ) ، وابن ماجه ( 3830 ) ، والنسائي في " عمل اليوم والليلة " ( 607 ) ، وابن حبان ( 947 ) و( 948 ) ، والطبراني في " الدعاء " ( 1411 ) و( 1412 ) ، والحاكم 1/519 - 520 ، والبغوي ( 1375 ) ، وقال الترمذي : ( حسنٌ صحيح ) .
(4) طه : 25 - 26 .
● [ الصفحة التالية ] ●
، وجنِبني العُسرى (1) .
وقد سبق في شرح الحديث المشار إليه توجيهُ ترتيب دخول الجنَّة على الإتيان بأركان الإسلام الخمسة ، وهي : التَّوحيدُ ، والصَّلاةُ ، والزَّكاةُ ، والصِّيام ، والحجُّ .
وقوله : ( ألا أدلُّكَ على أبوابِ الخيرِ ) لمَّا رتَّبَ دخولَ الجنَّة على واجبات الإسلام ، دلَّه بعد ذلك على أبواب الخيرِ مِنَ النَّوافِل ، فإنَّ أفضلَ أولياءِ الله هُمُ المقرَّبون ، الذين يتقرَّبون إليه بالنَّوافل بعدَ أداءِ الفرائض .
وقوله : ( الصومُ جنَّة ) هذا الكلام ثابتٌ عن النَّبيِّ - صلى الله عليه وسلم - من وجُوهٍ كثيرةٍ ، وخرَّجاه في " الصحيحين " (2) من حديث أبي هريرة ، عن النَّبيِّ - صلى الله عليه وسلم - ، وخرَّجه الإمام أحمد (3) بزيادة ، وهي : ( الصِّيام جنَّةٌ وحِصْنٌ حصينٌ مِنَ النَّار ) .
وخرّج من حديث عثمان بن أبي العاص ، عن النَّبيِّ - صلى الله عليه وسلم - ، قال : ( الصوم جنَّةٌ مِنَ النَّارِ(4) ، كجُنَّة أحدكم من القِتال ) (5) .
ومن حديث جابر ، عنِ النَّبيِّ - صلى الله عليه وسلم - ، قال : ( قال ربُّنا - عز وجل - : الصِّيام جنَّةٌ يستجِنُّ بها العبدُ من النَّار ) (6) .
__________
(1) أخرجه : ابن أبي شيبة ( 29861 ) ، وأبو نعيم في " حلية الأولياء " 1/308.
(2) صحيح البخاري 3/31 ( 1894 ) ، وصحيح مسلم 3/156 ( 1151 ) ( 162 ) .
وأخرجه : مالك في " الموطأ " ( 860 ) برواية الليثي ، وأحمد 2/465 ، وأبو داود
( 2363 ) ، والنسائي ( 3252 ) و( 3253 ) ، وابن حبان ( 3427 ) .
(3) في " مسنده " 2/402 .
وأخرجه : البيهقي في " شعب الإيمان " ( 3571 ) .
(4) عبارة : ( من النار ) سقطت من ( ص ) .
(5) في " مسنده " 4/21 و22 و217 ، وإسناده حسن من أجل محمد بن إسحاق ، والحديث في " مختصر المختصر " ( 1891 ) وراجع تخريجه هناك .
(6) أخرجه : أحمد 3/341 و396 ، وإسناده ضعيف لضعف عبد الله بن لهيعة .
● [ الصفحة التالية ] ●
وخرَّج أحمد (1) والنَّسائي (2) من حديث أبي عُبيدة ، عنِ النَّبيِّ - صلى الله عليه وسلم - ، قال : ( الصِّيام جنَّة ما لم يَخْرِقْها ) ، وقوله : ( ما لم يخرقها ) ، يعني : بالكلام السيء ونحوه ، ولهذا في حديث أبي هريرة المخرج في " الصحيحين " (3) عن النَّبيِّ - صلى الله عليه وسلم - : ( الصيام جنَّة ، فإذا كان يومُ صومِ أحدكم ، فلا يرفث ، ولا يجهل ، فإن امرؤٌ سابَّه فليقل : إني امرؤ صائم ) .
وقال بعضُ السَّلف : الغيبةُ تخرقُ الصِّيامَ ، والاستغفارُ يرقَعُهُ ، فمن استطاع منكم أنْ لا يأتي بصوم مخرَّقٍ فليفعل (4) .
وقال ابنُ المنكدر : الصائمُ إذا اغتاب خرق ، وإذا استغفر رقع .
وخرَّج الطبراني (5) بإسنادٍ فيه نظرٌ عن أبي هريرة مرفوعاً : ( الصِّيامُ جُنَّةٌ ما لم يخرقها ) ، قيل : بم يخرقه ؟ قال : ( بكذبٍ أو غيبةٍ (6) ) .
__________
(1) في " مسنده " 1/195 و196 ، وإسناده لا بأس به .
(2) في " المجتبى " 4/167 و168 .
(3) سبق تخريجه .
(4) أخرجه : البيهقي في " شعب الإيمان " ( 3644 ) عن أبي هريرة .
(5) في " الأوسط " ( 4536 ) و( 7814 ) .
وأخرجه : ابن عدي في " الكامل " 4/32 .
وفيه الربيع بن بدر ، قال عنه يحيى بن معين : ( بصريٌّ ضعيف ليس بشيء ) ، وقال البخاري : ( يقال له : عليلة بن بدر السعدي التميمي بصري ) ، وقال أبو داود : ( ضعيف ) ، وقال أبو حاتم : ( لا يشتغل به ولا بروايته ، فإنَّه ضعيف الحديث ذاهب الحديث ) .
انظر : الكامل 4/29 ، وتهذيب الكمال 2/457 ( 1839 ) .
وهو كذلك من رواية الحسن عن أبي هريرة ، وقد قال أبو حاتم الرازي ، والذهبي بعدم سماع الحسن من أبي هريرة . انظر على سبيل المثال : المراسيل لابن أبي حاتم ( 102 ) و( 103 )
و( 104 )… إلخ ، وسير أعلام النبلاء 4/566 .
(6) من قوله : ( قيل بم يخرقه … ) إلى سقط من ( ص ) .
● [ الصفحة التالية ] ●
فالجُنَّة : هي ما يستجنُّ بها العبد ، كالمجنِّ الذي يقيه عندَ القتالِ من الضَّرب ، فكذلك الصيام يقي صاحبه منَ المعاصي في الدُّنيا ، كما قال - عز وجل - : { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ } (1) ،
فإذا كان له جُنَّةٌ من المعاصي ، كان له في الآخرة جُنَّةٌ من النار ، وإنْ لم يكن له جُنَّةٌ في الدنيا من المعاصي ، لم يكن له جُنَّةٌ في الآخرة من النار .
وخرَّج ابنُ مردويه من حديث عليٍّ مرفوعاً ، قال : ( بعث الله يحيى بن زكريا إلى بني إسرائيل بخمس كلماتٍ ) ، فذكر الحديثَ بطوله ، وفيه : ( وإنَّ الله يأمُركُم أنْ تصُوموا ، ومَثَلُ ذلك كمثل رجلٍ مشى إلى عدوِّه ، وقد أخذَ للقتال جُنَّةً ، فلا يخافُ من حيث ما أُتي ) (2) . وخرَّجه من وجهٍ آخر عن عليٍّ موقوفاً ، وفيه قال : ( والصيامُ مَثَلُه كمثل رجلٍ انتصره النَّاسُ ، فاستحدَّ في السِّلاح ، حتَّى ظنَّ أنَّه لن يصل إليه سلاحُ العدوِّ ، فكذلك الصيامُ جنَّة ) (3) .
وقوله : ( والصدقةُ تُطفئُ الخطيئةَ كما يُطفئُ الماءُ النارَ ) هذا الكلامُ رُويَ عن النَّبيِّ - صلى الله عليه وسلم - مِن وجوهٍ أُخر ، فخرَّجه الإمامُ أحمد والترمذي من حديث كعب بن عُجرة ، عن النَّبيِّ - صلى الله عليه وسلم - ، قال : ( الصَّومُ جُنَّةٌ حصينةٌ ، والصَّدقةُ تُطفئ الخطيئةَ كما يُطفئُ الماء النار ) (4) .
وخرَّجه الطبراني وغيره من حديث أنس مرفوعاً ، بمعناه (5) .
__________
(1) البقرة : 183 .
(2) أخرجه : البزار ( 695 ) بدون لفظة : ( وإن الله يأمركم أن تصوموا … ) وقال عقبه: ( ولم أرى الخامسة في كتابي ) ، وإسناد الحديث ضعيف .
(3) أخرجه : عبد الرزاق ( 5141 ) .
(4) تقدم تخريجه .
(5) تقدم تخريجه .
● [ الصفحة التالية ] ●
وخرّجه الترمذي (1) وابنُ حبان في " صحيحه " (2) من حديث أنس ، عن النَّبيِّ - صلى الله عليه وسلم - ، قال : ( إنَّ صدقة السِّرِّ لتطفئُ غضبَ الربِّ ، وتدفع مِيتةَ السُّوء ) .
ورُوي عن عليِّ بنِ الحسين : أنَّه كان يحملُ الخبزَ على ظهرهِ باللَّيل يتَّبِعُ به المساكين في ظُلمة الليل ، ويقول : إنَّ الصَّدقة في ظلامِ(3) اللَّيلِ تُطفئُ غضبَ الرَّبِّ - عز وجل - (4) . وقد قال الله - عز وجل - : { إِنْ تُبْدُوا الصَّدَقَاتِ فَنِعِمَّا هِيَ وَإِنْ تُخْفُوهَا وَتُؤْتُوهَا الْفُقَرَاءَ فَهُوَ خَيْرٌ لَكُمْ وَيُكَفِّرُ عَنْكُمْ مِنْ سَيِّئَاتِكُمْ } (5) ، فدلَّ على أنَّ الصدقة يُكفَّر بها من السيئات : إما مطلقاً ، أو صدقة السر .
وقوله : ( وصلاةُ الرَّجُلِ في جوف الليل ) ، يعني : أنَّها تُطفئ الخطيئة أيضاً كالصَّدقة ، ويدلُّ على ذلك ما خرَّجه الإمام أحمد من رواية عُروة بن النَّزَّال ، عن معاذ قال : أقبلنا مع النَّبيِّ - صلى الله عليه وسلم - من غزوة تبوك، فذكر الحديثَ ، وفيه : ( الصَّومُ جنَّةٌ، والصَّدقةُ وقيامُ العبد في جوف الليل يُكفر الخطيئة ) (6) .
وفي " صحيح مسلم " (7) عن أبي هريرة ، عن النَّبيِّ - صلى الله عليه وسلم - ، قال : ( أفضلُ الصَّلاةِ بعدَ المكتوبة قيامُ الليل ) .
وقد رُوي عن جماعةٍ من الصحابة : أنَّ الناس يحترقون بالنهار بالذنوب ، وكلَّما قاموا إلى صلاةٍ من الصَّلوات المكتوبات أطفؤوا ذنوبهم ، ورُوي ذلك مرفوعاً من وجوهٍ فيها نظرٌ .
__________
(1) في " جامعه " ( 664 ) ، وقال : ( حسن غريب ) على أنَّ في إسناده عبد الله بن عيسى الخزاز ضعيف .
(2) الإحسان ( 3309 ) .
(3) في ( ج ) : ( سواد ) .
(4) أخرجه : ابن أبي عاصم في " الزهد " : 16 ، وأبو نعيم في " حلية الأولياء " 3/135 - 136 .
(5) البقرة : 271 .
(6) سبق تخريجه .
(7) الصحيح 3/169 ( 1163 ) ( 202 ) و( 203 ) .
● [ الصفحة التالية ] ●
فكذلك قيامُ الليل يُكفر الخطايا ؛ لأنَّه أفضلُ نوافل الصلاة ، وفي " الترمذي " (1) من حديث بلال ، عن النَّبيِّ - صلى الله عليه وسلم - ، قال : ( عليكم بِقيام الليل ، فإنَّه دأبُ الصالحين قَبلَكُم ، وإنَّ قيامَ الليل قربةٌ إلى الله - عز وجل - ، ومنهاةٌ عن الإثم ، وتكفيرٌ للسيئات ، ومطردة للدَّاءِ عن الجسد ) . وخرَّجه أيضاً من حديث أبي أُمامة (2) ، عن النَّبيِّ - صلى الله عليه وسلم - بنحوه ، وقال : هو أصحُّ من حديث بلال .
وخرَّجه ابن خزيمة (3) والحاكم (4) في " صحيحيهما " من حديث أبي أمامة أيضاً .
__________
(1) الجامع الكبير ( 3549 ) .
وأخرجه : المروزي في " قيام الليل " ( 18 ) ، والروياني في " مسند الصحابة " ( 745 ) ، والشاشي ( 978 ) ، والبيهقي في " شعب الإيمان " ( 3087 ) ، وهذا حديث ضعيف ،
قال الترمذي : ( غريب لا نعرفه من حديث بلال إلا من هذا الوجه ، ولا يصحّ من قبل إسناده ؛ وسمعت محمد بن إسماعيل ، يقول : محمد القرشي هو : محمد بن سعيد الشامي ، وهو : ابن قيس ، وهو : محمد بن حسّان ، وقد ترك حديثه ) .
(2) الجامع الكبير ( 3549 م2 ) .
(3) مختصر المختصر ( 1135 ) ، وقلت في تعليقي هناك : ( هذا الحديث منكر من منكرات معاوية بن صالح ، وقد ساقه ابن عدي في كتابه " الكامل " ضمن منكراته ، وقد سبق إلى هذا الإعلال أبو حاتم الرازي فقد قال : ( وهو حديث منكر لم يروه غير معاوية بن صالح ، وأظنه من حديث محمد بن سعيد الشامي الأزدي ؛ فإنَّه يروي هذا الحديث بإسنادٍ آخر ) علل الحديث ( 346 ) ) .
(4) المستدرك 1/308 .
وأخرجه : الطبراني في " الكبير " ( 7466 ) وفي " الأوسط " ، له ( 3265 ) ، والبيهقي 2/502 ، والبغوي ( 922 ) .
● [ الصفحة التالية ] ●
وقال ابن مسعود : فضلُ صلاة الليل على صلاة النهار كفضل صدقة السر على صدقة العلانية . وخرَّجه أبو نعيم عنه مرفوعاً (1) ، والموقوف (2) أصح .
وقد تقدَّم أنَّ صدقة السِّرِّ تُطفئُ الخطيئة ، وتُطفئ غضبَ الرَّبِّ ، فكذلك صلاةُ الليل .
وقوله : ( ثم تلا : { تَتَجَافَى جُنُوبُهُمْ عَنِ الْمَضَاجِعِ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ خَوْفاً وَطَمَعاً وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنْفِقُونَ فَلا تَعْلَمُ نَفْسٌ مَا أُخْفِيَ لَهُمْ مِنْ قُرَّةِ أَعْيُنٍ جَزَاءً بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ } (3) ، يعني : أنَّ النَّبيَّ - صلى الله عليه وسلم - تلا هاتين الآيتين عندَ ذكره فضلَ صلاة الليل ، ليبيِّنَ بذلك فضل صلاة الليل ، وقد رُويَ عن أنس أنَّ هذه الآية نزلت في انتظار صلاةِ العشاء ، خرَّجه الترمذي وصححه (4) . ورُوي عنه أنَّه قال في هذه الآية : كانوا يتنفلون بينَ المغرب والعشاء ، خرَّجه أبو داود (5) . وروي نحوه عن بلال ، خرّجه البزار بإسنادٍ ضعيف (6) .
__________
(1) في " حلية الأولياء " 4/167 و5/36 .
(2) في " حلية الأولياء " 4/167 و5/36 و7/238 .
وأخرجه: ابن أبي شيبة ( 6610 ) ، والطبراني في " الكبير " ( 8998 ) و( 8999 ) موقوفاً .
(3) السجدة : 16 – 17 .
(4) في " جامعه " ( 3196 ) .
وأخرجه : الطبري في " تفسيره " ( 21505 ) .
(5) في " سننه " ( 1322 ) .
وأخرجه : الطبري في " تفسيره " ( 21505 ) .
(6) في " مسنده " ( 1364 ) . وفيه عبد الله بن شبيب ، قال عنه الهيثمي : ( ضعيف ) . انظر : مجمع الزوائد 7/90 ، وكذا في السند علل أُخر .
● [ الصفحة التالية ] ●
وكلُّ هذا يدخل في عموم لفظ الآية ، فإنَّ الله مدح الذين تتجافى جنوبُهم عن المضاجع لدعائه ، فيشملُ ذلك كلَّ مَنْ ترك النَّومَ بالليل لذكر الله ودُعائه ، فيدخلُ فيه مَنْ صلَّى بين العشاءين ، ومن انتظرَ صلاة العشاءِ فلم ينم حتَّى يُصليها لاسيما مع حاجته إلى النوم ، ومجاهدة نفسه على تركه لأداء الفريضة ، وقد قال النَّبيُّ - صلى الله عليه وسلم - لمنِ انتظرَ صلاةَ العشاء : ( إنَّكم لن تَزالوا في صلاةٍ ما انتظرتم الصَّلاة ) (1) .
ويدخلُ فيه مَنْ نامَ ثمَّ قام مِنْ نومه باللَّيل للتهجُّدِ ، وهو أفضلُ أنواع التطوُّع بالصَّلاة مطلقاً .
وربما دخل فيه من ترك النَّوم عندَ طُلوع الفجر ، وقام إلى أداء صلاةِ الصُّبح ، لاسيما مع غَلَبَةِ النَّوم عليه ، ولهذا يُشرع للمؤذِّن في أذان الفجر أنْ يقولَ في أذانه : الصَّلاة خَيرٌ مِن النوم .
__________
(1) أخرجه : ابن أبي شيبة ( 4074 ) ، وأحمد 3/182 و189 و200 و267 ، وعبد بن حميد ( 1292 ) ، والبخاري 1/150 ( 572 ) و1/168 ( 661 ) و1/214 ( 847 ) و7/201 ( 5869 ) ، ومسلم 2/116 ( 640 ) ( 222 ) ، وأبو يعلى ( 3313 ) ، وأبو عوانة 1/303 ، وابن حبان ( 1537 ) ، وأبو نعيم في " المسند المستخرج " ( 1423 ) ، والبيهقي في " شعب الإيمان " ( 6370 ) .
● [ الصفحة التالية ] ●
وقوله - صلى الله عليه وسلم - : ( وصلاةُ الرَّجُلِ من جوف الليل ) ذكر أفضلَ أوقات التهجُّد بالليل ، وهو جوفُ الليل ، وخرَّج الترمذي (1) والنَّسائي (2) من حديث أبي أمامة ، قال : قيل : يا رسول الله ، أيُّ الدُّعاء أسمع ؟ قالَ : ( جوفُ الليل الآخرِ ، ودُبُرُ الصَّلوات المكتوبات ) .
وخرَّجه ابن أبي الدنيا (3) ، ولفظه : جاء رجلٌ إلى النَّبيِّ - صلى الله عليه وسلم - ، فقال : أيُّ
الصلاة أفضل ؟ قال : ( جوفُ الليل الأوسط ) ، قال : أيُّ الدُّعاء أسمع ؟ قال: ( دُبر المكتوبات ) .
وخرَّج النَّسائي (4) من حديث أبي ذرٍّ قال : سألتُ النَّبيَّ - صلى الله عليه وسلم - أي الليل خير ؟ قالَ : ( خير الليل جوفه ) . وخرَّج الإمام أحمد (5) من حديث أبي مسلم قال : قلت لأبي ذرٍّ : أيُّ قيام الليل أفضل ؟ قال : سألت النَّبيَّ - صلى الله عليه وسلم - كما سألتني ، فقال : ( جوفُ اللَّيل الغابر (6) ، أو نصف الليل ، وقليلٌ فاعله ) .
__________
(1) في " جامعه " ( 3499 ) ، وقال الترمذي : ( هذا حديث حسن ) على أنَّ إسناده قد أعل بالانقطاع فقد أعل سند الحديث ابن القطان فقال : ( اعلم أنَّ ما يرويه ابن سابط ، عن أبي أمامة ، هو منقطع لم يسمع منه ) بيان الوهم والإيهام 2/385 ( 387 ) .
(2) في " الكبرى " ( 9936 ) وفي " عمل اليوم والليلة " ، له ( 108 ) .
(3) في " التهجد " ( 240 ) .
(4) في " الكبرى " ( 4216 ) .
وأخرجه : البخاري في " التاريخ الكبير " 2/36 ( 1635 ) ثم ساقه مرسلاً ، وظاهر صنيعه أنَّه أعله بالإرسال .
(5) في " مسنده " 5/179 .
وأخرجه : النسائي في " الكبرى " ( 1308 ) ، وابن حبان ( 2564 ) ، والبيهقي 3/4 ، وإسناده ضعيف المهاجر أبو خالد قال عنه أبو حاتم : ( لين الحديث ليس بذاك ، وليس بالمتقن ، يكتب حديثه ) ؛ لكن للحديث شواهد تقويه .
(6) أي : الباقي .
● [ الصفحة التالية ] ●
وخرَّج البزار (1) ، والطبراني (2) من حديث ابنِ عمر ، قال : سُئلَ النَّبيُّ - صلى الله عليه وسلم - : أيُّ الليل أجوبُ دعوةً ؟ قالَ: ( جوف الليل ) ، زاد البزار في روايته : ( الآخر ) .
وخرَّج الترمذي (3) من حديثِ عمرو بن عبسة ، سمع النَّبيَّ - صلى الله عليه وسلم - يقول: ( أقربُ ما يكونُ الربُّ من العبد في جوف الليل الآخر ، فإن استطعت أن تكونَ ممَّن يذكر الله في تلك الساعة فكن ) ، وصححه ، وخرَّجه الإمام أحمد (4) ، ولفظه قالَ : قلتُ : يا رسول الله ، أيُّ الساعات أفضلُ ؟ قال : ( جوفُ الليل الآخر ) وفي روايةٍ (5) له أيضاً : قال : ( جوف الليل الآخر أجوبُه دعوةً ) ، وفي روايةٍ (6)
__________
(1) كما في " كشف الأستار " ( 3151 ) .
(2) في " الأوسط " ( 3428 ) ، وفي " الصغير " ، له ( 347 ) .
(3) في " جامعه " ( 3579 ) . = = ... وأخرجه : النسائي 1/279 وفي " الكبرى " ، له ( 1544 ) ، وابن خزيمة ( 1147 ) ، والطحاوي في " شرح معاني الآثار " 1/37 و352 ، والحاكم 1/309 .
(4) في " مسنده " 4/112 و385 .
وأخرجه : ابن سعد في " الطبقات " 4/164 – 165 ، وعبد بن حميد ( 300 ) .
(5) في " مسنده " 4/387 ، وإسناد هذه الرواية ضعيف ، وقد اضطرب راويها ففي بعضها: ( أوجبه ) .
وأخرجه : أبو نعيم في " الحلية " 5/154 .
(6) في " مسنده " 4/114 .
وأخرجه : عبد بن حميد ( 297 )، والنسائي 1/279 و283 وفي "الكبرى" ، له ( 1544 ) و( 1560 ) ، وابن خزيمة ( 1147 ) ، وهو حديث صحيح .
● [ الصفحة التالية ] ●
له : قلتُ : يا رسول الله ، هل مِنْ ساعةٍ أقربُ إلى الله من أخرى ؟ قال : ( جوف الليل الآخر (1) ) . وخرَّجه ابن ماجه (2) ، وعنده : ( جوفُ اللَّيل الأوسط ) وفي روايةٍ للإمام أحمد (3) عن عمرو بن عبسة ، قال : قلتُ : يا رسول الله ، هل من ساعةٍ أفضلُ من ساعةٍ ؟ قال : ( إنَّ الله ليتدلَّى في جوف الليل ، فيغفر إلاَّ ما كان من الشرك ) .
وقد قيل : إنَّ جوف الليل إذا أطلق ، فالمرادُ به وسطُه ، وإنْ قيل : جوف الليل الآخر ، فالمرادُ وسط النِّصف الثاني ، وهو السدسُ الخامسُ من أسداس الليل ، وهو الوقتُ الذي ورد فيه النزول الإلهي .
__________
(1) من قوله : ( أجوبه دعوة … ) إلى هنا سقط من ( ص ) .
(2) في " سننه " ( 1251 ) ، وإسناده ضعيف لضعف يزيد بن طلق وعبد الرحمان بن البيلماني .
(3) في " مسنده " 4/385 ، وإسناده ضعيف لانقطاعه بين سليم بن عامر وعمر بن عَبسة .
● [ الصفحة التالية ] ●
وقوله - صلى الله عليه وسلم - : ( ألا أُخبرك برأسِ الأمر وعموده وذِروة سنامه ؟ ) قلتُ : بلى يا رسول الله ، قال : ( رأسُ الأمر الإسلام ، وعمودُه الصلاةُ ، وذِروةُ سنامه الجهادُ ) ، وفي روايةٍ للإمام أحمد من رواية شهر بن حوشب ، عن ابن غَنْمٍ ، عن معاذ قال : قال لي نبيُّ الله - صلى الله عليه وسلم - : ( إنْ شئتَ حدَّثتُك برأسِ هذا الأمرِ وقِوام هذا الأمرِ وذِروة السَّنام ) ، قلتُ : بلى ، فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : ( إنَّ رأسَ هذا الأمر أنْ تشهدَ أنْ لا إله إلا الله وحدَه لا شريكَ له ، وأنَّ محمَّداً عبده ورسولُه ، وإنَّ قِوام هذا الأمر إقام الصَّلاة ، وإيتاءُ الزكاة ، وإنَّ ذِروة السَّنام منه الجهادُ في سبيل الله ، إنَّما أُمِرْتُ أنْ أقاتِلَ النَّاسَ حتّى يُقيموا الصّلاة ، ويؤتوا الزَّكاة ، ويشهدوا أنْ لا إله إلا الله ، وأنَّ محمَّداً عبده ورسوله ، فإذا فعلوا ذلك ، فقد اعتصموا وعصموا دماءهم وأموالهم إلاَّ بحقِّها ، وحسابُهم على الله - عز وجل - ) . وقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - :
( والذي نفسُ محمدٍ بيده ، ما شحب وجهٌ ، ولا اغبرَّت قدمٌ في عملٍ يُبتغى فيه درجات الجنَّة بعدَ الصلاة المفروضة كجهادٍ في سبيل الله ، ولا ثَقَّلَ ميزانَ عبدٍ كدابَّةٍ تنفق له في سبيل الله ، أو يُحمل عليها في سبيل الله - عز وجل - ) (1) .
فأخبر النَّبيُّ - صلى الله عليه وسلم - عن ثلاثة أشياء : رأس الأمر ، وعموده ، وذروة سنامه .
فأمَّا رأس الأمر ، ويعني بالأمر : الدين الذي بعث به وهو الإسلام ، وقد جاء تفسيرُه في الرواية الأخرى بالشهادتين ، فمن لم يقرَّ بهما ظاهراً وباطناً ، فليسَ من الإسلام في شيء .
__________
(1) سبق تخريجه .
● [ الصفحة التالية ] ●
وأمَّا قِوام الدين الذي يقومُ به الدِّين كما يقومُ الفسطاطُ على عموده ، فهو الصلاة ، وفي الرواية الأخرى : ( وإقام الصلاة وإيتاء الزكاة ) وقد سبق القولُ في أركان الإسلام وارتباط بعضها ببعض .
وأمَّا ذِروة سنامه - وهو أعلى ما فيه وأرفعه - فهو الجهاد ، وهذا يدلُّ على أنَّه أفضلُ الأعمال بعدَ الفرائض ، كما هو قولُ الإمام أحمد وغيره من العلماء .
وقوله في رواية الإمام أحمد : ( والذي نفس محمدٍ بيده ما شحب وجهٌ ولا اغبرَّت قدمٌ في عمل يُبتغى به درجات الجنَّة بعدَ الصَّلاة المفروضة كجهادٍ في سبيلِ الله - عز وجل - ) يدلُّ على ذلك صريحاً .
وفي " الصحيحين " (1) عن أبي ذرٍّ ، قال : قلتُ : يا رسولَ اللهِ ، أيُّ العمل أفضلُ ؟ قال : ( إيمانٌ بالله وجهادٌ في سبيله ) .
وفيهما (2) عن أبي هُريرة ، عن النَّبيِّ - صلى الله عليه وسلم - ، قال : ( أفضلُ الأعمال إيمانٌ بالله ، ثمَّ جهاد في سبيل الله ) .
والأحاديث في هذا المعنى كثيرةٌ جداً .
وقوله : ( ألا أُخبرك بملاك ذلك كُلِّه ) قلتُ : بلى يا رسول الله ، فأخذ بلسانه فقال : ( كُفَّ عليك هذا ) إلى آخر الحديث . هذا يدلُّ على أنَّ كفَّ اللسان وضبطه وحبسه هو أصلُ الخير كُلِّه ، وأنَّ من ملك لسانه ، فقد ملك أمره وأحكمه(3) وضبطه ، وقد سبق الكلامُ على هذا المعنى في شرح حديث : ( من كان يؤمن بالله واليوم الآخر ، فليقل خيراً ، أو ليصمت ) (4) . وفي شرح حديث : ( قل : آمنتُ باللهِ ، ثم استقم ) (5) . وخرَّج البزار في " مسنده " (6)
__________
(1) سبق تخريجه .
(2) أخرجه : البخاري 2/164 ( 1519 ) ، ومسلم 1/61 ( 83 ) ( 135 ) .
(3) سقطت من ( ص ) .
(4) الحديث الخامس عشر .
(5) الحديث الحادي والعشرون .
(6) البحر الزخار ( 2302 ) .
وذكره الهيثمي في " مجمع الزوائد " 10/300 .
● [ الصفحة التالية ] ●
من حديث أبي اليَسَر(1) أنَّ رجلاً قال : يا رسول الله ، دلَّني على عملٍ يُدخلني الجنَّة ، قال: ( أمسك هذا ) ، وأشار إلى لسانه ، فأعادها عليه ، فقال : ( ثكلتك أمُّك ، هل يَكُبُّ النَّاسَ على مناخرهم في النَّار إلاَّ حصائدُ ألسنتهم ) وقال : إسناده حسن .
والمرادُ بحصائد الألسنة : جزاءُ الكلام المحرَّم وعقوباته ؛ فإنَّ الإنسانَ يزرع بقوله وعمله(2) الحسنات والسَّيِّئات ، ثم يَحصُدُ يومَ القيامة ما زرع ، فمن زرع خيراً من قولٍ أو عملٍ حَصَد الكرامةَ ، ومن زرع شرَّاً مِنْ قولٍ أو عملٍ حصد غداً النَّدامة .
وظاهرُ حديثِ معاذ يدلُّ على أنَّ أكثر ما يدخل النَّاسُ به النار النُّطقُ بألسنتهم، فإنَّ معصية النُّطق يدخل فيها الشِّركُ وهو أعظمُ الذنوب عندَ الله - عز وجل - (3)، ويدخل فيها القولُ على الله بغير علم ، وهو قرينُ الشِّركِ ، ويدخلُ فيه شهادةُ الزُّور التي عدَلت الإشراك بالله - عز وجل - ، ويدخلُ فيها السِّحر والقذفُ وغيرُ ذلك مِنَ الكبائر والصَّغائر كالكذب والغيبةِ والنَّميمة ، وسائرُ المعاصي الفعلية لا يخلو غالباً من قول يقترن بها يكون معيناً عليها .
وفي حديث أبي هُريرة ، عن النَّبيِّ - صلى الله عليه وسلم - ، قال : ( أكثرُ ما يُدخِلُ النَّاسَ النارَ الأجوفان : الفمُ والفرجُ ) خرَّجه الإمام أحمد (4) والترمذي (5) .
وفي " الصحيحين " (6)
__________
(1) أبو اليَسَر ، بفتح التحتانية والمهملة : كعب بن عمرو بن عباد السَّلمي ، بالفتح ، صحابي بدريٌّ جليل . التقريب ( 5646 ) .
(2) سقطت من ( ص ) .
(3) عبارة : ( عند الله - عز وجل - ) لم ترد في ( ص ) .
(4) في " مسنده " 2/291 و392 و442 .
(5) في " جامعه " ( 2004 ) ، وقال الترمذي : ( صحيح غريب ) .
(6) أخرجه : البخاري 8/125 ( 6477 ) ، ومسلم 8/222 – 223 ( 2988 ) ( 50 ) .
وأخرجه : ابن حبان ( 5707 ) و( 5708 ) ، والبيهقي 8/164 وفي " شعب الإيمان "، له ( 4956 ) .
● [ الصفحة التالية ] ●
عن أبي هريرة ، عن النَّبيِّ - صلى الله عليه وسلم - ، قال : ( إنَّ الرجلَ ليتكلَّمُ بالكلمة ما يتبيَّنُ ما فيها ، يَزِلُّ بها في النَّار أبعدَ ما بينَ المشرق والمغرب ) وخرَّجه الترمذي (1) ، ولفظه : ( إنَّ الرجلَ ليتكلَّم بالكلمة لا يرى بها بأساً ، يهوي بها سبعين خريفاً في النار ) .
وروى مالك (2) ، عن زيد بنِ أسلم ، عن أبيه : أنَّ عمرَ دخل على أبي بكر الصديق رضي الله عنهما وهو يجبذ لسانه ، فقال عمر(3) : مه ، غفر الله لك ! فقال أبو بكرٍ : هذا أوردني الموارد .
وقال ابنُ بريدة : رأيتُ ابنَ عبَّاسٍ آخذاً بلسانه وهو يقول : ويحك ، قُلْ خيراً تغنم، أو اسكت عن سُوءٍ تسلم، وإلا فاعلم أنَّك ستندم، قال: فقيل له: يا ابن عبَّاس، لم تقولُ هذا ؟ قال: إنّه بلغني أنَّ الإنسان -أراه قال- ليس على شيءٍ من جسده أشدُّ حنقاً أو غيظاً يَوْمَ القيامةِ منه على لسانه إلا من قال به خيراً، أو أملى به خيراً (4) .
وكان ابن مسعود يحلِفُ بالله الذي لا إله إلا هو : ما على الأرض شيءٌ أحوج إلى طولِ سجنٍ من لسان (5) .
وقال الحسن : اللسان أميرُ البدن ، فإذا جنى على الأعضاء شيئاً جنت ، وإذا عفَّ عفت (6) .
__________
(1) في " جامعه " ( 2314 ) ، وقال : ( حسن غريب ) على أنَّ الحديث صحيح .
وأخرجه : أحمد 2/236 و297 و355 ، وابن ماجه ( 3970 ) ، وابن أبي عاصم : 15 و394 ، وأبو يعلى ( 6235 ) ، والحاكم 4/597 .
(2) في " الموطأ " ( 2825 ) برواية الليثي .
(3) لم ترد في ( ص ) .
(4) أخرجه : أحمد في " الزهد " ( 1047 ) ، وأبو نعيم في " حلية الأولياء " 1/327 – 328 .
(5) أخرجه : ابن أبي شيبة ( 26499 ) ، وهناد بن السري في " الزهد " ( 1095 ) ، وأبو نعيم في " حلية الأولياء " 1/134 .
(6) أخرجه : ابن أبي الدنيا في " الصمت " ( 59 ) .
● [ الصفحة التالية ] ●
وقال يونس بنُ عبيد : ما رأيتُ أحداً لسانه منه على بالٍ إلا رأيتُ ذلك صلاحاً في سائر عمله (1) .
وقال يحيى بن أبي كثير : ما صلح منطقُ رجل إلاَّ عرفت ذلك في سائر عمله ، ولا فسد منطقُ رجل قطُّ إلاَّ عرفت ذلك في سائر عمله (2) .
وقال المبارك بن فضالة ، عن يونس بن عبيد : لا تجدُ شيئاً مِنَ البرِّ واحداً يتَّبعه البِرُّ كلّه غيرَ اللسان ، فإنَّك تَجِدُ الرجل يصومُ النهار ، ويُفطر على حرام ، ويقومُ الليل ويشهد بالزور بالنهار - وذكرَ أشياءَ نحو هذا - ولكن لا تجده لا يتكلَّم إلا بحقٍّ فَيُخالف ذلك عمله أبداً (3) .
__________
(1) أخرجه : أحمد في " الزهد " ( 112 ) ( ط دار الكتب العلمية ) .
(2) أخرجه : أبو نعيم في " حلية الأولياء " 3/68 .
(3) أخرجه : أحمد في " الزهد " ( 113 ) ( ط دار الكتب العلمية ) .
● [ تم شرح الحديث ] ●
جامع العلوم والحكم
لإبن رجب الحنبلي
منتدى ميراث الرسول . البوابة